نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة سياسية حول” الاستفتاء الدستوري في تشاد لعام 2023: الفرص والتحديات ” وهي الندوة التاسعة ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أعمال هذه الندوة عبر تقنية زووم بتاريخ 11 ديسمبر 2023 ودامت ساعة ونصف، شارك فيها عدد من الأكاديميين ومن المختصين في الشأن التشادي ونشطاء سياسيين من تشاد وطيف من الأكاديميين والمهتمين.
استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره وترحيبه للأساتذة المتحدثين وبحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحتها الندوة، رفقة فقرة تمهيدية للموضوع تعرف بأهم المراحل السياسية التي مرت بها تشاد فيما يخص التطور الدستوري والمراسيم ذات الصلة.
افتتحت فقرات الندوة بمداخلة الدكتور العابد مصطفى البشير أستاذ القانون في الجامعات التشادية، مفوض في اللجنة الوطنية بتشاد. ورئيس اللجنة الفرعية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
وقد تناول الدكتور العابد في مداخلته قضايا دستورية حيوية تتعلق بتشاد، حيث قدّم نظرة تاريخية لمسار الدستور منذ استقلال البلاد،
وحول أهم نقاط التي يتناولها الدستور المعتزم الاستفتاء حوله في 16/17 ديسمبر 2023 في تشاد.
أكد الدكتور العابد أن كل التعديلات السابقة للدستور كانت تخدم مصلحة النظام الحاكم أو الرئيس، مع التركيز على فترات حكم إدريس ديبي. تعرض الدستور لتعديلات عدة، وكانت جميعها تهدف إلى توسيع سلطات الرئيس وتمديد فترات حكمه.
السؤال المركزي الذي طرحه الدكتور هو: هل هناك حاجة حقيقية لتعديل الدستور حاليا؟ وفي رأيه، فإن التعديل الحالي يأتي كمحاولة لإعطاء شرعية للحكم العسكري الحالي دون فائدة حقيقية للشعب.
في رده على السؤال حول هدف التعديل الدستوري الحالي، ركز الدكتور على تجارب التعديلات السابقة واستعرض تفاصيلها، مشيرًا إلى عدم وجود تحسينات جوهرية تنتظر الشعب في التعديل الجديد المقرر للاستفتاء.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور إلى عدم تناول الدستور قضايا الفيدرالية في تشاد، التي تعد نقطة هامة للشعب في الشمال والجنوب، نظرًا لفشل الحكومة المركزية في مكافحة الفساد وتحقيق الاستقلالية الوطنية.
أخذ الدكتور العابد المحاضر في القانون والمفوض باللجنة الوطنية في تشاد الفرصة للتعبير عن رفضه للمشهد الحالي في تشاد، واعتبر أن الحكومة الحالية مجرد امتداد للنظام السابق، مستنكرا الانقسامات في المعارضة الحالية وعدم قدرتها على تقديم بدائل فعالة.
في الختام، أكد الدكتور العابد على رؤيته بأن الهدف الرئيسي للاستفتاء هو تأكيد شرعية النظام الحالي والحفاظ على سيطرته لسنوات إضافية. وختم مداخلته بالدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء كوسيلة للمعارضة للتعبير عن رفضها للوضع الراهن.
أما المداخلة الثانية فكانت للأستاذ جبرين عيسى وهو صحفي، والرئيس التنفيذي للمركز العربي الافريقي للاستثمار. تطرق الأستاذ جبرين إلى مسألة الوضعية السياسية الحالية في تشاد، فحسب رؤيته اعتبرها مشابهة لفترة 1991، حيث يعيش الشعب التشادي سيناريوا يتكرر، تاريخيا وقع بعد انقضاض الرئيس الراحل إدريس ديبي على الحكم في 1990.
تطرق الأستاذ جبرين إلى قمع إدريس ديبي لمظاهرة لمدرسة فرنكفونية في الماضي، وقارن ذلك بما يقوم به ابنه محمد ديبي الآن، وهو تكرار لنفس الأسلوب في قمع المظاهرات التي طالبت بحقوقها في أكتوبر 2022 ولتحركات أخرى منها في شمالي البلاد.
ويشير الأستاذ جبرين إلى أن الذي يرسم برنامج تشاد منذ مقتل إدريس ديبي هو نفسه الذي رسم سياسة الأب، ويؤكد أن مقاطعة الاستفتاء أو التصويت ب “لا” لا يعني الانغماس في الظلام. بل، يعتبر هذا القرار تأكيدًا على رفض النظام الحالي الذي لا يظهر أي نية في تغيير سياسته، خاصة مع غياب أسباب شرعية له.
في هذا السياق، يبرز الأستاذ جبرين أهمية التوعية الشعبية كوسيلة لإلهام الشعب التشادي وجعله قادرًا على تحقيق التغيير. يعتبر أن المجموعة الحاكمة الحالية لم تقدم أي جديد للشعب، وقد ارتكبت العديد من الأخطاء، سواء على المستوى الدبلوماسي أو في التعامل مع دول الجوار، منها تدخلها في السودان وفي إفريقيا الوسطى بإيعاز من فرنسا.
وفي ختام المداخلة، يشدد الأستاذ جبرين على أن النظام الحالي غير قادر على الحكم وأنه يسعى من خلال الاستفتاء إلى منح الرئيس سلطة مطلقة على كل المؤسسات في البلاد. يعتبر هذا خطوة نحو الاستبداد، ويشدد على أنه من واجبنا جميعًا التصدي لهذه المحاولة والدعوة إلى تغيير حقيقي، والخروج من تحت العباءة الفرنسية التي لا يزال هذا النظام الحالي تحتها.
أما المداخلة الثالثة فكانت للدكتور إسماعيل طاهر الأستاذ الجامعي، حيث حيث أكد الأستاذ عباس في مداخلته إلى وجود مشكلة كبيرة تتعلق بثقة الناس في عملية الاستفتاء الحالية في تشاد. يرى أن عدم وجود ضامن يثبت نزاهة العملية يجعل الناس يشككون في نتائجها المستقبلية.
التوجهات الحالية التي تتناول موضوع الاستفتاء تتفق على أن الدستور الجديد سيمنح رئيس الحالي صلاحيات غير محدودة، مما يثير قلقًا بشأن استمرارية السيطرة على كل المؤسسات في البلاد. السؤال الذي يطرحه الدكتور إسماعيل هو: كيف نضمن حريتنا وكيف نتأكد من عدم احتفاظ الرئيس بالسلطة في المستقبل؟
مجموعة منافية للدستور تعبر عن قلقها بشكل خاص، حيث تشير إلى أن الدستور الحالي يمكن أن يكرر نفس الأخطاء التي حدثت خلال حكم إدريس ديبي. يرى الأستاذ عباس أن هناك حاجة ماسة إلى بديل يوزع السلطة ويضمن حقوق وحريات الفرد. ومع ذلك، يعتبر أن البديل ليس متاحًا حاليًا، وأن من يعارضون الدستور بطريقة حالية يفتقدون للشفافية ويقومون بمغالطة الحقائق.
الدكتور إسماعيل يشير أيضاً إلى أن معارضة الاستفتاء قد تؤدي إلى حالة من الفوضى، مما يشبه ما حدث في الدول المجاورة. ومع ذلك، يرى أن هذه الفرضية غير مؤكدة وقد تكون مغالطة.
باختصار، يعبر الدكتور إسماعيل عن شكوكه في عملية الاستفتاء الحالية ويطالب بضرورة التفكير في بدائل توفر الشفافية وتحقق التغيير المطلوب في تشاد.
وفي ختام الندوة تم إعطاء الفرصة للمتداخلين لإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، حيث أجمعت كل المداخلات إلى توجه النظام الحالي في تشاد إلى الاستبداد والتمسك بالحكم، ومع ضرورة إيجاد بدائل والتغيير بالرغم من صعوبة حدوثه في الوقت الحالي بسبب تشتت المعارضة أو بسبب عدم إمكانية وجودها على ضوء الوضعية الحالية في البلاد.
وقبل الختام خاطب الحضور مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات شاكرا المتحدثين والمعقبين والمتداخلين. وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن التشادي بصفة خاصة والإفريقي بصفة عامة من المتداخلين والمتابعين.
وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول الاستفتاء في دولة تشاد، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.