محاولات الانقلاب في بينين وبوركينا فاسو: هل تستهدف استقرار الأنظمة أم تصفية الحسابات السياسية؟

تتفاقم الأزمات السياسية في غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، بسبب سلسلة متواصلة من محاولات الانقلاب وزعزعة الاستقرار، ما يثير تساؤلات عميقة حول ما إذا كانت هذه التحركات تستهدف تعزيز استقرار الأنظمة أو أنها جزء من تصفية حسابات سياسية داخلية وخارجية.

في بوركينا فاسو، أعلنت الحكومة الانتقالية في 23 سبتمبر 2024 عن إحباط محاولة جديدة لزعزعة الأمن والاستقرار. وقد أكد وزير الأمن، محمد سانا، أن التخطيط لهذه المحاولات شمل شخصيات بارزة مقيمة في دول مثل ساحل العاج وغانا ونيجيريا، من بينهم الرئيس السابق بول هنري داميبا الذي أُقيل في سبتمبر 2022.

ووفقًا للسلطات، تضمنت المؤامرة دعمًا من أجهزة استخبارات غربية واستخدام مجموعات إرهابية لتنفيذ عمليات عنف تستهدف المدنيين والبنية التحتية الحكومية. حادثة مذبحة بارسالوغو في 24 أغسطس التي راح ضحيتها حوالي 300 شخص كانت جزءًا من هذا المخطط، مما يعكس حجم التهديدات الأمنية المتزايدة.

وفي بنين، تم الكشف في 26 سبتمبر 2024 عن محاولة انقلابية كانت مُخططة للتنفيذ في 27 من الشهر ذاته، حيث تم القبض على قائد الحرس الجمهوري المكلف بحماية الرئيس باتريس تالون، بالإضافة إلى الوزير السابق أوزوالد هوميكي ورجل الأعمال أوليفي بوكو. تشير السلطات إلى أن هؤلاء المتورطين كانوا يخططون للإطاحة بالحكومة بدعم من جهات داخلية وخارجية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، تبقى بنين عرضة لمثل هذه التهديدات، خاصة في ظل علاقاتها التاريخية مع فرنسا وتوازنها الحذر مع القوى الإقليمية والدولية.

إنّ تصاعد محاولات الانقلاب في بوركينا فاسو وبنين يضع المزيد من الضغوط على حكومات المنطقة التي تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع تهديدات متعددة الأبعاد، بعضها نابع من التوترات الداخلية والبعض الآخر من تدخلات خارجية تسعى لتحقيق أهداف جيوسياسية. في هذا السياق، يبرز السؤال حول مدى قدرة هذه الأنظمة على مواجهة هذه التحديات، وهل تصب هذه المحاولات في مصلحة استقرار المنطقة، أم أنها تكتيكات لتصفية حسابات سياسية بين النخب الحاكمة والمعارضة؟

على ضوء هذه الأحداث، يطرح فريق المركز الأفريقي لأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) تساؤلات حول ما إذا كانت هناك مساعٍ حقيقية لضم بنين إلى التحالف الإقليمي لدول الساحل لمواجهة هذه التهديدات، أم أن هذه التصريحات من قبل الأنظمة الحاكمة في بوركينا فاسو وبنين مجرد استراتيجيات لتصفية المعارضة والسيطرة على المشهد السياسي؟ وهل التدخلات الخارجية تهدف إلى تعزيز الاستقرار، أم أنها وسيلة لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب أمن الدول الإفريقية؟

أولا: تحديات الأمن الداخلي والإقليمي في غرب إفريقيا

تشهد منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل تصاعدًا مستمرًا في التحديات الأمنية التي أصبحت أكثر تعقيدًا مع مرور الوقت. لم تعد هذه الأزمات مقتصرة على مواجهة الإرهاب أو النزاعات المسلحة التقليدية، بل امتدت لتشمل محاولات انقلابية وزعزعة استقرار الأنظمة السياسية. هذا التعقيد ينبع من تداخل عدة عوامل داخلية وخارجية تؤثر في استقرار المنطقة. الإرهاب الذي تسببت فيه مجموعات مسلحة مثل “القاعدة” و”داعش” في السنوات الأخيرة، بات يتشابك مع الأزمات السياسية التي تستغلها قوى داخلية مدعومة خارجيًا، مما يجعل الحلول الأمنية أكثر تعقيدًا. وبدلاً من أن تقتصر الأزمات على دولة واحدة، تنتشر التداعيات عبر الحدود، مما يعزز الحاجة إلى استجابة إقليمية جماعية.

في بوركينا فاسو، كشفت محاولات زعزعة الاستقرار عن تورط شخصيات سياسية وعسكرية بارزة، بعضهم بدعم من أجهزة استخبارات دولية، مما يبرز بوضوح تأثير التدخلات الخارجية في تفاقم الأزمات المحلية. التدخلات الأجنبية ليست جديدة في المنطقة، لكن اتساع نطاقها وتزايد تأثيرها في تشكيل الديناميات السياسية المحلية يمثلان تحولًا في طريقة إدارة الصراعات. في حين أن بوركينا فاسو تعاني من هجمات إرهابية منتظمة، فإن هذا التدخل الخارجي يعمق الأزمة ويزيد من تعقيد الحلول الممكنة، حيث تصبح الدولة عالقة بين صراعات داخلية وصراعات نفوذ خارجية.

أما في بنين، فمحاولة الانقلاب الأخيرة تُظهر مدى هشاشة الوضع السياسي والأمني في البلاد. رغم أن بنين ليست جزءًا من التحالف الإقليمي الجديد لدول الساحل، إلا أن هذه المحاولة الانقلابية تعكس طبيعة التحديات المتشابهة التي تواجهها معظم دول غرب إفريقيا. غياب التنسيق الإقليمي الفعال يزيد من تعرض الدول للتهديدات الداخلية والخارجية، حيث تجد بنين نفسها في مواجهة مباشرة مع أطراف داخلية مدعومة من جهات خارجية تسعى لزعزعة استقرار النظام السياسي. هذا يعزز الدعوة إلى تعزيز التعاون الإقليمي كحاجة ملحة، خاصة مع تزايد التشابكات بين التهديدات الأمنية والسياسية.

في ظل هذه الظروف، تتضح الحاجة الملحة إلى تطوير استراتيجيات أمنية داخلية فعالة قادرة على التعامل مع التهديدات المتعددة. يجب أن تستند هذه الاستراتيجيات إلى تعاون إقليمي ودولي منظم، حيث أن الحلول المنفردة لم تعد كافية. وفي الوقت نفسه، يجب أن تتجنب الحكومات الإفراط في الاعتماد على التدخلات الخارجية التي قد تعزز من تعقيد الوضع الداخلي. بناء قدرات أمنية محلية متينة، مع تعزيز التعاون الإقليمي، يمكن أن يسهم في تحسين قدرة الدول على مواجهة التحديات الأمنية المتزايدة والحفاظ على استقرارها السياسي.

ثانيا: النفوذ الفرنسي وتأثيره على بنين

تعد بنين واحدة من الدول الفرنكوفونية في غرب إفريقيا التي لا تزال تحتفظ بعلاقات وثيقة مع فرنسا، خصوصًا على الصعيدين السياسي والأمني. هذا النفوذ الفرنسي المتواصل في البلاد يأتي نتيجة علاقات تاريخية واقتصادية تمتد إلى الحقبة الاستعمارية، حيث كانت فرنسا القوة المهيمنة في المنطقة. على الرغم من ذلك، تُظهر محاولة الانقلاب الأخيرة في بنين هشاشة هذا النفوذ وعدم قدرته على ضمان استقرار سياسي دائم في البلاد. فالأحداث الأخيرة في بنين تعكس أن الاعتماد على فرنسا وحدها لم يعد كافيًا للحفاظ على الأمن الداخلي، ما يعزز التساؤلات حول فعالية هذا النفوذ وما إذا كانت العلاقات التقليدية بين فرنسا ومستعمراتها السابقة قادرة على مواجهة التحديات الجديدة.

في السنوات الأخيرة، بدأت فرنسا تواجه منافسة شرسة من قوى دولية صاعدة مثل الصين وروسيا، التي تحاول توسيع نفوذها في إفريقيا عبر شراكات اقتصادية واستراتيجية جديدة. هذا التحول في المشهد الجيوسياسي يزيد من الضغط على النفوذ الفرنسي، حيث لم تعد فرنسا القوة الوحيدة التي تلعب دورًا رئيسيًا في القضايا الإفريقية. وفي حالة بنين، على الرغم من الدعم الفرنسي المستمر، لم تستطع فرنسا منع الانقلابات أو التهديدات السياسية الداخلية، وهو ما يشير إلى تراجع قدرتها على التأثير في المشهد السياسي المحلي بشكل فعّال كما كانت عليه في السابق. المنافسة الدولية قد تدفع بنين والدول الفرنكوفونية الأخرى إلى البحث عن بدائل أخرى لتأمين استقرارها السياسي.

داخليًا، تتزايد الحركات الشعبية في الدول الفرنكوفونية التي تسعى إلى التخلص من التبعية الاستعمارية السابقة وتطالب بمزيد من الاستقلال السياسي والاقتصادي عن فرنسا. في بنين، يمكن ملاحظة أن النفوذ الفرنسي لم يحم البلاد من التحديات الأمنية الكبيرة، كما تجلى في محاولة الانقلاب الأخيرة. هذا الفشل يعكس عدم قدرة فرنسا على تقديم حلول شاملة ومستدامة للأزمات السياسية المتكررة، ما يدفع بعض القادة والمفكرين في بنين إلى التفكير في إعادة النظر في علاقتهم مع فرنسا والبحث عن شراكات جديدة تعزز من سيادة البلاد واستقلاليتها.

مراجعة العلاقة بين بنين وفرنسا قد تكون خطوة حتمية في ظل التطورات الأخيرة. يمكن لبنين أن تتجه نحو نماذج جديدة من الشراكات الدولية التي لا تقتصر على جهة واحدة، بل تفتح الباب أمام تحالفات اقتصادية وأمنية متعددة، توازن بين المصالح الوطنية والتعاون الدولي. هذه الشراكات قد تشمل تعزيز التعاون مع قوى إقليمية أو دولية أخرى مثل الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة، مما قد يوفر لبنين بدائل أكثر تنوعًا للحفاظ على استقرارها السياسي وتخفيف الاعتماد المفرط على فرنسا.

ثالثا: التحالف الجديد لدول الساحل وغياب بنين وتأثيره

التحالف الجديد لدول الساحل، الذي يهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة التهديدات الأمنية، يُعد خطوة مهمة نحو تقوية الدفاعات الإقليمية ضد الإرهاب والتهديدات الداخلية. هذا التحالف يضم دولاً تسعى إلى تقليل اعتمادها على الدعم الخارجي وتوجيه جهودها نحو الحلول المحلية، مما يجعلها أقل عرضة للتدخلات الأجنبية التي غالبًا ما تتعارض مع مصالحها. مع ذلك، فإن غياب بنين عن هذا التحالف يُثير التساؤلات حول استراتيجيتها الأمنية. فبينما تُواجه الدول الأعضاء في التحالف تهديدات مماثلة، فإن عدم انضمام بنين يُعد فجوة في هذه الشبكة الدفاعية، وهو ما يزيد من تعقيد الموقف الأمني للبلاد في ظل التوترات المتصاعدة.

قد يُعزى غياب بنين عن التحالف إلى رغبتها في الحفاظ على سيادتها وعدم التورط في تعقيدات إقليمية قد تكون لها تداعيات سياسية داخلية. وقد تخشى الدولة أن الانضمام إلى تحالف كهذا قد يفرض عليها التزامات سياسية وعسكرية تتجاوز إمكانياتها أو تتعارض مع أولوياتها الداخلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون القيادة في بنين مترددة بشأن التعاون الوثيق مع دول تعاني من عدم الاستقرار، خوفاً من انتقال عدوى الأزمات إليها. لكن رغم هذه المخاوف، يبقى الغياب عن التحالف بمثابة نقطة ضعف تجعل البلاد أكثر عرضة للتهديدات، سواء كانت داخلية أو خارجية.

أحد الآثار المترتبة على عدم الانضمام هو أن بنين تفتقد الدعم العسكري واللوجستي الذي يُمكن أن يوفره التحالف. التعاون الإقليمي يُعد إحدى الوسائل الفعالة لمواجهة التهديدات الأمنية المعقدة، خصوصًا في منطقة الساحل حيث تمتد الحدود وتتشابك الأزمات. بالاعتماد فقط على مواردها الخاصة، قد تجد بنين نفسها غير قادرة على التصدي لموجات العنف أو محاولات الانقلاب بشكل فعال. التعاون مع جيرانها من خلال التحالف كان يمكن أن يوفر إطارًا أكثر تنظيمًا للتعامل مع هذه التحديات، وهو ما ينعكس إيجابًا على استقرارها الداخلي.

وفي ضوء هذه المخاطر، من الضروري أن تُعيد بنين النظر في استراتيجيتها الأمنية والإقليمية. التهديدات التي تواجهها البلاد لا تقتصر على الانقلابات فقط، بل تشمل أيضًا التهديدات الإرهابية العابرة للحدود. لذلك، يجب على الحكومة أن تُفكر بجدية في الانضمام إلى التحالفات الإقليمية التي يمكن أن توفر لها دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا، وتُعزز من قدرتها على مواجهة التهديدات المتزايدة. الانضمام إلى تحالف دول الساحل قد يكون خطوة استراتيجية نحو تأمين بنين ضد التدخلات الخارجية والتهديدات الأمنية الداخلية المتصاعدة.

رابعا: أهمية بناء هياكل أمنية مستقلة وفعالة

تعاني العديد من دول غرب إفريقيا من ضعف ملحوظ في هياكلها الأمنية، ما يجعلها عرضة للاستغلال من قِبل الفاعلين الداخليين والخارجيين على حد سواء. في حالة بوركينا فاسو، تمكنت مجموعات إرهابية وشخصيات سياسية مدعومة من قوى خارجية من استغلال هذا الضعف لتنفيذ هجمات متكررة ومحاولات زعزعة الاستقرار. هذا يشير إلى هشاشة الهياكل الأمنية في مواجهة التهديدات المتعددة الأوجه التي تتطلب استجابة سريعة وفعالة. أما في بنين، فقد تجلى هذا الضعف في الفشل في منع محاولة الانقلاب الأخيرة رغم التحذيرات الواضحة. هذا يُظهر أن ضعف الهياكل الأمنية يزيد من تعقيد التحديات ويتيح الفرصة للفاعلين غير الحكوميين للتدخل وزعزعة الاستقرار.

بناء هياكل أمنية مستقلة وفعالة يجب أن يكون أولوية قصوى إذا كانت هذه الدول ترغب في حماية نفسها من تكرار السيناريوهات التي شهدناها في بوركينا فاسو وبنين. الاعتماد على الدعم الخارجي، رغم ضرورته في بعض الأحيان، لا يمكن أن يكون حلاً طويل الأمد. يجب أن تُبنى الهياكل الأمنية على أسس قوية تعتمد على القدرات المحلية المتطورة. تحسين مستوى التدريب للقوات الأمنية وتحديث التكنولوجيا المستخدمة يُمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في تعزيز قدرة هذه الدول على التصدي للتهديدات. فبدلاً من أن تكون القوات الأمنية مجرد مستجيبة للتهديدات، يجب أن تتحول إلى قوة قادرة على استباق الأحداث ومنعها قبل وقوعها.

التنسيق بين الدول الإفريقية في مجال الأمن هو أيضًا عنصر أساسي لتحقيق الاستقرار. التهديدات العابرة للحدود مثل الإرهاب وتهريب الأسلحة تستلزم تعاونًا إقليميًا وثيقًا بين الدول لتبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق في العمليات الأمنية. الدول التي تعمل منفردة تجد نفسها في موقف ضعف مقارنة بتلك التي تتعاون مع جيرانها. هذا التعاون يجب أن يمتد ليشمل التدريب المشترك وتطوير استراتيجيات إقليمية لمواجهة التهديدات المتنوعة التي تتعرض لها المنطقة، مما يعزز من قوة الردع الأمني ويقلل من فرص نجاح أي محاولات لتقويض استقرار الدول.

في النهاية، بناء هياكل أمنية محلية فعالة هو الأساس لاستقرار الدول الإفريقية على المدى الطويل. هذه الهياكل يجب أن تكون مرنة وقادرة على التكيف مع التهديدات المتغيرة، سواء كانت داخلية أو خارجية. من خلال تعزيز القدرات المحلية، يمكن للدول الإفريقية أن تقلل من اعتمادها على القوى الخارجية، التي غالبًا ما تتدخل لتحقيق مصالحها الخاصة. بهذه الطريقة، يمكن للدول الإفريقية أن تستعيد زمام المبادرة في حماية سيادتها وضمان أمنها الداخلي والخارجي.

خامسا: التدخلات الأجنبية ودورها في زعزعة الاستقرار الإقليمي

لطالما كانت التدخلات الأجنبية عاملاً معقدًا في مشهد الأزمات السياسية والأمنية في غرب إفريقيا. تاريخياً، كانت القوى الكبرى مثل فرنسا، والآن قوى جديدة كالصين وروسيا، تمارس نفوذها في المنطقة عبر دعم أطراف محلية لتحقيق أجنداتها. في حالة بوركينا فاسو، تورط أجهزة استخبارات غربية في دعم شخصيات سياسية وعسكرية للإطاحة بالحكومة الانتقالية يبرز كيف أن هذه التدخلات لا تُسهم في استقرار البلاد بل تُفاقم من الأزمات القائمة. التدخلات تزيد من التوترات الداخلية حيث تستغل القوى الأجنبية الانقسامات المحلية لتحقيق مصالحها، مما يؤدي إلى تأجيج الصراعات بدلاً من تهدئتها.

النتيجة المباشرة لهذه التدخلات هي خلق حالة من عدم الثقة بين الدول الإفريقية وبين حكوماتها وشعوبها. الشعوب غالباً ما تنظر إلى حكوماتها على أنها غير قادرة على التحكم بمصيرها، بل تعتمد على القوى الأجنبية. هذه الحالة من الاعتماد تؤدي إلى إضعاف الروابط بين الدول الإفريقية وتقليل فرص التعاون الإقليمي. فبدلاً من بناء استجابات جماعية وموحدة لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، تصبح الدول الإفريقية أكثر انقساماً وأكثر عرضة للتلاعب من قبل الفاعلين الدوليين.

لكي تتخلص الدول الإفريقية من هذا الاعتماد الضار على القوى الأجنبية، تحتاج إلى تبني نهج أكثر استقلالية في إدارة قضاياها السياسية والأمنية. ينبغي أن يكون التعاون الإقليمي المحور الأساسي لمواجهة التحديات. على سبيل المثال، يمكن لدول غرب إفريقيا تطوير آليات دفاع جماعية ومشاركة المعلومات الاستخباراتية لتعزيز قدرتها على التصدي للتهديدات المشتركة. هذا النهج يتطلب إرادة سياسية قوية وشجاعة للتخلي عن النفوذ الخارجي الذي غالبًا ما يكون عقبة أمام تطور الدول الإفريقية نحو الاستقلالية الكاملة في قراراتها السيادية.

تحقيق هذا الاستقلال السياسي والأمني يتطلب استثمارات مستدامة في قدرات الدول الإفريقية. يجب أن تبدأ هذه الدول في تطوير قدراتها الدفاعية والأمنية، وتحسين التعليم والتدريب العسكري، والاعتماد بشكل أكبر على مواردها المحلية. وبمجرد تحقيق هذا المستوى من الاستقلال، ستكون الدول الإفريقية أكثر قدرة على مواجهة التحديات المعقدة التي تواجهها، سواء كانت من الداخل أو الخارج، وستتمكن من بناء استقرار طويل الأمد بعيدًا عن التدخلات الأجنبية التي تُعرقل تنميتها واستقرارها.

الخلاصة

في نهاية المطاف، يمكن التأكيد على أنّ دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل تمرّ بمرحلة حساسة مليئة بالتحديات الأمنية والسياسية التي تثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الاستقرار في هذه المنطقة المتوترة. فبين محاولات الانقلاب المتكررة والتدخلات الأجنبية المتزايدة، يتضح أن العديد من الدول تجد نفسها محاصرة بين تهديدات داخلية وخارجية تتطلب استجابات شاملة وفعالة.

في هذا السياق، يبدو أن التحالفات الإقليمية الجديدة مثل تحالف الساحل تسعى إلى تعزيز التعاون ضد هذه التهديدات؛ ولكن غياب دول مثل بنين عن هذه التحالفات يثير تساؤلات حول مصيرها في ظل هذه المتغيرات. وبناء على هذه الملاحة، تبرز أسئلة كثيرة ومتعددة، أهمها ما يلي:

• هل ستشهد بنين انضمامًا إلى تحالف الساحل الجديد لتعزيز أمنها الإقليمي، أم أن هناك عوامل خفية تمنعها من الانخراط في هذه الجهود؟

• وهل تتخذ الحكومات في بوركينا فاسو وبنين هذه التصريحات كوسيلة لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي، بينما يتم استخدام هذه الأزمات كذريعة للقضاء على المعارضة والشخصيات البارزة؟

• وهل التدخلات الأجنبية، التي تظهر تحت شعار “دعم الاستقرار”، هي في الواقع أدوات لتحقيق أجندات سياسية واقتصادية خفية؟

ستظل هذه التساؤلات مطروحة على الطاولة في وقت يزداد فيه الوضع تعقيدًا، مما يستدعي تأملًا عميقًا في حقيقة ما يجري خلف الكواليس.

تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

Exit mobile version