الانتخابات التشريعية والمحلية في موريتانيا: انتصار الحزب الحاكم وسخط المعارضة

إعداد: فريق المركز

مقدمة
أجرت موريتانيا في 20 ماي 2023 انتخابات تشريعية ومحلية، مسجلة حدثا سياسيا هاما في البلاد. وشهدت الانتخابات مشاركة ما يقرب من 1.8 مليون ناخب كانت مهمتهم اختيار ممثليهم، بما في ذلك البرلمانيين ورؤساء البلديات والمستشارين الإقليميين.
عرفت هذه الانتخابات جدل كبير منذ أواخر 29 مارس 2023 حينما تم الإعلان عن فتح باب الترشح والموعد الانتخابي، هذا الإعلان أثار موجة من الانتقادات ومطالبات بمقاطعة العملية الانتخابية من قبل قوى المعارضة الموريتانية، وتواصلت هذه الانتقادات حتى بعد صدور نتائج الانتخابات. وتعد هذه أول انتخابات تنظم في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي وصل سدة الحكم في الأول من أغسطس 2019.
يطرح هذا التقرير أهم ما جاء في هذه الانتخابات: أولا الانتخابات الأخيرة سنة 2019، وثانيا الإعلان عن الموعد الانتخابي وانتقادات المعارضة لهذا الإعلان، وأخيرا نتائج الانتخابات ومستقبل العملية السياسية في موريتانيا.

الانتخابات التشريعية لسنة 2018
جرت أخر الانتخابات التشريعية في موريتانيا في سبتمبر 2018، حيث شهدت عودة أحزاب المعارضة التي أعلنت عن مقاطعة انتخابات التشريعية والمحلية لسنة 2013 تحت حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز (2008-2019) الذي وصل إلى سدة الحكم في سنة 2008 عبر انقلاب عسكري وهو يتعرض لمحاكمة في الفترة الحالية بتهم فساد.
وقد شهدت هذه الانتخابات مشاركة ما يقارب 98 حزب فيها، واعتبرت اختبار حقيقي وتمرين لرئيس ولد عبد العزيز قبيل انتخابات 2019 الرئاسية التي فاز فيها وزير دفاعه محمد ولد الغزواني، وقد تم في 9 سبتمبر 2018 الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية والتي كانت نتيجتها كالآتي:

هذا الاكتساح الذي حققته أحزاب الموالاة المتحالفة مع حزب الإنصاف الحاكم الذي فاز لوحده ب 67 مقعد من جملة 157 مقعد في البرلمان، أثار موجة من التشكيك والانتقادات من قبل قوى المعارضة في نتائج الانتخابات، ومن ضمنها الانتقادات توظيف الحزب الحاكم للموارد الدولة وامكانيتها في خدمة حملته الانتخابية، وأخرى تتعلق بالقوانين الانتخابية التي كانت تصب في مصلحة القوى الحاكمة، كما أنه تم تقديم الطعون للهيئة العليا للانتخابات فيما يتعلق بعملية تجاوزات في بعض الدوائر الانتخابية بالعاصمة نواكشوط، وصدر حكم قضائي في هذه الطعون لصالح تكتل القوى الديمقراطية المعارضة.

جدل حول الإعلان عن الموعد الانتخابي
أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات بموريتانيا في يوم 29 من مارس 2023 فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية، وحددت الحكومة الموريتانية خلال اجتماعها الاستثنائي خلال نفس اليوم بداية لتقديم ملفات الترشح للبرلمان القادم، وحدد نهايتها بتاريخ يوم 12 أبريل 2023.
وأشارت الحكومة في البيان الصادر عقب اجتماعها إلى أن اللوائح الوطنية تودع تصاريح الترشح لها لدى مقر اللجنة الانتخابية، فيما تودع ملفات الترشح للدوائر القطاعية  لدى الممثلين المحليين للجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بعد دفع الكفالات.
وكانت الحكومة الموريتانية قد صادقت على مرسوم يستدعي هيئة الناخبين من أجل انتخاب النواب في الجمعية الوطنية (البرلمان)، يوم السبت 13 ماي 2023، وفي حالة دور ثان يوم السبت 27 ماي2023.
وذكرت الحكومة بأن هذا التاريخ ينسجم مع التاريخ المقترح سلفا من قبل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لتنظيم الانتخابات العامة والمتزامنة (طبقا للاتفاق بين الحكومة والأحزاب السياسية) ومع الأجل المفروض بموجب الدستور لانتخاب النواب في الجمعية الوطنية.
وكانت ردة فعل عدة أحزاب موريتانية ومنظمات مجتمع مدني رافضة لهذا القرار واعتبرته انفرادي من قبل السلطات والتي اخترقت الاتفاق بينهما المقتضي بإعلامها والتنسيق معها لإعلان الموعد الانتخابي.

نتائج الانتخابات
تنافست الأحزاب في موريتانيا خلال هذه الانتخابات على البرلمان المكون من 176 نائبا ومن أكثر من 200 مجلس بلدي و15 مجلسًا إقليميًا للمحافظات الـ 15 في البلاد.
تميزت العملية الانتخابية بالعديد من المستجدات مقارنة بالانتخابات السابقة، بما في ذلك المقاعد المحجوزة للمرشحات والمرشحات الشباب دون سن 35. بالإضافة إلى ذلك، تم انتخاب نصف النواب من خلال نظام التمثيل النسبي. كشفت نتائج الانتخابات، وفق معطيات مؤقتة، عن فوز ساحق لحزب الإنصاف الحاكم الذي حصل على عدد كبير من المقاعد في مجلس النواب والمجالس الإقليمية والبلديات. ومع ذلك، أعربت أحزاب المعارضة عن استيائها وأثارت مخاوف بشأن حدوث مخالفات أثناء عملية التصويت. وتخضع النتائج المؤقتة للمصادقة عليها من قبل هيئات قضائية عليا، وقد أعربت مفوضية الانتخابات عن استعدادها لمعالجة أي طعون أو أخطاء قد تؤثر على العملية الانتخابية. ستشكل النتيجة النهائية لهذه الانتخابات وقرارها المشهد السياسي في موريتانيا وستكون لها تداعيات على الانتخابات المستقبلية، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية في عام 2024.
وبحسب النتائج الأولية، فقد حقق الإنصاف تقدمًا كبيرا في كل من الانتخابات الإقليمية والبلدية، وكذلك الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية. حصل الحزب على 80 مقعدا على الأقل من أصل 176 مقعدا في البرلمان، مما عزز موقعه في السلطة. هذه النتيجة كانت متوقعة من قبل الإنصاف، التي أرجعت نجاحها إلى سجل حافل وحملة انتخابية قوية.
وبعد إجراء الانتخابات وفي دورة الاعادة الثانية التي أجريت يوم 28 مايو زادت حصة حزب الانصاف الحاكم من 80 مقعد إلى 107 مقعد، بينما تحصل حزب الاتحاد والتنمية المحسوب على المعارضة على مقعدين خلال جولة الإعادة ليرتفع نصيبه إلى 11 مقعدا.

وقد أعربت أحزاب المعارضة عن خيبة أملها من النتائج وأثارت مخاوف بشأن مخالفات مختلفة أثناء عملية التصويت. واعتبروا أنه لو أجريت الانتخابات بشفافية، لكان بالإمكان تحقيق نتائج أفضل. على الرغم من شكاويهم، حافظ حزب تواصل الإسلامي على موقعه كقوة معارضة رائدة، في حين حصل تحالف صواب-راغ، الذي ضم الناشط المناهض للعبودية بيرام داه عبيد.
واعترضت أحزاب المعارضة على النتائج ودعت إلى انتخابات جديدة متذرعة بخلل مزعوم أثناء العملية الانتخابية. وانتقدوا هيمنة الإنصاف وشككوا في شفافية ونزاهة الانتخابات.
النتائج الأولية تخضع للمصادقة عليها من قبل الهيئات القضائية العليا، وأبدت مفوضية الانتخابات استعدادها لمراجعة جميع الطعون ومعالجة أي أخطاء قد تؤثر على العملية الانتخابية.
الجدير بالذكر أن الإنصاف حققت أيضا نجاحًا كبيرا في الانتخابات البلدية، حيث فازت بأكثر من نصف المجالس البلدية وجميع المجالس الإقليمية.
يسيطر تقريبا حزب الانصاف الحاكم على كامل المشهد السياسي في موريتانيا عبر تمثيله للأغلبية المطلقة داخل البرلمان واستحواذه على كامل المجالس الإقليمية وأكثر من نصف المجالس البلدية، بالنسبة للمعارضة الموريتانية لم يكن هذا أول رفضها لنتائج الانتخابات، حيث رفضت نتائج الانتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز ولد الغزواني واتهمت لجنة الانتخابات بالتزوير وتأمر جنرالين (ولد الغزواني والرئيس السابق ولد عبد العزيز) لاستدامة الحكم العسكري والقيام بعملية انقلابية عبر الانتخابات، وتتواصل احتجاجاتها واتهاماتها للسلطة حتى في الانتخابات الحالية. وبصفة عامة توجه المعارضة الموريتانية التهم للرئيس الحالي بعجزه عن محاربة الفساد واستفحاله داخل أجهزة الدولة وبعدم تحقيق وعوده الانتخابية خلال تقييم الذي تم القيام به سنة 2022 بعد ثلاث سنوات من توليه السلطة.

Exit mobile version