إصداراتتحليلات

الانتخابات البرلمانية في جمهورية بنين 2023م: هل سقط أخر حصن للديمقراطية والاستقرار في غرب إفريقيا؟

إعداد: فريق المركز

توجه المواطنون بدولة  بنين بغرب إفريقيا يوم الأحد موافق ل 08 يناير 2023 إلى صناديق الاقتراع لاختيار ممثليهم بالبرلمان. وتشهد هذه المرة الانتخابات البرلمانية على غرار سابقتها في سنة 2019 مشاركة الأحزاب المعارضة فيها. وتأتي هذه الانتخابات الحالية في وقت تتعالى فيه الأصوات المنددة بحكم الرئيس بارتيس باتولن الذي تراجع عن تعهده بعدم الترشح لعهدة جديدة، ووجهت له أصابع الاتهام بالقيام بقيادة حملة قمع للمعارضة منذ وصوله إلى السلطة سنة 2016.
تأتي أهمية هذه الانتخابات بسبب انتهاء عهدة السبع أعضاء في المحكمة الدستورية خلال هذه السنة، حيث سيتم تعيين أربع منهم من قبل النواب وثلاثة آخرين من قبل رئيس الدولة. لذلك تكتسي هذه الانتخابات أهمية كبرى وأعلنت أحزاب المعارضة في البنين البالغ عدد 6 أحزاب رفقة حزب الرئيس الحالي عن دخولها السباق الانتخابي.
نتيجة لذلك، سيتطرق هذا التقرير إلى أربع نقاط رئيسة، وهي: أولا، لمحة موجزة عن النظام الانتخابي في بنين. ثانيا، نبذة مختصرة عن الانتخابات 2019 السابقة للإجابة عن السؤال: تراجع الديمقراطية في البينين عبر إقصاء الأحزاب من قبل السلطة أو مقاطعتها للانتخابات الرئاسية ولبرلمانية . ثالثا،  كيف كانت المشاركة في الانتخابات والإقبال عليها. رابعا، أهمية الانتخابات وتأثيراها على مستقبل الديمقراطية في البنين.

أولا: النظام الانتخابي في بنين
حسب الدستور البنيني والقواعد المنظمة للانتخابات التشريعية، يتم انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية البالغ عددهم 109 (زيادة عن 83 في الانتخابات السابقة) عن طريق التمثيل النسبي (الحاصل البسيط، ثم الطريقة المتبقية الأكبر) في 24 دائرة انتخابية متعددة الأعضاء. يجب أن تحصل القائمة الحزبية على نسبة من الأصوات أكبر من العتبة الانتخابية البالغة 10٪ من الأصوات الوطنية لدخول البرلمان. في حين تم تحديد الوديعة المطلوبة لتشغيل قائمة برلمانية بـ 249 مليون فرنك.[1]
القوائم مطلوبة لتقديم مرشح واحد على الأقل في جميع الدوائر الانتخابية. بعد التعديل الدستوري لعام 2019، تم تقليص ولاية النواب المنتخبين في هذه الانتخابات من أربع سنوات إلى ثلاث سنوات كإجراء انتقالي، في حين تم تمديد فترة الولاية العادية في الانتخابات التالية من أربع إلى خمس سنوات.[2]
بعد ذلك، سوف تجري، في يناير 2026، انتخابات تشريعية وبلدية جديدة مصحوبة بانتخابات رئاسية لمنصب نائب الرئيس (لمدة خمس سنوات) في وقت لاحق في أبريل.[3] أدخلت المراجعة أيضًا ما مجموعه 24 مقعدًا محجوزًا للنساء، واحد لكل دائرة انتخابية، بالإضافة إلى حد ثلاث فترات من انتخابات 2023 ، دون أثر رجعي ، لجميع النواب.[4]

ثانيا: الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 2019 بين مقاطعة المعارضة أو إقصائها؟
ساهم القانون الانتخابي الذي وضعه الرئيس باتريس باتلون رجل الأعمال وقطب النفط في بنين الذي اعتلى كرسي الرئاسة سنة 2016، إلى مقاطعة أحزاب المعارضة في البنين لعملية الانتخابات التشريعية في سنة 2019.
وتمت مقاطعة الانتخابات من قبل أحزاب المعارضة في بنين وشارك في هذه الانتخابات فقط كل من حزب الكتلة الجمهورية وحزب الاتحاد التقدمي من أجل بنين الجديدة الموالين للرئيس الحالي.
وفي سنة 2021 أعلن الرئيس باتريس باتلون الذي تعهد عند توليه الرئاسة سنة 2016 بعدم ترشحه لعهدة ثانية عن ترشحه للانتخابات الرئاسية لمرة ثانية وقام بإقصاء كل معارضيه والشخصيات الوازنة سياسيا في بنين.
فقبيل انطلاق السباق الانتخابي شن الرئيس باتلون هجمة كبيرة على معارضيه، حيث تم اعتقال زعيمة المعارضة ريكيا مادغو وزيرة العدل السابقة في بنين والحكم عليها ب 20 عام سجن بتهمة بالإرهاب في محكمة خاصة وهي محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب التي أنشأها باتلون في سنة 2016 عند توليه الرئاسة، كما حكمت نفس المحكمة على شخصيات أخرى بارزة ب 10 سنوات سجن بنفس التهم.
وأعقب هذه الانتخابات أعمال عنف ومصادمات بين الجيش والمواطنين في شمال البلاد التي تعتبر معقل المعارضة، كما قامت السلطات بقطع الانترنت على السكان وقادت موجة قمع كبير استهدفت سكان المنطقة الشمالية وحصرتهم في بيوتهم لعدة أيام.
ويقبع حاليا أغلب معارضي الرئيس بنيني إما في السجون أو في المنافي خارج البلاد، وقد أكد عديد المتابعين أن باتلون أعاد بنين التي كانت تشهد تعيش مناخ سياسي تعددي وديمقراطي منذ سنة 1990 إلى مربع الديكتاتورية والسلطوية، بعد أن كانت هي النموذج الديمقراطي الفريد من نوعه في غرب إفريقيا التي تعرف أعتى الأنظمة الديكتاتورية والقمعية في إفريقيا.

ثالثا: نتائج الانتخابات البرلمانية في بنيين
دخلت 7 أحزاب في المنافسة على المقاعد البرلمانية ومن ضمنها الأحزاب الموالية للرئيس المتمثلة في حزب الكتلة الجمهورية والاتحاد التقدمي من أجل التجديد و5 أحزاب معارضة من أبرزها حركة النخب الملتزمة بتحرير بنين، الاتحاد الديمقراطي من أجل بنين الجديدة، حركة التحرير الشعبية، القوات المشتركة من أجل بنين الناشئة، حزب الديمقراطيين.
شهدت الانتخابات مشاركة ربع المسجلين في الانتخابات من جملة 6.6 ملايين ناخب مسجل، فقد بلغت نسبة المقاطعة قرابة 62.% وقد أرسلت منظمة الايكواس الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ما يقارب 40 مراقب تم توزيعهم على 12 ولاية لدعم العملية الانتخابية ومراقبتها. جدول 1 يوضح إحصائيات أصوات الناخبين في الانتخابات ونسب المقاطعة حسب بيان المحكمة الدستورية لبنين في تاريخ 08 يناير 2023م.[5]

جدول 1: إحصائيات أصوات الناخبين في انتخابات بنين 2023م

المصدر: المحكمة الدستورية البنينية

تم الإعلان عن النتائج المؤقتة في 11 يناير 2023، حيث فاز الاتحاد التقدمي من أجل التجديد (UPR) بأغلبية المقاعد (58) ، تليها الكتلة الجمهورية (BR) و Les Démocrates كلاهما فاز بـ 28 مقعدًا. فازت الأحزاب الموالية للحكومة في الانتخابات: فاز كل من الاستعراض الدوري الشامل وحزب العمال الثوري بـ 81 مقعدًا من أصل 109. وبالتالي ، من المتوقع أن يحتفظ باتريس تالون بالسيطرة على الحكومة حتى تنتهي ولايته الثانية في عام 2026.
الحزب الوحيد الآخر، وحزب المعارضة الوحيد الذي تجاوز العتبة الانتخابية كان حزب الديمقراطيين (LD) للرئيس السابق توماس بوني يايي.[6] أحزاب أخرى، بما في ذلك قوى كاوري من أجل بنين الناشئة، وحركة النخب الملتزمة بتحرير بنين، وحركة التحرير الشعبية، والاتحاد الديمقراطي لبنين الجديدة مجتمعة لحوالي 9 ٪ من الأصوات، لكنها لم تحصل على أي مقاعد. ما يقرب من 3٪ من الأصوات كانت باطلة، والإقبال الأولي 38.66٪، الأمر الذي دفع أحزاب المعارضة إلى رفض النتائج الانتخابية واتهام السلطة بتزوير النتائج.
وفي مؤتمر صحفي صرح رئيس حزب الديمقراطيين المعارض إيريك هونديتي عن تزوير الانتخابات وعن قيام السلطات بتوظيف المال السياسي عبر شراء أصوات الناخبين، وأكد عن رفضه للنتائج التي لا تعكس حقيقة تطلعات شعب بنين وعن مساعي الرئيس الحالي لتكريس الاستبداد في البلاد.

جدول 2: نتائج انتخابات بنين التشريعية وتوزيع نسب الأحزاب المشاركة فيها


المصدر: المحكمة الدستورية البنينية

رابعا: أهمية الانتخابات البرلمانية ومستقبل الديمقراطية في بينين
تأتي أهمية الانتخابات الحالية في بنين بسبب عنصرين رئيسين، هما:

1- تم خلال هذه الانتخابات التمديد في الفترة النيابية التي كانت سابقا 4 سنوات إلى 5 سنوات، كما أنه تم ترفيع في عدد النواب من 83 نائب إلى 109.
2- سيتم إعادة تشكيل المحكمة الدستورية التي تنتهي عهدتها خلال هذه السنة، حيث يعين النواب أربعة من أعضائها والرئيس الثلاثة الآخرين، وقد تكون قرارات هذه المحكمة حاسمة خلال ثلاث سنوات، إذ تتمثل أبرز مهامها في مراقبة الانتخابات، وإجراء الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية المقبلة في العام 2026.
بالأغلبية التي تحصل عليها الرئيس الحالي في البرلمان عبر أحزابه الموالية ب 81 مقعد، يمكنه إعادة تشكيل المشهد السياسي ورسم مستقبل بنين كما يشاء، وتوجه بها نحو نظام أكثر شمولية وسلطوية كما يتهمه معارضيه، الذين يقبع أغلبهم حاليا إما في السجون أو المنفى خارج البلاد.
ويبقى الموقف الدولي تجاه ما يحدث في بينين مبهم، بالرغم من زيارة ادها وفد من المحكمة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في 21 أكتوبر 2021 لبنين وعقد وفد المحكمة خلالها لقاء مع وزير العدل سيفيرين ماكسيم كوينوم حول موضوع حقوق الإنسان والحكم الرشيد، إلا أن المحكمة لم تصدر بعد هذه الزيارة أي شيء يتعلق بموضوع الحقوق في بنين بالإشادة أو التنديد.
كما أن كل من الاتحاد الإفريقي وبالرغم من دعوته بينين رفقة 5 دول إفريقية تحتضن انتخابات خلال هذه السنة الحالية 2023 إلى احترام حقوق الناخبين وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، وحتى الولايات المتحدة الأمريكية التي عقدت اجتماعا مع 6 رؤساء أفارقة بسبب احتضانهم لانتخابات خلال سنة 2023 من ضمنهم رئيس بنين على هامش انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية في شهر ديسمبر 2022، لم يصدر منهم إلى حد هذه اللحظة أية بلاغات أو تصريح حول ما يحدث فيها.
حتى باقي المنظمات الدولية والإقليمية في صمت رهيب بالرغم من أن للرئيس باتريس سابقة في طرد سفير الاتحاد الأوروبي من بلاده سنة 2019 بعد الانتخابات التشريعية التي تم اقصاء المعارضة منها، حيث اتهمه بأنه يقوم بأنشطة مخله بالأعراف الديبلوماسية المتفق عليها بين بنين والاتحاد الأوروبي، حيث شارك في أنشطة سياسية وفي أعمال تخريبية بالبلاد.
ترفض المعارضة في بنين نتائج الانتخابات الحالية وتتهم السلطة بالوقوف خلف تزوريها، في حين يتيح المشهد السياسي الحالي للرئيس المزيد من السلطة والقوة في البلاد من الناحية التشريعية والقانونية، وهو ما يساهم في مواصلة ترسيخيه لمشروعه الذي تعتبره المعارضة مشروع سلطوي. هذه الأجواء يمكن أن تثير موجة من أعمال العنف والتمرد في منطقة شمال بنين التي تعتبر معقل المعارضة السياسية وشهدت تمردا سنة 2019 بسبب الانتخابات التشريعية. كما أن بنين شهدت خلال فترة الرئيس الحالي نشاطا للجماعات المتطرفة والمسلحة حيث يحد البلاد شمالا النيجر وشرقا نيجريا التي تنشط فيها أخطر الجماعات في العالم.
ولكن يواصل باتريس باتلون نجاحه فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي فمنذ توليه السلطة حقق أرقاما هامة فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي في بنين حتى أن هذه الأرقام لم تتأثر بأزمة كورونا، كما أنه ساهم في تحسين البنية التحتية ومحاربة الفساد الإداري في البلاد. ومع هذا يفتقر الرئيس إلى الشعبية في الأوساط الريفية الفقيرة في بنين.
كانت بنين نموذج يحتذى به بمنطقة غرب إفريقيا من ناحية التعددية الحزبية والديمقراطية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها اليوم تشهد تراجعا كبيرا في هذا الصدد، وهو ما يمكننا قرائته إقليميا حيث تنشط مؤخرا في غرب إفريقيا ظاهرة الانقلابات العسكرية في ظل الصراع الدولي في المنطقة والعالم، وتعرف تراجعا كبيرا لديمقراطية وحقوق الإنسان.

المراجع


[1] Bénin : le nouveau code électoral suscite la polémique Archived 2019-05-01 at the Wayback Machine Jeune Afrique, 27 September 2018 : https://www.jeuneafrique.com/mag/632821/politique/benin-le-nouveau-code-electoral-suscite-la-polemique/ 

[2] "Au Bénin, la 9e législature fera un mandat de transition". Deutsche Welle. 2 January 2023: https://www.rfi.fr/fr/afrique/20191101-benin-adoption-loi-revision-constitution-modifications 

[3] "Au Bénin, la 9e législature fera un mandat de transition". Deutsche Welle. 2 January 2023. Archived from the original on 3 January 2023: 

[4] "Au Bénin, la 9e législature fera un mandat de transition". Deutsche Welle. 2 January 2023. Archived from the original on 3 January 2023: https://web.archive.org/web/20230103234534/https://www.dw.com/fr/benin-elections-legislatives-inclusives/a-64266457

[5]  بينان الحكمة الدستورية البينينية: résultats-Législatives-2023-avec-compression.pdf (visages-du-benin.com) 

[6] "Résultats provisoires des législatives au Bénin: UP 1er (53 sièges), BR 2è(28 sièges) et LD 3è (28 sièges)". La Nouvelle Tribune. lanouvelletribunebenin. 11 January 2023: https://lanouvelletribune.info/2023/01/resultats-provisoires-des-legislatives-au-benin-up-1er-br-2e-et-ld-3e/

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى