محمد عمر صالح
مدير آفروبولسي
مقدمة
كانت غامبيا من اقدم الديمقراطيات متعددة الأحزاب في إفريقيا، ظلت تجري الانتخابات الديمقراطية كل خمس سنوات حتى انقلاب الرئيس السابق يحى جامع في 1994، كما ان عاصمتها شهدت صياغة الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، ولكنها دخلت أزمة الاستبداد والدكتاتورية لمدة 22 عاما هي فترة حكم الرئيس السابق يحي جامع، ومن هنا اكتسبت انتخابات 2021 أهمية قصوى بالنسبة للغامبيين، وتجربة الحكم الديمقراطي وتثبيت أركانه.
تاريخ في التعددية والممارسة الديمقراطية
تحولت غامبيا الى جمهورية في 1970 بعد ان كان يحكمها نظام ملكي قبل ذلك التاريخ، كانت تشرف على الانتخابات وزارة الحكومات المحلية قبل تأسيس هيئة انتخابية مستقلة عام 1996.
تشكلت الخارطة السياسية في غامبيا منذ خمسينيات القرن العشرين عندما كانت تحت السيطرة الاستعمارية الغربية، حيث تم تأسيس أحزاب سياسية شكلت مسار التداول السلمي للسلطة إلى أن اختطفها ضابط مغامر اسمه يحي جامع يبلغ من العمر 29 عاما في 1994:
ــ الحزب الديمقراطي بقيادة القس جي سي فاي عام 1951
ــ حزب المؤتمر الإسلامي بقيادة قربا جاهومبا في 1952
ــ الحزب المتحد بقيادة بي سي انجي في 1952
ــ الحزب التقدمي الشعبي بقيادة الطبيب داودا جاوارا في 1959
حدثت محاولة انقلابية دامية في 1981 بقيادة كوكوي سامبا الذي فشل في الانتخابات مرتين، وبعد اسبوعين دمويين تدخلت السنغال وأعادت الأمور إلى نصابها وعلى إثر الانقلاب اتحدت غامبيا مع السنغال في كونفدرالية أطلق عليها “سنا غامبيا” في 1982 وكانت تهدف إلى توحيد البلدين ولكن في 1989 انسحبت غامبيا من الاتفاق.
انقلاب يحي جامع 1994
أطاح الملازم يحي جامع بالرئيس جاوارا عبر انقلاب عسكري وشكل مجلسا عسكريا من 5 أعضاء وأجرى استفتاء على دستور جديد في 1996، وفاز في الانتخابات في نفس العام وقبل نهاية العام حل المجلس التشريعي، بسبب الاضطرابات التي تسببت فيها عدد من محاولات الانقلابات. في 2001 رفع جامع الحظر المفروض على الأحزاب، وأجرى انتخابات في 2001 و 2006 و 2011 وفاز فيها جميعا.تميز حكم الرئيس يحي جامع بتقلب المزاج والهيبة المصطنعة وادعاء الصرامة مما جعل بعض الصحف أن تطلق عليه “قذافي غامبيا” إضافة إلى ولعه بالأضواء وممارسة القمع والاستبداد وهشاشة الاقتصاد ما دفع آلاف الشباب إلى الهجرة لدرجة أصبحت غامبيا ثالث دولة في تصدير المهاجرين بعد ارتريا ونيجريا. نجا يحي جامع من عدد من المحاولات الانقلابية ولكن كانت نهاية حكمه عبر صناديق الاقتراع التي طالما تلاعب بها كثيرا.
انتخابات 2016 ونهاية حكم يحي جامع
شكلت ضغوط الأحزاب المعارضة، واتفاق ثمانية أحزاب على تقديم مرشح واحد إضافة إلى دور الغامبيين في الشتات أهم ما ميز انتخابات 2016 ومكن المعارضة بالفوز وانهاء حكم جامع الذي انسحب من مجموعة الكومونويلث كما اعلن حكم الشريعة الاسلامية في أواخر أيامه في الحكم، إضافة إلى الضغوط الهائلة من قبل الناخبين الغامبيين مطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والحريات.
فاز أداما بارو في الانتخابات وأعلن عن عدد من الاصلاحات أهمها تأسيس مفوضية مراجعة الدستور وهيئة الحقيقة والمصالة والتعويضات، وقبل انتهاء دورته الأولى أسس حزبه الخاص ليخوض الانتخابات في دورة جديدة.
انتخابات 2021 وتجربة الانتقال
واجه الرئيس الحالى اداما بارو خمسة منافسين فى انتخابات 4 ديسمبر ، لاختيار رئيس البلاد، في سباق شهد سعي خمسة منافسين للإطاحة بالرئيس أداما بارو الذي كان يسعى لولاية ثانية. استبعدت اللجنة الانتخابية المستقلة 15 من بين 21 من المرشحين – بمن فيهم ماري سوك، المرشحة الوحيدة من عنصر النساء- لعدم تلبيتها للمتطلبات الدستورية. وكان نصفهم تقريبا ينطلقون من على منصات مستقلة.
كان أحد وعوده في الحملة الرئاسية 2016، حيث وعد بارو بفتح تحقيق في “جرائم ارتكبت منذ تولي جامي السلطة” بعد انقلاب أبيض عام 1994.
وبعد توليه الحكم، أنشئت لجنة “حقيقة، إنصاف و مصالحة “TRRC” لتتولي التحقيق في الجرائم التي ارتكبت إبان حكم جامع البلاد لاثنتين وعشرين سنة، واستمعت اللجنة لمئات الشهادات حول “القتل والتعذيب” الذي تعرض له مواطنون، وأجواء الرعب التي عاشتها البلاد خلال عقدين من حكم جامع.
المتنافسون على الرئاسة
أداما بارو (الرئيس الحالي)
في انتخابات 2016، هزم بارو ، الذي كان بمثابة رأس سهم ائتلاف المعارضة، الدكتاتور السابق يحي جامع رغم كل الصعاب. ، أدى بارو اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في يناير 2017 في حفل أقيم في السفارة الغامبية في داكار، عاصمة السنغال المجاورة.وفي 2019 أنشا الرئيس بارو حزبا جديدا تمهيدا لترشحه وحتى لا يفقد فرصة الترشح بعد مطالبات من قيادات الحزب بالتنحي والتنازل.
أوسيانو داربو
كان داربوا عدواليحي جامع كزعيم للحزب الديمقراطي المتحد، أكبر قوة سياسية معارضة في البلاد. وبسبب دوره في احتجاجات الشوارع ضد وفاة ناشط تم احتجازه من قبل حكومة جامع وحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، غيابيا ، أوسيانو داربوا، 73 عاما، يعتبر المنافس الأقوى لإعادة انتخاب الرئيس بارو.
شغل داربوا، 73 عاما، منصب وزير الخارجية وأحد نواب الرئيس الثلاثة، لكنه أقيل من منصبه في مارس/آذار 2019 بعد خلافه مع بارو لرفضه التصديق على ترشحه لولاية رئاسية ثانية، ويعتبر من أقوى المنافسين.
ماما كانديه
المرشح في المرتبة الثالثة في انتخابات عام 2016، كان ملازما سابقا في المجلس الوطني للانتخابات حتى أدى طرده في ذلك العام إلى تشكيله للمؤتمر الديمقراطي الغامبي.
وتحت مظلة المجلس الوطني للانتخابات، فاز بمقعد برلماني بهزيمة بارو في أول مغامرة سياسية للأخير، في عام 2007.
ويأمل كانديه في الاستفادة من شكاوى مؤيدي حركة عدم التحالف التابعة للجيش الشعبي لتحرير أبرك، وهي جماعة منشقة داخل الحزب الحاكم السابق تشكلت بعد شراكة المجلس الوطني للانتخابات مع حزب الشعب الجديد التي تنجذب نحو ترشيحه.
مرشحون آخرون
ويتنافس مرشحين آخرين على أعلى منصب في غامبيا:
• عيسى امبي فال، الذي استقال من منصبه كمدعي عام رئيسي في لجنة الحقيقة والمصالحة للمنافسة كمرشح مستقل.
• ميسا امباي فال، الذي استقال من منصبه بوصفه المدعي العام الرئيسي في لجنة الحقيقة والمصالحة في الانتخابات الرئاسية في غامبيا.
• عبد الله إبريما جامي، رئيس الطيران السابق كمرشح مستقل.
• خليفة بابكر صلاح، عضو البرلمان عن المنظمة الديمقراطية الشعبية للاستقلال والاشتراكية.
النظام الانتخابي
يُنتخب رئيس غامبيا في جولة واحدة عن طريق التصويت لمنصب الرئيس لمدة خمس سنوات بدلاً من استخدام بطاقات الاقتراع الورقية ، تُجرى الانتخابات في غامبيا باستخدام الرخام . يتلقى كل ناخب قطعة من الرخام ويضعها في أنبوب فوق أسطوانة محكمة الغلق تتوافق مع المرشح المفضل لدى ذلك الناخب. يتم رسم طبول المرشحين المختلفين بألوان مختلفة تتوافق مع الانتماء الحزبي للمرشح ، ويتم لصق صورة المرشح على الطبل المقابل. يتمتع النظام بمزايا التكلفة المنخفضة والبساطة ، سواء لفهم كيفية التصويت أو لحساب النتائج. تم الإبلاغ عن أن هذه الطريقة بها معدل خطأ منخفض للغاية بالنسبة للأوراق الخاطئة.
أجواء الانتخابات
نشرت “مؤسسة وستمينستر للديمقراطية”، التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، عددا من خبرائها في غامبيا لمراقبة الانتخابات الرئاسية، كما أعلنت المؤسسة في بيان لها أنها بدأت في نشر بعثة من خبراء مراقبة الانتخابات في غامبيا.
كما اعتمد الاتحاد الإفريقي بعثة لمراقبة الانتخابات الرئاسية في غامبيا، استجابة لدعوة الحكومة الغامبية. وتضم هذه البعثة، التي يقودها الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق كاليما موثلانثي، 60 مراقبا انتخابيا طويلي الخبرة قادمين من 30 دولة عضو في الاتحاد.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) بعثت فريقا يقوده الرئيس السيراليوني السابق، أرنست باي كوروما، يتكون من (50) خبيرا انتخابيا من الدول الأعضاء في هذا التكتل الإقليمي، بينهم ممثلون حكوميون، وسفراء معتمدون لدى “إكواس” في أبوجا، وأعضاء في محكمة عدل “إكواس”، وممثلون عن اللجان الانتخابية للدول الأعضاء، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام.
بلغ الناخبين الذين يحق لهم التصويت قريبا من المليون (96200 ) هم عدد المسجلين الذين يحق لهم التصويت.
فتح مراكز التصويت
فتحت مراكز التصويت أبوابها عند الساعة الثامنة صباحا (بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينتش) بينما تشكلت طوابير طويلة قبل الفجر للتصويت في بانجول والمناطق المحيطة بها ، حسبما أشار صحافيون ومراقبون، وجري التصويت من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة الخامسة مساءا بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينتش ليختار الناخبون رئيس الدولة عبر وضع كرة في واحدة من العلب التي تحمل ألوان المرشحين، في عملية اعتمدت منذ فترة طويلة بسبب انتشار الأمية والجهل في المجتمعات الغامبية.
تم تمديد إغلاق مراكز التصويت ساعة كاملة في كل من بانجول، وكور، وسيرنيي، بسبب الطوابير الطويلة التي اصطفت أمام مراكز الاقتراع طيلة ساعات النهار”.
نتائج الانتخابات
تصدّر أداما بارو رئيس غامبيا المنتهية ولايته النتائج الجزئية للانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في الرابع من ديسمبر 2021 وفق ما أعلنت اللجنة الانتخابية
حيث تنافس بارو مع خمسة مرشحين آخرين، جميعهم رجال أقل بقليل من مليون صوت، لتولي رئاسة أصغر دولة في القارة الأفريقية وتعد واحدة من أفقر دول العالم، لولاية مدتها خمس سنوات.
ووفقا للنتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية، حصل بارو على نحو 53٪ من الأصوات ، متجاوزا بذلك أقرب منافسيه، المخضرم السياسي أوسينو داربو، الذي حصل على 28٪.
ردود الأفعال
• رفض مرشحوا المعارضة الغامبية نتائج الانتخابات التاريخية التي جرت يوم السبت الرابع من ديسمبر2021 في غامبيا والتي تشير إلى أن الرئيس الحالي أداما بارو قد فاز بسهولة في إعادة انتخابه، وينظر إلى تصويت يوم 4 ديسمبر على انه اختبار رئيسي للاستقرار حيث انه الاول منذ اجبار يحي جامع على المنفى بعد رفضه الاعتراف بهزيمته في 2016، وكان أول تصويت منذ اكثر من 27 عاما بدون جامع كمرشح رئاسي.
• وقال بارو امام الحشود المبتهجة بعد إعلان النتائج أن “الديمقراطية اتخذت مجراها”. “لقد كنت الشخص المحظوظ الذي اخترتموه أنتم. سأستخدم كل الموارد لجعل غامبيا مكانا أفضل للجميع”.
• قدم رئيس بعثة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس) لمراقبة الانتخابات، الرئيس السيراليوني السابق إرنست باي كوروما، التهاني للرئيس الغامبي المنتخب، أداما بارو، إثر إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات، وحثه على بذل المزيد من الجهد لرفع تحديات الاستقرار الاجتماعي، والتعافي الاقتصادي، وتعزيز الحوكمة الديمقراطية، والسلام والأمن.
• رئيس بعثة مراقبي “المعهد الانتخابي من أجل ديمقراطية مستدامة في إفريقيا”، التابع للاتحاد الإفريقي قال أن الانتخابات الغامبية جرت في أجواء سادها الهدوء والسلام عموما، وقال ماهاما “رأى المراقبون أن كل عمليات يوم الاقتراع جرت بما يتماشى والإجراءات المعمول بها على العموم”.
خاتمة
تجاوزت غامبيا اختبار الانتقال الديمقراطي في انتخابات 2021 بهدوء وسلام على الرغم من محاولات الرئيس السابق يحي جامع لزعزعة الأوضاع وخلق حالة من الاضطرابات من منفاه الاختياري، ساهم في نجاح التجربة تمسك المجتمع بالعملية الديمقراطية والاستمرار في معالجة التشوهات التي لحقت بالممارسة الديمقراطية والاختلالات التي أصابت الاقتصاد وما انعكس من ذلك على الشعب من تأثيرات تسببت في الهجرة والاحتكاكات التي من شأنها ان تعقد العلاقات الداخلية والخارجية، فهل تصمد التجربة الجديدة أمام حالة انقلاب الجيوش على الديمقراطية في غرب إفريقيا، أم تكون تجربة قصيرة الأمد تلحق بأخواتها وتعود إلى هيمنة الجيش والعسكر مرة أخرى عبر رفاق جامع.
غامبيا معلومات أساسية
• الاسم: جمهورية غامبيا (REPUBLIC OF GAMBIA)
• المساحة: 11,300 كلم2
• عدد السكان: 2,2 مليون نسمة
• نسبة نمو السكان: 1,8% على أساس سنوي
• اللغات: اللغة الانجليزية (رسمية) ، المانديقا، الولوفية والفيولا
• الأديان: 96,4% ملسمين، 3,5 % مسيحيين
• التكوين العرقي: الماندينقا/جاهانكا 33,3% ، فولاني/توكولور 18,2% ، الولوف 12,9% ، جولا11%
• الموارد الطبيعية: التيتانيوم، رمل السليكيا، القصدير ، الأسماك