شهدت أوغندا تطورًا مثيرًا للجدل مع اعتقال الجنرال ديفيد سيجوسا، المعروف أيضاً باسم تيني فاونزا، وهو أحد أبرز القادة العسكريين السابقين الذين ارتبطت أسماؤهم بانتقادات حادة لنظام الرئيس يوري موسيفيني. وقد جاء الاعتقال في ظل أجواء سياسية وأمنية مشحونة، إذ اتهمته السلطات بالمشاركة في تجمع غير قانوني وسط العاصمة كمبالا بعدما التف حوله عدد من أنصاره مرددين شعارات مناوئة للحكم.
وأكدت الشرطة على أنّ تحركه تسبب في تعطيل حركة المرور، بينما أوضح محاميه أن موكله كان في زيارة عادية إلى أحد البنوك وأن الحشود تجمعت حوله بشكل عفوي دون أي دعوة مسبقة.
وتزداد حساسية هذا الحدث بالنظر إلى خلفيات الجنرال سيجوسا، الذي لجأ إلى بريطانيا عام 2013 بعد اتهامه موسيفيني بالسعي إلى توريث السلطة لابنه الجنرال موهوزي كاينيروغابا. وقد شكلت عودته إلى أوغندا في ديسمبر 2014 محاولة لاحتواء الخلافات داخل الجيش، غير أنه واصل انتقاد الرئيس وفتح قنوات تواصل مع المعارضة، ما جعله شخصية مقلقة للنظام الحاكم في وقت تستعد فيه البلاد لانتخابات رئاسية حاسمة مقررة في عام 2016.
وتزداد الضغوط على موسيفيني مع إعلان رئيس الوزراء السابق أماما مبابازي خوض المنافسة، إلى جانب تحركات المعارضة التي بدأت تنسق فيما بينها لمواجهة الرئيس المخضرم الذي يحكم منذ عام 1986.
وترافقتْ هذه التطورات مع اتهامات متكررة للشرطة الأوغندية بالتضييق على المعارضة؛ حيث اعتُقل العشرات من أنصار مبابازي خلال الأيام الماضية، كما تمت مصادرة مواد انتخابية قبل بدء الحملة الرسمية، في وقت زادت فيه شكوك الرأي العام مع وقوع هجمات مسلحة وصفتها الحكومة بأنها مفبركة. هذه الأوضاع تعكس حجم التوتر السياسي والأمني في البلاد، وتطرح أسئلة واسعة حول مستقبل الحكم والاستقرار الداخلي.
وفي إطار متابعة هذا الحدث، يعلّق فريق المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) على ثلاث قضايا جوهرية يثيرها المشهد:
- أولا، إن الانقسام المتصاعد داخل المؤسسة العسكرية الأوغندية يكشف عن هشاشة البنية التي اعتمد عليها النظام لعقود طويلة، وهو ما قد تكون له تداعيات خطيرة على استقرار السلطة.
- ثانيا، إن الأزمة السياسية الداخلية لا تنفصل عن التنافس الدولي والإقليمي في شرق إفريقيا؛ حيث تشهد المنطقة سباق نفوذ بين قوى عالمية وإقليمية، ما يجعل التطورات الأوغندية محط اهتمام أطراف خارجية متعددة.
- ثالثا، إن مسألة الخلافة السياسية في أوغندا، خاصة في ظل الحديث عن انتقال السلطة المحتمل إلى نجل موسيفيني، تمثل بعدًا جيوسياسيًا يتجاوز حدود الدولة ليؤثر في توازنات المنطقة الإفريقية برمتها.
ولهذه الأهمية، يقدم فريق أفروبوليسي قراءة أولية للحدث باعتباره مؤشرًا على تداخل الديناميكيات الداخلية مع التفاعلات الإقليمية والدولية، وهو ما يجعل من قضية سيجوسا نافذة لفهم أعمق للتحولات في شرق إفريقيا.
الانقسام داخل المؤسسة العسكرية
يعلّق فريق «أفروبوليسي» بأن اعتقال اللواء جيمس بيرونجي، الرئيس السابق لاستخبارات الجيش الأوغندي، وتوقيف ضباط وجنود على خلفية «تفجيرات مزعومة» في كمبالا، يبدوان كمؤشر مباشر على تصدّع في منظومة الانضباط والثقة داخل القوات المسلحة. فالتوقيف جرى بعد استدعاء بيرونجي إلى مقر وزارة الدفاع قبل نقله إلى الشرطة العسكرية في ماكندي، في خطوة أتت بالتوازي مع فتح تحقيقات داخلية واسعة شملت عناصر من جهاز الاستخبارات والدوريات المشتركة لمكافحة الإرهاب.
هذا المسار ترافق مع تقارير صحافية أكدت أن «رواية» هجمات نسبت إلى “القوات الديموقراطية المتحالفة” (ADF) يجري الآن التشكيك في أساسها الاستخباري.
وتذهب معطيات ميدانية إلى أن مشاهد «تهديدات» في سوق كاليروي وشبهات بلاغات كاذبة في مواقع دينية بارزة، كانت ضمن ملفات التحقيق التي أمر بها قائد قوات الدفاع، الجنرال موهوزي كاينيروغابا. بهذا المعنى، لا يقتصر المشهد على قضية توقيف فردي لضابط رفيع؛ بل يطال سلامة قنوات جمع المعلومات وتدقيقها، وما إذا كانت سلسلة القيادة قادرة على فرز الوقائع عن «العمليات المصطنعة» من دون كلفة سياسية وأمنية عالية.
ويلاحظ فريقنا أن رمزية بيرونجي—بصفته قائدًا سابقًا للاستخبارات وقبلها للحرس الخاص (SFC) ورئيس أركان سلاح الجو—تضاعف حساسية الواقعة داخل المؤسسة. إذ إن ضرب مثالٍ بضابط من هذا الوزن يعيد طرح سؤال التوازن بين تيارات ونخب عسكرية في محيط السلطة، ويكشف حدود «العصبية المؤسسية» عندما تتقاطع الملفات الأمنية مع الحسابات السياسية.
التنافس الدولي والإقليمي
يرى فريق «أفروبوليسي» أن اهتزاز سردية الدولة حول “تهديدات ADF” ينعكس مباشرة على شبكة الشراكات الأمنية التي بنتها أوغندا منذ إطلاق عملياتها المشتركة مع الكونغو الديموقراطية ضد التنظيم، كما يضع شركاء غربيين أمام معادلة صعبة تجمع الحاجة إلى دور كمبالا الإقليمي مع تصاعد التحفظات الحقوقية. فحين تتعرّض المصداقية الاستخبارية للاهتزاز، تتأثر بداهةً عمليات التمويل والتجهيز وتبادل المعلومات، وكذلك شرعية العمليات خارج الحدود.
في الآن نفسه، فإن صعود موهوزي إلى قيادة الأركان منذ مارس 2024، وما رافقه من رسائل سياسية داخلية وخارجية، أتاح إعادة ترتيب للترسانة المؤسسية يقرأها الفاعلون الإقليميون—من كينشاسا إلى كيغالي—ضمن مسرح توازنات مفتوح على تنافس نفوذ. أي تراجع في الثقة بالقرار الأمني الأوغندي سيؤثر في معادلات الحدود الشرقية للكونغو وفي زخم الحرب على الشبكات المتحالفة مع «داعش»، وهو ما تتابعه عواصمٍ مانحة وحليفة بدقة.
ترتيبات الخلافة
يؤكد فريق «أفروبوليسي» أن توقيف بيرونجي لا ينفصل عن مسار أطول من «تسييل» الملفات الأمنية في معادلة الخلافة. فمنذ تعيين الجنرال موهوزي كاينيروغابا قائدًا لقوات الدفاع الأوغندية، تكثّفت قراءات ترى في إعادة تشكيل الهرم العسكري سياقًا لإحكام السيطرة على مفاصل حساسة تمهيدًا لاستحقاقات 2026، وهو ما يضع أي قضية كبرى—من «تفجيرات مزعومة» إلى حملات اعتقال—تحت مجهر الدلالات المتصلة بانتقال السلطة.
وتاريخيًا، لا تبدو هذه الدينامية طارئة على المشهد الأوغندي؛ فالذاكرة السياسية تحفظ اعتقالات سابقة لجنرالات منتقدين في محطات انتخابية حادة، كما حدث مع الجنرال ديفيد سيجوسا عامي 2015 و2016، حين ارتبطت اتهاماته المبكرة بملف «توريث» محتمل لابن الرئيس. هذا الإرث من الصدامات بين السلطة وبعض أقطاب المؤسسة يعيد اليوم تشكيل وعينا بسياقات كل تحقيق أو توقيف رفيع المستوى.
وبينما يُعاد رسم حدود الولاءات داخل الجيش، تتغير «خريطة المخاطر» السياسية تبعًا لذلك؛ فكل خطوة على خط الخلافة —مهما بدت إجرائية— تحتاج إلى محيطٍ عسكري متماسك وصورةِ شرعيةٍ لا تشوبها شبهة توظيف أمني. وأي تسرّب لصور «تصفيات داخلية» أو «عمليات مصطنعة» سيُخصم من رصيد الحكم داخليًا ويُحمّل أوغندا كلفة تفاوض أعلى خارجيًا في ملفات المساعدات والتعاون الأمني.
الخلاصة
تُظهر التطورات الأخيرة في أوغندا، وما رافقها من اعتقال جنرالات بارزين واتهامات بتلفيق هجمات مسلحة، أن المشهد السياسي والأمني الداخلي يمر بمرحلة حرجة تتقاطع فيها الانقسامات داخل المؤسسة العسكرية مع التنافس الدولي والإقليمي ومع معضلة الخلافة السياسية. إن هذه العناصر الثلاثة تضع النظام الأوغندي أمام اختبار معقد تتجاوز تداعياته حدود الدولة لتنعكس على استقرار شرق إفريقيا بكامله.
وعند استشراف المستقبل، فإن استمرار الشكوك في مصداقية المؤسسة الأمنية الأوغندية سيقوّض ثقة الشركاء الدوليين ويحدّ من قدرة الدولة على إدارة التحالفات الإقليمية، خصوصًا في ظل اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وغيرها من القوى التي تنظر إلى شرق إفريقيا كمنصة استراتيجية لتعزيز نفوذها. ومن شأن هذا الوضع أن يدفع بعض الأطراف إلى إعادة تقييم طبيعة تعاونها مع كمبالا، أو البحث عن بدائل أكثر استقرارًا في المنطقة.
أما داخليًا، فإن مسألة الخلافة السياسية ستظل المحرك الأبرز للتفاعلات المقبلة. فإذا استمر النظام في ربط الملفات الأمنية بترتيبات توريث السلطة، فقد يتعمق الانقسام داخل النخبة الحاكمة بما يفتح الباب على احتمالات اضطراب أكبر. غير أن قدرة موسيفيني على إعادة صياغة توازنات الجيش، وضبط الحراك المعارض، قد تمنحه فرصة لمواصلة الإمساك بمفاصل الحكم، حتى وإن كان ذلك بكلفة سياسية وأمنية مرتفعة.

