إصداراتتحليلات

الأزمة الجزائرية المغربية من التوتر المحسوب إلى التصعيد المفاجئ

محمد سالم محمدو
باحث متخصص في الشأن الإفريقي

تصنف العلاقات المغربية الجزائرية ضمن أصعب أزمات منطقة المغرب العربي بشكل خاص، ومن أهم إشكالات وأزمات المنطقة العربية، فشريكتا اللسان والعرق وجارتا التاريخ والجغرافيا، تحولتا منذ عقود إلى عدوين لدودين، يتعايشان في ظل صراع مرير، أخذ من الحرب جانبا ومن التوتر الدائم جوانب متعددة، ومن التجييش الإعلامي والسياسي أدوارا متواصلة، ودخل الصراع بينهما في أدبيات الخطاب السياسي للنخب والجماهير في البلدين، حتى أصبح من المسلمات التي تعكس مستوى الولاء للوطن، وأي حديث خارج الروايات الرسمية للصراع المذكور، يصنف في البلدين على أنه عمالة لأحدهما، وخيانة للقضية الوطنية.
وقد تصاعدت وتيرة الصراع والأزمة بين الطرفين، بعد إعلان الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب، وذلك ردا على ما بات يعرف بأزمة  برنامج بيكاسوس الإسرائيلي المخصص للتجسس، والذي يبدو أنه طال هواتف شخصيات مهمة في الجزائر وفرنسا ودول أخرى.

جذور الصراع وأبرز محطات الأزمة
ترتبط الجزائر والمغرب بتاريخ طويل وجذور عميقة، منذ الفتح الإسلامي إلى اليوم، ويوحد بينهما أكثر من سبب ومنذ منتصف القرن السادس عشر تحولت الجزائر إلى الحكم العثماني يديرها الباي الذي يعينه الباب العالي في تركيا، فيما استطاعت المغرب الحفاظ على سيادتها تحت حكم الملوك العلويين.
واستمر الأمر قرابة ثلاثة قرون، قبل أن يجتمع البلدان مجددا تحت الاستعمار الفرنسي، الذي دخل الجزائر سنة 1830 م قبل أن يمتد إلى المغرب سنة 1844، وأقام بعد ذلك نظام حماية يتمتع فيه الملوك المغاربة بحكم من تحت العباءة الفرنسية (1) .
في منتصف القرن التاسع عشر، أحكم الاستعمار الإسباني قبضته هو الأخر على أجزاء واسعة من الصحراء، أو ما يعرف “بأرض البيظان” التي تقسمت بين الاستعمارين الفرنسي الذي احتل موريتانيا ومالي، والإسباني الذي استولى على منطقة السمارة ووادي الذهب وغيرها من الأراضي الصحراوية الحالية (2) .
كان الاستعمار الفرنسي حريصا على البقاء أطول فترة ممكنة في الجزائر، ولم يكن راغبا في الخروج منها، إلا أن لهب الثورة الجزائرية استطاع في النهاية أن يرغم الجنرال ديغول على منح الجزائر استقلالها سنة 1962 بعد ست سنوات من استقلال المملكة المغربية.

الحدود المعبر الأول نحو التأزيم

بدأ الحكام الجدد للجزائر محاولة تجميع قوة ورقعة الدولة المنهكة، وبدأت معركة استعادة الأراضي الجزائرية التي استولت عليها المغرب أو منحها إياها الاحتلال الفرنسي.

ولم تكن الحدود بين البلدين مرسومة بشكل دقيق، بل كانت مجموعة ألغام عبرت من خلال معاهدات، أو مراسيم أصدرتها السلطات الاستعمارية منتصف القرن التاسع عشر، وخصوصا اتفاقية “لا له مغنية” الشهيرة،  التي حولت منطقة الصحراء إلى منطقة عائمة لا حد فيها بين البلدين، وفق مادتها الرابعة التي تنص على أن “إن أرض الصحراء لا حد فيها بين الجانبين، لكونها لا تحرث، وإنما هي مرعى فقط لعرب الإيالتين التي تنزل فيها، وتنتفع بخصبها ومائها. ولكل السلطانين التصرف في رعيته بما شاء، وكيف شاء، من غير معارض، إن امتازت، وإلا فمن أراد إحداث أمر في رعيته حالة اختلاطها برعية غيره، فليكف عن غير رعيته، ويحدث في رعيته ما يشاء (3).

ولم تضف أيضا ترسيمات الحدود اللاحقة سنة 1912، أي تحديد نهائي وصارم، قبل أن تتدخل فرنسا سنة 1950 بإتباع منطقتي بشار وتندوف إلى الجزائر الفرنسية، وذلك بعد ازدياد قيمتهما، إثر اكتشاف ثروة معدنية هائلة في أراضي المنطقتين، فيما يرى الجزائريون أن ذلك القرار لم يكن ليضيف شيئا إلى أرض الواقع، حيث كانت المنطقتان جزائريتين من قبل.

ومع سنوات الاستقلال المغربي، استطاع الملك محمد الخامس توقيع اتفاق مع الزعيم الجزائري فرحات حشاد، يعترف فيه الطرفان بوجود أزمة حدودية بين البلدين، وينبغي أن يتم حلها بعد استقلال الجزائر التي أعلن حكامها أن بلادهم كل لا يتجزأ (4).

ولم يخف المغرب وبسرعة بعد سنة واحدة من استقلاله مطالبته بالصحراء الغربية، بشكل كامل، وتوسعت مطالبه أيضا لتشمل منطقتي تندوف وبشار الجزائريتين اللتين ادعى المغرب أنهما جزء من جغرافية مملكته التقليدية، وهكذا خرجت الجزائر من الاحتلال إلى حرب مفتوحة سنة 1963(5)

كما أن الحكام الجدد للجزائريين لم يكونوا مستعدين للتفريط فيما يرونه حقا تاريخا لهم، كما أنه يستند أيضا على ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية الذي نص على احترام الحدود الموروثة بين الاستعمار، باعتبار ذلك أسهل الطرق لمنع حروب حدود مفتوحة بين البلدان الحديثة العهد بالاستقلال، إضافة إلى مقتضيات مؤتمر باندونج سنة 1956

فيما كان المغرب يحمل هم استعادة ما يراه دولة المغرب الكبير، وفيما كان يخوض حربه ضد الجزائر، كانت أياديه أيضا تمتد جنوبا باتجاه موريتانيا، التي ادعى أنها أرض مغربية بالكامل، وظل يطالب لعدة سنوات

ومع بداية العام 1963 بدأت حرب إعلامية بين البلدين، سرعان ما خلفت حراكا عسكريا وحربا مفتوحة انطلقت في 8 أكتوبر 1963 واستمرت عدة أشهر في المناطق المتنازع عليها قبل أن تمتد أيضا إلى داخل الأراضي المغربية، قبل أن تنتهي بوساطات متعددة أبرزها وساطة الجامعة العربية، غير أن حرب الرمال خلفت جرحا غائرا بين البلدين وأزمة لا نهاية لها على ما يبدو.

وقد انتهت الحرب بين الطرفين بتوقيع شبه اتفاقية سلام تضمنت بنودها:

توقيع اتفاق وقف لإطلاق النار في 20 فبراير 1964.

تحديد منطقة منزوعة السلاح.

تعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياة وسلام في هذه المنطقة.

تشكيل لجنة تحكيم لتحديد المسؤولية حول من بدأ العمليات الحربية بين البلدين.

دراسة مشكلة الحدود بين الطرفين وتقديم مقترحات إيجابية لهما (6)

وإذا كانت حرب الرمال قد قطعت آمال المغرب في منطقتي تندوف وبشار، وأظهرت مستوى من التفوق العسكري لدى الجزائريين في تلك الحرب المؤلمة (7) ، فإنها لم تكن المظهر الوحيد للصراع بين البلدين، إذ اضيفت إليها أزمة الصحراء الغربية ونشوب ما يسمى حرب التحرير التي قادتها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروف بالبوليساريو، والتي بدأت أول أمرها حركة سياسية وعسكرية من أجل تصفية الاستعمار الإسباني من مناطق الصحراء الغربية (8)

ويمثل ملف الصحراء الغربية أبرز أزمة سياسية في شمال إفريقيا، والمغرب العربي بشكل خاص، حيث بدأت المملكة المغربية سعيها الحثيث لاستعادة الصحراء الغربية خلال السنة الأولى بعد استقلالها، وتقدمت بدعوى أمام الأمة المتحدة، قبل أن تحض الأمم المتحدة إسبانيا على تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية.

وأثر غليان الحس الوطني وطموح التحرر في منطقة الصحراء الغربية، اشتعلت سنة 1970 انتفاضة الزملة ضد الاستعمار الإسباني بالتزامن مع نشأة حركة البوليساريو وكذا مع مؤتمر نواذيبو بين رؤساء موريتانيا والجزائر والمغرب، والذي اعتبر فيه الرئيس الجزائري هواري بو مدين بأن بلاده لا تملك أطماعا في الصحراء، وأنه سيحترم أي اتفاق بين موريتانيا والمغرب بشأنها وفق ما تتداوله الرواية الموريتانية في الموضوع (9).

وبعد هذا اللقاء العالي المستوى بدأت مفاوضات شاقة بين الثلاثي المغرب – موريتانيا- إسبانيا، والذي انتهى في 14 نوفمبر س1975  بتقاسم للأراضي الصحراوية الواقعة تحت الاحتلال الإسباني موريتانيا والمغرب، ضمن إجراءات خروج إسبانيا من الصحراء.

ولم يمهل الملك المغربي الحسن الثاني أطراف الأزمة كثيرا، حتى أطلق المسيرة الخضراء التي شارك فيها أكثر من 350 ألف مغربي في زحف نحو الأراضي الصحراوية من أجل تحريرها وإعادتها إلى الحضن المغربي وفق المنطلق الذي تعتمد عليه الرباط، ومع بداية العام 1976، كانت إسبانيا قد خرجت بالكامل من الأراضي الصحراوية، تاركة فراغا سياسيا استغلته جبهة البوليساريو بإعلانها  في 26 فبراير 1976 استقلال الجمهورية العربية الصحراوية، عاصمتها في منطقة الرابوني داخل إقليم تندوف الجزائرية، لتنطلق شرارة الحرب الثلاثية.

كانت كتائب البوليساريو المدعومة من الجزائر تخوض الحرب على جبهتي موريتانيا والمغرب، وكانت نواكشوط الطرف الأضعف، حيث وصلت بعض كتائب البوليساريو إلى عمق الأراضي الموريتانية، قبل أن يشهد المحور الموريتاني تحولات قوية، إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المدني المختار ولد داداه، سنة 1978 وانتقال الحكم إلى العسكر الجدد، الذين تخلصوا من الجزء الموريتاني من الصحراء، بانسحاب تام لصالح البوليساريو، إثر اتفاقية الجزائر، الموقع في 5 آب أغسطس والذي يقضي بخروج موريتانيا من منطقة وادي الذهب (10) .

ولم تمهل الرباط الطرفين لتسوية الانسحاب، حيث احتلت كامل منطقة وادي الذهب بعد تسعة أيام من اتفاقية الجزائر، وفرضت الأمر الواقع، المستمر لحد اليوم.

وقد استمرت الحرب بين البوليساريو والمغرب قرابة عقد ونصف، وخلفت آلاف القتلى والأسرى، كما أنها هجرت عشرات الآلاف من الصحراويين الداعمين للبوليساريو باتجاه تندوف التي تتخذ منها البوليساريو مستقرا لحكومتها، ومنطلقا لنضالها من أجل التحرير.

وقد كانت الجزائر طرفا أساسيا وإن كان غير مباشر في الحرب بين المغرب والجزائر، حيث اتخذت سنة 1975 قرارا بطرد عشرات الآلاف من المغاربة من أرضها، وذلك ردا على المسيرة الخضراء التي رأت فيها احتلالا مغربيا للصحراء وفرضا للأمر الواقع.

ومما لا شك فيه أن الجزائر وجدت في البوليساريو حليفا مهما يمكن أن يعتمد عليه في تعديل كفة الصراع، وموازين القوى على أرض الواقع، كما أن البوليساريو وجدت في الجزائر حضنا حاميا، وسندا سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا حمل قضيتها إلى المحافل الدولية، رغم ما يمكن أن يلاحظ خلال سنوات الجمر التي فرضت على الجزائر الانكفاء على نفسها أكثر، وتراجعت أهمية الملف الصحراوي في أجندة نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لصالح أولويات أخرى مثل المصالحة الوطنية، وترسيخ نظام قوي.

وقد كانت هذه الفترة بالتحديد الإطار الزمني للمفاوضات المطولة بين البوليساريو والسلطات المغربية، والتي لم تنته إلى نتيجة محددة، بفعل فشل الطرفين في الوصول إلى آلية محددة لإقامة استفتاء تقرير حق المصير

ويمكن اعتبار أزمة الحدود وملف الصحراء الغربية أبرز الجذور التاريخية والمستمرة للعلاقة المتأزمة بين الجزائر والمغرب، والتي شهدت آثارها الدبلوماسية بين البلدين فترات شد وجذب، ابتدأت من قطع العلاقات الدبلوماسية خلال حرب الرمال، واستمرت القطيعة إلى مايو 1988 حيث أعيدت العلاقة وفق تفاهمات عامة تضمنت على سبيل المثال:

الالتزام بعلاقات سلام دائمة.

حسن الجوار والتعاون.

تسريع بناء “المغرب العربي الكبير”.

عدم تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للمغرب.

حل مشكلة صراع الصحراء الغربية عبر استفتاء لتقرير المصير (11) .

غير أن هذه الالتزامات التي ترى الجزائر أن المغرب قد أخل بها بشكل كامل، لم تمنع من انهيار العلاقة بين البلدين مجددا خلال السنوات الأخيرة لتصل حد القطيعة التي أعلنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 24 أغسطس/آب 2021، وذلك بعد أن أضيفت إلى سلة التوتر التقليدية عوامل جديدة.

أزمة الكركارات … نذر حرب واسعة

استعاد ملف الصحراء الغربية توتره من جديد، إثر تصعيد جبهة البوليساريو، وقرار قادتها الانتقال المتدرج إلى استعادة ما يعرف بالأرض المحتلة، والذي بدأ مع مؤتمر “تفاريتي”، سنة  2008 وتوقيع بلدية معسكر الجزائر اتفاقية تعاون وتوأمة مع بلدية “تفاريتي”.

ومع تكرار تنظيم مؤتمرات البوليساريو في المنطقة المحتلة، وقرب الجدار المغربي العازل، انتقلت من جديد إلى محاولة سد معبر الكركارات الرابط بين المغرب وموريتانيا، والذي تعتبره البوليساريو احتلالا لأرضها، وقد كان تصدي القوات المغربية للمتظاهرين الصحراويين الذين حاولوا احتلال المعبر، بداية لاشتعال حرب مفتوحة بين الطرفين، وعودتهما إلى الصراع المسلح الذي ترى فيه البوليساريو خيارا متواصلا إلى حين التحرير.

ودون شك كان الموقف الجزائري حاضرا بقوة دعما للبوليساريو، سياسيا ودبلوماسيا.

أزمة بيغاسوس …التوتر الأكثر حدة بين الطرفين

شهد المغرب والجزائر تحولات سياسية عميقة خلال السنوات الأخيرة، حيث أعادت الرباط رسم أولوياتها الدبلوماسية، من خلال انفتاح موسع على اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، ومقابل اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء الغربية، طورت الرباط من علاقتها مع الكيان الصهيوني، إلى درجة التطبيع الكامل.

كما أن الجزائر أيضا بعد ثورتها الشعبية والإطاحة برئيسها السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعدد من أركان حكمه، بدأت مسارا جديدا في استعادة دورها الإقليمي، ومن العودة إلى الخطاب السياسي التقليدي، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الصحراوية، والتأزم المستمر مع فرنسا والمغرب (12).

وقد فتحت أزمة برنامج التجسس المغربية، التي كشفتها منظمتا “فوربيدن ستوريز” والعفو الدولية، وأظهرتا أن آلاف الهواتف الجزائرية بما فيها أرقام مسؤولين عسكريين كبار تعرضت للتجسس عبر برنامج بيكاسوس الصهيوني الذي اشترته المغرب من إسرائيل.

ورأت الجزائر في بيان صادر عن خارجيتها أن هذه الأعمال تنسف مناخ الثقة، قبل أن تعلن فتح تحقيق في القضية التي أثارت أزمة واسعة داخل المغرب .

وتنهي أزمة بيغاسوس أحلام الحوار بين الطرفين بعد خطاب الملك المغربي الذي دعا فيه الجزائر إلى الحوار واعتبار يده مفتوحة لتجاوز الماضي، والرد الجزائري بالترحيب بالحوار والاستعداد لبذل كل ما يمكن البوليساريو والمغرب من حل أزمتها سلميا.

ما بعد القطيعة ..نذر الحرب وآفاق التهدئة

تأتي القطيعة بين البلدين في ظل تنامي التوجهات الخارجية للجزائر، التي بدأت انفتاحا واسعا نحو إفريقيا، وخصوصا عبر النافذة الموريتانية، كما أنها تأتي أيضا في ظل تعديل الجزائر لسياستها الدفاعية، حيث أصبح بمقدور الجيش الجزائري المشاركة في أعمال دفاعية خارج حدوده الترابية، بعد أن ظل ذلك محظورا طيلة عقود.

وعلى صعيد المغرب تأتي هذه الأزمة أيضا في ظل صعود لما يمكن اعتباره الصقور المغاربة الأكثر عداء للجزائر، وانزياح حزب العدالة والتنمية الذي سعى في بداية مأموريته إلى تليين جزئي في العلاقة بين البلدين، قبل أن يصطدم بصخرة الموقف الملكي الموسع.

كما أن التطبيع المغربي الصهيوني يضيف ورقة تأزيم قوية بين البلدين، حيث تعتبر الجزائر تل أبيب عدوا تقليديا وخطرا على أمنها القومي.

كما أن استخدام المغرب لأول مرة لورقة القبائل ودعوتها الأمم المتحدة إلى تمكين سكان منطقة القبائل من تقرير مصيرهم يعتبر سابقة في إدارة التوتر بين البلدين، وسعيا من الرباط إلى الإمساك بورقة قوة وتأثير في المشهد السياسي والأمني الجزائري، وذلك سعيا لخلق مستوى من التوازن مع الجزائر التي تتحكم بشكل قوي في الملف الصحراوي، بتداعياته الخارجية، أو الداخلية بالحراك السياسي المتواصل في منطقة الداخلة والعيون وغيرها من المدن المغربية التي تشهد بين الحين والآخر احتجاجات قوية للسكان الصحراويين المساندين للبوليساريو (13) .

وقد فاقم هذا الحراك المتأخر اتهام الجزائر للمغرب بالتورط في الحرائق الواسعة التي شهدتها منطقة الأوراس، مما يعني أن أزمة الهدوء بين الطرفين قد انهارت بشكل كامل، ولكن إلى أي حد يمكن أن يصل التوتر أو يرتفع التصعيد؟

التوتر المحسوب والحرب السياسية المستمرة

من المستبعد أن يقدم الطرفان على مواجهة مفتوحة، نظرا لواقع الحدود المسورة بين الطرفين، وغياب التماس المباشر بينهما، إضافة إلى أن التأزم والصراع ليس جديدا بين الطرفين، فقد مرت العلاقة بينهما بفترات ومراحل أقوى شدا وتوتيرا من المرحلة الحالية.

ومن المتوقع أن تتخذ الحرب بين الطرفين أشكالا غير تقليدية عبر توسيع دوائر الحرب لتأخذ على سبيل المثال

الدفع بالقضية الصحراوية إلى مزيد من التوتر، وإن بدرجة محسوبة تمنع من انفلات الأوضاع وخروجها عن السيطرة.

التنافس في دوائر النفوذ التقليدية للبلدين، مع التركيز بشكل خاص على إفريقيا، وخصوصا في ملفات الأمن في منطقة الساحل، وكذا التنافس الاقتصادي في مختلف مناطق الثقل الإفريقية.

استخدام ورقتي الملف الاجتماعي في التعاطي مع قضية الصحراويين المغاربة، والأمازيغيين الجزائريين.

ختاما: من المستبعد أن تعود العلاقة بين الطرفين إلى الالتئام التام بعد القطيعة، نظرا لعمق الأزمة الجديدة، ولاعتبار الأزمة بين البلدين جزء من أوراق القوة الشعبية التي يعتمد عليها نظاما الجزائر والمغرب، وتحقق لهما مع الزمن توجيها للرأي العام، وصياغة لنمط المشاعر الوطنية المرغوبة، رغم ما تعنيه من قطيعة بين شعبين يملكان كل مقومات الالتقاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش والإحالات

(1)   تاريخ الحماية الفرنسية على المغرب
https://m.marefa.org/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D8%A9_%D8%B9%D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8 .
(2) يطلق مصطلح أرض البيظان على منطقة واسعة تعتبر موريتانيا مركزها المحوري وتضم كل مناطق الشعوب الناطقة باللهجة الحسانية، وتشمل موريتانيا والصحراء الغربية ووادي الذهب وأجزاء واسعة من إقليم أزواد
(3) نص معاهدة لالة مغنية
نص معاهدة لالة مغنية 9 ربيع الأول 1261هـ/18-3-1845م
(4) عندما تفاوض الحسن الثاني مع أحمد بن بله حول ترسيم الحدود https://www.yabiladi.ma/articles/details/51919/%D9%85%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3-1963-%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7.html (5) حرب الرمال بين المغرب والجزائر https://areq.net/m/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%84.html (6) جذور الخلاف المرير بين الجزائر والمغرب https://arabicpost.net/%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%84%d8%a7%d8%aa/2021/09/12/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1/ (7) تتحدث المصادر المتعددة عن دعم كوبي ومصري للجزائر في تلك الحرب التي استمرت قرابة سنة (8) جبهة البوليساريو النشأة والمسار (9) https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A8%D9%87%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%88 فصول المفاوضات الساخنة بين المختار ولد داداه والحسن الثاني https://nouakchot.com/article/15975 (10) اتفاقية الجزائر بين موريتانيا والبوليساريو http://aqlame.com/node/19 (11) نون بوست مصدر سابق (12) قضية بيكاسوس تأزيم جديد للعلاقات مع المغرب https://www.aps.dz/ar/monde/111015-2021-08-09-16-42-28 (13) منطقة القبائل تعيد قواعد الاشتباك بين المغرب والجزائر https://www.dw.com/ar/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%AA%D9%8F%D8%BA%D9%8A%D9%91%D8%B1%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D9%83-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D8%B1%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1/a-59052296

 

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى