إعداد: فريق المركز
مستخلص
لم تنته أزمة المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في تونس، بل يزداد الملف يوميا تعقيدات كبرى، وبالرغم من أن تونس لا تحتوي على أكبر عدد من المهاجرين مقارنة بدول الجوار ولا الوحيدة التي شهدت مواجهة بين الأهالي والمهاجري إلا أن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم في البلاد ومناخ الحريات رفقة طريقة تعاطي السلطات مع القضية كانت عوامل رئيسية تقف وراء انفجار هذه الأزمة وتحولها إلى قضية دولية، كما أن الأزمة الأخيرة التي اندلعت في صفاقس مرة أخرى والتي كانت أكثر حدة من الأولى أبرزت أن طريقة تعاطي السلطات في تونس مع الملف بطريقة أمنية هو توجه معمق للأزمة أكثر، كما أن القضية حلولها تتجاوز تونس وهي ذات بعد إقليمي تتداخل فيها العلاقات والتنسيق مع الدول الجوار ومع المجال الإفريقي وكفاعل رئيسي وأساسي الدول الأوروبية.
مقدمة
ساهم خطاب السلطات التونسية في شهر مارس 2023 تجاه المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء الموجودين بتونس، في اندلاع أزمة خارجية بين تونس ودول إفريقية وفي أزمة داخلية حيث حدثت أعمال عنف بين المواطنين التونسيين والمهاجرين، وصاحب هذا الخطاب حملة أمنية كبرى استهدفت المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء.
وبالرغم من محاولة السلطات التونسية تدارك واحتواء الأزمة داخليا وخارجيا، بعد استنكار دولي وإقليمي واسع لخطاب رئيس الجمهورية التونسية والحملة التي قادها المجتمع المدني في تونس منددا بطريقة تعاطي السلطات التونسية في البلاد مع هذه القضية.
عاد الهدوء نوعا ما فيما يتعلق بهذا الملف في تونس، إلا أن انتشار مقطع فيديو في أواخر شهر يونيو لمهاجرين من الكاميرون في مدينة صفاقس (الجنوب الشرقي لتونس)، يتقاتلون فيما بينهم بسكاكين في الشارع، لقى هذا المقطع رواجا واسعا إلا أن الحدث الأكبر كان في مطلع شهر يوليو وهو انتشار مقطع فيديو لشاب من مدينة صفاقس مقتول على يدي مهاجرين، ومن هنا اندلعت مواجهات مباشرة بين الأهالي والمهاجرين في مدينة صفاقس.
يبحث هذا المقال في خلفيات الأزمة التي تشهدها تونس منذ فبراير 2023 فيما يتعلق بأزمة المهاجرين الوافدين من جنوب الصحراء عبر المحاور التالية:
– ملف المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في دول شمال إفريقيا.
– كيفية وصول المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء إلى تونس وأهدافهم من تواجد هناك.
– الأزمات وطريقة تعاطي الدولة التونسية مع ملف المهاجرين.
– الأطراف الفاعلة في أزمة المهاجرين في تونس.
– موقف المنظمات الدولية والإقليمية من التعاطي التونسي مع هذه القضية.
– توصيات للسلطات التونسية لبعض الحلول المساعدة لتجاوز الأزمة.
قضية المهاجرين في شمال إفريقيا
تعتبر قضية المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو دول شمال إفريقيا، الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بهدف العبور نحو الضفة الشمالية المتمثلة في القارة الأوروبية من أقدم القضايا وخاصة بالنسبة للمملكة المغربية التي تعود جذور هذه المسألة فيها إلى سنوات 2007-2008 بسبب قرب المغرب من إسبانيا.
ويتمركز العدد الأكبر من المهاجرين في المغرب إلى حدود اندلاع ثورة فبراير 2011 في ليبيا ودخولها في مرحلة فوضى مما جعلها وجهة أساسية أمام عدد كبير من أبناء القارة الراغبين في الهجرة نحو أوروبا. وتقدر أعداد المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بليبيا ب 700 ألف مهاجر بالرغم من أن الإحصائيات الرسمية تؤكد على تواجد ما يقارب بين 3000- 4000 فقط في مراكز الإيواء، كما كشف تقرير أعد في أواخر شهر أبريل 2023 عن الوضعية السيئة التي يعيشها المهاجرون في ليبيا (استرقاق جنسي، تجارة بشر، تهريب….). أما بالجزائر فحسب إحصائيات رابطة حقوق الانسان الجزائرية في 2021 أن هناك ما يقارب 13 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء يعملون في البلاد بطريقة غير قانونية، إلا أن هناك تقديرات أخرى تقارب أعدادهم بعشرات الآلاف، بالنسبة لتونس فتقدر الإحصائيات بأن عددهم يصل إلى 150 ألف منهم 20 ألف في صفاقس، بينما تشير الإحصائيات الرسمية أن العدد الفعلي في كامل تونس 21 ألف منهم 5376 مقيم بطريقة شرعية وتمثل نسبة الطلاب 93.56%.
مسارات الدخول إلى تونس
يعود تدفق المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو تونس إلى تاريخ 2011 إبان اندلاع الثورة الليبية التي كانت فيها يد عاملة إفريقية كبيرة هربت نحو تونس من الحرب الأهلية التي قامت هناك، أما الموجة الثانية الكبرى التي تدفقت نحو تونس كانت مع عودة الصراع في ليبيا بين المشير خليفة حفتر وحكومة طرابلس سنة 2015، ما دفع بالعديد من المهاجرين باللجوء إلى تونس هربا من انعدام الأمن والصراع الدائر في ليبيا.
بالنسبة للطريق الثاني لدخول المهاجرين لتونس كان عبر الحدود الغربية بين الجزائر وتونس، حيث بينت عديد مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تم تصويرها في قرى الحدودية وفود العديد من المهاجرين القادمين من الصحراء الجزائرية سيرا على الأقدام نحو تونس وأغلبهم قادم من مالي والنيجر، وهناك حديث حول أن السلطات الجزائرية قامت بدفع هؤلاء المهاجرين نحو تونس.
أما الطريق الثالثة فهي عبر البحر، حيث أشارت عديد التقارير لمنظمات وطنية تونسية أن تونس تستقبل العديد من المهاجرين الذين تتمكن السلطات الإيطالية من إحباط محاولتهم للهجرة المنطلقة من ليبيا نحو أوروبا وتقوم بتسليمهم إلى السلطات التونسية ليتم إيوائهم في تونس حسب اتفاقية بين إيطاليا وتونس سنة 2020 وقام العديد من النشطاء بتسريب وثيقة الاتفاق بالرغم من تكتم الجانبين حول هذه الاتفاقية.
أما الطريقة الرابعة وهي تشمل خاصة القادمين من كوت ديفوار الذين أثبتت العديد من التقارير دخولهم بصفة قانونية إلى تونس عبر مطارات بسبب عدم حاجتهم إلى تأشيرة، ولكن معظمهم يبقى على التراب التونسي إلى حين انتهاء مدة إقامتهم القانونية.
صفاقس القبلة الأولى للمهاجرين
تعتبر مدينة صفاقس من أهم المدن التونسية وتلقب بعاصمة الجنوب وبالعاصمة الثانية للبلاد التونسية، وكمحطة تواجد لتحضير للهجرة أو منطلق للهجرة من البحر نحو أوروبا، تمثل صفاقس المدينة المثلى لذلك، حيث تصنف صفاقس كمركز الصناعي الثاني في تونس بعد العاصمة التونسية، كما أنها تحتوي على ثلاث قطاعات الرئيسية (فلاحة وصيد بحري، صناعات، السياحة، التجارة)، حيث تتجاوز صادراتها 900 مليون دينار سنويا، أي قرابة 300 مليون دولار (زيت الزيتون، المنتجات البحرية، النسيج، الأسمدة الكيماوية، الفوسفاط، النفط والغاز، ملح البحر، وهي ثاني المدن التونسية بعد العاصمة من حيث عدد السكان.
وتقع صفاقس ضمن خليج قابس على السواحل الشرقية للبلاد التونسية وتبعد عنها جزيرة لامبيدوزا الإيطالية قرابة 190 كم، هذه الخصائص التي تتمتع بها مدينة صفاقس من الناحية الاقتصادية والموقع الجغرافي تمثل وجهة رائدة لكل راغب في الهجرة، إما عبر مكوث فترة بالمدينة للعمل وتحصيل ثمن يتم دفعه للمهربين ليتم تهريبه نحو أوروبا والذي يقارب حاليا بين 7000 و8000 دينار تونسي ما يعادل 2000 دولار أمريكي، أو توفير المال لشراء مواد الأولية لصناعة مركب يدوي بدائي ومن ثم شراء محرك ميكانيكي له، والانطلاق مباشرة من صفاقس نحو الضفة الأوروبية.
جذور الأزمة
اندلعت الأزمة الأولى بين المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في شهر فيفري 2023، بعيد خطاب ألقاه رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد حول موضوع توطين المهاجرين في تونس في 26 فيفري، ضمن مؤامرة تنفذها أطراف خارجية متواطئ مع جهات داخلية لتغيير التركيبة الديمغرافية للبلاد التونسية، متبني ما يعرف بنظرية التغيير الكبير التي تعود لصاحبها الكاتب الفرنسي رينو كامو الذي أصدر نظريته في كتاب سنة 2010 تحت نفس العنوان Le Grand Remplacement، يتحدث فيه عن التغيير الديمغرافي في أوروبا بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة بسبب تنامي أعداد المهاجرين العرب والأفارقة، وحاليا يتبنى اليمين الفرنسي المتطرف بقيادة إريك زمور هذه النظرية.
أثار هذا الخطاب الذي قام به رئيس الجمهورية في تونس موجة عنف من قبل الأهالي في تونس وتحديدا بمدينة صفاقس تجاه المهاجرين المتواجدين بيها، ورافقت هذه الموجة حملة أمنية كبيرة استهدفت المهاجرين بغية ترحيلهم، مما دفع بالعديد منهم بالالتجاء نحو سفارات بلادهم ومنهم من توجه نحو مقر المفوضية السامية للهجرة في تونس العاصمة، وقامت العديد من الدول الإفريقية بإرسال طائرات لتونس لإجلاء راعياهم وتم إجلاء قرابة 400 شخص من قبل ثلاث دول إفريقية (غانا، كوت ديفوار، ومالي).
وحاولت السلطات التونسية فيما بعد تدارك الأزمة واحتوائها، وان نجحت نسبيا بعد أن خفت الحملة ضد المهاجرين في البلاد إلى حدود شهر أبريل من نفس السنة، حيث دبت موجهات بين قوات الأمن التونسي من جهة والمهاجرين الأفارقة جنوب صحراء من جهة أخرى بمحيط المفوضية السامية للهجرة، حيث تقدمت منظمة الدولية بشكاية ضد المهاجرين الذي احتموا بالمفوضية مع بداية الحملة ضدهم، لتقوم المفوضية بعد ما يقارب من شهر ونصف بالاتصال بقوات الأمن لطردهم من محيطها مما أفرز مواجهات كبرى بين الطرفين ورافقته أحداث شغب.
سياقات الأزمة
لا يمكن عزل الأزمة عن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي بتونس، فقد تزامنت الازمة الأولى مع حملة الاعتقالات الكبرى التي شنتها السلطات التونسية على شخصيات كبيرة في البلاد من ضمنها رجال أعمال وإعلاميين وشخصيات سياسية في ما يعرف بقضية التآمر على أمن الدولة والتخطيط لانقلاب على رئيس التونسي قيس سعيد، لذلك توجه خطاب السلطات التونسية في هذا الملف نحو نظرية التآمر على أمن الدولة من قبل قوى خارجية وهو موجه ليصب في نفس خانة الملف الذي يعرف بالتآمر على أمن الدولة وهي محاولة من قبل السلطات لربط الملف الأول بالثاني والبحث عن شماعة تعلق عليها الإخفاقات التي تعيشها تونس في المجالات الاقتصادية والسياسية.
ولما أدركت السلطات التونسية وخاصة الرئيس قيس سعيد بخطورة الخطاب الذي القاه وما تبعه من ردود فعل داخلية ودولية، حاول لملمة الأزمة وتم استقبال الرئيس غينيا في تونس من قبل رئيس قيس سعيد الذي أكد على أنه إفريقي ويفتخر بانتمائه للقارة الإفريقية، ومع ذلك تواصلت الأزمة الصامتة في مدينة صفاقس بين الأهالي والمهاجرين، ولم تكن هنالك أي مساعي من السلطات التونسية لإيجاد حلول لأزمة التي اندلعت حتى أنها لم تقم بتعيين والي (محافظ) على ولاية صفاقس، منذ أن قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بتاريخ 1 يناير 2023 بإقالة والي صفاقس من دون أية أسباب، بقية الولاية إلى هاته اللحظة بدون ممثل لسلطة التونسية فيها، حيث من ضمن مهام الوالي وصلاحيته إدارة الشؤون العامة للولاية ويسهر على المحافظة على الأمن العام بها.
وبالرغم من الزيارة الفجائية التي أدها الرئيس قيس سعيد إلى مدينة صفاقس في تاريخ 9 جوان ، 2023، والتي قام فيها بزيار إلى مقر الولاية ومن ثم إلى عديد الأحياء بصفاقس حيث التقى بالأهالي والمهاجرين بالمدينة، وهنا حاول الرئيس إبعاد الاتهامات التي وجهت له بالعنصرية، وبالرغم من كل ذلك لم تتراجع السلطات التونسية عن خطابه الأول فيما يتعلق بنظرية التغيير الكبير ولكنها غيرت قليلا نحو اتهامات بوجود عصابات تتجار بالبشر تقف خلف قضية المهاجرين.
الأزمة الثانية
منذ مطلع شهر أبريل 2023، ومع بداية اقتراب فصل الصيف عرفت سواحل التونسية ارتفاعا كبيرا في أعداد رحلات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، كما أنه عرفت أيضا أرقام كبيرة جدا من الموتى الذين يتم اكتشاف جثثهم ملقاة على السواحل التونسية وخاصة بصفاقس وخليج المنستير، بعد غرق مراكبهم.
وفي يوم 1 يوليو 2023 انتشر مقطع فيديو على صفحات التواصل الاجتماعي لمجموعة من المهاجرين يتقاتلون فيما بينهم بسكاكين بمدينة صفاقس وقد تدخل بعض الأهالي بالمنطقة لفض هذا الاشتباك، وفي 3 يوليو 2023 اندلعت مواجهة بين المهاجرين وأهالي من مدينة صفاقس انتهت بمقتل شاب تونسي وإصابة أخر في حالة حرجة، وتم نشر مقطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي مما ساهم في اندلاع أزمة ثانية ومواجهات دامية بين الأهالي والمهاجرين في صفاقس دامة قرابة ثلاث أيام، وتدخلت القوات الأمن لفض هذه الاشتباكات بعد أن تم تدمير عديد المنازل للمهاجرين وحتى أن مجموعات قامت باحتجاز المهاجرين كأسرى لديها.
ردة فعل السلطات التونسية
تمثل تدخل السلطات التونسية في اعتقال المئات من بينهم تونسيون ومهاجرون، وقامت بإخراج قرابة ألف مهاجر من صفاقس ووجهت 200 منهم نحو الحدود الجزائرية التونسية والباقي نحو الحدود الليبية التونسية، فيما نشرت مقاطع فيديو لمئات المهاجرين يقفون في محطة قطار صفاقس قصد التوجه نحو تونس العاصمة ومدينة سوسة.
تسببت هذه الأزمة في إلقاء المئات على الحدود التونسية الليبية في حرارة تقارب 50 درجة، مع رفض الجهات الليبية استقبال هؤلاء المهاجرين مما دفع بسلطات التونسية من بإيواء عدد منهم في معهد بمنطقة بني قردان الحدودية ومجموعة أخرى بمركز الولاية مدنين، كما أن العديد من الأهالي بمنطقة مدنين أكدوا على أن أعداد كبيرة من مهاجرين تشاهد في الفترات الصباحية تسير على الأقدام في اتجاه صفاقس وعدد كبير أخر من بينهم تم نقلهم بالحفلات نحو ولاية تطاوين أقصى جنوب تونس بمساعد الهلال الأحمر التونسي، أما بالنسبة للمجموعة الثانية التي تم القائها على حدود الجزائرية فإنها تحاول العود إلى داخل التونسي مغامرة بعبور الصحراء في ظروف مناخية شديدة الحرارة في البلاد التونسية وقد قام الهلال الأحمر التونسي بتقديم الإسعافات لهؤلاء كما ذكرت مصادر أخرى وفاة 6 أشخاص منهم في الصحراء.
وفي 14 يوليو 2023 وعلى إثر انعقاد مجلس الأمن القومي برئاسة رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، لكن هذه المرة تغيرت أبعاد الخطاب من مسألة التوطين إلى وجود عصابات تجارة البشر وأعضاء البشر على حسب الرئيس التونسي، حيث أشار قيس سعيد إلى وجود تحويلات مالية ضخمة جدا خلال النصف الأول من 2023، إذ قدر بقرابة 3 مليار دينار تونسي ما يقارب المليار دولار أمريكي، وهذه التحويلات تقف ورائها مجموعات الجريمة المنظمة التي تتاجر في البشر والتي تحاول تحويل تونس إلى ساحة تدفق أموال غير مشروعة، واكتفى الرئيس التونسي بالإشارة إلى أن مصدر هذه تحويلات من دول تصنف من ضمن أفقر الدول الإفريقية.
الأطراف الفاعلة في الأزمة
لعبت العديد من صفحات التواصل الاجتماعي وما يعرف بمايك الطريق، الذي ينقل آراء المواطنين في الشارع حول قضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، دور كبير في هذه الأزمة حيث أشارت هذه الصفاحات منذ مطلع سنة 2022 لظاهرة انتشار المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء في تونس وكانت أغلب هذه الصفحات توجه نحو مؤامرة توطين هؤلاء المهاجرين، أما الفاعل الثاني في القضية فهو حزب سياسي صغير تأسس سنة 2018 تحت اسم “الحزب القومي التونسي”، ويتبنى هذا الحزب نظرية التغيير الديمغرافي في تونس ويشير إلى وقوف جهات أجنبية كالاتحاد الأوروبي وجهات داخلية متمثلة في جمعيات مجتمع مدني مدعومة من قبل دول أوروبية رفقة جمعيات إفريقية تتبنى نظرية الناشط الجامايكي ماركوس غاروفي المنادية بوحدة إفريقيا السياسية والعرقية.
وبالرغم من هذا الحزب لم يمتلك قاعدة جماهيرية أو حتى مكاتب له، يقتصر فقط نشاطه في الفضاء الافتراضي عبر مقاطع فيديو لأعضائه، حيث يتكون الحزب من ثلاث أشخاص فقط، إلا أن أطروحته لقات رواج شعبيا كبيرا حتى أن خطاب الرئيس التونسي كان نسخة مطابقة للأصل من بينات هذا الحزب، ويعتبر الرئيس هو طرف الفاعل الثالث في الأزمة حيث مثل السبب المباشر في اندلاع موجة العنف الأولى بين المهاجرين وأهالي مدينة صفاقس.
أما بقية الأطراف المتداخلة في القضية والتي تقف في جهة المقابلة كالمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء ومنظمات المجتمع المدني بتونس التي نظمت مسيرات عديدة على إثر خطاب رئيس الجمهورية واندلاع أحداث العنف بصفاقس منددة بممارسات العنصرية من قبل السلطة التونسية وبعض الأهالي.
كما أن هذه المنظمات استبعدت حتى التوجه الثاني الذي تتبناه السلطات التونسية فيما يتعلق بموضوع التحويلات المالية المرتبطة بعصبات الجريمة المنظمة المتاجرة في أعضاء البشر، واعتبرت أن أغلب التحويلات المالية تصل لطلبة أفارقة جنوب صحراء في تونس لمجابهة تكاليف العيش المرتفعة في تونس.
كما أن المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تعيشها تونس انعكست على القضية كثيرا، وأصبحت محل تجاذبات سياسية وهي النقطة التي جعلت منها تندرج ضمن نظرية المؤامرة لإيجاد أطراف داخلية وخارجية متعاونة في خلق هذه الأزمة.
ردود الفعل الخارجية على أزمة الثانية بتونس
تقرير هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا سلطت فيه الضوء على طريقة تعاطي السلطات التونسية مع الأحداث الأخيرة بصفاقس، دعا التقرير إلى إعادة تقييم نهج الاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات الهجرة ويحث كلا من الاتحاد الأوروبي والحكومة التونسية على إعطاء الأولوية لحماية حقوق الإنسان وضمان رفاه وسلامة المهاجرين وطالبي اللجوء.
وفي التالي أهم النقاط التي طرحها التقرير
• انتهاكات جسيمة: ارتكبت الشرطة والجيش والحرس الوطني التونسي انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء الأفارقة. وتشمل هذه الانتهاكات الاعتقالات التعسفية والاحتجاز والطرد إلى المناطق الحدودية مع نقص الغذاء والماء.
• الممارسات التمييزية: قامت الشرطة بتحديد ملامح المهاجرين بناء على لون بشرتهم، وتعتقلهم دون التحقق من أوراقهم أو إجراء تقييمات لوضعهم القانوني. أفاد الأفراد الأفارقة أنهم تعرضوا للإهانات العنصرية والضرب والعنف أثناء عمليات الاعتقال والاحتجاز.
• انتهاكات خفر السواحل: انخرط خفر السواحل التونسي في ممارسات تعسفية أثناء أو بعد عمليات اعتراض وإنقاذ البحر. وشملت هذه الضرب والسرقة وترك القوارب بدون محركات وقلب القوارب. كما استخدم خفر السواحل الغاز المسيل للدموع واستهدف الأفراد الذين حاولوا تصوير أفعالهم.
• التمويل والدعم من الاتحاد الأوروبي: قدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الفردية، ولا سيما إيطاليا، تمويلا ومعدات وتدريبًا كبيرا لقوات الأمن التونسية، بما في ذلك خفر السواحل وقوات الأمن الداخلي، لإدارة الحدود ومراقبة الهجرة. وقد أثار الدعم مخاوف لأنه قد يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان.
ودعت المنظمة الاتحاد الأوروبي أن يفكر بعناية فيما إذا كانت تونس تفي بمعايير تعيين دولة ثالثة آمنة للعودة أو نقل رعايا الدول الثالثة، بالنظر إلى الانتهاكات الموثقة ضد المهاجرين وطالبي اللجوء في البلاد.
يجب على البرلمان الأوروبي أن يسعى للحد من الاستخدام التقديري لمفهوم “الدولة الثالثة الآمنة” من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الفردية وأن يضع معايير واضحة لتعيين دولة ما على أنها “دولة ثالثة آمنة”.
على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء تعليق التمويل والدعم لقوات الأمن التونسية لمراقبة الحدود والهجرة، وربط المساعدات المستقبلية بمعايير حقوقية يمكن التحقق منها.
على الحكومة التونسية التحقيق في جميع الانتهاكات المبلغ عنها ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين، ومحاسبة المسؤولين، وتنفيذ إصلاحات لضمان احترام حقوق الإنسان وإنهاء التمييز العنصري والعنف.
موقف منظمة العفو الدولية Amnesty international
دعت منظمة العفو الدولية السلطات التونسية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوضع حد للهجمات على المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة السود. وتطالب المنظمة بإجراء تحقيقات في حوادث عنف الشرطة، والإفراج عن المهاجرين المحتجزين تعسفيا، واتخاذ تدابير لمنع المزيد من الهجمات ذات الدوافع العنصرية. تشدد منظمة العفو الدولية على أن السلطات التونسية يجب أن تعطي الأولوية لحقوق الإنسان في سياساتها المتعلقة بالهجرة وأن تدين بشدة خطاب الكراهية والعنصرية. يتضمن التقرير مقابلات أجرتها منظمة العفو الدولية مع شهود وضحايا، وقدمت أدلة على العنف والتمييز الذي يواجهه المهاجرون الأفارقة السود في تونس.
مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأوروبي وتونس:
وقع الاتحاد الأوروبي وتونس مذكرة تفاهم لـ “شراكة استراتيجية شاملة” تركز على الطاقات المتجددة، والتنمية الاقتصادية، والهجرة غير النظامية. كانت تونس نقطة انطلاق للعديد من المهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. الاتفاقية، التي رحبت بها رئيسة المفوضية الأوروبية أور سولا فون دير لاين، تهدف إلى الاستثمار في الرخاء المشترك. وانضم كل من رئيسة الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني ورئيس الوزراء الهولندي مارك روته إلى فون دير لاين في تونس بعد اقتراح الشراكة خلال زيارتهما السابقة. وتعتبر ميلوني أن هذه الخطوة مهمة في معالجة أزمة الهجرة، وقد تمت دعوة الرئيس التونسي قيس سعيد لحضور قمة الهجرة في روما. شملت المذكرة الصفقة 105 ب مليون يورو كمساعدة لمكافحة الهجرة غير النظامية و150 مليون يورو كمساعدة للميزانية، لمعالجة الصعوبات المالية في تونس. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال 900 مليون يورو في شكل قروض لتونس في السنوات المقبلة.
لاقت هذه المذكرة وما جاء فيها ردود أفعال كبيرة معارضة لها من قبل الشارع التونسي، حيث اعتبارها العديد من المحللين أنها تحمل تناقضات عديدة بالرغم على تنصيصها على أن تونس ليست أرض توطين للمهاجرين إلى أنها في نقس الوقت تقتضي إعادة المهاجرين من غير التونسيين الذين يتم اعتراضهم في البحر إلى تونس، كما أنها تستهدف المهاجرين الغير شرعيين التونسيون المتواجدين حاليا في أوروبا من خلال قبول تونس بترحيلهم من الدول الأوروبية.
التوصيات
1. على السلطات التونسية والليبية والجزائرية التنسيق أكثر فيما بينها لمجابهة ظاهرة الهجرة الغير شرعية، فغياب التنسيق بين هذه الأطراف سبب رئيسي وراء هذه الأزمة.
2. الضغط أكثر على الدول الأوروبية لإيجاد حلول حول ملف الهجرة في المنطقة ككل وتوفير حلول تنموية للحد من الظاهرة وليس التنسيق فيما يتعلق بالحلول الأمنية.
3. وجب على تونس تجنب الحلول الأمنية وحل الأزمة ضمن القنوات الديبلوماسية وأخذ القضية إلى أروقة الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة.
4. التسهيل في اجراءات الحصول على وثيقة الإقامة للمهاجرين وخاصة عبر دفع أصحاب المؤسسات الذين يقومون بتوظيف المهاجرين بصفة غير قانونية إلى استصدار أذون عمل لهم وتأمينات، ومعاقبة كل من يقوم باستغلال هؤلاء المهاجرين من خلال توظيفهم بطرق غير قانونية.
5. أهمية أن تضطلع الهيئات الدولية المعنية بالمهاجرين، بمهامها لمعالجة حالات هؤلاء المهاجرين حتى لو كان البرنامج هو إعادتهم إلى بلدانهم ولكن يصبح مهما ان تكون جزءا الحلول.
6. مراقبة الحدود البرية أكثر والضغط على العصابات التي تقوم بتهريب المهاجرين من الجزائر وليبيا نحو تونس وذلك عبر التنسيق أكثر مع الطرفين الليبي والجزائري.
7. توثيق بيانات المهاجرين المتواجدين في تونس، وتوزيعهم على أحياء مختلفة ومتفرقة وليس تجميعهم في مكان واحد، تفاديا للصدام وتشجيع لاندماج ضمن المجتمع المحلي.
8. التنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية لإغاثة المهاجرين.