إصداراتتحليلات

التواجد العسكري التركي في أفريقيا: الآفاق والتحديات

الكاتب: أورهان آقزاده

مقدمة
إن توسيع نفوذ الدول خارج الحدود ليس جديداً في المنظومة الدولية، ولكنه أخذ أشكالاً مختلفة على مر التاريخ، فعندما كانت تشعر الدول بفائض قوة عسكرية، اقتصادية أو بشرية، كانت تفكر في التوسع خارج حدود سيطرتها، على حساب الجيران من خلال السيطرة على مساحات وكتل بشرية أكبر كرمز للنفوذ والقوة.
ظلت فكرة توسيع النفوذ حاضرة في أيامنا هذه ولكن اتخذت أشكالاً مختلفة فمنها اقتصادي ومنها سياسي ومنها العسكري ومنها الأمني ومنها الثقافي ومنها ما يكون مختلطاً حيث إن التوسع في مجال قد يكون نتيجة لوجود نفوذ في مجال آخر فقد يقود النفوذ الثقافي إلى نفوذ أمني وقد يؤدي النفوذ الاقتصادي إلى سيطرة عسكرية وهكذا.

عند الحديث عن التواجد العسكري، فقد يتحقق بعدة أشكال منها:
القواعد العسكرية.
– الاتفاقيات العسكرية (تدريب – أسلحة ومعدات – نقل تكنولوجيا).
– المشاركة في قوات دولية ضمن إطار الأمم المتحدة بغرض حفظ الأمن والسلام.
لا يمكن اعتبار المشاركة في قوات دولية أنه تواجد عسكري بالمعنى الحقيقي إلا في إطار اعتبارات معينة مثل عدد المشاركين من العسكريين وطبيعة المهام التي تقوم بها هذه القوة المشاركة.

يمكن القول أن التواجد العسكري له أهداف:
– اقتصادية، كحماية مصالح اقتصادية واستثمارات، فتح أسواق جديدة للصناعات الدفاعية وغيرها.
– أمنية وسياسية، مثل ضمان استقرار نظام سياسي لمصالح الأمن القومي، زيادة الفاعلية السياسية للدولة في القضايا الاقليمية والدولية وحماية مصالحها.
وقد يكون للتواجد العسكري مقدمات: ثقافية، إنسانية، سياسية، تعاون أمني و/أو اقتصادية؛ وأياً كان فإن التواجد العسكري لابد له من قوة اقتصادية تقف خلفه، وتدعمه لأنه في حقيقته يمثل فائض قوة لدى الدولة، أدى لتفكيرها في التواجد العسكري خارج حدودها.

التواجد العسكري التركي في أفريقيا
تتنافس اليوم دول عدة على النفوذ في أفريقيا، من هذه الدول من كان له سيطرة استعمارية تاريخياً في أفريقيا مثل فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، البرتغال، ولاحقاً الولايات المتحدة الأمريكية بحكم أنها قوة عالمية، إضافة للسعي الدؤوب لإسرائيل من أجل التواجد وامتلاك نفوذ في القارة الأفريقية، ثم ظهر منافسون جدد يسعون لنفوذ في القارة السمراء مثل: الصين، روسيا، إيران وتركيا إضافة لوجود لاعبين آخرين مثل الإمارات العربية عند الحديث عن التدخلات السياسية والأمنية، وكوريا الشمالية عند الحديث عن المجال العسكري.
إن التواجد العسكري التركي في أفريقيا يتخذ جميع الأشكال التي تم الحديث عنها أعلاه، من قواعد واتفاقيات عسكرية، ومشاركة ضمن قوات دولية لخفظ السلام.
ولكن عملياً لا يمكن اعتبار مشاركة تركيا في قوات دولية في أفريقيا، تواجداً عسكرياً حقيقياً لقلة عدد العسكريين المشاركين في هذه القوى (راجع أعدد الجنود الأتراك خارج الحدود والمذكورة في (COŞAR 2022))، وقد تكون مشاركتهم شكلية، أو في أعمال لوجستية فقط.

القواعد العسكرية التركية في أفريقيا
تمتلك تركيا عملياً قاعدتان عسكريتان في أفريقيا، الأولى في الصومال وفيها ما يقارب 2000 عسكري تركي ويضطلعون بمهام تدريب الجيش والأمن الوطني، إضافة لمهامهم في حماية مصالح تركيا في ممرات التجارة الدولية حيث تتمتع هذه القاعدة بأهمية استراتيجية فهي تمنح تركيا إطلالة على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهادئ؛ والقاعدة الثانية في ليبيا وفيها بين 35 إلى 100 عسكري تركي إضافة لبعض المسيرات والعربات المدرعة، وجاءت هذه القاعدة بموجب اتفاقية بين الحكومة الشرعية في ليبيا والدولة التركية لحماية مقدرات ليبيا وثرواتها من سطوة الغرب، وتم اعتماد الاتفاقية في البرلمان التركي بغالبية أصوات حزبي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية واعتراض الأحزاب المعارضة (الشعب الجمهوري، الجيد، الديمقراطي، السعادة، الشعوب الديمقراطي) (COŞAR 2022).
أيضاً تمتلك تركيا اتفاقية مع السودان بخصوص جزيرة سواكن في البحر الأحمر، ودار الحديث حول هذه الجزيرة مع البشير في عام 2017 خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس أردوغان إلى السودان، وفي عام 2018 زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكر الجزيرة، والتقى ببعض المسؤولين العسكريين السودانيين، وتداولت بعض المواقع السودانية حينها أخباراً تفيد بنية تركيا إنشاء قاعدة عسكرية في الجزيرة للتدريب، ومع تغير النظام السياسي في السودان لم يتم تداول أية معلومات حول هذه الاتفاقية، ولكن تبقى اتفاقية مصانة ونافذة ((AYAM) 2021).

الاتفاقيات العسكرية
تمتلك تركيا العديد من الاتفاقيات العسكرية مع الدول الأفريقية، ليس بعيداً عن ليبيا تم عقد اتفاقية في مجال التدريب العسكري مع النيجر (COŞAR 2022)، وكذلك الاتفاقية بين أسلسان وبين جنوب أفريقيا حيث تم إنشاء شركة في مجال الالكتروبصريات والميكابصريات إضافة لتسويق منتجات أسلسان في الدول المحيطة (Bayram 2022).
وعلى صعيد تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية فإن المنتجات التركية في هذا المجال تصل إلى أكثر من 14 دولة أفريقية، وتقدر الحصة السوقية الدفاعية لتركيا في القارة الأفريقية بـ 288 مليون دولار من أصل 60 مليار دولار هي قيمة الإنفاق العسكري للقارة الأفريقية (Bayram 2022)، بمعنى آخر فإن هذه الحصة تقدر بـ 0.5% وقد تكون تجاوزت هذه النسبة حيث أن الأرقام السابقة تعود لعام 2021.
إن غالبية الأسلحة والمعدات التي تم تصديرها إلى الدول الأفريقية هي تلك المتعلقة بالقوات البرية، باستثناء بعض الدول التي استحوذت على بعض التجهيزات والمعدات المتعلقة بالقوات الجوية مثل: نيجيريا، النيجر، المغرب، وتونس (Alemdar 2021)؛ وكذلك أثيوبيا التي استخدمت المسيرات التركية في حربها ضد جبهة التغراي، وهذه المسيرات كانت سبباً في حسم المعركة لصالح الحكومة المركزية حسب ما أوردت العديد من الوكالات الإخبارية (Editör 2021) ، مثل: يورو نيوز، بي بي سي، دي دبليو وغيرها.

الأبعاد الداخلية والخارجية
إن التواجد التركي خارج الحدود على جميع المستويات، وبشكل خاص الثقافي والعسكري والأمني ينطلق من التقاء فكرتين، الأولى الرؤية الوطنية التي أسس لها المرحوم نجم الدين أربكان وبعيداً عن التمثيل الرسمي لهذه الفكرة فإن الملحوظ أن العدالة والتنمية هو من يمثل الفكرة على المستوى العملي والمخرجات، والثانية الفكرة القومية والتي يمثلها اليوم حزب الحركة القومية وهذان الحزبان هما من أسسا ما يسمى تحالف الشعب وهو التحالف الحاكم؛ لاحقاً انضم لهذا التحالف حزبان هما حزب الاتحاد الكبير الذي يمثل مزيجاً قومياً إسلامياً تقاطعاته كبيرة مع كلا الفكرتين، وحزب الرفاه الجديد الذي يرفع راية الرؤية الوطنية، ويعتبر نفسه ممثلاً لها بعد أن انحرف حزب السعادة عن هذه الرؤية على مستوى التطبيق (الأفعال تدل على الأحوال).  بالاطلاع على رؤية وفلسفة الفكرتين يمكن ملاحظة أن تحقيق كلا الرؤيتين لابد له من توسع خارج الحدود وانفتاح باتجاه العالم الإسلامي (بالدرجة الأولى)، وكذلك انفتاحاً نحو باقي العالم مع الحفاظ على الهوية الداخلية والخصائص المجتمعية للبلد.
وهذا الانفتاح يوجه رسائل للداخل تفيد بقدرة هذه المنظومة على بناء تركيا قوية ومؤثرة إقليمياً وعالمياً، مما يمنح المواطن التركي حضوراً قوياً في كل مكان يذهب إليه، ناهيك عن البعد الاقتصادي حيث أن هناك اتساع لرقعة الأسواق المستهدفة، وهذا يؤدي لنهضة اقتصادية داخلية، أضف لذلك ربط العالم التركي بعمقه الاستراتيجي الحقيقي (الشرق والعالم الإسلامي)؛ وكذلك هناك رسائل للخارج تقول أن تركيا موجودة وقوية، ولابد ان تكون حاضرة في السياسة الاقليمية والدولية، ولا يمكن تجاهلها وتجاهل مصالحها.

آفاق الوجود العسكري التركي في أفريقيا والتحديات
بالنظر للوجود العسكري التركي في أفريقيا يمكن ملاحظة ما يلي:
– تركيا ليس لها تاريخ استعماري في أفريقيا كما لأصحاب النفوذ التقليديين (فرنسا – بريطانيا)، وهذا يجعل فرصة قبولها مجتمعياً أكبر.
– مقدمات الوجود العسكري في أفريقيا كانت إنسانية وثقافية، حيث انطلقت مؤسسات العمل الإنساني والإغاثي والتعليمي، تنتشر في أفريقيا وتقدم خدماتها للمجتمعات المحتاجة، والتي عمل المستعمر الفرنسي والبريطاني على إفقارها وتجهيلها لتبقى تحت السيطرة.
– تتبع تركيا سياسة ” الربح للجميع” حيث تسعى تركيا لنقل التكنولوجيا، ولو جزئياً مثل عمليات التجميع والتوظيف مما يجعل الطرف الآخر أيضاً مستفيداً، حيث أن عمليات نقل التكنولوجيا العالية يتطلب بنية تحتية قوية غير موجودة في أفريقيا مما يزيد الأمر صعوبة (Alemdar 2021)، هذا الأمر يفتح المجال أمام الصناعات التركية في السوق الأفريقية، خاصة في ظل وجود إرادة لدى بعض الدول الأفريقية بتنويع مصادرها من الأسلحة (Bayram 2022).
– تقدم تركيا تكنولوجيا عالية بأسعار منخفضة مقارنة مع مثيلاتها الأوروبية والأمريكية وهذا يجعلها مرغوبة.
– تمتلك تركيا تقنيات دفاعية وأمنية بمستوى جيد في مكافحة الإرهاب والحركات الانفصالية بحكم تجربتها في هذا المجال الذي تعاني منه عدد من الدول الأفريقية.
– تعمل تركيا دوماً على التعامل مع الخط الرسمي في البلاد، وتبدي دوماً رغبتها بالحفاظ على سلامة ووحدة البلاد التي تتعامل معها، على عكس بعض الدول التي تحاول خلق جيوب لها داخل البلاد مثل إيران.
– التقارب الديني والمذهبي مع الكثير من الدول الأفريقية يجعل تركيا مقبولة أكثر من غيرها.
كل ما سبق ذكره يتيح لتركيا فتح آفاق كبيرة في أفريقيا على المستوى العسكري والأمني والاقتصادي، ولكن بالمقابل هذا يثير حفيظة أصحاب النفوذ التقليديين في أفريقيا (فرنسا – بريطانيا) وكذلك أمريكا، إضافة لإسرائيل، وبعض الدول العربية التي لا تشعر بالراحة من الوجود التركي مثل الإمارات ومصر والسعودية؛ وهذا يجعل من تركيا هدفاً لهذه الدول تعمل على تحجيمها ومحاربتها داخلياً  والعمل على إسقاط المنظومة القائمة في البلاد، وهذا ما اتضح جلياً في محاولة الانقلاب الفاشل 2016، وكذلك العمل على التدخل في انتخابات 2023 ودعمها للجبهة المعارضة التي تتماشى مع سياساتهم، وتقديم الدعم للمنظمات الانفصالية المصنفة إرهابية في تركيا سواء بالسلاح أو بتأمين منابر لهم في دول أوروبية يهاجمون من خلالها تركيا، وأما على المستوى الخارجي قد يتم تشغيل بعض العصابات والمنظمات المتطرفة في بعض الدول الأفريقية، لاستهداف تركيا ومصالحها وخاصة في ظل بيئة أمنية رخوة في أفريقيا.

النتائح والتوصيات
لايُعد الوجود العسكري التركي في أفريقيا كبيراً لدرجة مؤثرة في ذلك الفضاء مقارنة بالنفوذ العسكري والأمني والاقتصادي التي تمتلكه دول الاستعمار التقليدي في أفريقيا مثل فرنسا وبريطانيا، إضافةً إلى المنافسين الجدد مثل الصين وروسيا، وكذلك الوجود العسكري لكوريا الشمالية رغم العقوبات المفروضة عليها، ولكن الدول الأفريقية وجدت فيها فرصة للحصول على التسليح الرخيص إضافة لقيام الكوريين بنقل الخبرات أيضاً؛ حيث أن الحصة السوقية لمبيعات السلاح والمعدات التركية في أفريقيا قد تكون تجاوزت 0.5% بقليل وهذه قيمة ضعيفة، إضافة إلى أن القواعد العسكرية ليست كثيرة في أفريقيا رغم استراتيجية موقعها، ورغم ذلك لايمكن وصف الخطوات التي تقوم بها تركيا بالضعيفة بل على العكس تعتبر خطوات كبيرة وجبارة إذا ما تم النظر في الفترة الزمنية القصيرة والأوضاع الاقتصادية والسياسية القائمة في أفريقيا، لدرجة أن التواجد التركي أصبح مزعجاً ومقلقاً لبعض الدول؛ في الوقت نفسه تمتلك تركيا من المقومات ما يجعلها قوة مؤثرة في أفريقيا ويعزز تواجدها العسكري والأمني، ولكن هذا يحتاج لبعض الإجراءات الداعمة نذكر منها:
– الاتجاه نحو النوع في اختيار الطلبة للمنح الدراسية بدلاً من الكم، وضمان توزيع جغرافي وعرقي متوازن، والسعي لأن تكون المنح في مجالات دراسية محددة تخدم الوجود التركي في الجانب السياسي والعسكري والأمني.
– العمل على تأمين عودة الطلاب بعد تخرجهم إلى بلادهم، واستمرار التواصل الفاعل معهم، من خلال جمعيات ومؤسسات وغير ذلك.
– السعي لترميز بعض الخريجين، وتطويرهم ليكونوا رافداً هاماً لتركيا بعد عودتهم لبلادهم.
– الانتشار الإعلامي التركي في أفريقيا، من خلال العمل على منتجة بعض الأعمال الفنية الهادفة باللغات الدارجة أو باللغة الفرنسية أو الانكليزية؛ وممكن إطلاق قناة تلفزيونية موجهة لأفريقيا.
– العمل على دعم الدول الأفريقية في مواجهة الإرهاب، ودعمها بالتكنولوجيا اللازمة لذلك.
– إقامة دورات عسكرية على شكل منح لتخريج ضباط أفارقة، وتقام هذه الدورات في المدارس الحربية في تركيا لفترات طويلة، وأن تكون باللغة التركية على غرار ما يتم مع الطلبة الجامعيين وهؤلاء سيعودون لبلادهم ضباطاً أي تشغيلهم مضمون لدى دولهم؛ وممكن أن يتم افتتاح دورة تحت اسم دورة أفريقيا.
– العمل على تنسيق الجهود مع بعض الدول التي تفكر في التوسع أفريقياً، وتشكيل جبهة تكون في مواجهة الجبهة الغربية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع

[1]         A. COŞAR, “Adaleti Savunanlar Stratejik Araştırmalar Merkezi (ASSAM),” 21 March 2022. [Online]. Available: https://www.assam.org.tr.

[2]         A. Y. D. A. M. (AYAM), “Türkiye’nin Askeri Üsleri ve Sınır Dışı Operasyonları 2015-2020,” Anadolu Yakın Doğu Araştırmaları Merkezi (AYAM), İstanbul, 2021.

[3]         M. Bayram, “Afrika’nın savunmasında yükselen güç: Türkiye,” 25 May 2022. [Online]. Available: https://www.aa.com.tr/tr.

[4]         A. Alemdar, “Rekabetçi Afrika Pazarında Türk Savunma Sanayiinin Artan Varlığı,” Kriter, vol. 63, 2021.

[5]         SDE. Editör, “Haberler/İç Savaşı Türk SİHA’ları Bitirdi! Dünya Basını Anbean Takip Etti.,” Stratejik Düşünce ve Araştırma Vakfı (SDAV), 21 Ocak 2021. [Online]. Available: https://www.sde.org.tr/afrika/ic-savasi-turk-sihalari-bitirdi-dunya-basini-anbean-takip-etti-haberi-25063.

 

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى