اعداد: محمد صالح
مقدمة
جرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 22 نوفمبر الماضي ، في بوركينا فاسو في أجواء من عدم الاستقرار والخوف من هجمات الجماعات المسلحة ، وكثير من القلق من تأثيرها على سير الانتخابات ، خاصة وأن البلد حديث عهد بالحكم العسكري القابض ، ولكن بتضافر الجهود وحرص كل الأطراف على إنجاح التجربة السلمية في الحكم نجحت التجربة ، وانتهت بسلام وتمكن الرئيس السابق روش كابوري من الفوز بالرئاسة من الجولة الأولى ، نسلط خلال هذه الورقة على التجربة السياسية لبوركينا فاسو ، وأهمية انتخابات 2020 لأن نجاحها يساعد على ترسيخ الحكم الديمقراطي وتؤكد على الانتقال إلى الحكم الراشد والتداول السلمي للسلطة.
نضالات بوركينا ضد المستعمر والعسكر
تقع بوركينا فاسو أو (أرض الرجال الشرفاء ) وهو معناها باللغات المحلية في غرب إفريقيا. وكان ايطلق عليها سابقاً “فولتا العليا”. وهي دولة غير ساحلية يبلغ عدد سكانها 21 مليون نسمة بنسبة نمو سنوي تقدر ب 3,1% وعاصمتها واقا دوقو (OUAGADOUGOU) ومحاطة بست دول إفريقية هي: مالي ، النيجر ، بنين ، توغو ، غانا وساحل العاج وهي ضمن دول الساحل الغربي لإفريقيا.
منذ العصور الوسطى وحتى مجيء الاستعمار الحديث كانت منطقة بوركينا فاسوا التي عُرفت بفولتا العليا يحكمها شعب الموسى (بكسر السين المائلة)، ويذهب الكثير من المؤرخين أنهم وصلوا إليها من شمال غانا الحالية ، وظلوا يحكمونها حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أسس “الموسى” خمس ممالك وهي: تنكوا دوقو ، باتينقا ، قورما ، زان دوما وواقا دقو.(1)
وصلت القوات الفرنسية فولتا العليا واستولت عليها عام1896 ، وواجهت القوات الفرنسية مقاومة من شعب الموسى ولكنها لم تدم طويلاً، حيث استولت القوات الفرنسية على العاصمة واقا دوقو عام1919 . وفككت فرنسا المستعمرة في1932 وقسمتها بين المستعمرات الفرنسية في ساحل العاج والسودان الفرنسي (مالي الحالية) والنيجر حيث تلقت ساحل العاج النصيب الأكبر منها والذي كان يضم معظم السكان ، إضافة إلى مدينتي واقا دوقو وبوبوا ديولا سو، ولكن في 1947 وفي تسوية مع زعماء سياسيين من فولتا العليا تمت إعادة إحياء مستعمرة فولتا العليا بحدودها السابقة كجزء من الاتحاد الفرنسي.
أصبحت فولتا العليا جمهورية ذات حكم ذاتي عام 1958 ، ووافقت فرنسا على استقلالها عام 1960 ليصبح أول رئيس لها موريس ياموقو بالاقتراع العام. حيث أمضى البور كينيون 60 عاما في النضال التحرري من أجل الاستقلال ، وستون أخرى بعد الاستقلال بحثا عن حكم وطني راشد إذ عانت البلاد مثلها مثل شقيقاتها الإفريقية مخاضاً عصيباً تمثل في صراعات كانت باهظة التكاليف أضاعت ما يزيد على نصف قرن من الزمان دون إنجاز يذكر ، بل خسرت البلاد موارد هائلة بشرياً ومادياً كان يمكن توظيفها في البناء والتنمية والازدهار.شهدت بوركينا فاسو 6 انقلابات ناجحة وحوالي 10 أخرى فاشلة منذ الاستقلال ولم تشهد البلاد حكماً مدنياً إلا في العام 2015. وتسلط هذه الورقة الضوء على تطور العملية السياسية في بوركينا فاسو بالتركيز على انتخابات 2020 باعتبارها تتويجا لنضالات البور كينيين طيلة الفترة التي أعقبت استقلال بلادهم ونقطة عبور تاريخية مهمة في سجل نضالاتهم الطويلة.(2)
تتمتع بوركينا فاسو بتنوع عرقي كبير حيث توجد 60 مجموعة عرقية يشكل الموسى نصفهم تقريبا (50%) ويتحدثون حوالي 70 لغة (يتحدث 52% لغة الموسى وهناك لغات أخرى مثل الماندي وديولا وبوبوا ساقوا إضافة إلى لغة الفولاني) ، وينقسم البور كينيين إلى قسمين أساسيين لكل منهم ثقافات وخلفيات سياسية مختلفة ، كانت تهيمن على المناطق الوسطى والشرقية زعامات قبيلة الموسى ، وفي أقاصي الشرق غو ما نشي وفي أقصى الشمال فلبي والطوارق والمناطق الغربية والجنوبية فيها عدد من المجموعات العرقية مثل بيشا وقور ونسي ولوبي.(3)
بوركينا فاسوا والأزمات المتكررة:
عاشت بوركينا فاسوا مراحل سياسية حرجة لفترة طويلة بسبب النزاعات والصراعات على السلطة ، مما أثر على الاستقرار السياسي في البلاد وتعاقبت هذه الأزمات لفترة لا تقل عن نصف قرن ، بدءاً من العام 1966 إلى العام 2014 حينما ألغى أول رئيس للبلاد موريس ياموغو الأحزاب السياسية في البلاد ، وتولى العقيد لاميزانا الحكم بعد موريس ياموغو وألغى بدوره العمل بالدستور وحظر أنشطة الأحزاب السياسية وأجرى استفتاءا على دستور جديد عام 1970 ولكن سرعان ما تم تعليقه عام 1974 لتتم الموافقة على دستور جديد عام 1977.
أزمة الثمانينيات:
نشبت أزمة أخرى عندما تمت الإطاحة بالرئيس أبوبكر سان قولي بانقلاب عسكري عام 1980 بقيادة العقيد ساي زيربو ، وتم تعليق دستور 1977 وحل الجمعية الوطنية وأطيح به في انقلاب آخر عام 1982 ، بعدها قاد العقيد توماس سنكارا انقلابا في 1983 وغير اسم البلاد إلى بوركينا فاسو ومعناها أرض الرجل الشرفاء ولم يلبث ان انقلب عليه صديقه بليز كومباوري عام 1987 بمساعدة فرنسا، واستمر كومباوري حاكما لما يقرب من 30 سنة ويستقيل تحت رفض البور كينيين تجديداً له مرة أخرى للاستمرار رئيسا ، وتنحى في 2014 ليقود البلاد أول رئيس مدني في تاريخها في المرحلة الانتقالية. (4)
أبرز التحولات التاريخية في بوركينافاسو:
حدثت في تاريخ بوركينا فاسوا انتقالات تاريخية يعتبرها البور كينيون منعطفات مهمة في تاريخهم والذي يلاحظ فيها أنها جاءت بهبات جماهيرية وضغوط من أجل المطالبة بحكم مدني ديمقراطي تعددي تمت الاستجابة لها بدرجات متفاوتة ، وحققت نسبة مقدرة من مطالب الشعب وتقليل تغول الجيش في الحكم:
الانتقال الأول: كان الانتقال الأول في 1991 عندما أُقر الدستور البور كيني بعد الأزمات التي مرت باها البلاد لفترة طويلة ، حيث تم فيه تحديد فترة رئاسة الجمهورية لأول مرة لفترة 7 سنوات في المادة(37) منه قابلة للتجديد لمرة واحدة وتم اعتماد الدستور عام 1991 وتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 1992 ولهذا يؤرخ لها البور كينيون بأنها بداية العملية الديمقراطية في البلاد. حيث اندلعت مظاهرات كبيرة عام 2000 بعد مقتل الصحفي البارز زنقوا (ZONGO) حيث راجت شكوك حول تورط الرئيس وأعوانه في الحادث وتحت الضغوط الشعبية تم تقليص مدة الرئاسة لتصبح 5 سنوات.
الانتقال الثاني: حكم بليز كومباوري فترتين بموجب الدستور القديم (14) سنة وثلاث دورات بموجب التعديل الذي جرى عام 2000 ولكنه لم يكتف بذلك بل اراد ان يُجري تعديلا آخر للتمديد لنفسه مرة أخرى بعد حكم 27 سنة للبلاد ، مما فجر الأوضاع في البلاد حيث بدأت المظاهرات في العاصمة وواجادوجو واتسعت باستيلاء المحتجين على مبنى التليفزيون وإضرام النيران في البرلمان مما اضطر أعضاء البرلمان من تعليق التصويت على التعديلات المقترحة ، والضغط على الرئيس كومباوري حت استقال وتم ترشيح العقيد اسحاق زيدا ، وهذه هي الانعطافة التاريخية الثانية التي وضعت البلاد في طريق الممارسة السياسية الديمقراطية السلمية في بوركينافاسو(5).
النظام الانتخابي في بوركينافاسو
أطلق البوركينيون على دستور 1991 دستور الجمهورية الرابعة والتي اعتبرت أن الأنظمة التي حكمت في 1960و 1974 و 1978 هي أنظمة دستورية والستة الأخرى خارجة على الدستور. ويقول الدستوريون في بوركينا فاسوا في وصفهم للدستور بأنه يؤسس لنظام يصعب وصفه بشكل دقيق ، فلا هو نظام رئاسي بالكامل ولا هو نظام برلماني بالكامل ففي الدستور تجد أن موقع رئيس الدولة وموقع رئيس الوزراء مهمان ، فالدستور لا يحدد بدقة أياً من هذين النظامين يصف بوضوح ، ولذل ذهب البعض إلى الوصف القائل بأن البلاد في مرحلة الانتقال انطلاقا من خلال فهم هذا الإشكال لأنه يؤسس لثنائية متوازية.
تجرى الانتخابات الرئاسية على جولتين وفي حالة فوز أحد المرشحين من الجولة الأولى تحسم الانتخابات. تضم بوركينا فاسوا 49 بلدية حضرية كبيرة ، و 302 بلدية ريفية و 45 مقاطعة ، وفي 2004 تم إدخال تعديلات على نظام التصويت فبدلا من الأقاليم أصبحت المقاطعات هي الدوائر الانتخابية ، كما تم تقليل حجم الدوائر ذاتها.
كان عدد مقاعد البرلمان 111 في السابق ولكن بعد تعديل تم إدخاله عام 2012 ارتفع إلى 127 مقعداً، منهم 111 يمثلون المقاطعات ويُنتخبون منها، و 16 ينتخبون على المستوى الوطني ، يتم انتخاب أعضاء البرلمان عن طريق التمثيل النسبي في 45 دائرة انتخابية متعددة الأعضاء ، تضم ما بين 2 و 9 مقاعد ، عضو الجمعية الوطنية يسمى نائب ويتم انتخابه لمدة (5) سنوات . ينعقد البرلمان دورتين عاديتين كل عام مدة كل منهما 90 يوما تفتتح الدورة الأولى في أول يوم أربعاء من شهر مارس ، والثانية الأربعاء الأخير من شهر سبتمبر ، الجلسات علنية إلا في حالات الضرورة فيحق له ان يغلق الجلسات. (6)
كان الرئيس كومباوري قد أسس غرفة نيابية تمثيلية من 120 عضوا وهي غرفة استشارية بحتة واعضاءها ممثلون لجماعات دينية وزعماء تقليديين ونقابات عمالية ومنظمات نسوية ومجموعات اجتماعية أخرى ، ولكن سرعان ما تم التراجع عنها عام 2002 ربما لأسباب اقتصادية إضافة إلى انعدام الجدوى منها ، وتم إعادة المقترح مرة اخرى عام 2012 ولكن لم يكتب له النجاح بسبب الاضطرابات التي انتظمت البلاد إلى أن اضطر كومباوري للاستقالة في نهاية الأمر.(7)
جهود الإصلاحات الانتخابية
يتضح من خلال تتبع التطور السياسي في بوركينا فاسو منذ الاستقلال ان الشعب البوركيني ظل يتصدى لكل محاولات تزييف إرادته وأسقط كل الانظمة القمعية التي حاولت أن تمارس الدكتاتورية والاستبداد في الحكم ، من خلال الاحتجاجات المستمرة مما دفع الحكام إلى محاولات الاصلاح الجزئي وبالرغم من كلفة كل ذلك إلا أنه في نهاية الأمر تمكن من الوصول إلى الديمقراطية والحرية التي يجب أن يتمتع بها كحق أصيل ، في التعبير عن حقوقهم في تأسيس الأحزاب دون وصاية من أحد ، ومما تشير إليه التقارير الدولية أنه بالرغم من الاستجابة الجزئية إلا أن الذي تم تحقيقه يعتبر ضئيلا مقارنة بما تحقق في عدد من الدول الإفريقية واحد أهم الأدلة على ذلك نجد أن بوركينا فاسوا صادقت على الميثاق الإفريقي للديمقراطية والحكم في 2010 ، وهو دليل واضح على تأخر بوركينا فاسوا في مضمار الحريات والديمقراطية وممارسة الحقوق كما تنص القوانين ذات الصلة ، ولكن ما هي الاصلاحات التي شهدتها العملية الانتخابية في ساحة الحريات والمساءلة في بوركينا فاسو:
1- تم تعديل القانون الانتخابي عام 2009 و 2010 بحيث تم تخفيض عتبة الأداء الانتخابي لتمويل الأحزاب من 5% إلى 3% من أصوات الناخبين.
2- تشديد القيود على المرشحين للرئاسة من خلال مطالبة كل مرشح بالحصول على الدعم من عدد من النواب في البرلمان الوطني أو أعضاء المجالس البلدية والريفية المحلية
3- وضع شرط أن يكون في القوائم الانتخابية للأحزاب ما لا يقل عن 30% من المرشحين من النساء ، ويتم معاقبة الأحزاب التي لا تقوم بذلك بتخفيض نسبة مشاركة قوائمها بنسبة 50%.
4- تجويد بطاقات الناخبين ــ حيث تطلب الأمر تقديم بطاقة هُوية تحمل صورة غير قابلة للتزوير والتلاعب ، في وقت التصويت ، على عكس تنوع المسموح به سابقا.
5- السماح للمواطنين المقيمين بالخارج بالتصويت بالرغم من الصعوبات العملية والتقنية والتكاليف التي تواجه الإجراء. ويعتبرها أصحاب المصلحة إصلاحات بطيئة بالرغم من أنها في الاتجاه الصحيح وحققت الكثير لمصلحة الاستقرار بينما يراها المعارضون للنظام ومؤسسات المجتمع المدني بانها فاقدة للمصداقية ووصفوها بانها عبارة عن تغييرات شكلية ولم تكن جوهرية .(8)
الانتقال الديمقراطي وانتخابات 2015
كما سبق الذكر يؤرخ البور كينيون لعام 2014 بانه عام تاريخي بكل المقاييس ، ذلك لأنه ولأول مرة في تاريخ البلاد يتم تعيين رئيس غير عسكري وهو الدبلوماسي ميشال كافا ندو فبعد استقالة كومباوري في 2014 توسطت مجموعة الإكواس لإيجاد مخرج للأوضاع في بوركينا فاسوا حتى لا تتراجع وتتدحرج للأسوأ ، وتثبيتا وضمانا للتغيير الذي تحقق.
انتخابات 2015
اعتبرت انتخابات 2015 في بوركينا فاسوا هي الأكثر تنافسية منذ عقود طويلة نسبة للحريات التي أتيحت في تشكيل الأحزاب ، وهي أول انتخابات تُجرى بعد رحيل الرئيس بليز كومباوري عن السلطة والذي حكم البلاد لفترة 27 عاما ، فاز في الانتخابات روس مارك كابوري من حزب الحركة الشعبية من أجل التقدم وقد حصل على 53% من الاصوات في الجولة الاولى. فيما يعتبرها البور كينيين ميلادا جديدا لهم ولبلادهم ، عززتها الانتخابات التي وُصفت بالحرة والنزيهة والاكثر تنافسية ، لأنها جاءت بعد ثورة مدنية على حاكم عسكري جاء للحكم بانقلاب ، ولأول مرة في تاريخ بوركينا فاسو يصوت الناخبون بنسبة 60% ، ولعب المعهد الديمقراطي الوطني وهي شبكة تضم 35منظمة مجتمع مدني دورا مهما في مراقبة الانتخابات ، كما عمل مع كافة الأحزاب السياسية من مختلف التوجهات لترتيب الأولويات التي تكسبها الأصوات ، خاصة وان هذه هي التجربة الديمقراطية الأولى التي يخوضها البور كينيون بعد صراع طويل مع الحكام العسكر وصراعاتهم على السلطة.(9)
وبدعوة من حكومة بوركينا فاسوا نشر الاتحاد الإفريقي فريقا من55 مراقبا تماشيا مع ميثاق الاتحاد الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد ، تتوزع على 26 دولة افريقية يتراس بعثتها د. جان عمر رئيس الوزراء الاسبق لجمهورية مدغشقر ، اشادت بعثة الاتحاد الإفريقي بالأجواء السلمية التي جرت فيها الانتخابات ،حيث تنافس على موقع رئاسة الجمهورية 14 مرشحا لولاية مدتها (5) سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات أخرى ، ودخل حلبة المنافسة99 حزبا من أصل ما يقرب من 200 حزب على مستوى البلاد ، تمكن 14 حزبا من الدخول إلى البرلمان ، جاء في المقدمة حزب الحركة الديمقراطية من أجل التقدم بعدد 55 مقعد يليه تحالف الاتحاد من أجل التقدم والتغيير بعدد 33 مقعد حيث حل ثالثا المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم ب 18 مقعد ، وفاز برئاسة الجمهورية روس كابوري عن حزب الحركة الديمقراطية من أجل التقدم.(10)
انتخابات 2020 وأهميتها
تحظى انتخابات 2020 بأهمية كبيرة إلى جانب الانتخابات البلدية لعام 2021 لكونها تعزز مكاسب الانتخابات السابقة والتي جرت في 2020، وتضع قاطرة التداول السلمي على الطريق الصحيح ، وتخفف من تغول الجيش على السلطة عبر الانقلابات العسكرية حينا بعد حين وبدعم من القوى الخارجية أحيانا، لتكون الأولى منذ 30 عاما إذا ما تمت إدارتها بشكل حسب كثير من المراقبين جيد وهي فرصة نادرة لترسيخ الديمقراطية في بوركينا فاسو على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد على صعيد انعدام الأمن ، وما يضيف أهمية لانتخابات 2020 هو ادراج المواطنين البور كينيين في الشتات والبالغ عددهم أكثر من مليونين من الناخبين وهو عدد يمثل ما يقرب من 20% من جملة الناخبين ، وبالرغم من تشكيك الكثيرين في قدرة الدولة في السيطرة على الأوضاع الأمنية إلا أن كل الأطراف تؤكد على أهمية تجاوز هذه التحديات والوقوف الى جانب الأجهزة المعنية بحفظ الأمن واستتبابه.(11)
اتفق الفاعلون السياسيون على تعديل قانون الانتخابات في اغسطس 2020 حتى يتم تكييفه مع التحديات التي يفرضها الوضع الأمني وقد تمت التعديلات بسلاسة رغم قصر الفترة بينها وبين وقت إجراء الانتخابات.
التحديات الأمنية
تتعرض بوركينا فاسو لهجمات من قبل الجماعات المسلحة منذ 2015 مما عرض ما يزيد على ألفي مواطن للقتل في المواجهات مع الجماعات وتشريد ما يقرب من المليون ، ومما يعقد الأوضاع ايضا رفض الحكومة البحث عن حلول غير الحسم العسكري ، بل وذهبت أبعد من ذلك وعملت على تأسيس مليشيات أطلقت عليها الدفاع عن النفس ، ما يشجع على بروز مجموعات يصعب التحكم فيها وتؤدي الى تفلت الأمر وخروجه عن السيطرة.
تشير تقارير منظمات دولية مهتمة بأن عام 2019 كان عاما صعبا على بوركينا فاسو بسبب الاشتباكات المتكررة بين الجهاديين والدولة ، والمليشيات المحلية من ناحية أخرى ما أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا إلى أكثر من 2000 في عام واحد ونزوح أكثر من نصف مليون في ذات العام بسبب العنف المتبادل وهو ما يساوي أكثر من 13 ضعف عدد النازحين في العام 2018 ، كما تؤكد هذه التقارير ان العنف تساهم فيه كل الأطراف (الجهاديين ، الجيش الرسمي والمليشيات المحلية) مما أسفر عن إغلاق حوالي 2000 مدرسة ووضع أكثر من 1.2 مليون مواطن تحت تصنيف المحتاجين إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
أجرى الرئيس روش كابوري حوارا مع أحزاب المعارضة حول كيفية معالجة انعدام الأمن واصلاح قانون الانتخابات ، وتحديد جداولها الزمنية والاستفتاء المؤجل ، وحقوق الجاليات في الخارج في التصويت وتوصلت الأطراف إلى توافق بشأن الأمن وتوقيت الانتخابات.(12)
بعثة الاتحاد الافريقي وانتخابات بوكينا فاسو 2020
انطلاقا من مهمته في إفريقيا والمتمثلة في تعزيز انتخابات ذات مصداقية ، يشارك فيها المواطنون إضافة إلى تقوية المؤسسات السياسية من أجل الديمقراطية المستدامة ، نشر بعثة من المعهد الانتخابي للديمقراطية المستدامة في إفريقيا ((EISA لتقييم الوضع قبل الانتخابات في الفترة من في الفترة من 30 أغسطس إلى 5 سبتمبر 2020 بهدف تقييم مدى استعداد اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (CENI) والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الوطني ووسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية (NGO’s) ، والتأكد مما إذا كان السياق السياسي يمكن أن يفضي إلى اجراء انتخابات موثوقة ونزيهة من خلال إجراء تقييم شامل ، يتألف فريق البعثة من موظفين اثنين هما مدير البرنامج والمسؤول عن الانتخابات والعمليات السياسية السيد (GURE JUSTIN) ومدير التدريب في المعهد الانتخابي السيد (MUNDA SIMAMBO) ، التقت اللجنة بطيف واسع في بوركينافاسو:
1- اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة
2- المجلس الأعلى للاتصالات
3- اربعة أحزاب سياسية من التحالف الحاكم والمعارضة
4- شبكتان لمراقبة المواطنين وعدد 4 من الصحفيين
5- مجموعتان من مراكز التفكير ــ أحدهما متخصص في الحكم (مركز الحكم الديمقراطي) وآخر متخصص في الارهاب (معهد الاستراتيجية والعلاقات الدولية)
6- المكتب القًطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
في ختام الجولة ابدى الفريق عدد من الملاحظات:
• العملية الانتخابية تجري على اساس توافقي من خلال جلسات الحوار السياسي بين الائتلاف الحاكم والمعارضة
• تم تمرير التعديلات التي اقترحت على قانون الانتخابات بسلاسة ودون تعقيدات
• اثنت البعثة على المشاركة الإيجابية للأحزاب السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني في توعية الناخبين أثناء على عملية التسجيل.
• لفتت البعثة إلى توفر حرية الإعلام.
• المرشحين للرئاسة تم ترشيحهم على أساس توافقي.
خلصت البعثة إلى أن الإطار القانوني والمؤسسي والسياق السياسي العام يفضي إلى انتخابات تشاركية وشاملة وتنافسية.(12)
أكد المسئولون بالدولة أن انتخابات 2020 يراقبها 10 آلاف مراقب من المراقبين المحليين والدوليين 80 منهم يمثلون المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (الإيكو واس ECOWAS).
عملية التسجيل للانتخابات
تشير مصادر حكومية مسؤولة أن الإقبال على عملية التسجيل للانتخابات كان منخفضا في بوركينا فاسو حيث تم تسجيل 5 ملايين فقط من أصل 11 مليون ناخب مؤهل في استطلاعات 2015 ، حيث صوت ما نسبته 60% في انتخابات نفس العام ، وتضاربت المعلومات حول التسجيل فقد صرحت مدير الاتصالات في لجنة الانتخابات بانهم وصلوا إلى ما نسبته 95% من مساحة البلد بينما صرح مسئولون آخرون وقالوا إن اللجنة لم تتمكن من الوصول إلى القرى النائية بسبب انعدام الأمن.(13)
لم تسجل أي هجمات في يوم الاقتراع ولكن في ذات الوقت لم يتمكن 3000 مركز من فتح ابوبه لإجراء عملية الاقتراع بسبب الظروف الأمنية مما منع وصول أكثر من 350 الف مواطن إليها وبالتالي حرمانهم من التصويت ، بعد تصفية المرشحين وافقت المحكمة الدستورية على 13 مرشحا وهم الذين استوفوا شروط المنافسة وكان على رأس المتسابقين الرئيس كابوري عن الحركة الشعبية من أجل التقدم يليه طاهرو ديابري عن حزب الاتحاد من أجل التقدم والتغيير ، وبلغ عدد المتنافسين على مقاعد البرلمان 10652 متنافسا ، ينما بلغ عدد المراكز التي أعدتها لجنة الانتخابات 21ألف مركز للاقتراع.
نتائج الجولة النهائية لانتخابات 2020
وعلى الرغم من القلق الذي سيطر على الجميع بسبب التخوف من هجمات الجماعات المسلحة بغية إفشال الانتخابات ولكن مرت بسلام دون حوادث تخل بالعملية الانتخابية ، مع الإقرار بأن هناك مراكز لم تتمكن من إجراء عملية الاقتراع ، وأن نسبة لا يستهان بها من الناخبين لم تتمكن من التصويت إلا أن العملية في جملتها خُتمت بشكل هادئ دون اعتراضات من أي طرف من أطراف العملية الانتخابية ، ووافق الجميع على نتائج الانتخابات التي ختمت نتيجتها على النحو التالي:
الانتخابات الرئاسية:
تمكن روك كابوري من الفوز مرة أخرى بالرئاسة ومن الجولة الأولى دون الحاجة إلى مرحلة الإعادة وكانت النتيجة:
• روك كابوري حصل على 57,87% من جملة الأصوات
• إيدي كومبو يقو حصل على 15,48%
• زفريني ديابري حصل على 12,48%
• كادري ديزيريه وادراقوا حصل على3,36
• طاهرو باري حصل على 2,19%
• إيلاس وادراقو حصل على 1,8%
الانتخابات التشريعية:
• حزب الحركة الشعبية من أجل التقدم 56 مقعد
• المؤتمر من أجل الديمقراطية والتقدم 20 مقعد
• حزب أن تي دي 13 مقعد
• حزب يو مي سي 12 مقعد
• اتحاد الأحزاب السنكارية 5 مقاعد
• حزب الحركة من أجل مستقبل بوركينا فاسو 4 مقاعد.
خلاصات وخاتمة
تعتبر انتخابات عام 2020 في بوركينا فاسو هو تأكيد عبور البلاد إلى حالة الاستقرار السياسي بعد عقود من الصراعات والانقلابات المتكررة التي صبغت البلاد منذ الاستقلال وحتى 2014 ، وبهذا تضمن العبور إلى مربع التداول السلمي السلس والحكم الرشيد خاصة وأن الاتحاد الإفريقي والمؤسسات الإقليمية والدولية ظلت تضيق فرص الجيش في الاستيلاء على الحكم بالقوة بعد التغيير الذي حدث فيها عام 2014، حتى يتسنى للبور كينيين التفرغ لبناء مؤسسات الدولة ومعالجة آثار العنف والجماعات المسلحة ، وتوظيف مقدرات البلاد لمعالجة الفقر في بلد يعد خامس أفقر دولة في العالم ، وفي مؤخرة قائمة البلدان الأقل تنمية ، كما أنها تعتبر إحدى الدول الأكثر خصوبة في العالم (ترتيبها التاسعة على مستوى العالم) والأكثر شبابا (من أصغر عشرة دول شبابا) على مستوى العالم.
فهل يتعلم السياسيون والنخب العسكرية في بوكينا فاسو من دروس التاريخ ، ويتفرغوا لأجندة البناء والتماسك الداخلي والاتفاق على مراحل لتجاوز الخلافات الداخلية لأن الأوضاع الراهنة تشير إلى احتمال تفجر الأوضاع أكثر مما هي عليه مما يًغري بتدخلات قد تعيد البلاد إلى نقطة الصفر من جديد ، نخلص مما سبق إلى الخلاصات التالية:
1- تعتمد بوركينا فاسو 21 عاما لسن الاقتراع مما يمنع أعدادا كبيرة في دولة عمادها الشباب من المشاركة في التصويت علما بأن العمر المعتمد عالميا 18 سنة ، ويعتبر هذا إحدى المشكلات التي تحتاج على إعادة النظر ، لأنها دون المعالجة سيفقد الشباب وهم عماد المستقبل الثقة في بالسياسيين.
2- ما تزال اللغة الفرنسية مهيمنة في بوركينا فاسو وتفيد تقارير عديدة إلى الشكاوى المتكررة من المواطنين من صعوبات الوصول إلى العدالة بسبب حاجز اللغة ، لأنها ما تزال تستخدم في المحاكم والتقاضي ، كما هي لغة النخبة الفرانكفونية في البلاد.
3- في بوركينا فاسو ما زال التنافس بين الأجهزة الأمنية قائما وشديدا ، مما يعيق صياغة السياسات المتناسقة والمتسقة مع مطلوبات المرحلة ، وحتى لا يحدث تضارب بين الأجهزة بما فيها الجيش فإن الانتقال الديمقراطي يقتضي القيام بانتقال متدرج وتولي المدنيين مفاصل الحكم ، ولكن بالرغم من كل ذلك مازال الجيش لديه الهيمنة على الحكم حتى بعد الانتقال إلى الحكم المدني والتعدد السياسي والنظام الديمقراطي .
4- تتحدث تقارير كثيرة عن حضور الحركة السنكارية في الشارع البور كيني نسبة إلى توماس سنكارا (رئيس بوركينا فاسو 83ــ 1987) والذي ما يزال انصاره يطالبون بمحاكمة قاتليه ، ويدعون إلى استعادة الثورة التي قادها تشي جيفارا إفريقيا إشارة إلى كارز ميته وقيادته لثورة تحررية من الاعتماد على الدول الخارجية وميله إلى محاربة التدخل الخارجي.
5- لم تشهد بوركينا فاسو صراعات دينية وهو مؤشر إيجابي في عملية التعايش السلمي ، ما يعتبر استثناء في دول إقليم الساحل حسب تقارير مجموعة الأزمات الدولية التي تؤكد على هذه الحقيقة بالرغم من بروز الجماعات المسلحة العنيفة في السنوات الأخيرة والتي قد تخلق شرخا بين أهل الديانات ، علما بأن ما نسبته 15% من البور كينيين ما يزالوا على معتقداتهم التقليدية وفق (Pew Research Center) ، مع ملاحظة أن الجماعات المسلحة تمددت إليها من الحدود المالية شمالا واستهدفت دور عبادة وهي بلا شك فرصة لبروز جماعات في الاتجاه المناظر قد تصطف تحت حجج الحماية وتتطور إلى حروب دينية لا نهاية لبدايتها.
6- يمثل المسلمون 62% من مجموع السكان لكن تمثيلهم في الحكم بشكل عام وفي الخدمة المدنية على وجه الخصوص ضعيف ، وقد اشتكت قيادات إسلامية بأنه ليس هناك إنصاف على هذا الصعيد وأن المسيحيين الذين يمثلون 23% يستأثرون بالنسبة الأعلى من السلطة فهل يلتفت القادة السياسيون إلى ذلك ويعملوا على تعزيز التعايش وتخفيف إحباطات المسلمين.
المراجع والمصادر:
(1) The fact institute, Facts about Burkina Faso, www.factinstitute.com
(2) www.studycountry.com تمت زيارة الموقع بتاريخ 30 ديسمبر 2020
(3) Countries and their cultures, Burkina Faso, www.everyculture.com
(4) Upper Volta/Burkina Faso (1960-present), University of central Arkansas, www.uca.edu
(5) فريق ساسا بوست ، تظاهرات شعبية توجت بانقلاب عسكري ، نوفمبر 2014م ، www.sassapost.com
(6) Sahel research group, the party system in Burkina Faso, https://tsep.africa.ufl.edu
(7) Countries and their cultures, مرجع سابق
(8) Countries at the crossroads, Burkina Faso, freedom house,10.11.2011, www.refworld.org
(9) High expectations for democracy in Burkina Faso after 2015 elections, www.ndi.org
(10) Staff, Burkina Faso presidential parliamentary elections, Dec.2015, www.au.int
(11) Crisis group, Burkina Faso: safeguarding elections amid crisis, 25 jan.2020, www.crisisgroup.com
(12) EISA, pre-election Assessment mission to the Republic of Burkina Faso, 16.sep. 2020, www.eisa.org
(13) Sam Mednick, security concerns in Burkina Faso’s elections, 02.11.2020, www.thenewhumanitarian.com