إعداد: فريق المركز
مدخل
خلال شهر ونصف شهر شهد السودان توافدا لمبعوثين دوليين ووفود متعددة زاد عددهم على العشرة، تزامنا مع دخول الاتفاقية الانتقالية إلى مرحلة الحوارات النهائية.. وحدوث حالة من التدافع في الدول المجاورة للسودان.. بمستويات متعددة، فما هي الأسباب التي دفعت كل هذه الجهات للهجمة الدبلوماسية على السودان.. وما تأثير ذلك على الأبعاد الداخلية للبلاد.. وإلى اين يمكن أن تقود السودان.. في هذه المرحلة.. وما بعد الفترة الانتقالية؟
ما هي الأطراف التي توافدت إلى السودان؟
خلال فترة وجيزة استقبلت الخرطوم عددا كبيرا من الوفود الإقليمية والدولية جاءت على النحو التالي:
ـ رئيس المخابرات المصري عباس كامل
ـ رئيس المخابرات التركي ها كان فيدان
ـ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
ـ نائب مساعد وزير الخارجية الامريكي لشئون شرق إفريقيا والسودان وجنوب السودان بيتر لورد
ـ الممثلة الخاصة للاتحاد الأوروبي السيدة أنيت وايبر
ـ رئيس شعبة القرن الإفريقي بالخارجية الألمانية نورشين هوثر
ـ المبعوث الخاص للملكة المتحدة للسودان وجنوب السودان روبرت فير ويدز
ـ المبعوث الخاص النرويجي للسودان وجنوب السودان جون انتون
ـ المبعوث الفرنسي الخاص للقرن الإفريقي فريدريك كلافيه
ـ رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد
ـ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين
ـ وزير الزراعة الإسرائيلي (مؤخرا)
ماذا تحمل هذه الوفود للسودان في ملفاتها
ولعله من نافلة القول أن المحور الرئيسي الذي يحمل كل هذه الأطراف لإبداء كل هذا الاهتمام هو ما يمثله السودان من أهمية جيواستراتيجية لهذه الأطراف الدولية والإقليمية وما يمكن أن يلعبه السودان من دور في استقرار الإقليم والقارة الإفريقية وتحقيق ما يرى كل طرف من مصلحة قريبة أو بعيدة ولكن بطبيعة الحال يرتبط كل ذلك بالحالة السودانية الراهنة وتطورات الأوضاع فيها في ظل مراوحة الفترة الانتقالية وتوالد الخلافات مقرونة بتدهور الأوضاع في البلاد على كافة الصعد، وهو ما دفع كل هذه الأطراف للتدافع نحوه ومحاولة دفع العجلة السياسية السودانية وفق تصورات هذه الأطراف، نلخص في هذا التحليل أهم الأجندة التي حملتها الوفود إلى السودان وما يمكن أن تحمله من تطورات أو تداعيات
أولا: محاولات دفع العملية السياسية السودانية واحتواء الخلافات
تلتقي أغلب الوفود حول أهمية تحريك العملية السياسية في السودان لجهة تحقيقها عدد من الأهداف ولذلك جاءت تصريحات الأطراف مؤكدة على دعمها لنجاح الاتفاق الإطاري باعتباره منجز يجب التمسك به وإنجاحه، وفي هذا الصدد أكدت عدد من المصادر أن المبعوثين الغربيين تحديدا عملوا على ممارسة الضغط على أطراف الاتفاق الإطاري من أجل توقيع الاتفاق النهائي حتى لو تم ترحيل القضايا الخلافية الى ما بعد تشكيل الحكومة، مقابل عدد من الحوافز تتمثل في رفع الحظر على عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي، واستئناف دعم القوى الغربية الاقتصادي للسودان، وهنا لا بد من الوقوف على الجهد الذي تبذله مصر من أجل توسيع المشاركين في الاتفاق الإطاري وهو ما بذلت فيه جهدا مقدرا إذ جمعت من يمثل أكثر من 35 جهة وحزب تقريبا أبدوا ملاحظاتهم على الاتفاق الإطاري وقدموا حسب مصادر سودانية في القاهرة 15 مقترح تعديل على الوثيقة، الأمر الذي ربما لن يرفضه الموقعون على الاتفاق الإطاري إن لم يرحبوا به أصلا باعتبار أن الأطراف الدولية الراعية للاتفاق ترحب بأي مقترح ينهي التجاذبات والخلافات بين القوى المختلفة وصولا إلى حالة من الإجماع أو قريبا من ذلك ولعل بعض المخاوف كانت وراء هذه العجلة في محاولة سد الفجوات بين عدد من الأطراف التي تبدوا المواقف بينها متباعدة تفتقد إلى طرف لديه القدرة على إبراز الجزرة حينا والعصا إذا تطلب الأمر، وبالتالي يمكن تلخيص هذه المسالة في التالي:
1/ تأكيد جميع الوفود على إنجاح الاتفاق الإطاري حتى لا يتكرر ما حدث في اكتوبر 2021 عندما اقدم الفريق البرهان على إقصاء تكتل الحرية والتغيير من الشراكة، وتقديم الحوافز اللازمة لذلك مع التأكيد كذلك على توسيع المشاركة بضم الجناح المتمنع والمتحفظ على الاتفاق الإطاري تحت رعاية الرباعية وليس على الصيغة التي ذهبت في مقاربتها المبادرة المصرية، وإن كانت غير بعيدة من المقاربة النهائية للحوار الذي دار في القاهرة، يصل إلى درجة إدماج الجميع ما عدا المؤتمر الوطني المحلول.
2/ اعتماد وثيقة المحامين لسنة 2022 كدستور انتقالي
3/ إلحاق الرافضين والمتحفظين بالاتفاق الإطاري وقد أبدت فيه الحرية والتغيير مرونة موضوعية بالذات تجاه الحركات الرئيسية مثل حركة مناوي والعدل والمساواة برئاسة دكتور جبريل إبراهيم
4/ بعد التوقيع النهائي يرفع الاتحاد الإفريقي الحظر عن عضوية السودان وإعادة دمجه في الهيئة القارية
5/ قدم المبعوثون حوافز كبيرة بتقديم المساعدات واستئناف برامج التعاون الاقتصادي وهو ما أكد عليه البرهان في أهمية وفاء الدول الغربية بالتزاماتها تجاه السودان في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية مؤكدا على خروج الجيش من معادلة السلطة وإتاحة الفرصة للمدنيين ليقودوا المرحلة الانتقالية.
ثانيا: أجندة استقرار الإقليم
ما بات واضحا في الفترة الأخيرة هو حالة الاضطراب التي يتداخل فيها المحلي بالإقليمي فتمدد تأثيرات السودان على دول الجوار ليس أمرا خافيا ودوره في استقرارها او اضطرابها، والتقديرات على هذا المستوى تقول بان القوى المرتبطة بالمصالح في هذه المنطقة تستجيب لتخوفات تشاد من تمدد الروس الذين تتواجد عناصر موالية لهم في محيط تشاد حيث تتواجد في كل من ليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسوا وتفيد عدد من المصادر في تشاد أن هناك تحركات مرتبطة بقوات الدعم السريع التي تتمتع بعلاقات وطيدة مع الروس، وإذا ما قُدر لقوات فاغن أن تُخرج فرنسا من تشاد فإنه سيصعب زحزحتها والتعامل معها لاتساع الجغرافيا التي تتمدد فيها، والتحالفات التي ستقوم بإنشائها ويساعدها في مزيد من تعميق نفوذها في إفريقيا جنوب الصحراء ما يضعف مكانة الحلفاء الغربيين ويؤثر على مستقبل نفوذها التقليدي بالتالي، ولعل هذا ما تتفق عليه كل القوى الغربية ولهذا تدافعت تبحث عن مداخل عبر تسوية للأوضاع السودانية والتفرغ بمساعدة السودان في صد الهجمة الروسية الشرسة والمصرة على كسب الأفارقة على حساب الخصوم الغربيين، ويمكن تلخيص ذلك في:
1. التأكيد على استقرار المنطقة بخلق حالة من الاستقرار في السودان خاصة مع وجود حلفاء للروس في السودان يملكون علاقات ممتدة إلى دول الجوار القريب وربما ابعد من ذلك
2. المحافظة على الأوضاع في تشاد حتى لا تنزلق إلى العنف المفضي للفوضى وهو ما تتخوف أطراف كثيرة من حدوثه في ظل انعدام الحد الأدنى من التوافق السياسي مع الحركات الرئيسية التي ترفض مخرجات الحوار في الدوجة وانجامينا وتسلل الخلافات إلى داخل المجموعات العرقية الحاكمة في تشاد.
3. محاصرة التمدد الروسي عبر محاصرة مرتزقة فاغنر في المنطقة خشية إحداث تغييرات كالتي جرت في عدد من دول غرب إفريقيا
ثالثا: الصراع الدولي
أطلقت مجموعة السبع تحت قيادة الولايات المتحدة في منتصف 2022 استراتيجية منافِسَة للصين وروسيا في إفريقيا جنوب الصحراء ورصدت 700 مليار دولار حتى 2027 وبذلت في سبيل ترسيم هذه الاستراتيجية جهودا كبيرة وزيارات متتالية لمسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، وحلفائها الأوروبيين وهو أحد أسباب التدافع الدبلوماسي على السودان حيث استبق المبعوثين الستة زيارة وزير الخارجية الروسي للسودان والذي يجوب إفريقيا جيئة وذهابا من أجل التخفيف من العقوبات المفروضة على روسيا وبحثا عن طرق للانفكاك من محاصرة الدولار والتي بدأت في كسرها عمليا بعد بداية عملياتها في أوكرانيا ابتداءً من الصين وإيران ومصر ولاحقا مجموعة دول البريكس، التي تسعى عدد من الدول الإفريقية الانضمام إليها، ويمكن تلخيص هذه المساعي على النحو التالي:
1. محاصرة النفوذ الروسي في إفريقيا خاصة وإنها تتمدد بسرعة تخيف الغرب الذي يقلقها سهولة نفاذها إلى الدول الإفريقية
2. منع وإيقاف مشروع القاعدة الروسية في البحر الحمر بالقرب من ميناء بورتسودان والذي تصنفه الويات الممتدة الأمريكية على انه يهدد أمن البحر الحمر ومصالحها فيه وابدت رفضا قاطعا لتوجه السودان
3. محاصرة التفلتات وانتشار المليشيات في دول الجوار في ظل توفر أرضية خصبة والأوضاع الهشة على مستوى المنطقة يمكن أن تجرها نحو فوضى يصعب التحكم في مستقبلها.
رابعا: أجندة التطبيع مع إسرائيل
تحتفظ الذاكرة الإسرائيلية للسودان لاءات ثلاث بعد حرب النكسة في 1967 ولهذا فقد استخدمت إسرائيل كل الوسائل وكل قدراتها وعلاقاتها وتحالفاتها للإتيان بالسودان إلى محفل المطبعين وقد تحقق لها قبول البرهان بدء العلاقات بين الطرفين ولكن تطمح إسرائيل إلى ابعد من ذلك وهو التوقيع على اتفاقية ابراهام وهي حالة ما بعد التطبيع، يمنع تحقق ذلك عدم وجود حكومة لديها صلاحية دستورية، فاكتفى وزير الخارجية إيلي كوهين بإعلان النعم الثلاث ردا على اللاءات الثلاث، واتفق الطرفين على عدد من المشروعات:
1. يمثل تطبيع السودان مدخلا لإسرائيل إلى دول اخرى لجهة أنه كان من أكثر الدول رفضا ومواجهة للتطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي
2. الضغوط الغربية تشكل حلقة أساسية في تطبيع السودان مع إقصاء التيار الإسلامي من المشهد السياسي، ولهذا يأمل الإسرائيليون كثيرا ويعولون على اول حكومة مدنية لإحداث الاختراق التاريخي وتحقيق ما عملوا من أجله ما يزيد على مدى نصف قرن من الزمان.
3. أحد أهم أهداف الوفود الغربية وإسرائيل هو حشد أكبر قدر من الأصوات لدعم حصول إسرائيل عضوية مراقبة يتيح لها استكمال العلاقات الطبيعية مع جميع الدول وبالتالي اسكات الأصوات التي ترفض ممارساتها في المحافل الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة والسودان يعتبر مركز ثقل سياسي وإسلامي يجذب الأصوات الأخرى في إفريقيا.
4. تعول إسرائيل على التطبيع مع السودان لاختراق القارة الإفريقية وهو ما جاء على لسان وزير خارجية حكومة الاحتلال إيلي كوهين الذي قال:( زيارة السودان ترسي الأسس لاتفاق سلام تاريخي مع دولة عربية وإسلامية استراتيجية، واتفاقية السلام بين إسرائيل والسودان ستعزز الاستقرار الإقليمي وتسهم في الأمن القومي لدولة إسرائيل).
خلاصات
يردد الروس على مسامع الأفارقة التجربة الاستعمارية السابقة ويحذرون من تكرارها بوجوه مختلفة، فضلا عن دعوتهم والتأكيد مرارا على أهمية بناء عالم متعدد الأقطاب، عبر إدخال إصلاحات في مجلس الأمن الدولي، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية لافروف في زياراته المتكررة بينما تسعى الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة للمحافظة على نفوذها التاريخي الذي بدأ في التراجع منذ مطلع الألفية الثالثة.
وعلى الرغم من التداعي الدولي على السودان في الفترة الأخيرة إلا أن الأمر كله رهين بإمكانية إحداث اختراق في جدار الخلافات السودانية المستعصية، ووضع عجلة العملية السياسية في مسارها الصحيح، مع ممارسة الضغوط على أطراف العملية السياسية وفاعليها من أجل تقديم تنازلات متبادلة، من أجل المصلحة العليا، لأن المبعوثين لم يتداعوا من أجل مصلحة السودان بل من أجل مصالحهم التي تعلوا على كل مصلحة.
وأخيرا وليس آخرا يبقى مفتاح كل هذا التدافع هو موقف القوى السياسية وقطاعات الشعب السوداني والنخب المختلفة من محاولات الاستقطابات والاصطفافات والاختراقات والسيولة التي تعانيها الساحة السودانية والوعي بخطورة ذلك وتداعياته على راهن الوضع السوداني ومستقبله السياسي ودوره على مستوى الإقليم والقارة.