نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة سياسية حول” الحرب على غزة ومستقبل العلاقات الإفريقية الإسرائيلية” وهي الندوة العاشرة ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أشغال هذه الندوة عبر تقنية زووم بتاريخ 06 يناير 2024 ودامت حوالي ساعتين، شارك فيها عدد من الأكاديميين ومن المختصين في الشأن الأفريقي والفلسطيني ونشطاء سياسيين من إفريقيا وفلسطين.
استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره لأساتذة المتحدثين وبحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، رفقة فقرة تمهيدية للموضوع تعرف بعملية طوفان الأقصى وانعكاستها على العلاقات الإفريقية الإسرائيلية.
افتتحت أولى فقرات الندوة بمداخلة المهندس علي البغدادي الكاتب والناشط في الشأن الفلسطيني. تناول الأستاذ في مداخلته أهم مراحل التي مرت بها السلطة فلسطينية منذ بدايتها:
اتفاقية أوسلو (1991)
اتفاقية أوسلو سنة 1991 والتي اريد بها تصفية القضية الفلسطينية للدخول في مسار التفاوض وتم على إثرها تأسيس ما يعرف بالسلطة الفلسطينية والتي احتوت منطقة الضفة الغربية وقطاع غزة.
انتخابات 2006 وانقسام السلطة
بعد وفاة الرئيسي الفلسطيني ياسر عرفات، شهدت فلسطين انتخابات مفاجئة في عام 2006، حيث فازت حركة حماس بشكل غير متوقع. تأسست حكومة فلسطينية برئاسة الأستاذ إسماعيل هنية، جنبًا إلى جنب مع مكونات أخرى من الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، واجهت هذه الحكومة مقاومة كبيرة وتعثرًا من قبل “الدولة العميقة”، التي تمثلها السلطة الفلسطينية.
تطورت هذه المواجهة إلى انقسام جذري في عام 2007، حيث سيطرت حركة فتح على الضفة الغربية في ما أطلق عليه بـ “الانقلاب”، بينما استمرت حماس في تحكمها في قطاع غزة، والذي وُصف بـ “الحسم”.
هذا الانقسام أدى إلى توجهات متناقضة، حيث بدأت السلطة الفلسطينية في السعي لتحقيق تسوية، في حين اتجهت حركة حماس نحو خيار المقاومة.
تحديات حماس في الحكم
وأشار الأستاذ علي إلى أن تمكن حركة حماس من تولي حكم قطاع غزة، مقدمة تطورا كبيرا ودعما هاما للمقاومة الفلسطينية، وكان هذا تحدي كبير لحركة حماس وهو قدرتها على التوفيق بين المقاومة والإدارة.
تتنوع تلك التحديات على مستويات متعددة، حيث كان يجب على حماس التفاعل مع مجالات الاهتمام الاقتصادي والحياة اليومية والقضايا الاجتماعية. كما تتطلب منها تطوير منظومة حكم محلية فعّالة وتوفير الخدمات الصحية وفرص العمل لمليوني مواطن تحت مسؤولياتها.
التحدي الرئيسي يتمثل في مدى قدرة حماس على التوازن بين مسؤولياتها الحكومية وبين التحديات الدائمة التي تواجهها في مجال المقاومة. هل ستؤثر الضغوطات الحكومية على قدرتها على مواصلة النضال من أجل قضية الفلسطينيين؟
وأشار الأستاذ البغدادي أنه في مواجهة هذا التحدي، يظهر الأداء السابق لحماس في مواجهة المعارك السابقة. ففي حرب غزة عام 2008-2009، نجحت المقاومة في صد محاولة الاحتلال الإسرائيلي لإعادة احتلال القطاع خلال تلك الفترة. وفي عام 2012، شهدنا معركة جديدة استمرت ثمانية أيام، تلتها معركة “العصف المأكول” في عام 2014 التي استمرت 51 يوما، حيث نجحت المقاومة في التصدي للتحديات على الرغم من العزلة السياسية وخاصة مع حلفائها التقليدين في محور المقاومة.
وفي العام 2021، شهدنا معركة “سيف القدس”، والتي مثلت نقلة نوعية في تاريخ المقاومة في غزة، حيث واجهت التحديات الناجمة عن محاولات المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى.
إذا، يظهر أن حماس تحتفظ بقدرتها على التحكم في الشؤون المحلية وفي الوقت نفسه، الاستمرار في النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني.
معركة طوفان الأقصى
في تحليله لمعركة طوفان الأقصى التي وقعت في 7 أكتوبر 2023، أكد الأستاذ علي البغدادي أن الجانب الإسرائيلي كان يتبنى توجهات علمانية منذ قيامه، مع التركيز على فكرة العلمانية التي اعتمدها بن غوريون المؤسس. في هذا السياق، شدد على طابع علاقات الكيان المحتل مع المجتمع الدولي، وتحديدًا تعاطيه بعقلانية وبرغماتية، واهتمامه بتسويق صورة معينة والحرص على علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الوقت الحالي، أشار البغدادي إلى تسرب المتطرفين إلى المؤسسات الحاكمة، مثل الجيش والحكومة، مما أدى إلى تشكيل مجموعة مؤدلجة لا تهتم بالنظرة الدولية أو العلاقات مع واشنطن. تكشف هذه المجموعة التحول الحاصل في الجهة الإسرائيلية، حيث يتسلل المتطرفون إلى السلطات ويسعون لتحقيق أهدافهم المتطرفة.
وبالنظر إلى محاولات تهويد المسجد الأقصى، أكد البغدادي أن هذا المسار كان يتم في ظل صمت كبير من المجتمع الدولي والعالم العربي، مما دفع إلى الحاجة الملحة لردة فعل كبيرة. وفي هذا السياق، أظهرت عملية طوفان الأقصى أهميتها في وقف هذه الانتهاكات والرد على تهميش قضية الفلسطينيين، مؤكدا على وجود أصحاب حق يدافعون عن قضيتهم.
وختم الأستاذ البغدادي مداخلته بتأكيد صمود المقاومة الفلسطينية، المستمد أساسا من صمود الشعب الفلسطيني بغزة، رغم سقوط الكثير من الشهداء والجرحى والمفقودين. كما أشار إلى ثبات المقاومة في سعيها لتحقيق وقف إطلاق النار والبدء في مسار التفاوض، مستندة إلى قوة ورقة التفاوض الممثلة في الأسرى من القيادات العسكرية. وفي الختام، أشار إلى التخبط الإسرائيلي في أهداف المعركة والانقسام داخل الساحة السياسية الإسرائيلية حول مستقبل مسار الحرب.
أما المداخلة الثانية فكانت للدكتور حسن كلي ورتي وهو باحث متخصص في العلوم السياسية والأمنية بمنطقة الساحل الإفريقي، في مداخلته، استعرض الأستاذ حسن كلي ، الروابط التاريخية التي تجمع بين الأفارقة والقضية الفلسطينية، حيث أسس تحليله على روابط العروبة والإسلام، مؤكدا أن القضية الفلسطينية ليست فقط قضية إفريقية ولكنها قضية إنسانية.
تاريخ العلاقات الإفريقية الإسرائيلية
ثم قام بتتبع تاريخ العلاقات الإفريقية مع دولة الاحتلال، حيث بدأت هذه العلاقات في أواخر الأربعينيات، وفي تلك المرحلة كانت أغلب الدول الإفريقية تحت الاستعمار الأوروبي. ومع بداية فترة استقلال إفريقيا في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، سعى الكيان إلى إقامة علاقات لكسر العزلة. في السبعينيات، انقطعت العلاقات بشكل كبير، لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية استمرت مع بعض الدول.
وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، عادت العلاقات بعد توقيع العديد من الدول العربية اتفاقيات السلام مع الكيان، مثل اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية أوسلو. وأشار إلى قضايا أخرى في الدول الإفريقية، مثل الحرب التشادية الليبية والصراع في إثيوبيا وقضية الصحراء الغربية، والتي أدت إلى التطبيع.
أكد الدكتور كلي أن العديد من الدول الإفريقية تحتفظ بعلاقات سرية مع دولة الاحتلال. ورغم فشل انعقاد القمة الإفريقية الإسرائيلية، هناك دولًا تمتلك علاقات متقدمة جداً مع الكيان، مثل التوغو.
ردود الأفعال الإفريقية على معركة طوفان الأقصى
أشار الأستاذ الدكتور حسن كلي إلى أن العديد من الدول الإفريقية قطعت علاقاتها مع الكيان المحتل في ضوء معركة طوفان الأقصى والهجمة الغاشمة على قطاع غزة. كما أكد أن شعوب الإفريقية ككل خرجت في مظاهر احتجاج وتنديد ضد العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأضاف أن هناك ردة فعل إفريقية قوية لصالح الشعب الفلسطيني، وأشار إلى البيان الذي أصدره الاتحاد الإفريقي والذي يعكس توجهات الدول الإفريقية وشعوبها تجاه معركة طوفان الأقصى.
وأبرز دور تشاد في هذا السياق، حيث قامت باستدعاء سفيرها وقطعت العلاقات التجارية مع الكيان المحتل. وأشار إلى حركة المجتمع المدني في تشاد التي قامت بتحركات كبيرة واحتجاجات يومية احتجاجا على الأحداث في غزة وأقامت بندوات للتعريف بالقضية الفلسطينية باللغة العربية والفرنسية. ورغم هذا التأييد الشعبي الإفريقي، أكد أن الوسائل الإعلام العربية لم تبرز هذه الردود بشكل كاف.
في الختام، أكد الدكتور كلي على أن الشعوب الإفريقية، على مستوى شعبي، تنتصر للقضية الفلسطينية وتدعمها بكل إمكانياتها. ومع ذلك، أشار إلى وجود تقلبات وعوامل سياسية تؤثر في المواقف الرسمية للدول الإفريقية.
أما المداخلة الثالثة فكانت لدكتور أسامة الأشقر المؤرخ والباحث في الشؤون السياسية، الذي تناول مستقبل العلاقات الإسرائيلية الإفريقية.
العلاقات الإسرائيلية الإفريقية
أشار الدكتور أسامة الأشقر إلى أن استخدام مفهوم العلاقات الإفريقية الإسرائيلية يُعتبر مبالغًا فيه، حيث وصف هذه العلاقات بأنها سطحية وغير عميقة. أكد أن هناك دولًا أخرى مثل الصين والدول الغربية والدول العربية تمتلك علاقات أعمق مع دول إفريقيا من دولة الاحتلال.
وأشار إلى أن العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا ليست استراتيجية ولا تتمحور حول رؤية استراتيجية، بل تعتمد على الاهتمامات الفردية أكثر من الأولويات. وأوضح أن هناك منافسة كبيرة من قبل قوى دولية حول مجالات اهتمام إسرائيل في إفريقيا، خاصة في المجال الاقتصادي.
وتناول الدكتور أسامة دور إسرائيل في إفريقيا، مُشيرًا إلى تزويدها لكيانات في القارة بالأسلحة والمواد الممنوعة نتيجة للحظر الدولي الذي تتعرض له بعض الدول الإفريقية. وأكد أن إسرائيل تلعب دورًا في استثمار علاقاتها مع عصابات الجريمة المنظمة وفي مجال الاستثمار عبر الشركات الدولية في مجالات متعددة مثل الأمن، والأسلحة، والدواء، والتكنولوجيا.
وختم مداخلته بالإشارة إلى أن الأفارقة لا يرون دولة الاحتلال بعين جيدة، وأنهم يفضلون التعامل مع دول أخرى نظرا لغلاء البضائع الإسرائيلية وقلة الدعم السخي الذي تقدمه.
معتبرا أن كل ما يروج حول هذا الموضوع هو دعاية من الإسرائيليين لتضخيم دورهم في إفريقيا، وعلى الرغم من مساعيهم المتعددة للدخول إلى القارة عبر منظمات دولية وإقليمية، فقد تصدت لهم قوى إقليمية أفريقية مثل جنوب إفريقيا والجزائر.
مستقبل العلاقات بعد معركة طوفان الأقصى
أشار الدكتور الأشقر إلى أن معركة طوفان الأقصى دفعت بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية إلى الخلف كثيرًا. الآن، تعتبر الدول الإفريقية أن العلاقة مع إسرائيل ستكون عبئًا أمنيًا وسياسيًا عليها. وأي إنشاء أو تعزيز لهذه العلاقة سيكون عبئاً أخلاقيًا على الدول الإفريقية ذاتها. فهي تتعرض لاتهامات بأنها دول تمارس أعمالً غير قانونية وانتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان. لذلك، ستكون الدول الإفريقية حريصة على مراجعة علاقاتها مع دولة الاحتلال، حيث أن هذه العلاقة لن تحمل أي نتائج هامة تخدمها.
وفي الختام، أكد الأستاذ أسامة أن دولة الاحتلال ستعاني كثيرا في الفترة المقبلة، حيث سيكون عليها صرف الكثير من الأموال وإرسال الممثلين وممارسة الضغط الدولي لبناء علاقات مع الأفارقة وصحيح الصورة ومع ذلك، فإن الأفارقة لن يكونوا مهتمين بهذا الأمر أبدا. رغم ذلك، ستحاول دولة الاحتلال بكل الوسائل لاسترضاء الأفارقة، ولكنها لن تصل للنتائج المرغوبة بهذا النشاط.
وفي ختام الندوة تم فتح فرص الحوار والمداخلات لحضور الندوة والمتداخلين للإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، حيث أجمعت كل المداخلات حول الاجماع الإفريقي الشعبي والرسمي على وقوفه مع القضية الفلسطينية، ومع أن مستقبل العلاقات الإفريقية الإسرائيلية على ضوء المعركة الحالية والتغييرات السياسية التي تشهدها القارة لن يكون مستقبلا يحمل علاقات كبيرة مع دولة الاحتلال وخاصة في ظل الرفض الشعبي والدولي للجرائم الاحتلال في فلسطين.
وقبل الختام خاطب الحضور مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات شاكرا المتحدثين والمعقبين والمتداخلين. وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن الإفريقي من المتداخلين والمتابعين.
وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول موضوع الندوة، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.
اقرأ أيضا هذا المقال (كيف تؤدي الحرب بين إسرائيل وحماس إلى زعزعة استقرار القرن الأفريقي؟)