إعداد فريق المركز
تمهيد
كان من المزمع إجراء الانتخابات الليبية في 24 ديسمبر 2021، ولكن بسبب الخلاقات حول القانون الانتخابي والصراع بين الثلاثي المكون للمشهد السياسي الليبي المتمثل في (المجلس الرئاسي، البرلمان، حكومة الوحدة الوطنية)، إضافة إلى استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا السلوفاكي يان كوبيش قبيل شهر واحد من الموعد الانتخابي دون تقديم مبررات للاستقالة، كلها عناوين كانت تقف وراء فشل الأطراف الليبية رفقة الوساطة الدولية لبلوغ المرحلة الانتخابية ومحاولة انهاء الانقسام والمرحلة الانتقالية في ليبيا المستمرة لأكثر من 12 سنة، ومع تعيين المبعوث الأممي السينغالي عبد الله باتلي في سبتمبر 2022 مبعوثا إلى ليبيا كانت أولى تصريحاته حول برنامجه عند وصولها إلى ليبيا بأن هدفه رئيسي: “تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين.”
يطرح هذا التقرير أهم الأسباب التي تقف وراء تعطيل الانتخابات في ليبيا والأطراف المتداخلة في هذا الخلاف وما هو مستقبل العملية الانتخابية في ليبيا.
قانون الانتخابات الرئاسية في 2021 أحد أبرز عناوين فشل إجراء الانتخابات
مثل قانون الانتخابات الرئاسية الذي أصدره مجلس النواب بقيادة عقيلة صالح في سبتمبر 2021 الذي تم تمريره من دون عرضه على جلسة رسمية من بين أهم النقاط الخلافية في المشهد الليبي، إذ يشير نص القانون إلى إمكانية ترشح أي عسكري أو مدني لمنصب الرئيس شرط “التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر”، وفي حال عدم انتخابه “يعود لسابق عمله”. وهو ما اعتبرته الأطراف الليبية قانون يصب في مصلحة المشير خليفة حفتر المتمركز في شرق ليبيا حيث يمثل عقيلة صالح ظهيره السياسي. وقد رفض مجلس الدولة الليبي هذا القانون، كما ان المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا عجزت عن نشر قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية حيث أكد رئيسها عماد السايح تعرضه لتهديدات وضغوطات حالت دون نشره للقائمة دون ذكر هذه الأطراف، ليبقى الوضع بين تراشق للتهم بين المفوضية ومجلس النواب بطبرق في الوقوف وراء تأجيل الانتخابات.
لم تكن هذه الأسباب الوحيدة خلف فشل العملية الانتخابية في ليبيا، فحتى عدم وضوح صلاحيات الرئيس ومهامه رفقة الخلافات حول مسودة الدستور المقترحة حيث يتم تسير الوضع الليبي بوثيقة دستورية مؤقتة منذ سنة 2011، رفقة فشل البعثة الأممية بسبب تعقيدات التداخلات الإقليمية والدولية في المشهد الليبي الذي يعاني من انقسامات حادة وحديث عهد بصراعات أهلية يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ساهم في فشل العملية الانتخابية وألغى الانتخابات لفترة مؤقتة.
التعديل الدستوري رقم 13
أقر مؤخرا البرلمان الليبي في فيفري 2023 تعديلا دستوريا تحت مسمى التعديل رقم 13، أثار موجة من الجدل وفيما يلي أهم النقاط التي يتناولها هذا التعديل
– رئيس السلطة التنفيذية يتم انتخابه مباشرة وهو من يقوم بتعيين وإقالة رئيس الوزراء.
– رئيس الدولة لا يملك حل مجلسي النواب والشيوخ إلا عبر استفتاء شعبي، وبعد “إحالة الأسباب والمبررات للمحكمة العليا”.
– السلطة التشريعية (مجلس الأمة) يتكون من غرفتين:
* مجلس النواب (مقره بنغازي).
* مجلس الشيوخ (مقره طرابلس).
– يضمن القانون الانتخابي نسبة 20% من مقاعد مجلس النواب للمرأة.
– تشكيل لجنة مكونة من 12 عضوا بواقع 6 أعضاء من مجلس النواب ومثلهم من مجلس الدولة للتوافق بأغلبية الثلثين من أعضاء كل مجلس لإعداد قوانين الاستفتاء والانتخابات.
لقي هذا التعديل العديد من ردود الأفعال الداخلية والدولية بين مؤيد ورافض له، بالنسبة للمجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري يصب هذا التعديل في مصلحته، حيث سيحول مؤسسته إلى جزء من البرلمان تحت مسمى “مجلس الشيوخ” ويعطيه صلاحية أكبر، من الناحية الأخرى بالنسبة للقيادة المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي فإن هذا التعديل ينزع منه صلاحية حل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وهو ما سيعمق الأزمة أكثر مع مجلس الدولة. كما أنه بعد أيام قليلة حدث لقاء بين كل من محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة خلص فيه إلى تحديد موعد جاهزية القانون الانتخابي قبيل شهر نهاية أبريل المقبل، كما أن المبعوث الأممي في ليبيا باتيلي وجه انتقادات كبرى للتعديل الدستوري رقم 13 خلال إحاطته بمجلس الأمن.
في حين خرجت احتجاجات نظمها عدد من نشطاء المجتمع المدني أمام المجلس الأعلى للدولة تندد بهذا التعديل وتعتبره ضوء أخضر للعسكريين بالترشح للانتخابات في حين أعلنت عديد المكونات القبلية رفضها له وأبرزها مجلس حكماء وأعيان تاجوراء بغرب ليبيا بحسبان أن هذا التعديل قد فصّل على قياس حفتر، ولن يؤدي إلا لمزيد من تأجيج الحروب وانقسام البلاد، وقاموا بالدعوة إلى التوجه مباشرة إلى انتخابات برلمانية وهذا هو الطرح الذي تتبناه واشنطن حاليا، حيث لم تبرز أي ردة فعل دولية من قبل الأمم المتحدة وغيرها حول هذا التعديل وهو ما يبرز مخاوفهم حوله، ما عدا الخارجية المصرية التي أصدرت بيانا تدعم فيه هذا التعديل.
مستقبل العملية الانتخابية في ظل الضغوطات الدولية
كل هذه المؤشرات تؤدي إلى طريق مسدود بين الأطراف الليبية في توجهها نحو الانتخابات، إلا أن الضغوط الدولية وخاصة القادمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي نزلتها في الآونة الأخيرة بطل ثقلها في الملف الليبي وخاصة في إطار صراعها مع النفوذ الروسي المتنامي في إفريقيا والمتمثل في تواجد قوات فاغنر، فعلى غرار الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية
لليبيا والتي التقى فيها كل من خليفة حفتر وعبد الحميد الدبيبة، فقد وضعت واشنطن خطة في ليبيا:
ويبدو أن الطرح الأمريكي فيما يتعلق بخوض انتخابات برلمانية كان مآله الفشل مما دفع القائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا ليزلي أوردمان يقوم بمباحثات مع الممثلة الخاصة لرئيس مفوضية الاتحاد الافريقي وحيدة العياري سبل الدعم المشترك لجهود الأمم المتحدة لإيجاد مسار نحو الانتخابات في ليبيا.
وقد قام عبد الله باتيلي قبيل تقديم إحاطته في مجلس الأمن الدولي بالقيام بجولة أوروبية لكل من إيطاليا وألمانيا وفرنسا وأجرى محادثات دولية مع كل من أمريكيا والصين لدعم أطروحته أمام مجلس الأمن، كما أنه قدم إحاطته التي لاقت ترحيبا ودعما دوليا كبيرا ودعم من قبل الأطراف الداخلية في ليبيا، وتتمثل أطروحة باتيلي كما جاءت على لسانه : قررت أن أطلق مبادرة لتنظيم وعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية في العام 2023، سأقوم بإنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى لليبيا، هذه الآلية المقترحة ستجمع كل أصحاب المصلحة الليبيين المعنيين، بمن فيهم ممثلي المؤسسات السياسة، وأهم الشخصيات السياسية، والقادة القبليين، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية، والنساء والشباب”.
وسأقوم بتيسير اعتماد إطار قانوني وخارطة طريق وجدول زمني محدد لعقد انتخابات 2023، كما أن لجنة مقترحة ستقوم بتوفير منصة لتعزيز توافق الآراء حول المسائل ذات الصلة مثل أمن الانتخابات واعتماد مدونة سلوك لكل المرشحين.
وأكد باتيلي على دعم كل القوى الدولية والإقليمية والمكونات السياسية والمجتمع المدني والقبلي في ليبيا لمبادرته، ويبدو أنه متفائل جدا حول قيام انتخابات في ليبيا خلال العام الحالي خاصة وأنه يحظى بدعم كبير من قبل واشنطن التي تضغط في هذا الاتجاه.
خلاصة
الصراع الداخلي في ليبيا والأجندات الإقليمية المتحكمة في الأطراف الداخلية السياسية والعسكرية هي أهم ما يعطل إجراء الانتخابات في ليبيا بسبب تضارب المصالح بينها، ولكن نزول الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا بكل ثقلها في الملف الليبي في إطار صراعها مع روسيا في إفريقيا وتحديدا إنهاء تواجد قوات فاغنر الروسية المتواجدة في شرق ليبيا، حيث لا تُخفي واشنطن تقاربها الواضح ودعمها لحكومة الدبيبة وخاصة بعد تسليمها للبوعجلية مريمي الضابط السابق في المخابرات الليبية المتهم بصناعة قنبلة حادثة لوكربي، وبالرغم من معرفة واشنطن أن توصل الأطراف الليبية لقاعدة اتفاق دستورية التي ستقضي لإجراء الانتخابات لن ينهي التواجد العسكري الأجنبي في ليبيا، إلا أن سعيها لإجراء هذه الانتخابات سيكون بمثابة خطوة هامة لتحقيق هذا الهدف وهو ما يتجلى في خطتها الاقتراحية لإجراء انتخابات برلمانية، حيث يخضع البرلمان الحالي بطبرق لنفوذ المشير خليفة حفتر بالمنطقة الشرقية المتحالف مع قوات فاغنر الروسية، في حين تكمن آمال الشعب الليبي في إجراء الانتخابات إلى تركيز سلطة وجهاز الدولة الموحدة وإنهاء عقد من الفوضى والاقتتال وسيطرة المليشيات العسكرية والتناحر القبلي في ليبيا.