إصداراتتحليلات

إثيوبيا من أزمة إلى أخرى .. كيف تهزم أزمة الأمهرا مشروع حزب الازدهار

إعداد: فريق المركز

بعد حرب استمرت لعامين ونيف بين الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وقوات جبهة تحرير التقراي التي أصبحت لاحقا قوات دفاع التقراي، وبعد وساطات فاشلة من قبل الاتحاد الإفريقي، نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، في جلب الأطراف إلى طاولة المفاوضات ما أدى إلى توقيع اتفاق في بريتوريا، جنوب إفريقيا، في نوفمبر 2022، وما أن سكتت البنادق في إقليم التقراي، إلا وكان لها راي آخر في إقليم الأمهرا، ما هي طبيعة الأزمة وما ابرز محركاتها، ودوافعها، وإلى اين تقود إثيوبيا.

الأمهرا في معركة التقراي
في منتصف 2019 دخل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ورئيس حزب الازدهار ، في خلاف مع النخب  الأورومية على خلفية اغتيال المغني الأرومي الثائر هشالو هونديسا واعتقل أبي أغلب القادة السياسيين، وقادة شباب الثورة التي صعد ابي بسببها للحكم، فلم يكن أمامه، سوى التحالف مع الأمهرا في ترسيخ حكمه المركزي ورؤيته في التعاطي مع الفيدرالية الإقليمية التي أسس لها التقارير طيلة فترة حكمها التي امتدت إلى 28 عاما، وعندما نشب الخلاف مع التقراي، وتوترت الأوضاع بين الطرفين كان الأمهرا جاهزين للتصدي للتقراي خاصة وأن خلافاتهم معهم، في مناطق متنازع عليها في مناطق ولقايت ورايا، والحمرا فكانوا جزءا رئيسيا من القوة التي ضرب بها ابي التقراي.

استحقاق بريتوريا وقرارات حل المليشيات
وبعد مشكلة التقراي وتجربة القوات الإقليمية التي نشأت بطرق خارجة عن القانون، إلى جانب قوات الشرطة الإقليمية، أحست الحكومة الإثيوبية بالخطر الذي يمكن أن تشكله على نظامه في المستقبل، وما يمكن أن تضعه من عقبات ضد تنفيذ الحكم المركزي الذي يتبناه أبي أحمد، أصدر قرار في 9 أبريل 2023 حل المليشيات، وتعهد ابي بتنفيذ قرار حل المليشيات، مهما كان الثمن من أجل وحدة إثيوبيا ومن أجل سلام الشعب، ودعا إلى ترتيب، دمج القوات الإقليمية إلى الجيش الفيدرالي والشرطة الإقليمية أو الحياة المدنية، وقال في تصريح له إن “إثيوبيا واجهت صعوبات.. فيما يتعلق بالقوات الخاصة الإقليمية”، لافتا إلى وجود نقاط تفتيش غير قانونية وتهريب وقطع طرق.هذا إضافة إلى أن حل المليشيات كان جزء من اتفاق بريتوريا لجهة أن حل قوات دفاع التقراي يستلزم حل بقية المليشيات في الأقاليم المختلفة وهو ما رأته عدد من القوات الإقليمية الرسمية وغير الرسمية أمرا يستهدف إضعاف الأقاليم في ظل استمرار القضايا الكثيرة العالقة بينها.

رفض القرار ومخاوف الأمهرا
بدا القرار بالنسبة لمليشيات الأمهرا مهددا خاصة وأنهم ما تزال لديهم عدد من الملفات بحاجة إلى حسم، ومناقشات جادة وانطلقت التظاهرات الرافضة لقرار الحكومة الفيدرالية في كل مناطق إقليم الأمهرا، واتسع نطاق الرفض شيئا فشيئا حتى أصبح خارج نطاق السيطرة تماما، حاولت الإدارة الإقليمية في الأمهرا إزالة المخاوف بشرح أهداف القرار وطبيعته، واعتبروا ان ما جرى من تظاهرات كان نتاج سوء فهم للقرار، ولكن ثبت أن عدد من نخب الأمهرا وسياسييها بما في ذلك جماعات الشتات كانوا في قمة الوعي والإدراك بما يدور وليس مجرد سوء فهم لقرار حل المليشيات.

دوافع الأمهرا لرفض القرار
يدفع الأمهرا في رفضهم لقرار الحكومة الفيدرالية إحساس بتجاهل الدور الذي قاموا به في حرب التقراي خاصة وانهم دفعوا ثمنا لذلك، وبالتالي فإنهم يجب أن يكافأوا على النصر الذي تحقق على التقراي الذي يعتقدون أنهم من أنجزه ومن دفعوا ثمنه، وبالتالي فإن مطلب نزع السلاح  يعتبرونه، خيانة لجهدهم وتنكرا لدورهم، قال أحد قيادات المليشيا الأمهراوية: “إن محاولات إدارة آبي أحمد لنزع سلاحنا يعد بمثابة التنكر لدورنا المحوري في تحقيق النصر”، مؤكداً “أننا لن نتنازل عن المكاسب التي حققناها، والتضحيات التي دفعت من دماء وأرواح مقاتلينا خلال العامين الماضيين، وأننا لن نلقي سلاحنا لمجرد ورود بند في اتفاقية لم نكن طرفا فيها”، ويكشف هذا حجم الغضب في أوساط الأمهرا من قرار حل المليشيات الإقليمية.
في ذات السياق، ترى نخب الأمهرا أن إلقاء السلاح في هذه المرحلة المبكرة من الصراع قبل التوصل إلى حلول للقضايا والمناطق المتنازع عليها، بين الأقاليم المختلفة يعتبر قتل لقضاياهم لصالح أطراف أخرى وإضعاف لمكونهم لحساب أقاليم تعتبر متنافسة معهم، إشارة إلى المناطق المختلف عليها مع التقراي والأرورمو، مع بقاء الأرورمو المسلحين والذي يعملون خارج نطاق القانون والذين يمكن أن يشنوا حملات عسكرية عليهم في أي وقت، إضافة إلى أشواق الأمهرا إلى ايام حكمهم الذي أخضع كل الشعوب الإثيوبية منذ القرون الوسطى وإلى سقوط حكم الإمبراطور هيلي سلاسي في 1974 وربما ترى بعض نخبهم أن الفرصة مواتية في ظل إضعاف التقراي وهم المنافسين التقليديين للأمهرا للعودة إلى الحكم.

تصاعد الرفض واتساع الموجهات
بدأت المليشيات في إقليم الأمهرا مستفيدة من بيئتها الداخلية، في ترتيب جمع المسلحين خارج المدن الكبيرة وفي المناطق النائية، مع تكثيف التواصل مع الجاليات في الخارج طلبا للدعم المالي وانطلقت في خطتها على عدد من المسارات:
الهجوم على المراكز الحكومية والاستيلاء على الأسلحة ومن ثم تسليح العناصر المقاتلة
• تصفية بعض العناصر الموالية للحكومة الفيدرالية من سياسيين وعسكريين بالتركيز على قيادات حزب الازدهار وقادةHG شرطة لتقليل معارضة المليشيات وتوحيد صفوف الأمهرا
• تأسيس مزيد من المليشيات في المناطق التي لا توجد بها أو تقل الأعداد فيها من العناصر المسلحة
• فتح مراكز تدريب وإرسال بعضهم إلى إرتريا بغرض الإعداد والتأهيل، والتسليح وقد استفادت مليشيات فانوا من إرتريا كموقع للتدريب والتجهيز خاصة مع سيطرة الأمهرا على المناطق المتنازع عليها مع التقراي.
• فتح قنوات تواصل مع الأمهرا في الشتات، من أجل جمع المال، وقد تم إقامة حملات  تبرع للمليشيات بمئات الآلاف من الدولارات بالذات من المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية
• استدعاء بعض القادة السياسيين ليقودوا التعبئة الداخلية وقد وجدت تفاعلا حتى من بعض الأحزاب المتحالفة مع حزب الازدهار لأنهم يعتقدون أن هذه المعركة مصيرية وتستحق ذلك.

خروج الإقليم عن السيطرة
مع إصرار الطرفين على تنفيذ رؤيته عمدت مليشيات الأمهرا التي أعدت لمعركة واسعة على القيام بهجمات واسعة على المراكز الحكومية، بداء من المحليات النائية، والمناطق الأكثر ولاء للمليشيا، وبدأت بمناطق كوبو، ووللو وقوجام وتطورت إلى أن استولت على لالي بيلا المدينة المقدسة عند الأرثوذوكس، وحققت المليشيا انتصارات على الجيش الفيدرالي، في عدد من المناطق ما شجعها للزحف نحو المدن الكبيرة مثل قندر المركز التاريخي للأمهرا وبحر دار عاصمة الإقليم الحالية، وعندها أعلن رئيس الإقليم خروجه عن السيطرة وطلب دعم المركز ما دفع الحكومة الفيدرالية لإعلان حالة الطوارئ.

إعلان حالة الطوارئ والهجوم المضاد
إزاء تفاقم الوضع في الإقليم وخروجه عن السيطرة أعلنت الحكومة الفيدرالية حالة الطوارئ لفترة ستة أشهر، وقامت الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات في أوساط الأمهرا في العاصمة أديس أبابا وحسب بعض المصادر المحلية  فإن السلطات اعتقلت خلال أيام معدودة من إعلان الطوارئ ما لا يقل عن 6 آلاف من الأمهرا كما فرضت قيودا على حركة الدراجات النارية والباجاجات ( الدراجات ذات ثلاث إطار) وتم قطع خدمات الانترنيت عن الاقليم تماما قبل أسبوع من إعلان الطوارئ، وقامت بإعداد قوات ضاربة لمواجهة الفوضى التي ضربت الإقليم، وتمكنت من استرداد المدن الرئيسية، مع انضمام عدد كبير من قوات الإقليم للمليشيات التي تقاتل الجيش المركزي، ما وسع نطاق الحرب لتصبح حربا شاملة وليست مناوشات محدودة هنا وهناك.
بعد اشتباكات استمرت أسبوعا بعد إعلان حالة الطوارئ في الإقليم أعلنت الحكومة الإثيوبية أنها حققت نصرا على مليشيا فانو، وأعادت الحياة الطبيعية في منطقة الأمهرا، كما صرح المسؤولين الحكوميين بأن المليشيا لم تستفد من فرصة إلقاء السلاح التي أتيحت لها، وتم تطبيق قانون الطوارئ وتمكنت الحكومة من استعادة السيطرة على مدن بحردار وقندر وشوا روبيت  ولا ليبيلا ومواقع أخرى في منطقة قوجام.

فانوا تحكم سيطرتها على مناطق النزاع مع التقراي
اعلن وزير الدفاع الإثيوبي أبراهام بيلاي قبل أيام عزم الحكومة الفيدرالية لتفكيك سلطة الأمر الواقع التي خلقتها المليشيات في المناطق المتنازع عليها جنوب التقراي، وتعيين إدارات جديدة، إن الأعمال جارية لإعادة مئات الآلاف من النازحين من غرب وجنوب تغراي، خلال الحرب التي استمرت عامين بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تغراي، إلى ديارهم، وأشار إلى أنه عقب القرار الذي اتخذته الحكومة الفيدرالية بحضور قادة ولايتي إقليم أمهرا وتجراي، بدأت الأنشطة لإعادة النازحين بشكل كامل من المناطق الخاضعة حاليا لاحتلال إقليم أمهرا، وكرد فعل على توجه الحكومة لإعادة ترتيب ملفات منطقة غرب التقراي، وخوف الأمهرا من عودة المنطقة إلى سيطرة التقراي عمدت مليشيا الأمهرا بالسيطرة الكاملة على المناطق المتنازع عليها، وقامت يتشريد عشرات الآلاف من قومية التقراي، حسب تقارير صحيفة أديس استاندرد، واعتقلت أعداد أخرى. أفادت التقارير أن حوالي 50 ألف من التقراي الذين كانوا متواجدين في المنطقة اضطروا للنزوح خارج المنطقة بعد هجمات الأمهرا.

تكرار سيناريو التقراي
وبعد الهجوم الكبير الذي قام به الجيش الفيدرالي، بعد إعلان حالة الطوارئ وحملة إنفاذ القانون، تراجعت مليشيا فانو إلى الجبال وهو السيناريو الذي نفذته قوات دفاع التقراي في الهجوم الكبير في بداية نوفمبر 2020، لتعود بعد ترتيب صفوفها لمهاجمة المدن الرئيسية وتعيد الاستيلاء عليها، الأمر قد يتكرر في إقليم الأمهرا، وخاصة مع التأييد والاحتضان الكبيرين الذي تجده المليشيا من الشعب في الإقليم، ومن الأمهرا في الشتات، بالدعم المالي والمعنوي، وانخراط عدد من البرلمانيين، وجنرالات سابقين وسياسيين متحالفين مع حزب الازدهار، يزيد المشهد تعقيدا، ويضع حكومة أبي أحمد في موقف حرج، للثقل السياسي والاجتماعي الذي يمثله الأمهرا فضلا عن تاريخهم الطويل في الحكم، لأن الحالة ليست معزولة، وقد تتسبب في تداعيات لا تقل عنما حدث في إقليم التقراي، في ظل ارتباط إقليم الأمهرا بمشكلات مع التقراي والأرومو على السواء إضافة إلى علاقاتهم القوية مع النظام الإرتري الذي يلتقي مع الأمهرا في رفضه لاتفاقية بريتوريا مع جبهة تحرير تقراي.

الإجراءات الحكومية ضد الأمهرا
وعلى ذات النهج الذي تعاملت به في التقراي، لا تستطيع حكومة الاقليم ان تكون في مواقع المسؤولية في الإقليم، وستظل في العاصمة الفدرالية، مؤقتا، ولكن المشكلة الأكبر هي أنه ليس هناك إجماع بين قيادة حزب الازدهار على طريقة إدارة الملف، حتى بين أبي ونائبه لإقليم الأمهرا دميقي مكونن، مع تشدد ابي الذي يرى أن أي تهاون سيزيد المليشيا قوة ولذلك حاول منذ شهور تجفيف منابع دعمها بتجميد حسابا رجال أعمل من الأمهرا ( 35 رجل أعمال) واثنين من العفار بتهمة دعم مليشيا فانو، وانحياز أغلب كوادر حزب الازدهار للتمرد المسلح في الإقليم. كما أن الاعتقالات الكبيرة وسط الأمهرا في العاصمة أديس زاد من التوتر، وتطرف الأمهرا.

ما الذي يمكن أن يفعله أبي أحمد
على الرغم من أن قسما من الأمهرا كان ضمن التحالف الذي صعّد أبي أحمد إلى الحكم في 2018 إلا أن المجموعات المتطرفة رفضت قيادته منذ البداية، ولعل المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها الجنرال تسامينو تسيجي والذ كان يشغل منصب المسؤول الأول عن الأمن في إقليم الأمهرا  في 2019 تقف شاهدة على موقف التيار المتطرف من الأمهرا، من أبي أحمد وقيادته للبلاد، ولهذا فإن النقاش الذي يدور وسط النخب من الأمهرا هو أهمية استعادتهم للحكم بعد اسقاط أبي أحمد، وهو ما يدركه ابي احمد ويتعامل على أساسه، بتبني سياسة كسر العظم والإضعاف كما فعل مع التقراي.
يلحظ المتابع للشأن الإثيوبي، بأن توجهات الحكومة الفيدرالية هو الحسم العسكري، دون أي تراجع عن قرار حل المليشيا، أيا كان الثمن، لأنه يوفر أرضية مستقبلية مناسبة لترسيخ الحكم المركزي الذي يتبناه رئيس الوزراء، وهو يدرك بأن ما ترسخ لما يقرب من 30 عاما سيحتاج جهودا جبارة واثمان باهظة إذا استدعى الأمر ذلك. فهل ستمضي الحكومة الفدرالية نحو الحسم العسكري أم تستجيب لنداءات بعض أصدقاء إثيوبيا وبعض رجال الدين المسيحي الذي دعوا الأطراف إلى حل بالحوار والتفاوض وصولا لإنهاء الخلافات البينية.
بين الحل العسكري الذي يصر عليه ابي أحمد، ورفض غالبية الأمهرا لنزع السلاح ودمج المليشيا تظل الآفاق محدودة أما صناع القرار في أديس أبابا، فيبدوا أننا أمام معركة صعبة وربما مصيرية بالنسبة لمستقبل إثيوبيا، فاستراتيجية حزب الازدهار هو بناء دولة مركزية وهذا يقتضي إنهاء السلطات التي منحها الدستور السابق للأقاليم وهو ما ترفضه بعض الأقاليم التي تطمح في أن تنال أكثر من نصيبها في كعكة الحكم على المستوى الفيدرالي. ومن أجل تحقيق ذلك فإن ابي أحمد ليس أمامه سوى صياغة تحالفات جديدة، بالتفاهم مع التقراي ومهادنة الأرومو من أجل إحكام السيطرة على كل الجغرافيا الإثيوبية عبر القوة العسكرية الضاربة، ولكن ما يشكك في هذا السيناريو هو أن الأمهرا في غالبيتهم يتبنون مواقف متشددة من طرح الحكومة الفيدرالية. في ذات الوقت فإن المواقف المتطرفة التي تتبناها مختلف الأطراف السياسية والعسكرية  من الأمهرا ودعم الشتات له سيزيد الهوة بين الطرفين، وهو ما سيقود البلاد نحو مستقبل محفوف بالمخاطر ومهدد لتماسكها، ويتطلب من حكومة أبي أن تبحث عن حلول مرنة، ببث التطمينات وتبديد الخوف الذي يتلبس القوم، ومن ثم العبور إلى نقطة الحوار الجاد للحلول النهائية.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى