إصداراتتحليلات

المهاجرون واللاجئون الأفارقة في اليمن : أزمات متلاحقة ومستقبل مجهول

إعداد: فريق المركز

مقدمة
دفعت الأزمات التي تعيشها منطقة القرن الإفريقي منذ ما يزيد من ثلاثين سنة قطاعات كبيرة من مواطني هذه الدول إلى البحث عن إيجاد حلول لما يواجهونه من مشكلات اقتصادية وأمنية وسياسية عبر خوض مغامرات غير محسوبة العواقب والمآلات، مما يعرضهم لمخاطر عديدة ارتفعت وترتيبها بعد تفجر الأوضاع في اليمن حيث ازدادت الهجرات وازدادت المخاطر في ظل ضعف واضح للمؤسسات الدولية في التعامل مع المهاجري واللاجئين الأفارقة الذين يتخذون اليمن معبرا أو مقصدا في حد ذاته.

موجات اللاجئين والمهاجرين إلى اليمن
تؤكد بعض الهيئات العاملة في المجال الانساني والحقوقي أن أول فوج وصل اليمن من اللاجئين كان من إرتريا في فترة حرب التحرير 1977، ويأتي في المرتبة الثانية اللاجئون الصوماليون الذي توافدوا منذ بدايات القرن الجديد (2000) بسبب الحرب الأهلية، أما الموجات الجديدة فتشمل كل المنطقة تقريبا ما عدا جيبوتي، حيث تتعدد الأسباب والدوافع وراء الموجات الكبيرة من المهاجرين واللاجئين حيث تدفقت الأعداد الأكبر بعد الأزمة اليمنية في 2015، وحدوث موجات الجفاف في منطقة القرن الإفريقي فضلا عن الاضطرابات السياسية والأمنية بدولها.

رحلة المخاطر إلى السواحل اليمنية
يشكل  الصوماليون والإثيوبيون جل أعداد المهاجرين مع نسب قليلة من الإرتيريين الذين قدموا إلى اليمن بعد الحرب الإرترية الإثيوبية في 2000، وفق عدد من مصادر المؤسسات المحلية والدولية المعنية بالهجرة واللجوء، فما هي الطرق التي يسلكها المهاجرون للوصول إلى اليمن وما هي وجهاتهم النهائية:
1-هرجيسا: تسبق الوصول إلى المنافذ البحرية رحلة تهريب واستعداد لعبور المنافذ الحدودية البرية، غالبا ما تكون رحلات سير على الأقدام وبعد تجميع الأعداد المطلوبة في المنافذ البحرية تنطلق المجموعات عبر البحر وصولا إلى الشواطئ اليمينة، وتعتبر  هرجيسا عاصمة أرض الصومال.
2- بوصاصو: إضافة إلى الصوماليين يتجمع الإثيوبيون في وشالي الإثيوبية أولا ومن ثم ينطلقون إلى بونت لاند بعد تجميعهم ومن ثم تنطلق رحلتهم إلى اليمن
3- بوركو:  وهي ثاني أكبر مدن صومالي لاند وتبعد حوالي 100 كلم عن هرجيسا العاصمة ومسار بوركوا يسلكه عادة الإثيوبيون القادمون من العمق الإثيوبي أو الإقليم الصومالي في إثيوبيا.
4- جيبوتي: تعتبر الشواطئ الجيبوتية كذلك إحدى نقاط الانطلاق صوب اليمن من القرن الإفريقي خاصة للمناطق القريبة منها والتي تعرف الشبكات العاملة في تهريب البشر كيفية التعامل معها ويغلب على العابرين عبر جيبوتي العنصر الأرومي ويتخذون من مركزي تاجوراء وأوبوك ملاذا مؤقتا إلى حين جمع مبلغ يساعد في استكمال رحلة العبور.
وتعتبر المكلا وبريم وشقرة وبلحاف والهيبالة وبئر علي أبرز المنافذ التي تستخدمها شبكات التهريب في الدخول إلى اليمن

المخاطر التي يواجهها المهاجرون
أول ما يواجهه المهاجرون عبر البحر هو مخاطر الغرق إذ أن أغلب المهربين يستخدمون قوارب متهالكة إضافة إلى تحميلها أعداد كبيرة لا تحتملها ما يعرضهم للغرق وأكدت تقارير عديدة أن القوارب الصغيرة يتم تحميلها بما يتراوح بين 150 و 200 شخص ومعهم 3 مسلحين، وتفيد تقارير منظمات دولية بأنه تم حصر ما لا يقل عن 700 غريق من المهاجرين من منطقة القرن الإفريقي إلى اليمن.

كيف تتعامل المنظمات الدولية مع المهاجرين في اليمن
يمكن تصنيف المهاجرين الأفارقة في اليمن إلى نوعين حسب تقسيم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وهي المعنية بحماية اللاجئين:
1- هناك صنف تعترف به المفوضية كلاجئين وهم الصوماليون وقد منحتهم المفوضية ما يعرف بالبطاقة الخضراء وتعني أن حاملها يتمتع بصفة لاجئ تحت حماية الأمم المتحدة باعتبار أن الصوماليين عانوا من الحروب الأهلية ومهدون في حياتهم وجميع الصوماليين يقعون تحت هذا الصنف وتقدر المنظمات المعنية باللاجئين أن عدد الصوماليين في اليمن يبلغ 700.000 لاجئ صومالي يتوزعون في عدد من المحافظات ابتداء من حضرموت في الجنوب وصولا إلى صنعاء العاصمة، يلحق بهذا الصنف أعداد الإرتريين الذين لجأوا إلى اليمن إبان فترة التحرير يتركز معظم تواجدهم في ضواحي مدينة الحديدة.
2- الصنف الثاني هو من تعطيهم المفوضية بطاقة تطلق عليها طالب لجوء يبحث عن فرص عمل وغير مهدد أو يعاني شيئا ما من العنصرية في بلاده وينطبق هذا على مهاجري بقية دول القرن الإفريقي
المعضلة هنا هي أن الصنف الأول يجد الحماية القانونية والرعاية الاجتماعية والإنسانية من قبل المنظمات الدولية العاملة في مجال اللاجئين والسلطات اليمنية، بينما لا يجد الصنف الثاني أي التزامات من أي نوع ما عدا بعض المؤسسات الأهلية المحلية ومنظمات الهجرة التي تبذل كل جهدها لإعادتهم إلى البلدان التي هجروها بحثا عن حياة أفضل.

ازدياد موجات النزوح في العام 2022
تفيد تقارير منظمة الهجرة الدولية في اليمن (  (IOMبارتفاع اعداد المهاجرين الأفارقة في العام الحالي بنسبة 44%، مقارنة بالعام الماضي، حيث بلغت أعداد المهاجرين في نوفمبر وحده 9,212 لاجئا بينما بلغت أعداد المهاجرين في شهر اكتوبر الذي سبقه 6,381 لاجئ، ليبلغ جملة أعداد اللاجئين منذ بداية العام وحتى ديسمبر منه 67,500 لاجئا إفريقيا، ووفق التقارير فإن محافظتي شبوة ولحج سجلتا أعلى الزيادات بنسبة 655 و31% على التوالي.
وتشير المنظمات الدولية إلى أن الإثيوبيين يشكلون نسبة 93% من المهاجرين خلال السنتين الأخيرتين والبقية من الصومال، إذ أن أغلب الصوماليين بدأوا الهجرة منذ بدابة سنة 2000 وانخفضت مستوى الهجرة في الفترة الأخيرة.

المخاطر والانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة
 أول هذه المخاطر هي أن المهربين يحملون أعدادا كبيرة في قوارب متهالكة ما يعرضها للغرق وهي حوادث قد تكررت كثيرا مثل الحادث الذي تناولته منظمات الهجرة الدولية بان المهربين حملوا ما يزيد على 200 شخص في قارب واحد واضطروا في عرض البحر بإجبار 80 منهم بالقفز في البحر وهو ما يعني الموت بعينه هذا غير تعمد بعض المهربين إلى رمي بعض المهاجرين في حالات خلاف معهم بالتخلص منهم في البحر ولا أحد يعرف كم هي أعداد المفقودين على وجه الدقة في مثل هكذا حوادث إلا أن المؤكد هو انه كبير وكبير للغاية
– يقيم المهربون مواقع لاحتجاز المهاجرين من أجل طلب المزيد من المال عبر الاتصال بذويهم ويتعرضون خلال ذلك للتعذيب وكل أنواع الاستغلال الجسدي والجنسي  والاختطاف وأعمال السخرة لصالح عصابات التهريب، وفي أحايين كثيرة يتعرض المهاجرون للأذى بسبب صراع شبكات التهريب الإثيوبية واليمنية بين بعضها البعض من أجل السيطرة على مسارات التهريب ليذهب ضحيتها المهاجرون.
– يتعرض المهاجرون كذلك للتجنيد في صفوف عدد من الجهات التي تستغلهم وتأتي على راس هذه الجهات جماعة أنصار الله( الحوثيون) حيث يستغلون مراكز التجمعات التي تحت سيطرتهم ويغرون بعضهم بدفع الأموال لهم، وفي حال الرفض يجبرونهم على التجنيد وقد تحدثت تقارير عديدة عن العشرات الذين تم تجنيدهم تحت ضغط الظروف التي يعيشونها في اليمن، إضافة إلى استغلال بعض الجماعات المتطرفة مثل داعش والمليشيات القبلية في بعض المناطق المهاجرين والزج بهم في اتون الحرب الأهلية المستعرة، كما وثقت تقارير ان الحوثيين يطلبون من المهاجرين دفع 2000 دولار في حال رفضهم للتجنيد والقتال معهم.
– حادثتي صنعاء وصعدة: تحدثت تقارير عديدة وثقها شهود عيان أن الحوثيين أحرقوا مقر احتجاز للمهاجرين كان يضم حوالي 900 محتجزا رفضوا التجنيد ولم يستطيعوا دفع المبالغ التي طلبتها المليشيات ما نتج عنه وفاة وجرح 170 مهاجر، وفي صعدة تم حرق خيام المهاجرين مما أدى إلى وفاة 17 منهم وجرح عدد آخر في ظروف تتهم فيها عدد من الجهات الحوثيين وذلك عندما رفض المهاجرون التجنيد في صفوفهم، وهناك حوادث لم يتحدث عنها الإعلام ولم توثقها المنظمات الحقوقية بسبب الظروف الأمنية التي يعيشها اليمن وحالة الفوضى التي تعمه.

معاناة الرحلة الثانية
بما ان أغلب المهاجرين الأفارقة (75%) يعتبِرون اليمن معبرا مؤقتا لترتيب الرحلة الأخيرة إلى دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية عل وجه الخصوص، فإن معاناة العبور إليها لا تقل خطورة عن رحلة عبور البحر الأحمر خليج عدن وفي هذه الرحلة معاناة أخرى:
– يتعرض المهاجرون للخطف من قبل عصابات التهريب لطلب فدى مالية كبيرة مقابل إطلاق سراحهم أو السماح لهم بمواصلة رحلة عبور الحدود اليمنية السعودية.
 قسوة معاملة حرس الحدود في الجانبين حيث يتبادل المسئولون على جانبي الحدود اتهامات  بتعذيب المهاجرين وإطلاق النار عليهم واحتجازهم في ظروف غير إنسانية وقد كشفت تقارير عن مقبرة جماعية للمهاجرين الأفارقة لا يُعلم الظروف التي قتلوا فيها ومن يقف وراء جريمة قتلهم.
– وبعد دخول الذين يحالفهم الحظ في الوصول إلى المملكة العربية السعودية يواجهون السجن والاحتجاز بسبب كونهم متسللين غير شرعيين ويتم تطبيق القوانين عليهم ويتعرضون كذلك إلى ويلات السجون والتعذيب وفق تقارير منظمات حقوقية عديدة والابعاد في أحسن الأحوال.

دور المؤسسات المحلية والدولية
المنظمات المحلية
تنشط عدد من المؤسسات  الانسانية والحقوقية المحلية في أوساط المهاجرين واللاجئين الأفارقة في اليمن ذلك للظروف المعقدة التي يواجهها اليمن في غياب السلطات اليمنية واجهزتها المختلفة مع انتشار المليشيات والفوضى، وتقدم العون الإنساني والقانوني بالتنسيق مع مؤسسات الحكومة التي تعاني هي الأخرى أوضاعا شديدة الصعوبة، كما تنشط بعض المؤسسات المرتبطة بالمهاجرين مثل منظمة أرورمو لحقوق الإنسان والإغاثة وهي منظمة تنشط في أوساط المهاجرين الإثيوبيين في اليمن، وما تؤكده هذه المؤسسات هو  أن قدراتها وإمكانياتها دون المستوى المطلوب في ظل ظروف الحرب وعدم وجود مراكز لتجميع المهاجرين وفحص أوضاعهم.

دور المنظمات الدولية
تعتبر منظمة الهجرة الدولية (IOM) أبرز المنظمات الدولية النشطة في أوساط المهاجرين الأفارقة في اليمن وذلك لتصنيف أغلب الأفارقة باعتبارهم مهاجرين اقتصاديين، يبحثون عن تحسين أوضاعهم المعيشية وليسوا لاجئين، تاتي في المرتبة الثانية المفوضية السامية لشئون اللاجئين (UNHCR) والتي ترعى بعض اللاجئين الذين يقعون تحت حماية قانون اللجوء وتقدم هذه المنظمات المساعدات الضرورية والاساسية ولكن تواجهها مشكلات جمة ليس اقلها كثرة العدد بل عدم وجود إيواء لهم وانتقالهم الدائم بسبب الحرب الداخلية في اليمن أو محاولة المهاجرين العبور إلى السعودية كهدف رئيسي لهم.

الحلول الجذرية
للهيئات الدولية العاملة في أوساط اللاجئين طرح معروف للحلول الدائمة بالنسبة للاجئين الذين طالت بهم فترات اللجوء وهي العودة الطوعية إلى البلد الأصل الذي قدموا منه والإدماج في المجتمعات المحلية بعد دراسة الظروف والملاءمة والحل الثالث المتمثل في إعادة التوطين ولكن لم تتفتق الحلول الناجعة بعد بالنسبة للمهاجرين الاقتصاديين غير بعض المحاولات لدعم الدول المصدرة لهم، وهي تجربة أثبتت فشلها بامتياز حتى الآن إذ أن الحل يكمن في مخاطبة الحكومات والأنظمة التي تحكم البلدان المصدرة للاجئين للمساهمة الجادة في خلق البيئة الجاذبة عبر اتاحة فرص العمل وتخفيف القبضة السياسية وتوفير الموارد المهدورة في الجوانب العسكرية وحماية الأنظمة من أجل الباحثين عن حلول فردية عبر المخاطرة بحياتهم التي قد تُفقَدُ بسبب المخاطر الكبيرة المحيطة برحلات البحث عن المجهول
تفيد تقارير عديدة بأن منظمة الهجرة الدولية تبذل جهودا كبيرة من أجل إقناع المهاجرين الأفارقة في اليمن إلى العودة إلى بلادهم وقد تمكنت من إعادة ما يزيد على 6 آلاف مهاجر إلى إثيوبيا ولكن متوالية القادمين الجدد هزمت هذا الجهد مما يجعل ذلك قطرة في بحر الموجات الجديدة من المهاجرين بسبب تردي الأوضاع في بلدهم اقتصاديا نتيجة الحرب الطاحنة التي دارت على مدار عامين ونيف

خاتمة
يأتي خليج عدن في المرتبة الثانية باعتباره أكثر الممرات استخداما في الهجرة بعد البحر الأبيض المتوسط، كما تأتي إثيوبيا في أول القائمة المصدرة للاجئين والمهاجرين الاقتصاديين في إفريقيا، وتعتبر شبكات التهريب هي أكثر الوسائل التي يستخدمها المهاجرون في الوصول إلى مقاصدهم، وأن أزمة الهجرة في القارة الإفريقية تختلف من مطقة إلى أخرى ولكنها تتشابه إلى حد كبير في منطقة القرن الإفريقي التي تعتبر أكبر مصدر للمهاجرين واللاجئين في السنوات العشرين الأخير وهي ثمرة التقاء الفقر والفساد وسوء الإدارة في هذه الدول، وبالتالي فستظل المشكلات متوالدة والهجرة متواصلة دون معالجة جذور المشكلات المتسببة في ذلك.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى