مقدمة
حظيت الانتخابات الرئاسية التي أجريت في جمهورية الكونغو الديمقراطية في الفترة من 20 إلى 21 ديسمبر 2023 باهتمام كبير على الصعيدين الوطني والدولي وهي ثاني انتخابات منذ انتقال السلطة من أسرة كابيلا. يهدف هذا التقرير إلى تحليل العناصر الأساسية للعملية الانتخابية، بما في ذلك النتائج الأولية، وإقبال الناخبين، والتداعيات المحتملة على المشهد السياسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وردود الأفعال الدولية حول العملية الانتخابية ونتائجها.
1. الصراعات في ما سيسي : ظلال تخيم على الانتخابات :
شهدت منطقة ما سيسي، شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، اشتباكات جديدة، مما ألقى بظلال مثيرة للقلق على العملية الانتخابية. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار لمدة أسبوعين في 11 ديسمبر، استؤنف القتال في 21 ديسمبر، بين متمردي إم 23، بدعم من رواندا، والميليشيات الموالية للحكومة المتحالفة مع الجيش الكونغولي.
ويأتي تجدد الأعمال العدائية بعد عشرة أيام من الهدوء، إذ خضعت خلالها لفترة وجيزة الأمل في استقرار يفضي إلى إجراء انتخابات. وشهدت منطقتا كيباريزو وماتاندا اشتباكات عنيفة، مما أجبر السكان على الفرار وتقويض مشاركتهم في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 20 ديسمبر.
ويوضح استبعاد ما سيسي من التصويت بسبب السيطرة الجزئية التي تمارسها حركة 23 مارس المتمردة، التحديات المستمرة التي تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية فيما يتعلق بالأمن والاستقرار. وتؤدي هذه الصراعات إلى تقويض مصداقية العملية الانتخابية في المنطقة وتثير تساؤلات حاسمة حول قدرة الحكومة على ضمان بيئة آمنة ومستقرة للمشاركة الديمقراطية لمواطنيها.
2. حظر مظاهرات المعارضة : تحدي للديمقراطية :
اتخذت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية قرارا مثيرا للجدل بحظر التعبئة الأولى للمعارضة المقرر تنظيمها في 27 ديسمبر. إذ هدفت هذه التظاهرة إلى المطالبة بإلغاء انتخابات 20 ديسمبر، بعد الحديث عن حدوث مخالفات واسعة النطاق. بل إن المعارضة، التي تشير بأصابع الاتهام إلى قادة اللجنة الانتخابية، تطالب بتوجيه لوائح اتهام.
وحذر نائب رئيس الوزراء المكلف بالداخلية والأمن بيتر كزادي من استنفار القوات الأمنية لمنع تنظيم هذه التظاهرة. ويثير هذا القرار، الذي تعتبره المعارضة سلطويا، مخاوف بشأن احترام المبادئ الديمقراطية والحق في حرية التعبير.
ويتمسك المعارضون بدعوتهم إلى التعبئة رغم الحظر، مشددين على أن نهجهم دستوري. تسلط تصريحات الحكومة الضوء على التوترات المستمرة حول العملية الانتخابية وتكشف عن انقسامات عميقة حول شرعية النتائج. ويثير الحظر المفروض على المظاهرة تساؤلات حاسمة حول حالة الديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية ورغبة الحكومة في ضمان وجود مساحة سياسية مفتوحة وشاملة.
ويسلط هذا الإجراء الضوء على الحاجة إلى حوار بناء بين الحكومة والمعارضة لحل الخلافات السياسية وبناء الثقة في العملية الديمقراطية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
3. الأصوات المسجلة بعد الإغلاق الرسمي: الجدل والشكوك:
شابت العملية الانتخابية في جمهورية الكونغو الديمقراطية جدلا واسعا بعد أن استمرت مراكز الاقتراع في تسجيل الأصوات بعد عدة أيام من الموعد الرسمي للإغلاق، لا سيما في قطاع بابيري الواقع في إقليم لوبيروا في شمال كيفو.
وبررت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (Céni) هذا التمديد بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المنطقة عن طريق البر، مشددة على ضرورة السماح لجميع المواطنين بالمشاركة في التصويت. ومع ذلك، فقد أثارت هذه الإجراءات انتقادات، بما في ذلك من قبل المرشح مارتن فايولو، الذي أثار مخاوف بشأن احتمال حدوث احتيال.
4. الجهاز العسكري في لومومباشي: التوترات والمخاوف:
بعد خمسة أيام من الانتخابات العامة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كانت مدينة لومومباشي مسرحا لانتشار واسع النطاق للقوات العسكرية، مما أثار مخاوف وتساؤلات بين السكان. وانتشر جنود الحرس الجمهوري المدججون بالسلاح في مواقع استراتيجية بالمدينة.
وعلى الرغم من أن السلطات المحلية قالت إن الهدف من نشر القوات هو ضمان الأمن خلال موسم العطلات، إلا أن بعض السكان والمراقبين أعربوا عن قلقهم بشأن رد الفعل العنيف المحتمل أو التوترات بعد الانتخابات. وقد خلق هذا الوجود المعزز للجيش جوا من عدم اليقين وانعدام الثقة بين السكان.
وحاولت البلدية الاطمئنان من خلال التأكيد على أن الانتشار العسكري يهدف إلى الحفاظ على النظام والأمن. ومع ذلك، لا تزال هناك تكهنات حول احتمال أن يكون هذا الإجراء يهدف أيضًا إلى منع أي رد فعل من الناشطين السياسيين، خاصة فيما يتعلق بنشر نتائج الانتخابات.
ويبرهن هذا على مدى أهمية إدارة الجوانب الأمنية بعناية في سياق ما بعد الانتخابات، لتجنب أي تصعيد للتوترات وضمان الاستقرار في المنطقة.
5. عدم الاستقرار السياسي والأمني في جمهورية الكونغو الديمقراطية:
تواجه جمهورية الكونغو الديمقراطية حاليا فترة من عدم الاستقرار السياسي والأمني في أعقاب الانتخابات العامة التي أجريت في 20 ديسمبر. استؤنفت الاشتباكات بين متمردي حركة 23 مارس، الذين تدعمهم رواندا، والميليشيات الموالية للحكومة في إقليم ما سيسي على الرغم من وقف إطلاق النار المعلن عنه سابقًا. ويسلط هذا التصاعد في أعمال العنف الضوء على هشاشة الوضع الأمني في شرق البلاد.
وفي الوقت نفسه، أدى الحظر الذي فرضته الحكومة على مظاهرة المعارضة والتي كان مقرراً تنظيمها في 27 ديسمبر إلى تفاقم التوترات السياسية. وواصل المعارضون، الذين طعنوا في نتائج الانتخابات، دعوتهم للتظاهر رغم الحظر، مما خلق مناخا من عدم الثقة والاحتجاج.
ويشكل استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني تحديا كبيرا أمام توطيد الديمقراطية وبناء مؤسسات متينة في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويجب على المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الوطنية أن يتعاونوا لإيجاد حلول سلمية ودائمة، وبالتالي تعزيز استقرار البلاد وتنميتها.
6. النتائج الأولية والمرشحون :
نشرت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (CENI) في جمهورية الكونغو الديمقراطية بطريقة جزئية بداية من يوم 23 حتى 28 ديسمبر، وكانت هذه النتائج الأولية الجزئية للانتخابات الرئاسية، مما أثار ردود فعل وجدلا. والأرقام الحالية، على الرغم من أنها تتعلق بمليون و876827 ناخباً فقط من بين ما يقرب من 44 مليون ناخب مسجل، تضع الرئيس المنتهية ولايته فيليكس تشيسكيدي في المقدمة بنسبة مذهلة بلغت 81.4% من الأصوات.
ويحتل مويس كاتومبي، رجل الأعمال والحاكم السابق لمقاطعة كاتانغا، المركز الثاني بنسبة 15.18%، يليه مارتن فايولو، منافس آخر، بنسبة 1.2%. أما المرشحون الآخرون، ومن بينهم الحائز على جائزة نوبل للسلام دينيس موكويجي، فلم يصلوا إلى نسبة الـ 1%.
ولم تكشف اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة بعد عن نسبة المشاركة، لكن النتائج الجزئية صدرت تدريجيا منذ 23 ديسمبر. واتسمت هذه الانتخابات بمشاكل لوجستية وتأخيرات، مما أدى إلى تمديد التصويت إلى ما بعد الموعد الأولي.
وتباينت ردود أفعال المعارضة، إذ أشار البعض إلى مخالفات وحالة من الفوضى، بينما يفكر البعض الآخر في تنظيم احتجاجات والمطالبة بإلغاء الانتخابات. ويتفاقم السياق السياسي، المعقد بالفعل، بسبب التوترات الأمنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي يغذيها عودة تمرد حركة إم 23، بدعم من رواندا. ولا يزال الوضع متوترا، ويثير نشر النتائج النهائية مخاوف بشأن الاستقرار السياسي في البلاد.
7. الملاحظات وردود الفعل الدولية :
أثارت الانتخابات التي جرت في جمهورية الكونغو الديمقراطية استجابة سريعة ومقلقة من جانب المجتمع الدولي. في أعقاب نشر النتائج الأولية من قبل اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (CENI)، التي نسبت تقدما كبيرا للرئيس المنتهية ولايته فيليكس تشيسكيدي، أطلقت العديد من السفارات الغربية في كينشاسا مبادرات لتخفيف التوترات بين الجهات السياسية الفاعلة. ووصف الكاردينال فريدولين أمبونجو، رئيس أساقفة كينشاسا الكاثوليكي، سير الانتخابات بأنها “فوضى هائلة”، مشددا على أهمية الحيطة وضبط النفس.
ويظل المجتمع الدولي يقظًا بشأن التطورات التي أعقبت الانتخابات، وقد أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء تصاعد أعمال العنف المسلح في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وخاصة في مقاطعة ماي ندومبي الغربية. ويشير تقرير خبراء الأمم المتحدة إلى التحديات الأمنية المستمرة، وخاصة في شمال كيفو، مع تواصل الاتهامات الموجهة لرواندا لاستمرارها في دعم لمتمردي حركة 23 مارس. وهو ما تسبب بتدهور الوضع الانساني ويدعو إلى الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات متضافرة للتخفيف من معاناة المدنيين المتضررين من العنف والنزوح الجماعي.
خاتمة:
في الختام، شابت الانتخابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية مخالفات وتحديات أمنية، مما أثار تساؤلات حول شرعية العملية. وأثارت النتائج الأولية، التي جاءت لصالح الرئيس المنتهية ولايته بقوة، مخاوف وردود أفعال دولية. ويتطلب العنف المستمر والتدهور الإنساني تدخلا عاجلا. ويجب على المجتمع الدولي أن يلعب دورا حاسما في تحقيق الاستقرار في البلاد، وتشجيع الشفافية والحوار. وسيعتمد المستقبل السياسي لجمهورية الكونغو الديمقراطية على الإجراءات المتخذة لحل الصراعات والاستجابة للاحتياجات الإنسانية واستعادة الثقة في العملية الديمقراطية.