إصداراتتحليلات

إفريقيا في بؤرة الاهتمام الأمريكي: انطلاق الاستراتيجية الجديدة في إفريقيا

إعداد فريق المركز 

قراءة في زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين لإفريقيا

تعد الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها كبار المسؤولين الأمريكيين إلى إفريقيا في إدارة بايدن في الفترة الأخيرة جزءًا من جهود الإدارة لزيادة مشاركة الولايات المتحدة مع القارة. حيث تعكس هذه الزيارات خروجا عن مقاربات الإدارات السابقة تجاه إفريقيا. شكل دور الصين في إفريقيا محورا رئيسيا لهذه الزيارات، حيث أصبحت الصين أكبر شريك تجاري ثنائي لأفريقيا واستثمرت بكثافة في مشاريع البنية التحتية من خلال مبادرة الحزام والطريق (BRI)، ومن جهة أخرى تفاقم النفوذ الروسي في القارة وخاصة عبر ذراع موسكو العسكري المتمثل في قوات فاغنر الخاصة. وتندرج هذه الزيارات الأمريكية ضمن هذا السياق المتحور حول صراع القوى الدولية في إفريقيا، يتناول هذا التقرير أهم محاور هذه الزيارات ومخرجاتها وسياقات الرؤية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا.

جولة نائبة الرئيس الأمريكي كمالا هاريس في إفريقيا
خلال رحلتها التي استغرقت أسبوعا إلى إفريقيا والتي بدأت في يوم 26 مارس 2023، زارت نائبة الرئيس كامالا هاريس زامبيا وغانا وتنزانيا. في زامبيا، أعلنت عن استثمارات للقطاع الخاص بقيمة 7 مليارات دولار لتعزيز إنتاج الغذاء والتصدي لتغير المناخ. في غانا، قادت هاريس مناقشة حول رائدات الأعمال وأعلنت عن مبادرة عالمية بقيمة مليار دولار لدعم رائدات الأعمال في إفريقيا. في تنزانيا، التقت بالرئيسة سامية صلوحو حسن وأشادت بجهودها في تمكين القيادات النسائية.

أطلقت هاريس مبادرات جديدة لتعزيز العلاقات التجارية ودعم الديمقراطية والحكم الرشيد في اجتماعات مع رؤساء غانا وتنزانيا وزامبيا. وسلطت الضوء على رغبة القادة الأفارقة ورجال الأعمال الشباب في زيادة الاستثمارات في القارة.

كما تناولت نائبة الرئيس الفوارق الرقمية في جميع أنحاء إفريقيا، معترفةً بأن بعض المجالات تقود الحلول الرقمية بينما يتخلف البعض الآخر عن الركب. وتعهدت بدعم الولايات المتحدة لسد هذه الفجوات وتعزيز الشراكات الرقمية.

جولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إفريقيا
قام وزير الخارجية أنطوني بلينكن بزيارة إثيوبيا والنيجر امتدت من 13 إلى 17 مارس 2023، حيث سلط الضوء على أهمية العدالة الانتقالية والمساءلة في إثيوبيا  وشدد على حاجة البلاد إلى إحراز مزيد من التقدم في تنفيذ اتفاقية سلام مع منطقة تقراي الشمالية قبل تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة.
وخلال زيارته للنيجر، أشاد بلينكن بالنيجر كنموذج للصمود والديمقراطية والتعاون في المنطقة. وأعرب عن مخاوفه من توسع المرتزقة الروس، محذرا من أن وجودهم لن يؤدي إلى نتائج إيجابية للدول التي تحتضنهم. وأشار بلينكن إلى عدم وجود استجابة فعالة لانعدام الأمن في المناطق الأخرى التي تعمل فيها مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية، كما أعلن عن تقديم 150 مليون دولار كمساعدة مباشرة لمنطقة الساحل بأفريقيا

زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين للسنغال
بدأت وزيرة الخزانة جانيت يلين رحلتها في السنغال يوم الثلاثاء 17 يناير 2023، حيث ناقشت المساعدة الأمريكية في بناء مزرعة الرياح، وسلطت الضوء على تمويل معهد الصحة العامة الوطني في زامبيا.

تعهدت يلين بشراكة بين الولايات المتحدة وأفريقيا في التنمية والاستثمار والتجارة، مع التركيز على مجالات مثل المناخ والصحة والأمن. وسلطت الضوء على الإمكانات الاقتصادية الكبيرة لأفريقيا بسبب سكانها الشباب، وتنامي الطبقة الوسطى، والأسواق الناشئة.

في كلمتها، عارضت يلين مقاربات الولايات المتحدة وروسيا والصين. وانتقدت تصرفات روسيا في أوكرانيا، والتي قالت إنها ساهمت في الفقر والجوع في إفريقيا. ودعت يلين إلى إنهاء “الحرب غير الشرعية” الروسية واتهمت روسيا باستخدام الغذاء كسلاح. وفيما يتعلق بالصين، أعربت عن مخاوفها بشأن المديونية المفرطة للعديد من البلدان الأفريقية للصين ودعت المجتمع الدولي إلى تخفيف عبء الديون بشكل كبير.

كما شددت يلين على أن التزامات الولايات المتحدة في إفريقيا تأخذ في الاعتبار مخاطر الديون وتعطي الأولوية للمساءلة والشفافية. وأشارت إلى أهمية الحكم الرشيد والمسؤولية البيئية في الحكومات والمؤسسات الأفريقية، واقترحت نهجا مختلفا مقارنة ببعض البلدان الأخرى، بما في ذلك الصين.
والتقت يلين في السنغال بالرئيس السنغالي ورئيس الاتحاد الافريقي ما كي سال في العاصمة داكار، حيث كان فحوى اللقاء حسب بيان رسمي منشور على موقع وزارة الخزانة الأمريكية، مشاريع البنية التحتية، والتأهب للأوبئة، وتعزيز الديمقراطية، وشراكات مكافحة الفساد. كما تناولت يلين تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على إفريقيا، لا سيما في تفاقم انعدام الأمن الغذائي وإعاقة اقتصاد القارة. وأقرت بضعف إفريقيا أمام أزمة المناخ وأعلنت عن خطط لتعزيز الشراكات مع القارة في الحفاظ على البيئة والتكيف مع المناخ والحصول على الطاقة النظيفة. تهدف زيارة يلين إلى تقوية العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، ومواجهة نفوذ الصين المتنامي في المنطقة
وفي زيارتها لزامبيا شددت يلين على أهمية إعادة هيكلة الديون للبلاد. حيث أجرت محادثات صريحة مع المسؤولين الصينيين، حيث إن الصين هي أكبر دائن لزامبيا بحوالي 6 مليارات دولار. وحثت الصين على التعاون في حل مشكلة ديون زامبيا، واعتبر التقدم ممكنا بعد مناقشات بناءة. وأكدت يلين على ضرورة مشاركة جميع الدائنين، وخاصة الصين، في جهود تخفيف الديون. كما ناقشت الإصلاحات الاقتصادية في زامبيا والتكامل الإقليمي والعلاقات التجارية باعتبارها محركات للنمو. وأعرب المسؤولون الزامبيون عن بطء التقدم في إعادة هيكلة الديون وسعوا للحصول على دعم عالمي. وشددت يلين على مكافحة الفساد وتعزيز الاستثمار والتجارة في زامبيا. ومع ذلك، تضمنت النقاط الشائكة مع الصين معاملة الديون المحلية المملوكة للمستثمرين الأجانب ومشاركة بنوك التنمية متعددة الأطراف. وتأتي زيارة يلين وسط جهود إدارة بايدن لمعالجة نفوذ الصين في إفريقيا ودعم التعاون الاقتصادي مع القارة
وخلال تواجدها بجنوب إفريقيا سلطت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين الضوء على جهود إدارة بايدن لإعادة التواصل مع إفريقيا وتعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والقارة. أكدت يلين على أهمية إفريقيا المزدهرة، وتقديمها كسوق كبير للسلع والخدمات الأمريكية وفرصة استثمارية.. تحدثت يلين عن انتقال الطاقة في جنوب إفريقيا من الفحم إلى مصادر صديقة للبيئة وسلطت الضوء على التزام الولايات المتحدة بدعم جهود البلاد.
بشكل عام، تعكس هذه الزيارات التزام إدارة بايدن بتعزيز العلاقات مع إفريقيا ودعم مختلف القطاعات، بما في ذلك ريادة الأعمال، والزراعة، والصحة، والديمقراطية، لمجابهة النفوذ الصيني والروسي المتزايد في القارة.

زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليم بيرنز إلى ليبيا
أثارت زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى ليبيا في شهر فبراير 2023 والتي دامت يومين تكهنات وتساؤلات حول الهدف من رحلته وآثارها. في حين تم تقديم القليل من التفاصيل حول المناقشات التي جرت خلال الزيارة، والتقى بيرنز خلالها بكل من خليفة حفتر في بنغازي وعبد الحميد الدبيبة في طرابلس. ويذكر أن بيرنز أرسل رسالة واضحة إلى حفتر مفادها أن أي تعاون مع مجموعة فاغنر في ليبيا لن يتم التسامح معه بعد الآن. ويعتقد أن التركيز كان على القضايا الأمنية والجهود المبذولة لتمهيد الطريق للاستقرار والانتخابات في ليبيا.

وفيما يلي أهم محاور التي تم تناولها خلال الزيارة:
1- النفوذ الروسي: تشعر الولايات المتحدة بالقلق بشأن الوجود الروسي في ليبيا من خلال مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة (PMC). تهدف الولايات المتحدة إلى الحد من قدرات مجموعة فاغنر، ولا سيما أنشطتها في الدول الأفريقية وأوكرانيا.
2-  أمن الطاقة: تركز الولايات المتحدة على قطاع الطاقة الليبي وتريد ضمان بقائه مستقرًا ومحصنًا من الاضطرابات الناجمة عن الاقتتال السياسي وعدم الاستقرار العام في البلاد. يرتبط هذا القلق بالمنافسة الجيوسياسية بين الغرب وروسيا على موارد الطاقة.
3- مكافحة الإرهاب: تعتبر الحرب ضد الإرهاب عاملاً مهمًا في انخراط الولايات المتحدة مع ليبيا. هناك قلق متزايد بشأن عودة ظهور التهديدات الإرهابية في المناطق الجنوبية والغربية من ليبيا، مع زيادة نشاط الجماعات والعناصر الجهادية.
وأثارت الزيارة ردود فعل سلبية من بعض الليبيين، الذين أبدوا استيائهم وغضبهم، لا سيما فيما يتعلق بإمكانية حدوث المزيد من عمليات التسليم المتعلقة بمأساة لوكربي. لا تزال النتائج طويلة المدى للزيارة وتنفيذ أي مبادرات تمت مناقشتها غير مؤكدة.
بشكل عام، تشير زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى ليبيا إلى عودة محتملة لتدخل الولايات المتحدة في شؤون البلاد، لا سيما فيما يتعلق بالأمن والاستقرار، فضلا عن الحفاظ على النفوذ في مواجهة الجهات الفاعلة الأخرى مثل روسيا.

زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى المغرب
وفي شهر أبريل 2023 التقى المدير العام المغربي لمراقبة التراب (DGST)، عبد اللطيف حموشي، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، ويليام بيرنز. وعقد الاجتماع في الرباط وكان جزء من اجتماعات ثنائية بين الطرفين.
كان الغرض من الاجتماع هو متابعة نتائج زيارة العمل التي قام بها حموشي إلى الولايات المتحدة في يونيو 2022، حيث التقى بالعديد من مسؤولي المخابرات الأمريكية. وركزت المناقشات على تقييم الوضع الأمني والمخاطر المرتبطة به على المستوى الإقليمي، وكذلك مراجعة التهديدات والتحديات الأمنية الناشئة عن المواقف المتوترة في مختلف أنحاء العالم. وأولي اهتماما خاصا لرصد وتوقع التهديدات من المنظمات المتطرفة، ولا سيما في منطقة الساحل والصحراء.
وجاءت هذه الزيارة بعد موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على صفقة أسلحة مع الرباط ليصبح المغرب أول بلد أفريقي يتسلح براجمات الصواريخ “هيمارس”.
بشكل عام، تهدف الزيارات الأمريكية في إفريقيا إلى تعزيز العلاقات، وتوسيع الفرص الاقتصادية، ومعالجة التحديات والفرص التي يوفرها الوجود والنفوذ المتزايد للصين في المنطقة.
كما كثفت الولايات المتحدة جهودها لإعادة الانخراط مع الدول الأفريقية بعد القمة الأمريكية الإفريقية، فإن الزيارات والتصريحات الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز ووزيرة الخزانة جانيت يلين، تسلط الضوء على مشاركة الولايات المتحدة والتزامها تجاه إفريقيا. وركزت الاجتماعات مع مسؤولين مغاربة ونيجيريين على تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب والتصدي للتحديات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، أكدت الوزيرة يلين على شراكة الولايات المتحدة طويلة الأمد مع إفريقيا، لا سيما في مجالات مثل التنمية والاستثمار والتجارة، مع تسليط الضوء على المخاوف بشأن الإجراءات الروسية في أوكرانيا وممارسات الديون الصينية. تهدف حكومة الولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقات متبادلة المنفعة، وتعزيز الحكم الرشيد، ومعالجة القضايا الملحة مثل تغير المناخ والصحة. تعكس هذه الزيارات والبيانات جهود إدارة بايدن لاستعادة نفوذها في القارة وتعزيز التعاون مع الدول الأفريقية.

خاتمة
يشارك المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز ووزيرة الخزانة جانيت يلين ، بنشاط مع الدول الأفريقية كجزء من الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لتعزيز العلاقات مع القارة. شملت النقاط الرئيسية على جدول أعمال هذه الزيارات والبيانات ما يلي:
1- التعاون الأمني: ركزت المناقشات على تعزيز التعاون الأمني، لا سيما في مكافحة الإرهاب والتصدي للتحديات الأمنية الإقليمية. وهذا يشمل مراقبة ومعالجة التهديدات من المنظمات الإرهابية، كما هو الحال في منطقة الساحل والصحراء.
2- تعزيز الشراكات: أكد المسؤولون الأمريكيون على أهمية الشراكات القوية مع الدول الأفريقية، وتقديم التزام طويل الأجل للقارة. وسلطوا الضوء على مجالات التعاون في التنمية والاستثمار والتجارة والمناخ والصحة والأمن، معترفين بإمكانيات أفريقيا للنمو الاقتصادي بسبب عدد سكانها من الشباب وتوسع الطبقة الوسطى.
3- مخاوف بشأن الإجراءات الروسية: أعرب مسؤولون أميركيون عن مخاوفهم من توسع الروس في المنطقة عبر قوات فاغنر، محذرين من التبعات السلبية لاحتضان مثل هؤلاء الفاعلين. وسلطوا الضوء على تورط روسيا في النزاعات، كما هو الحال في أوكرانيا، وتأثيرها على تفاقم الفقر والجوع في إفريقيا.
4- معالجة الديون الصينية: كان التركيز الآخر على المديونية المفرطة للدول الأفريقية تجاه الصين. دعا المسؤولون الأمريكيون المجتمع الدولي، بما في ذلك الصين، إلى إعفاء كبير من الديون لمساعدة الدول الأفريقية على التعافي من التحديات الاقتصادية.
إعطاء الأولوية للمساءلة والشفافية: سلطت الولايات المتحدة الضوء على التزامها بمعايير عالية من المساءلة والشفافية، لا سيما على النقيض من الاتهامات بوجود أوجه قصور اجتماعية أو بيئية ضد الشركات العاملة في إفريقيا ، بما في ذلك الشركات الصينية.
بشكل عام، تعكس هذه الزيارات والبيانات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لتعزيز العلاقات مع إفريقيا، مع التركيز على التعاون الأمني، والشراكات طويلة الأجل ، والتنمية الاقتصادية ، ومعالجة المخاوف الجيوسياسية ، وتعزيز الحكم الرشيد. تهدف إدارة بايدن إلى استعادة النفوذ في القارة والتعاون مع الدول الأفريقية حول الأولويات المشتركة.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي): مؤسسة مستقلة متخصصة بإعداد الدراسات، والأبحاث المتعلقة بالشأن السياسي، والاستراتيجي، والاجتماعي، الأفريقي لتزويد المسؤولين وصناع القرار وقطاعات التنمية بالمعرفة اللازمة لمساعدتهم في اتخاذ القرارات المتوازنة المتعلقة بقضايا القارة الأفريقية من خلال تزويدهم بالمعطيات والتقارير المهنية الواقعية الدقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
بدء محادثة
💬 هل تحتاج إلى مساعدة؟
مرحبا 👋
هل يمكننا مساعدتك؟