إصداراتتحليلات

القمة الأمريكية الإفريقية 2022 هل ستكون بوابة الولايات المتحدة إلى إفريقيا

إعداد: فريق المركز

احتضنت الولايات المتحدة الأمريكية  في الفترة 13-14-15 ديسمبر 2022 في العاصمة الأمريكية واشنطن، القمة الأمريكية الإفريقية الثانية بعد القمة الأولى التي أقيمت في عام 2014 بمبادرة من قبل الرئيس الأمريكي حينها باراك أوباما والتي كان في ظاهرها محاولة النهوض بالقارة الافريقية في مجالات متعددة وخاصة من الناحية الاقتصادية ويغلب عليها طابع العلاقات في السياق الأمني تحت دواعي مكافحة الإرهاب.

والنقطة الثانية التي وظفتها واشنطن حينها، كانت خلفية الرئيس الأمريكي أوباما الإفريقية؛ حيث تعود أصوله إلى كينيا، ليكون ظاهرها تعاطف أوباما مع قارته الأم، ولكن هذه القمة الأولى لم تثمر شيئا وبقيت فقط محطة من محطات تاريخ استنزاف إفريقيا  من قبل الغرب، ولكن باطنها كان يندرج ضمن مساعي الإدارة الأمريكية إلى ابتزاز الدول الإفريقية تحت مسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وبعد توقف دام 8 سنوات وذلك بسبب انكماش الخارجية الأمريكية طيلة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب مما فتح الأبواب أمام فاعلين دوليين وإقليمين جدد للتغلغل في شؤون القارة، مثل الصين، روسيا، تركيا، وإيران.
وبناء عليه، سيسلط هذا التقرير المختصر الضوء على النقاط التالية:
(أ) المخاوف الأمريكية من تفاقم النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا،
(ب) الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في إفريقيا،
(جـ) اللقاءات الجانبية للقادة الأفارقة مع المسؤولين الأمريكيين خلال القمة،
(د) الصراع الدولي على إفريقيا تحت عناوين القمم والمؤتمرات،
(هـ) مستقبل العلاقات الأمريكية على ضوء مخرجات القمة الأخيرة.

المخاوف الأمريكية من تفاقم النفوذ الروسي والصيني في إفريقيا
لا تخفي الولايات المتحدة الأمريكية تعاظم النفوذ الصيني الروسي داخل القارة الإفريقية ويتجلى ذلك من خلال تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال اجتماع في يوم افتتاح القمة يوم الثلاثاء 12 ديسمبر 2022 حيث حذر من النفوذ الروسي الصيني الذي اعتبره مزعزعا للاستقرار في القارة الإفريقية.
ولا يعتبر هذا التصريح الوحيد للويد أوستن حول النفوذ الروسي الصيني، فقد صرح في شهر أغسطس 2022 على إثر انعقاد حفل تكريمي للقيادات العسكرية لقيادة أفريكوم بألمانيا، حول خطورة هذا النفوذ في إفريقيا فيما يتعلق بالديمقراطية والانقلابات العسكرية وبأن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الظاهرة وستقدم المساعدة لمن اعتبرتهم حلفائها وتناول حينها الأزمة السياسية في تونس وإشكالية عدم توصل أطراف النزاع في ليبيا إلى تحديد موعد انتخابات، وإلى المشاكل السياسية في دول الساحل الإفريقي.
كما أن المقربين من دوائر صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية صرحوا في الآونة الأخيرة أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي تحدد السياسية الأمريكية لمدة 5 سنوات المقبلة سنجد أن الفقرة المخصصة لإفريقيا تعكس توجها استراتيجيا شاملا من جانب أمريكا تجاه إفريقيا.
تمت دعوة 49 عضو من الاتحاد الافريقي من جملة 54، وقد تم استثناء كل من السودان، بوركينافاسو، مالي، وغينيا بعد تعليق عضويتهم من قبل الاتحاد الافريقي بسبب الانقلابات الأخيرة التي حدثت بها، وبالنسبة لإريتريا فلم يتم توجيه دعوة لها بسبب عدم وجود علاقات ديبلوماسية بينها وبين الولايات المتحدة الامريكية حسب الدبلوماسية الأمريكية  وأما العضو السادس الذي لم يتم توجيه الدعوة له فهي جبهة البوليساريو بسبب عدم اعتراف الولايات المتحدة بها واعترافها سنة 2020 بسيادة المملكة المغربية على منطقة الصحراء.
كل هذه الأشياء تبين لنا التوجه الأمريكي الحالي فيما يتعلق بالقارة الافريقية لتأتي هذه القمة في إطار التنافس الدولي بين واشنطن وباقي القوة الدولية في إفريقيا.

الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في إفريقيا
احتوت القمة التي عقدت على مدار ثلاث أيام على خمسة محاور كبرى تُعتبَر من أكبر المشاكل التي تمر بها القارة، حيث كانت المحاور كالآتي: الديمقراطية، والحوكمة، والأمن الغذائي، وتغيير المناخ،والاستثمار.
وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية خلال القمة برصد 55 مليار دولار على مدار ثلاث سنوات لدعم   مجالات متعددة، أبرزها:
 القطاع الصحي: حيث تم وضع مشروع لتأمين الكهرباء والانترنت ل 10 منشأة صحية في إفريقيا.
– برنامج يمتد لخمس  سنوات يركز على دعم الطاقات المتجددة والخضراء.
– وضع 75 مليون دولار لمواجهة التراجع الديمقراطي في إفريقيا عبر تعزيز دور الهيئات الانتخابية والمجتمع المدني.
– مجموع استثمارات بقية 370 مليون دولار لدعم القطاع الخاص بتمويل من مؤسسة التنمية الدولية الامريكية، مع تعزيز التجارة الثنائية وفرص الاستثمار.
– ثلاث مليار دولار ونصف لجعل إفريقيا أكبر منطقة تجارة حرة في العالم.
كما أن أبرز الوعود الأمريكية تمثلت في دعم القارة الافريقية في الحصول على مقعد دائم داخل مجلس الأمن الدولي وتمثيل للاتحاد الافريقي داخل مجموعة العشرين التي تعتبر من بين أكبر التكتلات الاقتصادية في العالم. وتم توقيع عدد من الاتفاقيات الأخرى لدعم مجالات الصحة والامن الغذائي، والتغييرات المناخية، والتنمية، والتعليم.

اللقاءات الجانبية للقادة الأفارقة مع المسؤولين الأمريكيين خلال القمة
تضمنت فعاليات القمة عدد من اللقاءات بين الجانب الأمريكي وقادة إفريقيا حول عدد من المواضيع والمشاكل التي تمر بها القارة ومن ضمنها مناقشة مسائل خاصة بين الأفارقة والأمريكان. ومن بين أبرز هذه اللقاءات وما احتوته من مطالب هي مطالبة رئيس الاتحاد الافريقي واشنطن برفع العقوبات المسلطة على زمبابوي واستنكار القادة الأفارقة لقانون الكونغرس الذي يفرض العقوبات على الدول المتعاملة مع روسيا حيث أكد على أن هذا القانون يستهدف أساسا القارة بأكملها بحم العلاقات التي تربطها مع موسكو.
أما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فقد طلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن تخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر تضررا من جائحة كورونا، حيث تصل معدلات ديون الدول النامية إلى مستويات خطيرة تتجاوز 250% من إيراداتها، لذلك يجب إعفاء الدول النامية من نسبة مقدرة من الديون ومواصلة تفعيل مبادرة الدول العشرين في تعليق الديون. وفي لقائه مع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن طلب السيسي من الإدارة الأمريكية الضغط على أثيوبيا للتوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بقضية سد النهضة، حيث قامت في السابق إدارة الرئيس ترامب بالضغط في هذا الملف عبر قطع المساعدات الامريكية على أثيوبيا، ولكن من المستبعد أن تقوم الإدارة الحالية بالضغط بمثل هذه الطرق.
كما أنه  عُقِد اجتماع بين الرئيس التونسي قيس سعيد ووزير الخارجية الامريكية أنتوني بلينكن تم التناول فيه موضوع الديمقراطية والانتخابات التي تعقد في تونس بتاريخ 17 ديسمبر2022 حيث شدد بلينكن خلال هذا اللقاء على أهمية إجراء انتخابات نزيهة وإصلاحات شاملة وعن مواصلة دعم واشنطن للديمقراطية في تونس، في حين قام الرئيس قيس سعيد بالدفاع عن الإجراءات والدستور الذي وضعه وهو لقاء لم يعكس تغييرات كبرى لا في التوجه الأمريكي أو الموقف التونسي.
وعلى هامش القمة تم أيضا دعوة ستة زعماء أفارقة لاجتماع مع الرئيس الأمريكي جو بايدن على خلفية احتضان دولهم لانتخابات السنة المقبلة وهم كالتالي: رئيس الغابون ونيجيريا وسيراليون ومدغشقر وليبريا والكونغو الديمقراطية حيث ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بمراقبة العملية الانتخابية في هذه البلدان المذكورة وشدد الجانب الأمريكي خلال هذا اللقاء على أهمية القيام بانتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية وبأن واشنطن ستحرص على ذلك.

الصراع الدولي على إفريقيا تحت عناوين القمم والمؤتمرات
لا يخفى على أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر هذه القمة إلى استمالة إفريقيا عبر المشاريع الضخمة التي رصدتها للقارة وهي استكمال للمطالب التي طرحتها إفريقيا خلال قمة المناخ 27 بمصر، ولكن هذا التقارب يبقى دائم تحت عنوان المنافسة الصينية الأمريكية في القارة والتي لا تخفي واشنطن مخاوفها من وقوع إفريقيا في المحور الصيني الروسي، حيث تعتبر الصين حاليا أكبر مستثمر في القارة الإفريقية وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية التصدي لهذا التغلغل وخاصة بعد تراجع نفوذ حلفائها الأوروبيين المستعمرين التقليدين في القارة الإفريقية لصالح لاعبين جدد كالصين وروسيا وتركيا وإيران.
ولا تعتبر القمة الافريقية الامريكية هي القمة الوحيدة التي تجمع الدول الإفريقية بقوة عالمية فقد أقيمت عديد القمم السابقة كالقمة الافريقية الهندية سنة 2015 وفي 2018 احتضنت بكين منتدى التعاون الافريقي الصيني وفي سنة 2021 انعقدت القمة التركية الافريقية وأخيرها كان في أغسطس آب الماضي قمة طوكيو الدولية للتنمية في إفريقيا، كل هذه القمم رفقة القمة الأمريكية تبرز مدى مساعي القوة الدولية لإنشاء علاقات مع القارة الإفريقية التي تعتبر أكبر قارة غنية بالموارد الطبيعية والطاقية في العالم.
لكن في المقابل ماذا استفدت إفريقيا من كل هذه القمم او كيف تستغل هذا التهافت الدولي عليها، في الحقيقية تصعب الإجابة عن هذا السؤال لأن الصراعات التي تعرفها إفريقيا سواء كانت بين الدول وداخل الاتحاد الافريقي أو صراعات داخلية (أهلية ضمن نفس الدولة) وعدم التجانس بين الأفارقة في المشاريع والأهداف السياسية يجعل من استقلالية القرار الافريقي في غاية الهشاشة ويضعف الموقف الإفريقي دوليا، كما ان غياب قوى إفريقية على صعيد الدولي أو الإقليمي يجعل من القارة فريسة سهلة تتلاعب بها الأطراف الدولية وهو ما لا يمكنها من استثمار مثل هذه القمم التي تندرج تحت الصراع الدولي في صالحها.

مستقبل العلاقات الأمريكية على ضوء مخرجات القمة الأخيرة
في ظل هذا الصراع الدولي في القارة الافريقية على الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن التعامل مع الدول الإفريقية بطريقة الوصاية والأبوية وإنما عليها أن تتعامل معها بمبدأ الشراكة والتعاون، وأن تراعي واشنطن الشراكات الاقتصادية والعلاقات الثنائية بين إفريقيا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى. ولكن مع ذلك يبقى النفوذ الأمريكي في إفريقيا هو الأكبر من غيره وخاصة في ظل تماهي الأجندة الأمريكية الأوروبية معا ومع انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا ودورها المتواصل في سوريا حاليا سيضعف من تواجدها عبر أذرعها الأمنية بعض الشيء وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء.
وسيبقى التحدي الأمني هو أكبر التحديات أمام مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية والمتعلق بالجماعات الجهادية المنتشرة في القارة وخاصة أنها حاليا تسيطر على مناطق كبيرة وهامة وإنشائها لتحالفات مع قبائل محلية، كما أن ثقل التنظيمات الجهادية حاليا تحول من آسيا الوسطى إلى القارة الإفريقية وهو ما سيحدد مستقبل الدور الأمريكي في القارة.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى