انتخابات نيجيريا 2023: سباق نحو كرسي الرئاسة بين النخب السياسية قد يحسمه الشباب النيجيري

محمد زكريا مدير الأبحاث بالمركز

 

ملخص الورقة
سوف تجري نيجيريا يوم السبت 25 فبراير 2023 انتخابات رئاسية وانتخابات الجمعية الوطنية. ستتبع الانتخابات لـ 28 من أصل 36 ولاية ومجلس نواب في الولايات يوم السبت، 11 مارس. تمثل الانتخابات النيجيرية هذه  24 عاما من الديمقراطية غير المنقطعة، وهي أطول فترة في تاريخ نيجيريا. بكل تأكيد، ستكون بمثابة نقل حاسم للسلطة؛ حيث قدّم الرئيس محمد بخاري ولايتين، وحسب الدستور غير مؤهل للحصول على فترة ولاية أخرى مدتها أربع سنوات. ستكون للانتخابات النيجيرية العامة انعكاسات قارية، وإقليمية، ووطنية.  نظرا لهذه الأهمية، تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الانتخابات النيجيرية الرئاسية لعام 2023م، مركزة، بعد المقدمة، على أربع نقاط رئيسة، وهي: معلومات عامة عن الانتخابات النيجيرية 2023م وأهميتها، وقائمة المرشحين لرئاسة نيجيريا في عام 2023م،  القضايا الشائكة التي تطفح في مياه الانتخابات الرئاسية النيجيرية، وأخيرا إجابات على تساؤلات يطرحها الناخبون والمراقبون حول الانتخابات العامة النيجيرية لعام 2023، ثم الخاتمة.

تمهيد
كانت إفريقيا على موعد مع حدث سياسي كبير وحساس في مطلع العام 2023م، ألا وهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات حكام الولايات في نيجيريا.هذه الانتخابات شبهها بعض المراقبين بمباراة في قفص بين النخبة أكثر من كونها مهرجانا للديمقراطية
[1]وفي هذه المرة، سيخوض السباق جيلان (جيل الشباب والجيل الشيوخ) ضد بعضهم البعض، بفضل التعديلات الدستورية التي أدخلت مؤخرا على النظام الانتخابي النيجيري.
وعلى هذا الأساس، سيتوجه الناخبون النيجيريون في نهاية شهر فبراير الجاري إلى صناديق الاقتراع؛ لاختيار رئيسهم المقبل وسط تزايد الاستياء في البلاد بسبب الصعوبات الاقتصادية والقضايا الأمنية. حيث شهدت فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته، محمد بخاري التي استمرت سبع سنوات، أزمات مختلفة، من التضخم المرتفع إلى الهجمات الإرهابية من قبل مسلحين ضد المدنيين الأبرياء. ولكن أنصار الرئيس محمد بخاري يرون أنه بذل قصارى جهده وأبرز إنجازاته، مثل عمله في مشاريع البنية التحتية ومحاولاته لمكافحة التطرف العنيف.
قد تكون الانتخابات النيجيرية لعام 2023م الأكثر أهمية وحسما منذ استقلال البلاد عام 1960م. فبعد ثماني سنوات التي قضاها حكم الرئيس المنتهية ولايته محمد بخاري، أصبح لدى الحكومة القادمة الفرصة لتنفيذ الإصلاحات الضرورية التي طال أمد انتظارها،
والتي إذا جرى تنفيذها على الوجه الصحيح قد تبشر بقدوم عصر من النمو الاقتصادي، والذي يتوقع أن يكون شاملا. تكمن أهمية الانتخابات هذه كونها جاءت في وقت عصيب، تمر به نيجيريا، أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان والاقتصاد.
إذْ كانت تعيش نيجيريا أزمة ديون متصاعدة، حيث تُـوَجَّـه إيراداتها السنوية تقريبا بالكامل لخدمة ديونها الوطنية التي تقرب من 200 مليار دولار. وهذا يعني ضمناً، المزيد من الاقتراض لتمويل الإنفاق الحالي. وقد بلغ معدل التضخم 21%، والذي يرجع جزئيا إلى نقص الدولارات المزمن، ويتفاقم بسبب استشراء سرقة النفط الخام، الذي يمثل أكثر من 90% من دخل نيجيريا من النقد الأجنبي. كما ارتفع معدل البطالة إلى 33%، وأصبح أكثر من نصف شباب نيجيريا عاطلين عن العمل حاليا.
السؤال الذي يطرح نفسه، يا ترى هل سيتمكن أي من المرشحين، خاصة الذين انخرطوا في الأنظمة السياسية المتعاقبة لعقود من الزمن، من تغيير مسار البلاد الحالي وتحقيق حلم الشعب النيجيري عامة والشباب خاصة؟ لذا، فمن يفوز في هذه الانتخابات لن يكون العمل سهلا بالنسبة له، ويحتاج إلى بذل جهود أكثر كي يتقلب على بعض الصعاب والعقبات.
وبناء على هذه الأهمية، تهدف هذه الورقة إلى تسليط الضوء على الانتخابات النيجيرية الرئاسية لعام 2023م، مركزة على أربع نقاط رئيسة، وهي: (1) معلومات عامة عن الانتخابات النيجيرية 2023م وأهميتها، (2) قائمة المرشحين لرئاسة نيجيريا في عام 2023م، (3) قضايا شائكة تطفح في مياه الانتخابات الرئاسية النيجيرية، (4) تساؤلات يطرحها الناخبون والمراقبون حول الانتخابات العامة النيجيرية لعام 2023، ثم الخاتمة.

1. معلومات عامة عن الانتخابات النيجيرية 2023م وأهميتها
من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية النيجيرية في يوم السبت 25 فبراير 2023م. وإذا لم يكن هناك مرشح حقق فوزا واضحا، فستجرى جولة ثانية في غضون ثلاثة أسابيع من تاريخ الانتخابات الأولى. كما ستجرى انتخابات لاختيار حكام الولايات في يوم السبت 11 مارس 2023م. في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة، هناك أصوات نادت بتأجيل الانتخابات لكن رئيس لجنة الانتخابات رفض تلك التلميحات أو التصريحات الصريحة بخصوص تأجيل الانتخابات بسبب انعدام الأمن المزعوم.

1.1. النظام الانتخابي النيجيري
حسب القواعد المنظمة للانتخابات النيجيرية،[2] يتم انتخاب رئيس نيجيريا باستخدام نظام معدّل من جولتين. ليتم انتخابه في الجولة الأولى، يجب أن يحصل المرشح على أكثرية الأصوات وأكثر من 25٪ من الأصوات في 24 ولاية على الأقل من أصل 36 ولاية. إذا لم يتجاوز أي مرشح هذه العتبة، فسيتم إجراء جولة ثانية بين المرشح الأعلى والمرشح التالي الذي حصل على أغلبية الأصوات في أكبر عدد من الولايات ، في غضون 21 يومًا.[3]

1.2. أهمية الانتخابات النيجيرية العام 2023م
تعتبر الانتخابات النيجيرية لعام 2023م من أهم الانتخابات على المستوى العالمي والقاري والإقليمي. إذْ تمثل نهاية رئاسة بخاري 24 عاما من الديمقراطية المتواصلة في نيجيريا التي انتقلت من الحكم العسكري إلى الحكم المدني في عام 1999م، وهي أطول فترة من نوعها في تجربة البلاد. وستكون هذه هي المرة الثانية أيضا خلال هذه الفترة التي يتنحّى فيها رئيس نيجيري من منصبه بهدوء وسلام ووئام بعد فترتين من حكم ديمقراطي، وفقًا لما يقتضيه الدستور.المرة الأولى كانت ممثلة بتنحّي أولوسيغون أوباسانجو في عام 2007م، كما كان خروج جودالاك جوناثان السلمي بعد فترة ولاية واحدة في عام 2015م علامة بارزة أخرى في التقدم الديمقراطي في نيجيريا. وها نحن بصدد مشاهدة حالة ثالثة والتي يمثلها الرئيس بخاري في عام 2023م.
ولكن، مع هذا التقدم الديمقراطي الهام، يشعر كثير من النيجيريين بخيبة أمل من الحكومات المتعاقبة والسياسيين، ومن الطريقة التي عملت بها الديمقراطية في نيجيريا. وفي هذا الصدد، أظهر استطلاع رأي حديث، أن 77 في المائة من النيجيريين غير راضين عن جودة السياسة في البلاد، لا سيما الفشل في كبح الفساد وتحسين سبل العيش وتحقيق الأمن.[4]
وبالتالي، في حين أن انتخابات 2023 ستكون من ناحية ما تأكيدا على الديمقراطية الانتخابية في نيجيريا، فإن العديد من الناخبين سوف ينظرون إليها أيضًا على أنها فرصة حقيقية للتغيير، مما يعزز الآمال في أن تلتزم القيادة الجديدة بإصلاح حوكمة البلاد، واستعادة أمنها الذي ما زال متدهورا، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
وتكمن أهمية انتخابات 2023 أيضا في زيادة نسبة مشاركة الشباب واهتمامهم الكبير والحماس حيال التصويت. إذْ استحوذت حملة التسجيل التي استمرت اثني عشر شهرًا على أكثر من 11 مليون ناخب جديد، 84 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عاما. الدافع الرئيس لهذا الاتجاه هو الشعور بالفاعلية السياسية التي يستمدها ملايين النيجيريين الشباب البارعين في مجال التكنولوجيا من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط. ويرى المراقبون إن هذا الشعور يأتي إلى حد كبير من احتجاجات #EndSARS ضد وحشية الشرطة في عام 2020، عندما ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تحفيز تعبئة وطنية أدت في النهاية إلى التغيير، على الرغم من أنها ربما كانت متواضعة، حيث استمرت الانتهاكات بعد أن حل بخاري الوحدة المسئولة عن الحادث.
هناك سبب آخر للاهتمام المتزايد بين الناخبين الشباب، ألا وهو الإحباط وانسداد الآفاق، لا سيما مع الركود الاقتصادي في نيجيريا، الذي دفع نحو ثمانية ملايين شخص تحت خط الفقر بين عامي 2020 و 2021م، مع انضمام خمسة ملايين آخرين إلى صفوفهم بين يناير وسبتمبر، وفقًا لتقديرات البنك الدولي. بدلاً من التوسع الاقتصادي المتوقع خلال فترة ولاية بخاري؛ إلا أن فرص العمل للشباب تضاءلت، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية بأسرع معدل منذ سبعة عشر عامًا. وأفاد المكتب الوطني للإحصاء أن 63 في المائة من السكان البالغ عددهم 210 مليون نسمة يعيشون الآن “فقراء متعددي الأبعاد”.[5] فهذه الانتخابات يراها الشباب فرصة حقيقية للتغيير، والتعبير عن غضبهم وإبراز دورهم كقوة انتخابية فاعلة لا يمكن أن يستهان بها.

2. قائمة المرشحين لرئاسة نيجيريا في عام 2023م
قبيل الانتخابات، كانت هناك محاولات لتعديل الدستور من أجل السماح بالترشح المستقل، أيْ السماح للسياسيين بالترشح لمنصب دون الانتماء إلى حزب سياسي أو رعايته؛ لكن المحاولة لم تنجح، مما يعني أن كل مرشح يجب أن يكونون عضوا في أحد الأحزاب السياسية المسجلة والتي بلع عددها نحو الثمانية عشر (18) حزبا سياسيا.  الجدول (1) يحتوي على أسماء المرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية والأحزاب التي ينتمون إليها، بعد حصولهم على الموافقة من قبلINEC .

جدول 1: قائمة المشرحين لمنصب الرئاسة في انتخابات نيجيريا 2023م

معرفة خلفيات المرشحين الثمانية عشر الذين وردت أسماؤهم في القائمة في الجدول (1) تمنحنا فكرة عامة عن المشهد السياسي النيجيري والتحديات والافتراضات المختلفة حول السياسة الوطنية. فمن بين 18 مرشحًا لمنصب الرئاسة، كلهم ذكور ما عدى امرأة واحدة فقط، وهي  الأميرة أوجي من حركة الحلفاء الشعبية (APM).
كما أن هناك ميل واضح للعمر تجاه المرشحين؛ حيث يحظى المرشحون الأكبر سنا بفرص قد تكون أكثر من غيرهم. لقد كان الحد الأدنى سابقا لسن الترشيح للانتخابات الرئاسية هو 40 عاما؛ ولكن تم تخفيضه الآن إلى 35 عاما. وبهذا، يعتبر كريس إينومولين من حزب التوافق هو أصغر مرشح في السباق الرئاسي، يبلغ من العمر 38 عامًا. وهو أيضًا المرشح الوحيد الذي استفاد من تعديل قانون تحديد العمر بـ 40 عاما، وإلا لاستبعد ملفه منذ الفحص الأولي بموجب القانون التشريعي القديم.
ومن المثير للاهتمام، أن ثلاثة عشر مرشحا يعتبرون أصغر من سن تقاعد الخدمة المدنية النيجيرية البالغ 65 عامًا،  بدءًا من كريس إينومولين 38 عاما إلى دان نوانيانو من حزب العمال زينيث وهو يبلغ 62 عامًا. أما الأكبر سنا في قائمة المرشحين هما مرشحان من الأحزاب الأكثر رسوخًا ووزنا في نيجيريا، هما: بولا تينوبو في سن السبعين وأتيكو أبو بكر من حزب الشعب الديمقراطي في سن الخامسة والسبعين.
فيما يتعلق بالمؤهلات التعليمية، هناك خمسة (5) مرشحين حاصلين على شهادات مدرسية، وسبعة (7) حاصلين على درجات البكالوريوس، وخمسة (5) حاصلين على درجة الماجستير. أما رابيو كوانكواسو من حزب الشعب النيجيري الجديد هو المرشح الوحيد الذي حصل على درجة الدكتوراه من بين المرشحين في هذه الانتخابات.هذه المعطيات تعتبر مؤشرات لفهم خلفيات المرشحين لكنها غير حاسمة بشكل دقيق في التعرف على اتجاهات الانتخابات الرئاسية النيجيرية وسيرها؛ فضلا عن معرفة المرشحين الأكثر حظا وتأثيرا في المشهد السياسي النيجيري.
على الرغم  من كثرة المترشحين لرئاسة نيجيريا 2023م، فضلا عن شعبيتهم في أقاليمهم الذي ينحدرون منها وثقلهم في داخل أحزابهم؛ إلا أن تطورات المشهد السياسي النيجيري مؤخرا، حسب البي بي سي[6]إن المنافسة الشرسة ستكون بين ثلاثة أحزاب رئيسة، ولكن الأكاديمي النيجيري، حكيم نجم الدين،[7] يضيف مرشحا رابعا،وعلى هذا الأساس سوف تكون المنافسة القوية بين أربعة أحزاب، وهي: الحزب الديمقراطي الشعبي، و حزب الشعب النيجيري الجديد، و مؤتمر كل التقدميين،. وذلك لسعة قاعدة شعبيتهم، وهياكل أحزابهم وإمكاناتهم المالية، إلى جانب برامجهم السياسية المعروضة.[8]

2.1. أبرز المرشحين لرئاسة نيجيريا 2023م وخلفياتهم
لقد خاض المرشحون الثمانية عشر سابقي الذكر حملاتهم الانتخابية بشراسة، وذلك استعدادا لدخول حلبة الانتخابات الرئاسية لعام 2023م، وللفوز بالمنصب الأعلى في البلاد. ولكن، حسب التقديرات المشار إليها آنفا، يبدو أن من بين المرشحين الثمانية عشر أربعة فقط فرصهم بالفوز كبيرة، وهم: بولا أحمد تينوبو (مؤتمر كل التقدميين)، وأتيكو أبوبكر (الحزب الديمقراطي الشعبي)، وبيتر غريغوري أوبي (حزب العمال)، ورابيو موسى كوانكواسو (حزب الشعب النيجيري الجديد). فيما يلي، نبذة مختصرة لكل مرشح، وقاعدته الشعبية التي ينطلق منها:
1. بولا أحمد تينوبو: ترشح بولا أحمد تينوبو (70 عاما)عن حزب المؤتمر التقدمي الحاكم. ويُعرف بأنه الأب الروحي السياسي في المنطقة الجنوبية الغربية، من إثنية الـ”يوروبا”. ويتمتع تينوبو بقدر كبير من النفوذ؛ لكن شبهات الفساد على مر السنين، وسوء حالته الصحية ما زالت تلاحقه رغم نفيه المتكرر عن ما نسب إليه. ورفع تينوبو (أو حزبه) في حملته شعار “Emi Lokan”، الذي يعني بلغة اليوروبا “حان دوري لأكون رئيسا” كي يُظهر إحساسا بالاستحقاق الرئاسي.
2. أتيكو أبو بكر: ترشح أتيكو أبوبكر (76 عاما)عن حزب الشعب الديمقراطي المعارض الرئيسي. لقد ترشح للرئاسة خمس مرات من قبل – خسرها كلها. كان معظم حياته المهنية في أروقة السلطة، حيث عمل كموظف مدني كبير ونائب رئيس في عهد أولوسيغون أوباسانجو ورجل أعمال بارز. تمامًا مثل تينوبو، تم اتهامه بالفساد والمحسوبية، وهو ما يزال ينفيه باستمرار. ينحدر أتيكو من الشمال، من إثنية الفلاني.
3. بيتر غريغوري أوبي: ينحدر بيتر أوبي (61 عاما) من إثنية الـ “إيبو” في الجنوب الشرقي للبلاد، ويأمل في تفكيك نظام الحزبين الذي سيطر على نيجيريا منذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999م، ويترشح لعضوية حزب العمال غير المعروف أو منخفض الشهرة. على الرغم من أنه كان في حزب PDP حتى العام الماضي، إلا أنه يُنظر إليه على أنه وجه جديد نسبيا، ويتمتع بدعم قوي من قبل الشباب النيجيري، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي. شغل أوبي، رجل الأعمال الثري، منصب حاكم ولاية أنامبرا الجنوبية الشرقية من عام 2006م إلى عام 2014م. ويقول مؤيدوه، المعروفون باسم “Obedient”، إنه المرشح الوحيد الذي يتمتع بالنزاهة؛ لكن منتقديه يرون أن التصويت لصالح أوبي يضيع كما هو من غير المرجح أن يفوز على الإطلاق.
4. رابيو موسى كوانكواسو: ينحدر رابيو كوانكواسو (66 عاما) من إثنية الهوسا، وهو الحاكم السابق لولاية كانو الشمالية الغربية؛ حيث قدم التعليم المجاني للسكان المحليين خلال فترتي ولايته، وحاليا مرشح رئاسي لـ “حزب الشعب النيجيري الجديد”.كان كوانكواسو عضوًا في مجلس الشيوخ بين عامي 2015 و 2019م، وشغل منصب وزير الدفاع في الفترة من 2003 إلى 2007. في السابق، كان ينشط في أكبر حزبين في نيجيريا، هما PDP و APC قبل انضمامه إلى حزب الشعب النيجيري الجديد(NNPP)مؤخرا. تعهد كوانكواسو بمعالجة الأزمات الأمنية المختلفة في البلاد من خلال تجنيد 750 ألف جندي إضافي، ورفع حجم الجيش إلى مليون عنصر.هذه هي المرة الثالثة التي يخوض فيها السباق للبحث عن أعلى منصب في البلاد، بعد ما فشلت محاولتيه الأوليتان في الانتخابات التمهيدية للحزب.

من خلال ما سبق، يتضح جليا أن الجهوية والإثنية، إلى جانب العوامل الأخرى، لهما تأثير كبير في رئاسيات نيجيريا 2023 خاصة. حيث نرى أن أبرز المرشحين الأربعة ينحدرون من أقاليم جهوية لنيجيريا، وأيضا ينحدرون من أكبر مجموعات إثنية في نيجيريا، وهي: الهوسا، والفولاني، واليوروبا، والإيبو.
ومع ذلك، إن صاحب الكفة الأرجح للفوز في هذه الانتخابات يصعب التنبؤ به ؛ ولكن حسب المعطيات المتاحة، يمكن توقع مرشحا من أحد الحزبين الرئيسيين قد يفوز بكرسي الرئاسة، هما: المرشح أتيكو أبوبكر أو المرشح بولا أحمد تينوبو،مع أن أنصار السيد أوبي يأملون أن يحقق مرشحهم مفاجأة كبيرة إذا تمكنوا من حشد أصوات الشباب الكبيرة لدعمه. يعني الرهان على الشباب كبير في هذه الانتخابات.

3. قضايا شائكة تطفح في مياه الانتخابات الرئاسية النيجيرية
يعد الحد من انعدام الأمن أحد الاهتمامات الرئيسة للناخبين، خاصة في بلد يعاني حاليا من أزمة خطف مقابل فدية، ويقاتل تمردا إسلاميا متشددا في أجزاء من الشمال.إذْ تعتبر هاتين القضيتين من أكثر القضايا إثارة وجدلا أوساط الناخبين، خاصة الصدمة التي حصلت في العام الماضي عند إطلاق نار جماعي على كنيسة كاثوليكية في أووا، واقتحام مسلحين لقطار ركاب قٌتل فيه عشرات الأشخاص  وخُطف بعضهم، إلى جانب أعمال العنف الأخرى التي ارتكبت في البلاد. لكن الرئيس بخاري، ما زال يؤكد على أنه أوفى بوعده “بالتصدي للإرهاب بشكل مباشر وشجاع”؛ لكن العديد من النيجيريين يشعرون أن البلاد لا تزال غير آمنة كما ينبغي.
الملف الآخر الذي يقلق الناخبين هو موضوع الاقتصاد. في عام 2022م، ارتفع التضخم في نيجيريا لمدة 10 أشهر متتالية، وانخفض فقط إلى 21.3٪ وفقا لآخر الأرقام الصادرة هذا الشهر. تسببت ارتفاع تكاليف المعيشة في معاناة العديد من العائلات من أجل تغطية نفقاتها؛ حيث وصفت وسائل الإعلام المحلية الوضع بأنه “مريع للغاية”. التضخم تلقائيا يسهم في ارتفاع معدلات البطالة غالبا، وهو ما حصل في نيجيريا وأصبح مشكلة اجتماعية كبيرة،الأمر الذي جعل العديد من الخريجين يخشون عدم العثور على عمل حتى بعد سنوات من الدراسة الجامعية. وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء في البلاد أن 33٪ من السكان القادرين على العمل والمؤهلين عاطلين عن العمل؛ حيث قفزت النسبة إلى 42.5٪ للبالغين الأصغر سنا وأقل خبرة.
هذه المشكلات الاقتصادية والأمنية أسهمت بشكل أو بآخر في توسيع رقعة الفقر في البلاد رغم أنها تعتبر منتجا رئيسيا للنفط. وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن أربعة أشخاص من كل عشرة يعيشون تحت خط الفقر و”يفتقرون إلى التعليم والوصول إلى البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء ومياه الشرب الصحية والآمنة، والصرف الصحي المحسن”.
لم يغفل المرشحون عن هذه الأوضاع ولم تغب عنهم؛ بل وظف العديد منهم هذه القضايا في حملاتهم الانتخابية، وجعلوه ضمن المحاور الرئيسة. ولكن هذه المشكلات برزت منذ وقت مبكر، ,أصبحت تتصاعد منذ عدة سنوات، مما يترك بعض النيجيريين متشككين بشأن ما إذا كان الفائز في الانتخابات سيكون قادرًا بالفعل على إصلاحها. على الرغم من العدد الكبير للناخبين المسجلين – 93.5 مليون – لا تزال هناك مخاوف بشأن اللامبالاة وعدد الأشخاص الذين سيظهرون بالفعل في يوم الانتخابات للإدلاء بأصواتهم.

4. تساؤلات يطرحها الناخبون والمراقبون حول الانتخابات العامة النيجيرية لعام 2023
الناخب النيجيري مثله مثل أي ناخب آخر في أي مكان، حيث يعبر عن غضبه عن بعض الملفات التي لم تدار كما ينبغي، ويرتقب موعد الانتخابات القادم ليعبر عن رأيه بأفعال عبر صناديق الاقتراع ليمنح الفرصة لمن يراه أكثر جدارة بإدارة البلاد. لكنه في الوقت ذاته يطرح أسئلة وتساؤلات عديدة في كيفية تنظيم الانتخابات وإدارتها، وعن مدى نزاهتها ومستوى الحرية المتاح فيها. فيما يلي بعض أهم الأسئلة التي طرحها الناخب النيجيري والمراقبون:

4.1. هل سيكون التصويت نزيها وحرا؟
في الانتخابات السابقة في نيجيريا، كانت هناك تقارير وثقتها جهات مستقلة عن سياسيين قاموا بتزوير الانتخابات، إما عن طريق التسبب في أعمال عنف لإبعاد الناخبين أو خطف صناديق الاقتراع وحشوها.لكن اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (INEC) تقول إن استخدام التكنولوجيا الجديدة سيساعد في ضمان أمان الاقتراع وعدم تشويهه بالتزوير أو الغش.كما كانت هناك حالات قام فيها سياسيون بدفع أموال للناخبين الفقراء لدعمهم، حتى في مراكز الاقتراع.لكن التغيير الأخير في أوراق النيرة أحدث أزمة نقدية، الأمر الذي سيجعل شراء الأصوات أمرا صعبا، كما اعتقل رجال الأمن المشتبه بهم الذين يقدمون أو يتلقون المال يبث الرعب في نفوس من يفكرون في التزوير.

وقالت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة إنه من غير القانوني أن يأخذ الناخبون هواتفهم إلى مقصورات الاقتراع والتقاط صور لأوراق الاقتراع الخاصة بهم، حيث يطلب هذا الدليل عادة من قبل مشتري التصويت.

4.2. ما هي الانتخابات الأخرى التي سوف تجري في نيجيريا؟
بالإضافة إلى التصويت الرئاسي، سيختار النيجيريون أيضا ممثليهم في البرلمان (الجمعية الوطنية).هناك 469 مشرعًا منهم 109 أعضاء في مجلس الشيوخ و 360 عضوًا في مجلس النواب.وبعد أسبوعين، أيْ في 11 مارس 2023م، ستجرى انتخابات برلمانية لاختيار حكام 28 ولاية من أصل 36 ولاية في نيجيريا.

4.3. متى سيتم الإعلان عن نتائج الانتخابات؟
لم يحدد موعد الإعلان عن نتائج الانتخابات بشكل رسمي؛ لكن حسب الانتخابات الرئاسيتين الأخيرتين، عُرف الفائز في اليوم الثالث بعد يوم التصويت. وحسب الإجراءات الطبيعية، سيتم احتساب الأصوات بمجرد انتهاء التصويت يوم السبت 25 فبراير 2023م في كل مركز انتخابات في جميع الولايات،ثم يرسل كل مركز نتائجه إلى اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة (INEC) في العاصمة أبوجا؛ لجمع جميع الأصوات وإعلان النتائج الموحدة.طبعا، هذه عملية تبدو طويلة نظرا لعشرات الآلاف من وحدات الاقتراع في جميع أنحاء البلاد التي سوف تجمع جميع نتائجها وإعادة فحصها في العاصمة.

قد تُسَرَّع العملية الحسابية هذا العام، نظرا لبعض التطورات التي أدخلتها اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة، ولكن يجب على المشرفين المعينين من قبل اللجنة الانتخابية الوطنية في 36 ولاية السفر إلى أبوجا حاملين معهم النسخ الورقية معهم لقراءتها بصوت عال، ثم يعلن رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة عن الفائز، أو يقرر أن هناك حاجة إلى جولة ثانية.

5. الخلاصة
تجري نيجيريا يوم السبت 25 فبراير 2023 انتخابات رئاسية وانتخابات الجمعية الوطنية. ستتبع الانتخابات لـ 28 من أصل 36 ولاية ومجلس نواب في الولايات يوم السبت، 11 مارس. تمثل الانتخابات النيجيرية هذه  24 عاما من الديمقراطية غير المنقطعة، وهي أطول فترة في تاريخ نيجيريا. بكل تأكيد، ستكونون بمثابة نقل حاسم للسلطة؛ حيث قدّم الرئيس محمد بخاري ولايتين، وحسب الدستور غير مؤهل للحصول على فترة ولاية أخرى مدتها أربع سنوات. ستكون للانتخابات النيجيرية العامة انعكاسات قارية، وإقليمية، ووطنية يمكن تلخيصها في التالي:

– انعكاسات الانتخابات النيجيرية 2023مالقارية: ستشكل الانتخابات الناجحة في نيجيريا مثالًا إيجابيًا للقارة الإفريقية، نظرًا لأنها ستكون أول وأكبر انتخابات إفريقية في عام 2023م، وفي ظل التوترات السياسية والصراعات العسكرية التي تمر بها كثير من دول القارة، فضلا عن التحولات الجيوسياسية في ظل التنافس الدولي وصراع القوى الإمبريالية على مناطق النفوذ. فنجاح انتخابات نيجيريا ينعكس إيجابا على القارة برمتها، ويظل نموذجا حيا يضرب به المثل ويحتذى به.
– انعكاسات الانتخابات النيجيرية 2023م الإقليمية: يمكن أن توفر الانتخابات الناجحة داخل نيجيريا نموذجًا انتخابيًا إيجابيًا في منطقة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). فمنذ عام 2020م، واجهت منطقة غرب إفريقيا تراجعا ديمقراطيا كبيرا؛ حيث أطاحت الطغمات العسكرية بحكومات الإيكواس في مالي وغينيا وبوركينا فاسو. فيمكن لانتخابات ناجحة في نيجيريا مواجهة التصورات السلبية للحكم داخل المنطقة. عدم ترشح الرئيس بخاري المنتهية صلاحيته، واحترامه للدستور ليس مؤشرا على نضوج الديمقراطية النيجيرية فحسب؛ بل يعتبر مهددا رئيسا للرئيس السنغالي ما كي سال الذي ما زال مترددا بين التنحي أو تغيير الدستور للسماح له بالترشح بولاية ثالثة. فنجاح انتقال السلطة سلميا في نيجيريا في هذا التوقيت يضع الديمقراطية السنغالية في اختبار صعب ضمن امتحانات الديمقراطية ونزعات الحكام السلطوية في غرب إفريقيا خاصة، وإفريقيا على وجه العموم.
– انعكاسات الانتخابات النيجيرية 2023م الوطنية: تتمثل انعكاسات الانتخابات النيجيرية على المستوى الوطني في عدة نقاط، منها بروز دور الشباب وفاعليته غير المسبوقة في الشأن الانتخابي ورغبته الصارمة في وضع بصمته في السياسة الوطنية. على الرغم من هيمنة كبار السن والمخضرمين السياسيين النيجيريين أمثال أتيكو ورابيو وتينوبو؛ فضلا عن شراسة المنافسة، إلا أن للشباب النيجيري دور لا يستهان به في حسمها. وبالنظر إلى المدى الطويل، سيتوقف استقرار نيجيريا وازدهارها على ما إذا كان بإمكان صانعي القرار السياسي وجيل الشباب تسخير طاقاتهم ومظالمهم وترجمتها إلى قوة سياسية في هذه الانتخابات والمستقبلية. ولكن حتى ذلك الحين، ستظل الشبكات الكليبتوقراطية مسيطرة على أكثر دول إفريقيا. فوز تينوبو أو أتيكو،كنتيجة متوقعة، من شأنه أن يديم الانفصال بين الأقوياء والضعفاء. ولكن في حال فوز أوبي الذي يبدو بعيدا نسبيا، سيشير إلى أن البروز السياسي  لجيل الشباب آخذ في الارتفاع، مما قد يقود نيجيريا نحو نقطة انعطاف تشتد الحاجة إليها في ظل تعدد الأزمات وتفاقم الانفلات الأمني.

المصادر


[1] Matthew T. Page,The Two Voting Blocs That Could Transform Nigerian Politics:The Two Voting Blocs That Could Transform Nigerian Politics - Carnegie Endowment for International Peace
[2]The Nigerian Electoral System:  The Nigerian Electoral System | Electoral Systems and Processes (nigerianscholars.com)
[3] المرجع نفسه
[4]Countdown Begins to Nigeria’s Crucial 2023 Elections: https://reliefweb.int/report/nigeria/qa-countdown-begins-nigerias-crucial-2023-elections?gclid=EAIaIQobChMI-q_-0v6g_QIVRvV3Ch3aLwqCEAAYAiAAEgIdGPD_BwE
[5] المصدر نفسه
[6]Nigeria elections 2023: What you need to know, BBC:Nigeria elections 2023: What you need to know - BBC News
[7]نحم الدين، حكيم: رئاسيات 2023م النيجيرية (1): مَن هم المترشحون؟ وهل حان دور العرّاب السياسي "بولا تينوبو" للرئاسة؟، قراءات إفريقية على الرابط التالي: 
[8] المصدر نفسه
Exit mobile version