محمد صالح عمر | المدير العام للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
يشهد الصومال منذ انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود مرحلة سياسية جديدة توقع فيها الخبراء والمحللون استقرارا واستكمالا للمشروع الوطني على اساس فيدرالية الدولة الذي تم الاتفاق علية في المرحلة الانتقالية، والمصالحات الداخلية ومنذ يوليو تصاعدت حدة المواجهات بين الحكومة والحركة وصل مستوى متقدما من استهداف كل طرف للآخر فيما شبه معركة عض الأصابع، كيف تطورت الأوضاع وما ذا حقق كل طرف وإلى اين تتجه الأمور؟.
تمدد حركة الشباب في فترة حكم فرماجوا
تمكنت حركة الشباب والمنظمات الموالية لها من تحقيق تفوق كبير راسيا وأفقيا، في فترة حكم الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجوا (2017 ـــــــ 2022) حيث تمددت أفقيا بتوسيع رقعة السيطرة من الناحية الجغرافية ما مكنها من تعظيم أعداد مجنديها، ورفع قدراتهم القتالية إضافة إلى طرح نفسها كبديل موثوق للحكومة التي عجزت عن الوصول إلى كل المناطق بسبب قصور الامكانات الذاتية من تنفيذ كثير من خططها وقراراتها، إضافة إلى تحقيق عوائد مالية كبيرة بدخولها شريك أساسي في كل الإيرادات التي تتحصلها الحكومة عبر مختلف المنافذ وذكرت تقارير عديدة أن الحركة بلغت عوائدها 17 مليون شهريا من مختلف أنشطتها بما فيها الإتجار في الفحم والبترول مع جهات إقليمية ما يحقق لها عوائد تمكنها من الحصول على حاجتها من السلاح ورواتب مجنديها وهو ما ظهر فعلا في تمددها في عدد من الدول الإفريقية وتعزو المصادر ذلك إلى عدد من الأسباب:
ــ الخلافات بين السلطات الفيدرالية وقادة الأقاليم والذي قاد إلى انكفاء الحكومة الفيدرالية في حدود العاصمة وما جاورها.
ــ الخلافات بين القيادات الأمنية في أجهزة الحكومة ما أضعف مواجهاتها للحركة وحدوث اختراقات فيها لصالح الحركة.
ــ اضطرار بعض القبائل لتوقيع هدنة وسلام مع الحركة لضعف وتراجع دور الحكومة وغيابها.
ــ ضعف وتراجع دعم الشركاء الدوليين بسبب خلافات الحكومة مع عدد من الجهات الدولية والإقليمية.
تعهد الرئيس حسن شيخ بحسم الحركة
تعهد الرئيس حسن شيخ محمود بعد توليه الرئاسة في مايو الماضي بشن حملة لطرد الحركة من معاقلها التي تسيطر عليها، ووعد بالمواجهات الحاسمة، ولكن في أغسطس الماضي أعلن الرئيس حربا شاملة في أعقاب الهجوم المميت على فندق في مقديشو، قتل فيه 30 وجرح ما يزيد على 110 شخص.
حملة القوات الصومالية على الحركة وردة الفعل
بعد أقل من شهرين من تعهد الرئيس الصومالي المنتخب بدأت القوات الصومالية ومعها المليشيات المساندة والشركاء الدوليين هجوما واسعا على حركة الشباب في منطقة “هيران” في إقليم هيرشبيلي استعادت بموجبها أكثر من 20 بلدة وقرية، كانت تسيطر عليها حركة الشباب وصرحت الحكومة أن هذه العمليات كانت الخطوة الأولى في تنفيذ رؤية الحكومة لمحاربة الإرهاب وتخليص البلاد من حركة الشباب، وتصاعدت المواجهات بين الطرفين وتمكنت الحكومة من توجيه ضربات موجعة للحركة كما قامت الحركة بتنفيذ عمليات قوية وأسفرت عن نتائج عديدة:
ــ خروج حركة الشباب من إقليم هيران تحت ضغط هجمات الجيش الصومالي والقوات الموالية له.
ــ في مطلع اكتوبر الجاري تمكنت الحكومة من قتل أحد مؤسسي الحركة وهو عبدالله نادر أو عبد الله النذير وهو الخليفة المحتمل لزعيم الحركة أحمد ديري المعروف بابي عبيدة في إقليم جوبا الوسطى جنوب الصومال في عملية تم التنسيق فيها بين القوات الوطنية الصومالية والشركاء الدوليين، وكان نادر او نذير قد شغل عددا من المواقع مثل مسؤول الدعوة ورئاسة مجلس شورى الحركة ومسؤول الشؤون المالية وقد رصدت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ 3 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه.
ــ إضعاف الحركة بضربها في المراكز التي تعتمد عليها ماليا في بعض الولايات.
ــ استسلام بعض القيادات منهم عبد الصمد ليبان في مدينة “طوسمريب” عاصمة ولاية غُلمُدُغ والذي كان مسؤولا عن تخزين المعلومات في مركز تابع للحركة في مدينة “عيل بور” وسط البلاد.
ــ ردت الحركة بعنف على حملة الحكومة الصومالية ضدها فاغتالت في 30 سبتمبر قائد شرطة العاصمة مقديشو الجنرال فرحان محمود قرولي وعدد من أفراده ــ وقبله بيومين استهدفت الحركة مركزا لتدريب الشرطة وقتلت 8 من المتدربين، كما استهدفت فندقا عبر عمل انتحاري وقتلت ما يزد على 30 وجرحت أكثر من 110 آخرين
ــ في الثاني من أكتوبر استهدفت الحركة مقر الحكومة في مدينة بلدوين عاصمة إقليم هيران والواقع في القاعدة العسكرية ” لاما غلاي” بثلاث تفجيرات متتالية بشاحنات مفخخة ويعتبر الرد الاعنف على اغتيال أحد زعمائها وراح ضحيته وزير الصحة بالإقليم دكتور زكريا محمد أحمد ونائب رئيس الإقليم للشؤون الإدارية والمالية أبوبكر عبدالله مادي، وأصيب عدد آخر من بينهم قائد قوات الدراويش في ولاية هيرشبيلي ونائب رئيس مدينة متبان للشؤون المالية والإدارية عبد الكافي شري، واعلنت الحركة مسؤوليتها عن الهجوم الذي يعد الأسوأ منذ بدء الحملة ضدها.
خلاصات
ــ يتضح من خلال تحليل وقائع المواجهات اليومية بين الحكومة والحركة أن الطرفين يخوضان حربا مصيرية بعد فترة ليس بالقصيرة وجدت فيها الحركة فرصا كبيرة للتمدد على حساب الحكومة وأجهزتها الأمنية وفرضت نفسها واقعا كبديل لها ورقما يصعب تجاوزه.
ــ نجحت الحكومة حتى الآن في حشد القبائل في المناطق التي تضررت من الحركة وفرضت عليها سيطرتها وهو ما يدل دلالة واضحة أن الحركة ستواجه مستقبلا صعبا.
ــ وجهت الحكومة وحلفائها المحليين والدوليين ضربات مؤثرة للحركة وإذا استمرت الوتيرة على هذا المستوى فإن الحركة ربما تجنح للسلام وتقدم تنازلات على الرغم من التعقيدات التي تواجه هذا المسار.
ــ أثبتت الحكومة الصومالية الراهنة جديتها في التعامل مع تحدي الحركة بالرغم من حداثة تشكيلها وأجهزتها المختلفة التي تعرضت لاختراقات في فترة حكم الرئيس السبق محمد عبدالله فرماجوا وتغلغل عناصر قريبة من الحركة فيها حسب عدد من المصادر.
ــ يدل إشراك القوات الإقليمية والعشائرية في مواجهة الحركة على تأكيد تصالح الحكومة الفيدرالية مع الأقاليم التي دخل أغلبها في خصومة معها بسبب تباينات في الإدارة وما تصفه الأقاليم بتراجع فرماجوا عن النظام الفيدرالي وهو كسب سيخدم مستقبل الصومال والصوماليين في مسار التئام اللحمة الوطنية والتصالحات الداخلية التي كانت أهم شعارات الرئيس حسن شيخ الانتخابية .
ــ توظف الحكومة التأييد الذي وجدته عالميا لحشد الطاقات ومواجهة حركة الشباب وهو أمر محمود ولكن يتوجب على الحكومة كذلك فحص المسارات الأخرى ودراسة الحركة ومنهجها وعلاقاتها والبحث عن نقطة البدء في الحل السلمي أو محاولة سحب البساط منها عبر العناصر التي عملت فيها في مواقع متقدمة مثل وزير الأوقاف الحالي مختار روبو علي والمعروف بأبو منصور، لأن الآلة العسكرية وحدها لن تأتي بحل نهائي.