محمد سالم
تعد أزمة الصحراء الغربية من أعقد أزمات أفريقيا، وأقله قابلية للحل، بل هو كما عبر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عندما عرضت عليه الأمم المتحدة ذات مرة، أن يتولى منصب المبعوث الأممي إلى الصحراء فرفض معتبراً: أن تلك الأزمة غير قابلة للحل نهائيا.
وما من شك أن طول أمد الحرب التي استمرت ستة عشرة سنة، وطول أمد انتظار الحل النهائي الذي امتد هو الآخر لتسع وعشرين سنة، وتضارب المصالح والاستراتيجيات الدولية والإقليمية تجاه المنطقة قد جعل نذر الحرب التي تعيشها المنطقة، تذكيراً أولياً بأن الأزمة عمرت أكثر مما ينبغي وآن أن تأخذ مساراً جديداً، يمكن من خلاله الوصول إلى حل، وقبل ذلك ستكون الحرب والسيطرة أبرز وسائل الطرفين لاحتلال موقع تفاوضي مناسب.
أزمة الكركرات …نيران من طرف واحد
تتواصل منذ قرابة الأسبوعين عمليات القصف المتواصلة التي يسددها جيش البوليساريو إلى مناطق متعددة من الجدار المغربي العازل، وتصدر البوليساريو كل يوم إيجازاً إعلامياً عن حصيلة القصف الذي ينطلق من جهة واحدة، حيث لم تكلف المغرب نفسها الرد على السلاح ولا البيانات الصحراوية.
وما من شك أن تحريك أزمة الكركرات يندرج في سياق متواصل تعمل عليه البوليساريو منذ سنوات وهو الاقتراب أكثر مما تعتبره الأراضي المحتلة، والسعي لفرض سيطرتها على الأراضي المحررة، لتنقل إلى شبه الدولة بعد عقود من دولة المنفى، وكسر حالة الجمود التي تعيشها قضية الصحراء منذ عقود.
كما أن تحريك قضية الكركرات جاء أيضاً بعد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في 23/9/2020 والذي رأت فيه البوليساريو انحيازاً أممياً إلى المغرب، وإطالة جديدة لعمر الانتظار وإقراراً للأمر الواقع.
وقد مثلت أزمة معبر الكركرات التي انفجرت منذ العام 2016 بوابة للعودة إلى استخدام السلاح بالنسبة لجبهة البوليساريو، فما هي الكركرات؟
ما هي الكركرات
الكركرات منطقة عازلة للسلاح تقع على مساحة 3.7 كلم تبعد 11 كلم عن الحدود الموريتانية المغربية، وهي نقطة وسط ضمن المنطقة الدولية العازلة للسلاح، التي أقامتها الأمم المتحدة كحد فاصل بين الأراضي التي يسيطر عليها أحد من الطرفين.
وتحيط بالكركرات منطقتان عازلتان على جانبي الطرفين، إحداهما تمتد على طول 30 كلم في اتجاه الأراضي التي تسيطر عليها المغرب، وتقابلها منطقة أخرى تمتد على طول 25 كلم في الأراضي التي تسيطر عليها البوليساريو، ويمنع في هاتين المنطقتين استخدام السلاح أو إقامة المنشآت العسكرية.
وقد اكتست الكركرات على صغر مساحتها، أهمية اقتصادية كبرى حيث أصبحت منذ سنوات معبراً لآلاف الشاحنات التجارية المحملة بالبضائع المغربية، وبضائع الشركات الدولية التي تتخذ من المغرب منطلقاً لها إلى إفريقيا.
ويظهر الخلاف بين الطرفين في أن البوليساريو تعتبر الكركرات منطقة عازلة للسلاح لا يمكن فيها بنص الاتفاق المبرم بين الطرفين وبرعاية وضمان من الأمم المتحدة، استخدامها للطرفين، أما المغرب الذي فرض فيها سياسة الأمر الواقع، فيعتمد على الاستثناء الدولي لحركة التجارة المدنية، وهو ما مكنه من تحويل هذه المنطقة المتنازع عليها والخاضعة للحماية الدولية إلى معبر وممر اقتصادي بالغ الأهمية.
ورغم رفض موريتانيا إقامة اتفاقية للنقل البري مع المغرب، إلا أنها تغض الطرف عن حركة العبور التي تزود أسواق موريتانيا بأغلب السلع الاستهلاكية، قبل أن تواصل طريقها في رحلة إلى مختلف أسواق غرب إفريقيا.
وقد سعت البوليساريو جاهدة إلى إغلاق المعبر المذكور، وجعلت من زحف الجماهير الصحراوية إلى الكركرات طعماً لجر المغرب إلى الحرب، وبعد أسابيع من الإغلاق الذي تضررت منه الأسواق الموريتانية إلى حد كبير، نفذ المغرب عملية عسكرية خاطفة، أعاد بها فتح المعبر وترميمه، وحمايته بجدار عازل، مع توجه لإعمار المنطقة، بإقامة منشآت تجارية وأمنية ودينية، وهو ما ردت عليه المغرب بقصف متواصل للجدار العازل الذي أقامه المغرب منتصف الثمانينيات على مسافة تزيد على 1600 كلم، وتمكن به من عزل الأراضي التي يسيطر عليها عن بقية أجزاء الصحراء الغربية، إضافة إلى عزل مناطق مناجم الفوسفات التي تمثل جزء أصيلاً من ثروة الصحراء، ومن اقتصاد المغرب الجديد.
ولا يزال القصف الصحراوي متواصلاً، وتؤكد البيانات اليومية التي تصدرها البوليساريو أنها ألحقت أضراراً كبيرة بالمنشآت العسكرية المغربية في منطقة الجدار العازل، وأنها أسقطت قتلى من الجيش المغربي، دون أن تكلف الرباط نفسه عناء الرد على الهجوم، أو نفي ما تردده البوليساريو.
أزمة الصحراء: التاريخ السياسي
كانت الصحراء الغربية منطقة خاضعة للاستعمار الإسباني الذي غرس أقدامه في الرمال الصحراوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإلى ستينيات القرن المنصرم ظلت الأراضي الصحراوية مستعمرة تابعة لمدريد، فيما تمتد سيطرة باريس على العرش المغربي والأراضي الموريتانية والجزائرية.
وقد مهدت إسبانيا لإقامة حكم ذاتي في الصحراء على غرار ما قامت به فرنسا في عدد من دول غرب إفريقيا، من خلال مجالس محلية، ومنتخبين ممثلين للقبائل والمناطق الصحراوية في البرلمان الإسباني قبل أن تغرق مدريد في أزماتها الخاصة أواخر حكم الديكتاتور فرانكو.
ولم تخف موريتانيا والمغرب أطماعهما في الأراضي الصحراوية، منذ نهاية الخمسينيات، حيث كانت الصحراء جزء من المشروع الاستعماري الكبير الذي كان يحمل اسم دولة أرض البيظان، وهو المشروع الذي بشر به وسعى لتطبيقه القائد الفرنسي اكزافييه كوبلاني والذي يعني إقامة دولة ضخمة تضم كل الناطقين باللهجة الحسانية المتحدثة على نطاق واسع في موريتانيا والصحراء الغربية، وأجزاء من المغرب وأجزاء من إقليم أزواد المالي حاليا، لكن مقتل كوبلاني سنة 1905 عرقل مشروعه، وحد من الطموح الفرنسي الذي كان هدفه السيطرة وإخضاع “البيظان” الذي عرفوا بالشراسة في الحرب، والأنفة، والاستعصاء الثقافي ضد فرنسا وثقافتها. فيما ترى المغرب في تلك “الأراضي السائبة” جزء من عرشها العلوي الذي ترى أنه يمتد على طول شواطئ الأطلسي وما حاذاها من بحار الرمال.
اتفاقية مدريد: بوابة الحرب
مع بداية السبعينيات ومع تأخر خروج إسبانيا من الصحراء الغربية تأسست الجبهة الشعبية لتحرير إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، سنة 1973. وفي 14 نوفمبر 1975 أبرمت مدريد مع نواكشوط والرباط وبمشاركة من شيوخ وزعماء القبائل الصحراوية، اتفاقا لتقسيم الأراضي الصحراوية وسكانها بين موريتانيا والمغرب مع الإبقاء لإسبانيا على امتيازات اقتصادية متعددة في المياه والأراضي الصحراوية.
وقد جاءت هذه الاتفاقية بعد أن وضع المغرب العالم أمام الأمر الواقع من خلال زحف المسيرة الخضراء التي قادها الملك محمد السادس في 6 نوفمبر 1975 وتسعى إلى فرض السيطرة المغربية على الصحراء وإنهاء الاستعمار الإسباني.
وقد أثار هذا الاتفاق غضب الشباب الصحراوي المنضوي تحت لواء البوليساريو، وبدأت الحرب فعلياً مع تركيز البوليساريو، وبدعم جزائري لاحقاً على الجبهة الموريتانية التي دفعت الثمن غالياً، حينما توجه قادة الجيش إلى القصر الرئاسي واعتقلوا الرئيس المختار ولد داده، في أول انقلاب عسكري في البلاد في 10/8/1979، قبل أن تنسحب موريتانيا من اتفاق مدريد سنة 1979، وتوقع مع البوليساريو اتفاقية يراها كثير من الموريتانيين مذلة إلى أقصى درجة وتضمنت.
– اعتراف موريتانيا بدولة الجمهورية العربية الصحراوية.
– التنازل عن الجزء الموريتاني من إقليم وادي الذهب.
وقد بادر المغرب إلى احتلال الأراضي التي انسحبت منها موريتانيا، واستأنفت الحرب مسارها بين المغرب والبوليساريو وحتى 1991، حيث توصل الطرفان إلى اتفاق غير مكتوب لوقف إطلاق النار بعد أن أنهكت النار الطرفين، وبعد أن تخللت كثيراً من القوى التي كانت تعتمد عليها البوليساريو، وهي دعم ليبيا، إضافة إلى انشغال الجزائر وهي الداعم الأساسي للبوليساريو في أزماتها العنيفة خلال سنوات الجمر المعروفة.
تقرير المصير وحالة الأمر الواقع
توصل الطرفان عبر مفاوضات شاقة أشرف عليها الوسيط الأممي الأمريكي جيمس بيكر إلى اتفاق لتنظيم استفتاء تقرير المصير، قبل أن ينجز بعد ذلك لائحة انتخابية من 84 ألف ناخب، واجهت بدورها عشرات الآلاف من الطعون في شرعيتها.
ورغم مرور ثلاث وعشرين سنة إلا أن المصير المرتقب لم يقرر بعد، ولم يعرف أيضاً المصير المستقبلي للأزمة، خصوصاً بعد استنفاد جميع وسائل الحل الممكنة ومن أبرزها:
– خيار استقلال الصحراء الذي يرفضه المغرب.
– خيار الفيدرالية بين المغرب والصحراء تحت مظلة العرش العلوي وهو ما ترفضه البوليساريو والجزائر.
– خيار الكومنولث المغربي الصحراوي وهو مرفوض أيضا من البوليساريو.
– خيار الفيدرالية مع موريتانيا ضمن اتفاقية متعددة الأطراف تضمن مصالح المغرب وموريتانيا مع قيام دولة صحراوية ذات حكم موسع وهو أيضا خيار مرفوض صحراوياً، ويقابله حياد وصمت موريتاني.
لقد تمكن المغرب خلال سنوات الانتظار من تعمير المناطق التي يسيطر عليها، وشراء ولاء كثير من النخب الصحراوية، إضافة إلى تعميق استغلال الموارد الاقتصادية التي تزخر بها الأراضي الصحراوية.
أبرز الأطراف المؤثرة في قضية الصحراء
تتداخل في قضية الصحراء عدة أطراف محلية، ودولية، وتعتبر الأمم المتحدة وهي راعي التفاوض بين الطرفين، أن قضية الصحراء تهم بالأساس أربعة أطراف هي
– المملكة المغربية
– الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
– موريتانيا
– الجزائر
وتندرج قضية الصحراء ضمن ملفات اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار، وضمن البند السادس الذي يفترض الإجماع والتوافق على قرارات الأمم المتحدة.
وتتباين استراتيجيات الأطراف المعنية من القضية الصحراوية، حيث يبرز المغرب والبوليساريو، كطرفين مركزيين للصراع المشتعل منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم، فيما اتخذت موريتانيا مما تسميه الحياد الإيجابي موقفاً رسمياً لها يمكنها من الاعتراف بدولة الصحراء الغربية دون أن تسمح لها بإقامة سفارة معلنة، وتقيم أيضاً علاقات تتراوح بين المرونة والتوتر مع المغرب، أما الجزائر فهي الداعم الأساسي للبوليساريو والخصم الأكثر جسارة وشدة تجاه المملكة المغربية، ويتضمن الدعم الجزائري للبوليساريو:
– احتضان عشرات الآلاف من اللاجئين في مخيمات تيندوف.
– الدعم العسكري والتسليح.
– الدعم السياسي المستمر.
ويغيب عن التأثير في أزمة الصحراء مواقف الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث تعترف أغلبية الدول العربية والإسلامية بأحقية المغرب في الأراضي الصحراوية.
ويحضر الاتحاد الإفريقي بدور خجول يتخلخل مع الزمن لصالح المغرب الذي توجه منذ سنوات باستراتيجية إفريقية جديدة لفتح الدبلوماسية والأسواق الأفريقية لصالح مواقفه وبضائعه.
مواقف الأطراف الدولية
تعد فرنسا وإسبانيا المستعمرتين السابقتين للطرفين أكثر الأطراف الدولية اهتماماً بأزمة الصحراء الغربية. وتمثل إسبانيا على وجه الخصوص منطقة هجرة أساسية للصحراويين، كما أن القوى السياسية في إسبانيا منقسمة المواقف بين مؤيد للبوليساريو أو داعم للمغرب أو ساع للحوار بين الطرفين. ويضاف إلى اهتمام فرنسا التقليدي بمنطقة المغرب، بعداً جديداً يتعلق بملف الأمن، حيث تعيش فرنسا أزمة وجود ونفوذ في منطقة الصحراء، وتعتبر اندلاع العنف في الصحراء خطر يهدد المنطقة بفوضى السلاح والجماعات المتشددة، خصوصاً أن تنظيم داعش في منطقة الساحل يرأسه رجل من أبناء المخيمات وهو أبو الوليد الصحراوي.
كما أن للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اهتماما مزدوجا بأزمة الصحراء، وقد تولت واشنطن صياغة القرار الأخير المتعلق بقضية الصحراء والصادر عن مجلس الأمن والذي أضفى على الأمر الواقع مستوى من الشرعية الدولية، مما زاد من تذمر البوليساريو من مجلس الأمن.
سيناريوهات الأزمة
يمكن الحديث عن سيناريوهات متعددة لأزمة الصحراء الحالية ومن أبرزها:
السيناريو الأول: خيار التصعيد العسكري
وقد بدأت آفاقه بالفعل، من خلال استجابة المغرب للطعم الصحراوي، من خلال فك الحصار عن معبر الكركرات وتأمينه، وفرض واقع جديد حوله، إضافة إلى دخول البوليساريو في مسار حربي متواصل، بعد
إعلانها انهيار اتفاق وقف إطلاق النار. وتدفع إلى هذا الخيار بالنسبة للبوليساريو عدة عوامل من أبرزها:
– فشل المسار السلمي والتفاوضي بين الطرفين، حيث لم يتحقق أي تقدم ذي بال منذ وقف إطلاق النار سنة 1991.
– وجود ترسانة عسكرية متطورة، وصلت أهدافها إلى أبعد من 50 كلم من مناطق سيطرة البوليساريو.
– وجود أجيال شبابية متعطشة للحرب، وتحرير “الوطن” ضمن حالة ثورية متفاقمة في المخيمات والأراضي المحررة.
– وجود خلافات وتذمر واسع بين صفوف النخب الصحراوية، تجاه فشل قيادة البوليساريو في تحقيق أهدافها بالحرب أو بالتفاوض.
– كون الحرب أسهل وسيلة للحصول على موقع تفاوضي أكثر إيجابية بالنسبة للبوليساريو التي تبدأ التفاوض من مرحلة الصفر إذا نجحت الضغوط الدولية في جر الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
غير أن خيار الحرب مرتبط بعوامل أخرى من بينها:
– مدى جدية البوليساريو وقدرتها على نقل الحرب والعنف إلى دخل الأراضي المغربية، ومستوى الإيلام الذي ستسببه للمغرب الذي يعتمد منذ سنوات على موارد اقتصادية ضعيفة أمام طبول الحرب وهي الصادرات الفلاحية والسياحة والخدمات.
– الموقف الجزائري من الأحداث ومدى سقف المناورة التي يمكن أن يخوضها القادة الجزائريون تجار جارتهم اللدود المغرب، وهي الحاضن المؤثر في البوليساريو التي تعتبر دولة منفى في الأراضي الجزائرية، وما من شك أن الجزائر لن تكون حريصة على اشتعل الحرب في حدودها، خصوصا أنها لم تتعاف لحد الآن من أزماتها السياسية والأمنية،
– الموقف الأممي والدولي من الأزمة، والذي قد يدفع بالضغط على الطرفين من أجل التفاوض، وذلك منعا لاندلاع بؤرة حرب واسعة قد تزيد مساحة اللهب المشتعلة في المنطقة، بالتوازي مع أزمة منطقة الساحل التي تملك بعض شعوبها وحركاتها المسلحة تداخلا اجتماعيا واسعا مع القبائل والمكونات الصحراوية.
السيناريو الثاني: خيار التفاوض برعاية دولية
لا يمكن استبعاد خيار المفاوضات للعوامل السابقة، ولحرص المغرب على ألا ينجر إلى الحرب التي لن تنتهي مخاطرها عند الأجواء التقليدية للحرب وإنما قد تتجاوزها إلى:
– ضرب موارد الاقتصاد المغربي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والتصنيع والتصدير
– الاضطرابات الأمنية الواسعة التي قد تتوسع وتتكاثر في المدن الصحراوية الواقعة تحت السيطرة المغربية، والتي تعيش منذ فترة أزمات واضطرابات واسعة، ومن أمثلتها ملحمة إكديم إزيك الشهيرة.
وما من شك أيضا أن البوليساريو لا تزال تبقي على خط رجعة، وتلمح إلى إمكانية إحياء مسار السلام، مما قدد يعزز العودة إلى التفاوض. غير أن مسار التفاوض يواجه أيضاً عقبات من أبرزها: تحديد السقف الزمني والمحاور، حيث ظل المغرب لسنوات يراهن على خيار الزمن، مطيلاً أمد المفاوضات ومكتسباً الوقت الكافي لترسيخ أقدامه أكثر في الصحراء، كما أن سقف البوليساريو بات اليوم أكثر ارتفاعاً من ذي قبل، مع العودة إلى خيار التحرير الشامل.
السيناريو الثالث: العودة إلى الأمر الواقع
لا يمكن استبعاد العودة إلى حالة اللاحرب واللاسلام، خصوصاً إذا نجح المغرب في ضبط نفسه وعدم الرد على قصف البوليساريو، وفي حالة عجز هذه الجبهة عن تسديد ضربات موجعة تدفع إلى الحرب ومن ثم التفاوض، ورغم ذلك فإن هذا الخيار يبقى أقل الخيارات أرجحية باعتبار أن البوليساريو قد دخلت مساراً جديداً ولا يمكنها التراجع عنه دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافه.
ويبقى خيار العودة إلى المفاوضات بين الطرفين، وتحت رعاية أممية، وبأجندة جديدة الخيار الأكثر أرجحيةً، خصوصاً مع احتمال تعيين مبعوث أممي جديد إلى منطقة الصحراء ليتسلم ملفات أطول أزمة سياسية وأمنية في إفريقيا.
خلاصة وتوصيات
لا شك ن قضية الصحراء هي إحدى أعقد وأصعب أزمات أفريقيا والمغرب العربي، وما من شك أنها تمثل عائقاً كبيراً في سبيل تكامل دول المغرب العربي، وتمثل العداوة التقليدية بين المغرب والجزائر عنصراً أساسياً من أسباب استمرار الأزمة وتعميرها، ويمكن الخروج بجملة من التوصيات من أبرزها:
– السعي لاختبار وساطة عربية وإسلامية بين الطرفين، وما من شك أن هنالك عدة قوى يمكن أن تؤدي أدواراً إيجابيةً في هذا الصدد.
– العمل على حلحلة الأزمات والمصالحة بين المغرب والجزائر تمثل بوابة أساسية لحل هذه الأزمة.
أزمة الكركرات
أزمة الصحراء الغربية والسيناريوهات المتوقعة
محمد سالم
تعد أزمة الصحراء الغربية من أعقد أزمات أفريقيا، وأقله قابلية للحل، بل هو كما عبر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر عندما عرضت عليه الأمم المتحدة ذات مرة، أن يتولى منصب المبعوث الأممي إلى الصحراء فرفض معتبراً: أن تلك الأزمة غير قابلة للحل نهائيا.
وما من شك أن طول أمد الحرب التي استمرت ستة عشرة سنة، وطول أمد انتظار الحل النهائي الذي امتد هو الآخر لتسع وعشرين سنة، وتضارب المصالح والاستراتيجيات الدولية والإقليمية تجاه المنطقة قد جعل نذر الحرب التي تعيشها المنطقة، تذكيراً أولياً بأن الأزمة عمرت أكثر مما ينبغي وآن أن تأخذ مساراً جديداً، يمكن من خلاله الوصول إلى حل، وقبل ذلك ستكون الحرب والسيطرة أبرز وسائل الطرفين لاحتلال موقع تفاوضي مناسب.
أزمة الكركرات …نيران من طرف واحد
تتواصل منذ قرابة الأسبوعين عمليات القصف المتواصلة التي يسددها جيش البوليساريو إلى مناطق متعددة من الجدار المغربي العازل، وتصدر البوليساريو كل يوم إيجازاً إعلامياً عن حصيلة القصف الذي ينطلق من جهة واحدة، حيث لم تكلف المغرب نفسها الرد على السلاح ولا البيانات الصحراوية.
وما من شك أن تحريك أزمة الكركرات يندرج في سياق متواصل تعمل عليه البوليساريو منذ سنوات وهو الاقتراب أكثر مما تعتبره الأراضي المحتلة، والسعي لفرض سيطرتها على الأراضي المحررة، لتنقل إلى شبه الدولة بعد عقود من دولة المنفى، وكسر حالة الجمود التي تعيشها قضية الصحراء منذ عقود.
كما أن تحريك قضية الكركرات جاء أيضاً بعد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في 23/9/2020 والذي رأت فيه البوليساريو انحيازاً أممياً إلى المغرب، وإطالة جديدة لعمر الانتظار وإقراراً للأمر الواقع.
وقد مثلت أزمة معبر الكركرات التي انفجرت منذ العام 2016 بوابة للعودة إلى استخدام السلاح بالنسبة لجبهة البوليساريو، فما هي الكركرات؟
ما هي الكركرات
الكركرات منطقة عازلة للسلاح تقع على مساحة 3.7 كلم تبعد 11 كلم عن الحدود الموريتانية المغربية، وهي نقطة وسط ضمن المنطقة الدولية العازلة للسلاح، التي أقامتها الأمم المتحدة كحد فاصل بين الأراضي التي يسيطر عليها أحد من الطرفين.
وتحيط بالكركرات منطقتان عازلتان على جانبي الطرفين، إحداهما تمتد على طول 30 كلم في اتجاه الأراضي التي تسيطر عليها المغرب، وتقابلها منطقة أخرى تمتد على طول 25 كلم في الأراضي التي تسيطر عليها البوليساريو، ويمنع في هاتين المنطقتين استخدام السلاح أو إقامة المنشآت العسكرية.
وقد اكتست الكركرات على صغر مساحتها، أهمية اقتصادية كبرى حيث أصبحت منذ سنوات معبراً لآلاف الشاحنات التجارية المحملة بالبضائع المغربية، وبضائع الشركات الدولية التي تتخذ من المغرب منطلقاً لها إلى إفريقيا.
ويظهر الخلاف بين الطرفين في أن البوليساريو تعتبر الكركرات منطقة عازلة للسلاح لا يمكن فيها بنص الاتفاق المبرم بين الطرفين وبرعاية وضمان من الأمم المتحدة، استخدامها للطرفين، أما المغرب الذي فرض فيها سياسة الأمر الواقع، فيعتمد على الاستثناء الدولي لحركة التجارة المدنية، وهو ما مكنه من تحويل هذه المنطقة المتنازع عليها والخاضعة للحماية الدولية إلى معبر وممر اقتصادي بالغ الأهمية.
ورغم رفض موريتانيا إقامة اتفاقية للنقل البري مع المغرب، إلا أنها تغض الطرف عن حركة العبور التي تزود أسواق موريتانيا بأغلب السلع الاستهلاكية، قبل أن تواصل طريقها في رحلة إلى مختلف أسواق غرب إفريقيا.
وقد سعت البوليساريو جاهدة إلى إغلاق المعبر المذكور، وجعلت من زحف الجماهير الصحراوية إلى الكركرات طعماً لجر المغرب إلى الحرب، وبعد أسابيع من الإغلاق الذي تضررت منه الأسواق الموريتانية إلى حد كبير، نفذ المغرب عملية عسكرية خاطفة، أعاد بها فتح المعبر وترميمه، وحمايته بجدار عازل، مع توجه لإعمار المنطقة، بإقامة منشآت تجارية وأمنية ودينية، وهو ما ردت عليه المغرب بقصف متواصل للجدار العازل الذي أقامه المغرب منتصف الثمانينيات على مسافة تزيد على 1600 كلم، وتمكن به من عزل الأراضي التي يسيطر عليها عن بقية أجزاء الصحراء الغربية، إضافة إلى عزل مناطق مناجم الفوسفات التي تمثل جزء أصيلاً من ثروة الصحراء، ومن اقتصاد المغرب الجديد.
ولا يزال القصف الصحراوي متواصلاً، وتؤكد البيانات اليومية التي تصدرها البوليساريو أنها ألحقت أضراراً كبيرة بالمنشآت العسكرية المغربية في منطقة الجدار العازل، وأنها أسقطت قتلى من الجيش المغربي، دون أن تكلف الرباط نفسه عناء الرد على الهجوم، أو نفي ما تردده البوليساريو.
أزمة الصحراء: التاريخ السياسي
كانت الصحراء الغربية منطقة خاضعة للاستعمار الإسباني الذي غرس أقدامه في الرمال الصحراوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وإلى ستينيات القرن المنصرم ظلت الأراضي الصحراوية مستعمرة تابعة لمدريد، فيما تمتد سيطرة باريس على العرش المغربي والأراضي الموريتانية والجزائرية.
وقد مهدت إسبانيا لإقامة حكم ذاتي في الصحراء على غرار ما قامت به فرنسا في عدد من دول غرب إفريقيا، من خلال مجالس محلية، ومنتخبين ممثلين للقبائل والمناطق الصحراوية في البرلمان الإسباني قبل أن تغرق مدريد في أزماتها الخاصة أواخر حكم الديكتاتور فرانكو.
ولم تخف موريتانيا والمغرب أطماعهما في الأراضي الصحراوية، منذ نهاية الخمسينيات، حيث كانت الصحراء جزء من المشروع الاستعماري الكبير الذي كان يحمل اسم دولة أرض البيظان، وهو المشروع الذي بشر به وسعى لتطبيقه القائد الفرنسي اكزافييه كوبلاني والذي يعني إقامة دولة ضخمة تضم كل الناطقين باللهجة الحسانية المتحدثة على نطاق واسع في موريتانيا والصحراء الغربية، وأجزاء من المغرب وأجزاء من إقليم أزواد المالي حاليا، لكن مقتل كوبلاني سنة 1905 عرقل مشروعه، وحد من الطموح الفرنسي الذي كان هدفه السيطرة وإخضاع “البيظان” الذي عرفوا بالشراسة في الحرب، والأنفة، والاستعصاء الثقافي ضد فرنسا وثقافتها. فيما ترى المغرب في تلك “الأراضي السائبة” جزء من عرشها العلوي الذي ترى أنه يمتد على طول شواطئ الأطلسي وما حاذاها من بحار الرمال.
اتفاقية مدريد: بوابة الحرب
مع بداية السبعينيات ومع تأخر خروج إسبانيا من الصحراء الغربية تأسست الجبهة الشعبية لتحرير إقليم الساقية الحمراء ووادي الذهب، سنة 1973. وفي 14 نوفمبر 1975 أبرمت مدريد مع نواكشوط والرباط وبمشاركة من شيوخ وزعماء القبائل الصحراوية، اتفاقا لتقسيم الأراضي الصحراوية وسكانها بين موريتانيا والمغرب مع الإبقاء لإسبانيا على امتيازات اقتصادية متعددة في المياه والأراضي الصحراوية.
وقد جاءت هذه الاتفاقية بعد أن وضع المغرب العالم أمام الأمر الواقع من خلال زحف المسيرة الخضراء التي قادها الملك محمد السادس في 6 نوفمبر 1975 وتسعى إلى فرض السيطرة المغربية على الصحراء وإنهاء الاستعمار الإسباني.
وقد أثار هذا الاتفاق غضب الشباب الصحراوي المنضوي تحت لواء البوليساريو، وبدأت الحرب فعلياً مع تركيز البوليساريو، وبدعم جزائري لاحقاً على الجبهة الموريتانية التي دفعت الثمن غالياً، حينما توجه قادة الجيش إلى القصر الرئاسي واعتقلوا الرئيس المختار ولد داده، في أول انقلاب عسكري في البلاد في 10/8/1979، قبل أن تنسحب موريتانيا من اتفاق مدريد سنة 1979، وتوقع مع البوليساريو اتفاقية يراها كثير من الموريتانيين مذلة إلى أقصى درجة وتضمنت.
– اعتراف موريتانيا بدولة الجمهورية العربية الصحراوية.
– التنازل عن الجزء الموريتاني من إقليم وادي الذهب.
وقد بادر المغرب إلى احتلال الأراضي التي انسحبت منها موريتانيا، واستأنفت الحرب مسارها بين المغرب والبوليساريو وحتى 1991، حيث توصل الطرفان إلى اتفاق غير مكتوب لوقف إطلاق النار بعد أن أنهكت النار الطرفين، وبعد أن تخللت كثيراً من القوى التي كانت تعتمد عليها البوليساريو، وهي دعم ليبيا، إضافة إلى انشغال الجزائر وهي الداعم الأساسي للبوليساريو في أزماتها العنيفة خلال سنوات الجمر المعروفة.
تقرير المصير وحالة الأمر الواقع
توصل الطرفان عبر مفاوضات شاقة أشرف عليها الوسيط الأممي الأمريكي جيمس بيكر إلى اتفاق لتنظيم استفتاء تقرير المصير، قبل أن ينجز بعد ذلك لائحة انتخابية من 84 ألف ناخب، واجهت بدورها عشرات الآلاف من الطعون في شرعيتها.
ورغم مرور ثلاث وعشرين سنة إلا أن المصير المرتقب لم يقرر بعد، ولم يعرف أيضاً المصير المستقبلي للأزمة، خصوصاً بعد استنفاد جميع وسائل الحل الممكنة ومن أبرزها:
– خيار استقلال الصحراء الذي يرفضه المغرب.
– خيار الفيدرالية بين المغرب والصحراء تحت مظلة العرش العلوي وهو ما ترفضه البوليساريو والجزائر.
– خيار الكومنولث المغربي الصحراوي وهو مرفوض أيضا من البوليساريو.
– خيار الفيدرالية مع موريتانيا ضمن اتفاقية متعددة الأطراف تضمن مصالح المغرب وموريتانيا مع قيام دولة صحراوية ذات حكم موسع وهو أيضا خيار مرفوض صحراوياً، ويقابله حياد وصمت موريتاني.
لقد تمكن المغرب خلال سنوات الانتظار من تعمير المناطق التي يسيطر عليها، وشراء ولاء كثير من النخب الصحراوية، إضافة إلى تعميق استغلال الموارد الاقتصادية التي تزخر بها الأراضي الصحراوية.
أبرز الأطراف المؤثرة في قضية الصحراء
تتداخل في قضية الصحراء عدة أطراف محلية، ودولية، وتعتبر الأمم المتحدة وهي راعي التفاوض بين الطرفين، أن قضية الصحراء تهم بالأساس أربعة أطراف هي
– المملكة المغربية
– الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
– موريتانيا
– الجزائر
وتندرج قضية الصحراء ضمن ملفات اللجنة الرابعة المكلفة بتصفية الاستعمار، وضمن البند السادس الذي يفترض الإجماع والتوافق على قرارات الأمم المتحدة.
وتتباين استراتيجيات الأطراف المعنية من القضية الصحراوية، حيث يبرز المغرب والبوليساريو، كطرفين مركزيين للصراع المشتعل منذ منتصف سبعينيات القرن المنصرم، فيما اتخذت موريتانيا مما تسميه الحياد الإيجابي موقفاً رسمياً لها يمكنها من الاعتراف بدولة الصحراء الغربية دون أن تسمح لها بإقامة سفارة معلنة، وتقيم أيضاً علاقات تتراوح بين المرونة والتوتر مع المغرب، أما الجزائر فهي الداعم الأساسي للبوليساريو والخصم الأكثر جسارة وشدة تجاه المملكة المغربية، ويتضمن الدعم الجزائري للبوليساريو:
– احتضان عشرات الآلاف من اللاجئين في مخيمات تيندوف.
– الدعم العسكري والتسليح.
– الدعم السياسي المستمر.
ويغيب عن التأثير في أزمة الصحراء مواقف الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، حيث تعترف أغلبية الدول العربية والإسلامية بأحقية المغرب في الأراضي الصحراوية.
ويحضر الاتحاد الإفريقي بدور خجول يتخلخل مع الزمن لصالح المغرب الذي توجه منذ سنوات باستراتيجية إفريقية جديدة لفتح الدبلوماسية والأسواق الأفريقية لصالح مواقفه وبضائعه.
مواقف الأطراف الدولية
تعد فرنسا وإسبانيا المستعمرتين السابقتين للطرفين أكثر الأطراف الدولية اهتماماً بأزمة الصحراء الغربية. وتمثل إسبانيا على وجه الخصوص منطقة هجرة أساسية للصحراويين، كما أن القوى السياسية في إسبانيا منقسمة المواقف بين مؤيد للبوليساريو أو داعم للمغرب أو ساع للحوار بين الطرفين. ويضاف إلى اهتمام فرنسا التقليدي بمنطقة المغرب، بعداً جديداً يتعلق بملف الأمن، حيث تعيش فرنسا أزمة وجود ونفوذ في منطقة الصحراء، وتعتبر اندلاع العنف في الصحراء خطر يهدد المنطقة بفوضى السلاح والجماعات المتشددة، خصوصاً أن تنظيم داعش في منطقة الساحل يرأسه رجل من أبناء المخيمات وهو أبو الوليد الصحراوي.
كما أن للولايات المتحدة الأمريكية وروسيا اهتماما مزدوجا بأزمة الصحراء، وقد تولت واشنطن صياغة القرار الأخير المتعلق بقضية الصحراء والصادر عن مجلس الأمن والذي أضفى على الأمر الواقع مستوى من الشرعية الدولية، مما زاد من تذمر البوليساريو من مجلس الأمن.
سيناريوهات الأزمة
يمكن الحديث عن سيناريوهات متعددة لأزمة الصحراء الحالية ومن أبرزها:
السيناريو الأول: خيار التصعيد العسكري
وقد بدأت آفاقه بالفعل، من خلال استجابة المغرب للطعم الصحراوي، من خلال فك الحصار عن معبر الكركرات وتأمينه، وفرض واقع جديد حوله، إضافة إلى دخول البوليساريو في مسار حربي متواصل، بعد
إعلانها انهيار اتفاق وقف إطلاق النار. وتدفع إلى هذا الخيار بالنسبة للبوليساريو عدة عوامل من أبرزها:
– فشل المسار السلمي والتفاوضي بين الطرفين، حيث لم يتحقق أي تقدم ذي بال منذ وقف إطلاق النار سنة 1991.
– وجود ترسانة عسكرية متطورة، وصلت أهدافها إلى أبعد من 50 كلم من مناطق سيطرة البوليساريو.
– وجود أجيال شبابية متعطشة للحرب، وتحرير “الوطن” ضمن حالة ثورية متفاقمة في المخيمات والأراضي المحررة.
– وجود خلافات وتذمر واسع بين صفوف النخب الصحراوية، تجاه فشل قيادة البوليساريو في تحقيق أهدافها بالحرب أو بالتفاوض.
– كون الحرب أسهل وسيلة للحصول على موقع تفاوضي أكثر إيجابية بالنسبة للبوليساريو التي تبدأ التفاوض من مرحلة الصفر إذا نجحت الضغوط الدولية في جر الطرفين إلى طاولة المفاوضات.
غير أن خيار الحرب مرتبط بعوامل أخرى من بينها:
– مدى جدية البوليساريو وقدرتها على نقل الحرب والعنف إلى دخل الأراضي المغربية، ومستوى الإيلام الذي ستسببه للمغرب الذي يعتمد منذ سنوات على موارد اقتصادية ضعيفة أمام طبول الحرب وهي الصادرات الفلاحية والسياحة والخدمات.
– الموقف الجزائري من الأحداث ومدى سقف المناورة التي يمكن أن يخوضها القادة الجزائريون تجار جارتهم اللدود المغرب، وهي الحاضن المؤثر في البوليساريو التي تعتبر دولة منفى في الأراضي الجزائرية، وما من شك أن الجزائر لن تكون حريصة على اشتعل الحرب في حدودها، خصوصا أنها لم تتعاف لحد الآن من أزماتها السياسية والأمنية،
– الموقف الأممي والدولي من الأزمة، والذي قد يدفع بالضغط على الطرفين من أجل التفاوض، وذلك منعا لاندلاع بؤرة حرب واسعة قد تزيد مساحة اللهب المشتعلة في المنطقة، بالتوازي مع أزمة منطقة الساحل التي تملك بعض شعوبها وحركاتها المسلحة تداخلا اجتماعيا واسعا مع القبائل والمكونات الصحراوية.
السيناريو الثاني: خيار التفاوض برعاية دولية
لا يمكن استبعاد خيار المفاوضات للعوامل السابقة، ولحرص المغرب على ألا ينجر إلى الحرب التي لن تنتهي مخاطرها عند الأجواء التقليدية للحرب وإنما قد تتجاوزها إلى:
– ضرب موارد الاقتصاد المغربي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة والتصنيع والتصدير
– الاضطرابات الأمنية الواسعة التي قد تتوسع وتتكاثر في المدن الصحراوية الواقعة تحت السيطرة المغربية، والتي تعيش منذ فترة أزمات واضطرابات واسعة، ومن أمثلتها ملحمة إكديم إزيك الشهيرة.
وما من شك أيضا أن البوليساريو لا تزال تبقي على خط رجعة، وتلمح إلى إمكانية إحياء مسار السلام، مما قدد يعزز العودة إلى التفاوض. غير أن مسار التفاوض يواجه أيضاً عقبات من أبرزها: تحديد السقف الزمني والمحاور، حيث ظل المغرب لسنوات يراهن على خيار الزمن، مطيلاً أمد المفاوضات ومكتسباً الوقت الكافي لترسيخ أقدامه أكثر في الصحراء، كما أن سقف البوليساريو بات اليوم أكثر ارتفاعاً من ذي قبل، مع العودة إلى خيار التحرير الشامل.
السيناريو الثالث: العودة إلى الأمر الواقع
لا يمكن استبعاد العودة إلى حالة اللاحرب واللاسلام، خصوصاً إذا نجح المغرب في ضبط نفسه وعدم الرد على قصف البوليساريو، وفي حالة عجز هذه الجبهة عن تسديد ضربات موجعة تدفع إلى الحرب ومن ثم التفاوض، ورغم ذلك فإن هذا الخيار يبقى أقل الخيارات أرجحية باعتبار أن البوليساريو قد دخلت مساراً جديداً ولا يمكنها التراجع عنه دون تحقيق الحد الأدنى من أهدافه.
ويبقى خيار العودة إلى المفاوضات بين الطرفين، وتحت رعاية أممية، وبأجندة جديدة الخيار الأكثر أرجحيةً، خصوصاً مع احتمال تعيين مبعوث أممي جديد إلى منطقة الصحراء ليتسلم ملفات أطول أزمة سياسية وأمنية في إفريقيا.
خلاصة وتوصيات
لا شك ن قضية الصحراء هي إحدى أعقد وأصعب أزمات أفريقيا والمغرب العربي، وما من شك أنها تمثل عائقاً كبيراً في سبيل تكامل دول المغرب العربي، وتمثل العداوة التقليدية بين المغرب والجزائر عنصراً أساسياً من أسباب استمرار الأزمة وتعميرها، ويمكن الخروج بجملة من التوصيات من أبرزها:
– السعي لاختبار وساطة عربية وإسلامية بين الطرفين، وما من شك أن هنالك عدة قوى يمكن أن تؤدي أدواراً إيجابيةً في هذا الصدد.
– العمل على حلحلة الأزمات والمصالحة بين المغرب والجزائر تمثل بوابة أساسية لحل هذه الأزمة.