إصداراتتحليلات

أزمة لاس عنود تعيد فتح ملف إقليم صومالي لاند إلى الواجهة هل يعيد الدراويش الصومال موحدا؟؟

إعداد فريق المركز

مقدمة
خضع إقليم صومالي لاند للاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر وفي يونيو 1960 نال استقلاله وهي نفس السنة التي خرج فيها الاستعمار الإيطالي من الصومال، وفي يوليو من العام ذاته اعلن الصومال الموحد، واستمر الحال على هذا النحو حتى نهاية حكم الرئيس الأسبق محمد سياد بري 1990 ووقوع الصومال تحت نفوذ أمراء الحرب وتدهور الأوضاع حتى أصبح ساحة للحرب الأهلية وأعلن الصومال دولة فاشلة، تتقاتل فيها المليشيات القبلية.

في 1984 أسس عدد من السياسيين المنتمين إلى صومالي لاند حركة تحت اسم “حركة تحرير صومالي لاند” وهي حركة سياسية عسكرية ناضلت مثلها مثل المنظمات الأخرى ضد استبداد سياد بري، واتخذت الحركة لندن مقرا سياسيا لها، كما اتخذت من الإقليم الصومالي في إثيوبيا مقرا عسكريا لها، وعند سقوط نظام سياد بري سيطرت الحركة على إقليم أرض الصومال وأعلنت عن إقامة حكومة مستقلة في 1991 منهية بذلك مشروع الصومال الموحد.

منشأ النزاع في لاس عنود
مدينة لاس عنود هي عاصمة إقليم سول وهي إحدى المناطق الإدارية ال 13 التي تشكل صومالي لاند، وقبل 2007 كانت لاس عنود تدار من قبل إقليم بونت لاند ولكن القوات المحلية لإقليم صومالي لاند استولت عليها بالقوة في 2007 وأخضعتها لإدارتها، ومنشأ الخلاف قام على أساس أن إقليم بونت لاند يعتبر أن حدود الإقليم هو حيث تنتهي المجموعات القبلية المنتمية للإقليم وامتداداته، وهو ما تراه قيادة إقليم صومالي لاند خطأ حيث ترى أنه يجب ان تخضع الأقليات القبلية المقيمة في الإقليم لها، وهي تعتمد على الحدود الاستعمارية للإقليم منذ فترة الاستعمار البريطاني، وهو المنهج الذي اتفقت عليه الدول الإفريقية وتم إقراره في الاتحاد الإفريقي منذ تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية في 1963.

مشكلة سول _ ساناق
ظل الخلاف قائما بين إدارتي بونت لاند وأرض الصومال حول المنطقة مصحوبا بمواجهات عسكرية أحيانا كثيرة  بالرغم من المحاولات التي بذلت في العقد الأخير من القرن المنصرم في المصالحة بين القبائل في لاس عنود حيث تصالحت قبيلة دولبا هانتي و قبيلة وار سنجلي مع عشائر إسحاق المهيمنة على إقليم أرض الصومال، ولكن سرعان ما كانت تتوتر الأوضاع لدرجة ان ذهب بعض قادة الدراويش لتأسيس جبهة في كينيا من أجل مقاومة توجه حكومة إقليم أرض الصومال التي تصر على الاستقلال الكامل والبحث عن اعتراف دولي ومنذ 2002 ظلت الأوضاع تتصاعد ثم تنخفض لتتصاعد مرة أخرى.
تفجر النزاع مرة أخرى في المنطقة في 2018 بين القوات الموالية للإقليمين وتقدمت قوات صومالي لاند على حساب بونت لاند خاصة في منطقة سناق(SANAG) وتقطن المنطقة قبائل دولبهانتي ووار سنقلي اللتين تنتميان إلى قبيلة الدارود الذي تسيطر على إقليم بونت لاند، وترغب القبيلتان الانضمام للصومال الموحد وبالتالي لا ترغبان في الاستمرار تحت حكم أغلبية العيسى الذين يهيمنون على إقليم صومالي لاند

أسباب التوترات الأخيرة
في العام 2021 أقدمت سلطات إقليم أرض الصومال على تهجير 6000 مواطن صومالي بحجة عدم انتمائهم لأرض الصومال، وقال رئيس صومالي لاند موسى بيحي عبدي يكفي أننا استضفناهم طيلة 30 سنة مضت ولم يعد في مقدورنا المواصلة، مما فاقم الأمر، بالمقابل استمرت حكومة بونت لاند مطالبة موسى بيحي رئيس صومالي لاند بضرورة سحب قواته من لاس عنود
تصاعد الأمر أكثر عندما أعلن موسى بيحيي تأجيل الانتخابات والتمديد عامين ما دفع إلى ازدياد التوتر في الإقليم، وصل الأمر إلى قمته عندما تم اغتيال أحد مسئولي الإقليم في يناير الماضي وأشعل فتيل المواجهات العشائرية من جديد ليذكر الناس بالحروب الأهلية الدامية في عقد التسعينيات من القرن الماضي.

العودة إلى الحرب
في بداية فبراير الماضي اندلعت المواجهات بين المعارضين لحكومة أرض الصومال وقوات الإقليم مدفوعة بعدد من العوامل أهمها مطالبة القبائل المدعومة من بونت لاند بأنها لا تؤمن إلا بالصومال الموحد وهو مطلب يجد دعما سخيا من الحكومة المركزية الصومالية، مع تاريخ باذخ من النضال ضد المستعمرين البريطانيين بقيادة السيد محمد عبد الله حسن المعروف بالدرويش.

كانت نتائج المواجهات نزوح أعداد كبيرة من الصوماليين إلى إثيوبيا حيث تفيد ان ما يزيد على 60 الف وصلوا الأراضي الإثيوبية حسب وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بينما يصل عدد النازحين إلى أكثر من 190 ألف يشكل الأطفال والنساء 90% منهم فيما قتل ما زيد على 250 قتيل غير مئات الجرحى جراء المواجهات بين الطرفين

رواية سلطات الإقليم(أرض الصومال)
نشرت سلطات إقليم أرض الصومال تصريحات وبيانات توضح روايتها للأحداث وهي أن تضليلا منظما وموجها ومدعوما جرى لقطاعات عريضة من المجتمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما انها تؤكد أن المليشيات جندت صبية صغار من كينيا لتزج بهم في المواجهات الجارية، وأن متمردي حركة الشباب وداعش نتشطان مع المليشيات وتتهم جهات بعينها في نيروبي تساهم في تجنيد الشباب وتسليحهم وارسالهم للمزيد من الفوضى في لاس عنود.

الجهود الدبلوماسية
بعد الأحداث العنيفة في 2018 بذلت منظمة الإيغاد(IGAD )وممثل الأمم المتحدة في الصومال جهودا كبيرة من أجل تهدئة الأوضاع وإيقاف المواجهات العسكرية ونجحت في ذلك بالوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق نار غير رسمي، وبعد تفجر الحرب في فبراير تم التوصل لوقف إطلاق النار في 10 فبراير ولكن بعد بيان العشائر في سول التي تقع ضمن منطقة لاس عنود تؤكد فيه على دعمهم وحدة وسلامة جمهورية الصومال الفيدرالية، استؤنف القتال العنيف بين الأطراف.
في منتصف فبراير الماضي ومع احتدام الصراع اجتمع رئيس إقليم أرض الصومال السيد عبدي بيحيي بالقيادات التقليدية في محاولة لبحث سبل إيقاف الاقتتال وطلب منهم زيارة سول والالتقاء بالزعماء التقليديين هناك وبحث مخرج للأوضاع قبل ان تنزلق وتتوسع إلى حرب أوسع نطاقا مما هي عليه وأن حكومة الإقليم تتحمل مسؤوليتها في إعادة السلام إلى المنطقة.

جهود جيبوتي في الوساطة
تبادل الرئيس الصومال حسن شيخ محمود والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله الزيارات في الأشهر الأخيرة من العام 2022، وحاول الرئيس الجيبوتي التوسط بين الحكومة الصومالية وحكومة إقليم أرض الصومال وفي زيارة جيله لمقديشو في يناير الماضي وافق الرئيس الصومالي على وساطة جيله إلا أن الشروط المسبقة لرئيس أرض الصومال والتي في مقدمتها الاعتراف بالتفاوض على أساس متساو دولة مقابل دولة منع من الوصول إلى نقاط اتفاق لبدء الحوار، وقبل ذلك استقبل الرئيس حسن شيخ محمود وفدا تركيا ونرويجيا بهدف فتح قنوات التفاوض ولكن لم يرى النور بل ذهبت الأطراف إلى التصعيد أكثر.

الجهود الأمريكية
زار وفد من البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الصومال هرجيسا عاصمة إقليم أرض الصومال وطالب الأطراف المتقاتلة وقفا فوريا غير مشروط لإطلاق النار، وكان الوفد برئاسة القائم بأعمال السفارة الأمريكية في مقديشو تيم ترينكل، حيث أجرى الوفد عدد من اللقاءات برئيس الإقليم موسى بيحي وناقش كذلك فرص فتح الحوار بين حكومة الصومال وإقليم أرض الصومال. (وقالت السفارة الأمريكية في الصومال، في بيان، إن الولايات المتحدة تنضم إلى المجتمع الدولي في الدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق).

حصيلة المواجهات وراهن الموقف
تختلف الروايات في حصيلة القتلى والجرحى والنازحين نتيجة المواجهات بين قوات الأمن الإقليمية وقوات مليشيات القبائل الرافضة لحكومة الإقليم، فبينما تفيد مصادر حكومة الإقليم أن اعدد القتلى بلغ 96 شخصا والجرحى 560 تفيد مصادر القبائل ومليشياتها أن القتلى بلغ عددهم 150 والجرحى 500 والنازحين يزيد عددهم على 60 الف شخص وفي بعض التقارير 185 الف نازح ولاجئ لأن البعض خرج من حدود الصومال إلى إثيوبيا المجاورة فرارا من الحرب.

خاتمــــــــــــــة
في ظل تعنت قادة إقليم صومالي لاند ورفع سقف التفاوض مع مقديشو وتململ الصوماليين وتراجع الأداء في الإقليم وعدم تحقق الهدف الرئيس من إعلان الانفصال، يجعل الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات، خاصة مع توافر تجربة طويلة في الحروب الأهلية.
وتفاديا لانزلاق الأوضاع في الإقليم فقد أصدرت عدد من الدول ضم الولايات المتحدة وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة بيانا عبرت فيه عن قلقها بشأن القتال الدائر حول البلدة المتنازع عليها في منطقة أرض الصومال الانفصالية شمال الصومال، ولكن ربما المطلوب هو تدارك معالجة المشكلة قبل تدهور الأوضاع وهو أمر بحاجة إلى وساطة مقبولة للطرفين، تبدأ بفتح ملف الإقليم من جديد.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى