محمد صالح عمر | المدير العام للمركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
يُنظر إلى الانتخابات العامة في نيجيريا-التي جرت السبت وأعلن رسميا اليوم فوز مرشح الحزب الحاكم بولا أحمد تينوبو بالسباق الرئاسي فيها-باعتبارها الأهم منذ استقلال البلاد عام 1960 ومنذ بدء التجربة الديمقراطية والتعددية السياسية فيها عام 1999.
ورغم أن كثيرين يصفون هذه الانتخابات بـ”مباراة داخل قفص مغلق” أو “مباراة النخب” وليس عامة الجماهير، فإن آخرين يعتبرونها حاسمة ومفصلية؛ حيث سينتخب النيجيريون الرئيس ونائبه ومجلس النواب ومجلس الشيوخ، الذي يتشكل من 3 ممثلين لكل ولاية من الولايات الـ36.
وبلغ عدد المسجلين في قوائم الناخبين 93 مليونا، وهو رقم قياسي، وسيدلون بأصواتهم في 176 ألفا و846 مركز اقتراع.
أكثر من 93 مليون نيجيري يحق لهم التصويت في الانتخابات التي تعد الأهم منذ استقلال البلاد (رويترز)
ما طبيعة النظام الانتخابي في نيجيريا؟
تعتمد نيجيريا نظاما متعدّد الأحزاب، ويتكوّن الجهاز التشريعي فيها من غرفتي النواب بـ360 مقعدا، ومجلس الشيوخ المكوّن من 109 أعضاء.
ويتم انتخاب رئيس الدولة على المستوى الفدرالي، في حين تنتخب الولايات حكاما لها. وتكون مدة البرلمان 4 سنوات، ويتم تنصيب الحكومة الجديدة في مايو/أيار المقبل.
وحسب القواعد المنظمة للانتخابات في نيجيريا، يتم انتخاب الرئيس من جولتين، ولكي يفوز المرشح من الجولة الأولى يجب أن يحقق أكثرية من الأصوات على مستوى البلاد، وأن يحصل على 25% منها في 24 ولاية على الأقل من 36 ولاية. وإذا لم يحقق أي من المرشحين هذه النسبة تُجرى انتخابات إعادة بعد 21 يوما من الجولة الأولى بين المرشح الأعلى أصواتا والذي يليه.
مَن أبرز المتنافسين على الرئاسة؟ وما أهم برامجهم؟
بلغ عدد المرشّحين للرئاسة 18 يمثّلون أحزابا، وخلت القائمة من المرشحين المستقلين بعد فشل محاولات تعديل الدستور ليسمح بالترشح من خارج الأحزاب السياسية. وأبرزهم 3 مرشحين.
– بولا تينوبو (70 عاما) مرشّح حزب المؤتمر التقدمي الحاكم الذي أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات اليوم فوزه بعد حصوله على 8.8 مليون صوت، عمل حاكما لولاية لاغوس (1999-2007) التي يعدّها المراقبون عنصر حسم في انتخابات 2023. ويلقّب بالعراب وصانع الملوك، ويرفع هذه السنة شعار “حان دوري”، وبالضرورة يدعمه الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري، وينتمي إلى عرقية اليوربا. وأكد تينوبو أنه الوحيد القادر على إصلاح نيجيريا، مستشهدا بسجل إنجازاته في لاغوس.
– عتيق أبو بكر (76 عاما)، مرشح حزب الشعب الديمقراطي المعارض، وخاض انتخابات الرئاسة للمرة السادسة، حصل على 6.9 مليون صوت، وهو الوحيد من شمالي نيجيريا من بين المرشحين، ويتركز برنامجه على استعادة وحدة البلاد من خلال العدالة، وبناء حكومة ديمقراطية وفعالة، وإعادة بناء اقتصاد قوي، وتطبيق النظام الفدرالي بشكل حقيقي.
– بيتر أوبي (61 عاما) وينحدر من الجنوب الشرقي، وينتمي للإيبو أو “الإقبو”، حصل على 6.1 مليون صوت، وهو أصغر المرشحين، وعمل حاكما لولاية أناميرا (2006-2014)، ويطرح نفسه مرشحا للشباب. انشق سابقا عن الحزب الحاكم، ويركّز في برنامجه على الإصلاحات السياسية والحوكمة ومعالجة انعدام الأمن والفساد، وتعزيز الحراك الاجتماعي والسياسي للمواطنين. وأعلن نيته تفكيك الحزبين الرئيسيين اللذين يحكمان نيجيريا منذ انتهاء الحكم العسكري فيها.
ما ملامح الجولة الأولى للانتخابات؟
تشرف على الانتخابات في نيجيريا المفوضية الوطنية المستقلة للانتخابات، ويترأسها محمود يعقوبو منذ 2015.
وأكدت المفوضية أن نسبة المشاركة في الجولة الأولى هي الأكبر منذ عقدين، وأن الإقبال كان كبيرا في أوساط الشباب خاصة الذين يشكلون ثلث الناخبين، ويحتاج المرشح إلى 25% من الأصوات في ثلثي الولايات النيجيرية، وعدد أكبر من الأصوات على مستوى البلاد.
وتأخّر التصويت في اليوم الأول بسبب الطوابير الطويلة وانعدام الأمن في بعض المراكز بسبب هجمات بعض المسلحين.
استمرار عملية الفرز لنتائج الانتخابات النيجيرية (رويترز)
لماذا اعتبرت انتخابات 2023 مهمة وحاسمة؟
تُجرى الانتخابات الراهنة في نيجيريا في ظروف انتقالية حرجة؛ فقد خرجت البلاد من دوامة الانقلابات إلى فضاء تداول السلطة السلمي، ولكنها تعاني أوضاعا صعبة للغاية مع أكبر كتلة سكانية في القارة (نحو 216 مليون نسمة) وثالث كتلة سكانية متوقعة على مستوى العالم في 2050. وتعتبر هذه الانتخابات مهمة وحاسمة للأسباب التالية:
– تعاني نيجيريا أزمة ديون متفاقمة بلغت 177 مليار دولار وفقا لتقارير نشرتها وكالة رويتز للأنباء، وتلتهم خدمة الديون كل مداخيل البلد، الذي يغلب عليها النفط الذي يمثل 90% من الدخل الإجمالي للبلاد، وهو ما يدفع إلى الحاجة الماسة إلى البحث عن مخرج من هذا المأزق.
– ارتفاع نسبة البطالة في السنوات الأخيرة بشكل مقلق حتى بلغت 37% في 2022، وأصبح ما نسبته 43% من الشباب النيجيري عاطلون عن العمل وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي.
– زيادة مشاركة الشباب واهتمامهم، حيث بلغ عدد الذين يصوتون لأول مرة 12.5 مليون شاب، وهي الشريحة التي تبحث عن التغيير من أجل مستقبلها.
– الركود الاقتصادي وانسداد الأفق الذي تسبب في الإحباط في ظل ارتفاع نسبة الفقر باستمرار، حيث يعيش حوالي 87 مليون نيجيري (من أصل نحو 216 مليون) بأقل من 2 دولار في اليوم حسب بيانات للبنك الدولي.
– فشل الحكومات المتعاقبة في محاربة الفساد والمحسوبية على أسس عرقية ودينية وحزبية، مما سبب سخطا واسعا لدى مختلف القطاعات حيث أظهرت الاستطلاعات أن 77% من النيجيريين غير راضين عن الأداء السياسي في البلاد عموما وفي محاربة الفساد خصوصا.
– تأتي أهمية هذه الانتخابات في منطقة تدهورت فيها الديمقراطية وتراجعت بشكل كبير في غرب أفريقيا، وشهدت انقلابات وانقلابات مضادة؛ فنجاح العرس الديمقراطي في نيجيريا مهم لها وللمنطقة وللقارة، أملا في ظهور قيادة تعيد صياغة المشهد السياسي في ظل تدهور أمني وسياسي واقتصادي، واتساع وتعمق الخلافات العرقية والدينية والإقليمية، مما سيجعل هذا العامل حاسما في مستقبل البلاد والمنطقة.