انقلاب بوركينا فاسو.. الدوافع والمواقف الدولية والإقليمية

محمد زكريا فضل ـــ مدير الأبحاث بالمركز

في 30 سبتمبر 2022م، أطاح ضباط عسكريون بحكومة بول-هنري داميبا التي انقلبت هي الأخرى على الحكومة المدنية المنتخبة بقيادة روك كابوري في يناير المنصرم بحجة فشلها في وقف هجمات الحركات الجهادية المسلحة  وحماية الشعب وخاصة القرويون. وبنفس الطريقة وفي المكان الذي أعلن منه الانقلابي الأول تقريبا، أعلن الكابتين إبراهيم تراوري، وهو أحد الضابط بالجيش، عبر التلفزيون الوطني أنه أطاح بالزعيم العسكري داميبا. وأكدّ تراوري على أنه قام بهذه الخطوة نتيجة عدم قدرة داميبا على التعامل مع الهجمات الإرهابية التي تعاني منها البلاد منذ فترة طويلة، وهو السبب الرئيس للإطاحة بحكومة داميبا.
وأردف قائلا: “في مواجهة الوضع المتدهور، حاولنا عدة مرات إقناع داميبا بإعادة تركيز المرحلة الانتقالية على المسألة الأمنية؛ لكنه أقنعنا بتصرفاته منذ توليه السلطة أن طموحاته تحولت بعيدا عما شرعنا في القيام به سابقا، واليوم قررنا إبعاده عن السلطة”. وعلى إثر هذا، اتخذ القائد الجديد، تراوري، إجراءات عديدة منها: إغلاق الحدود البوركينابية إلى أجل غير مسمى، وتعليق جميع الأنشطة السياسية للبلاد، وحظر تجول من الساعة 21:00 حتى الساعة 05:00. [1]
ثم لاحقا صرّح برغبته في إعادة النظر في علاقات بلاده الخارجية، خاصة مع فرنسا. وعلى الرغم من حلّ الكابتن إبراهيم تراوري دستور البلاد تقريبا؛ فإنه فقد أبدى تراوري أيضا رغبته الصارمة في رسم خريطة سياسية جديدة لإخراج البلاد من الأزمة الدستورية التي تعيشها.[2] هذا الحدث وملابساته، قوبل بردود فعل متباينة من قبل مؤسسات المجتمع الدولي والإقليمي، وتسبب في طرح العديد من الأسئلة. وبناء عليه، تحاول هذه الورقة الإجابة على بعض منها، وهي: من هو هذا العسكري الجديد الذي يتمتع بصلاحيات واسعة النطاق وقبول شعبي كبير، ما هي مآخذ الضباط الانقلابيين على داميبا، وما ردّ داميبا على هذه الاتهامات والمآخذ، ومن يقف وراء هذا الانقلاب، فرنسا أم روسيا، وما هي ردود فعل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية، ثم الخاتمة.

من هو إبراهيم تراوري؟
إبراهيم تراوري من مواليد عام 1988م، ضابط عسكري بوركينابي مسلم، وهو ثالث رئيس مسلم يحكم البلاد بعد سانغو ليه لا ميزانا Sangoulé Lamizana (1966م-1980م)، وساي ذربو Saye Zerbo (25 نوفمبر 1980م حتى 7 نوفمبر 1982م) لكنه تنصّر في نهابة المطاف، وثلاثتهم وصلوا إلى سدّت الحكم عن طريق انقلابات عسكرية. كان إبراهيم تراوري قائد فيلق فوج مدفعية كايا في شمال بوركينا فاسو، وبعد سقوط الكولونيل بول هنري داميبا تولى منصب رئيس الحركة الوطنية من أجل الحفاظ على الجمهورية. التحق إبراهيم تراوري بجامعة واغادوغو في العام 2006م، ودرس الجيولوجيا وتخرج بتقدير ممتاز. في 2010م، قرر الالتحاق بالأكاديمية العسكرية التي تُدعى جورج نامونو والمتخصصة في تدريب عسكريين من فئة الكوماندوس.
وبعد سنتين من التكوين في الأكاديمية العسكرية، أُرْسِل إلى فوج المدفعية المتواجدة في منطقة كايا شمال بوركينا فاسو وذلك في عام 2014م؛ ليحصل هناك على رتبة ملازم، ثم رتبة كابتن في 2020م، ثم عُيّنَ في شهر مارس العام نفسه قائداً للفوج العاشر للمدفعية العسكرية في منطقة كايا من قبل الكولونيل بول هنري داميبا، الذي نُحّيَ عن السلطة رسميا يوم الأحد الثاني من شهر أكتوبر الجاري من رئاسة المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ مطلع العام 2022م.
يبلغ إبراهيم تراوري من العمر 34 عاماً، وكان من بين الضباط الذين شاركوا في إزاحة رئيس بوركينا فاسو السابق روك مارك كرستيان كابوري من السلطة في يناير 2022م. فيما تعهد أيضا بمحاربة الجماعات الإرهابية التي تنشط في البلاد وفي منطقة الساحل.

مآخذ الضباط الانقلابيون على داميبا
ما أشبه الليلة بالبارحة .. هكذا أصبح هذا المثل ينطبق على حكومة الملازم أول بول هنري سانداوغو داميبا الذي جُرّد بين عشية وضحاها عن منصبه، وفقد السلطة في ظروف مشابهة لطريقة توليه السلطة نفسُه في يناير مطلع العام الجاري. قادةِ الانقلابَ “الحركةُ الوطنيةُ للحمايةِ والاستعادةِ” (MPSR)، بزعامة الكابتن إبراهيم تراوري الذي يصغر داميبا بسنة ميلادية تقريباً، مُتّهما إياه بخيانة الهدف الأسمى المتمثل في استعادة الأمن والسلامة لأراضي فاسو، إلى جانب مآخذ أخرى ذكرها بابا أتو دياو للبي بي سي، قسم إفريقيا. وهي:
1.تدهور الوضع الأمني: يعتبر موضوع التدهور الوضع الأمني أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الانقلاب ضد الرئيس روش مارك كريستيان كابوري؛ حيث بررت الحركة الوطنية للحماية والاستعادة بزعامة الملازم أول بول هنري سانداوغو داميبا الاستيلاء على السلطة بسبب تدهور الوضع الأمني وعدم قدرة كابوري على صدّ الجماعات الإرهابية التي تستهدف بوركينا فاسو بشكل متكرر. ورغم وعود داميبا العديدة، فإن الجماعات المسلحة ما زالت تشن هجمات على المدنيين وقوات الأمن، وازداد نسبة الأراضي التي تسيطر عليها تلك الجماعات، وأن شعب فاسو الشجاع عانى بما فيه الكفاية ولا يزال يعاني، على حد قول المجلس الانقلابي الجديد.
2.إهمال الخطة العسكرية المقترحة من الجيش: حسب أعضاء الحركة الوطنية للحماية والاستعادة بقيادة الكابتن إبراهيم ترواري، إنّ داميبا لم يمتثل برنامج إعادة تنظيم الجيش الذي وضعوه “بطريقة منسقة” والذي من شأنه “تمكين الوحدات المقاتلة من شن هجمات مضادة” مضيفين أن “العقيد داميبا الذي رفض الخطة المعنية ومضى قُدما في التعاون العسكري الذي سبب فشل نظام الرئيس روك مارك كريستيان كابوري”.
3.طموحات سياسية جديدة واستعادة الممارسات القديمة: واستنكر الكابتن إبراهيم تراوري في بيانه تحويل داميبا قضية تدهور الوضع الأمني ​​الذي برر عملهم إلى مسألة ثانوية لصالح مغامرات سياسية مؤسفة، مؤكدا على أنهم قد أقنعتهم تصرفات المقدم داميبا أنّ طموحاته تنحرف بشكل كبير عن المثل الأعلى لديهم، ومشيرا إلى أن تفاقم البيروقراطية الإدارية التي ميزت النظام المخلوع خلال الفترة الانتقالية أضرّ بالعمليات الاستراتيجية.
4.تهديد استقلال القضاء: أكّد المجلس العسكري الجديد على أنهم شاهدوا استعادة نظام قديم بأفعال تهدد استقلال القضاء وتشكل سابقة خطيرة. مستدلين بعودة الرئيس السابق بليز كومباوري، الذي سبق وحُكِمَ عليه بالسجن مدى الحياة في قضية التواطؤ في اغتيال سلفه توماس سانكارا في عام 1987م. حيث دعا دامبيا رئيس الدولة الأسبق، إلى العودة إلى بلده بعد هروبه جراء انتفاضة شعبية، ثم عاد إلى كوت ديفوار في إفلات تام من المساءلة القضائية. ولكن الرئاسة (في عهد داميبا) حاولت حينها طمأنة الرأي العام قائلة “إن العملية لا تمت لتكريس الإفلات من العقاب”، ودعت إلى “جعل مصالح الأمة فوق كل الاعتبارات السياسية”.

كيف ردّ داميبا على هذه الاتهامات والمآخذ؟
في بداية الأمر، لم يكترث بول هنري سانداوغو داميبا كثيرا لهذه الاتهامات، ولم يُعِرْها انتباها كبيرا؛ حتى في يوم الجمعة وليلتها عندما بدت بوادر الانقلاب تظهر، وسُمع إطلاق نار في مناطق مختلفة من واغادوغو، فقط دعا بيان رئاسي الشعب إلى الحفاظ على الهدوء، وأنه لم يحصل شيء ذو بال. وجاء في البيان أن إطلاق النار كان نتيجة للتغييرات التي طرأت على ساحات بعض العسكريين.
بل وحتى في بيان الاستقالة الذي تلاه يوم 2 أكتوبر بعد الوساطات التي قامت بها زعامات دينية ومنظمة غرب الإفريقية (الإيكواس)، لم يُجِبْ داميبا بشكل مفصل ويرد على المآخذ والتهم التي وجهت إليه بقدر ما كان مركزا على حصوله على ضمانات تنجيه من الملاحقة القضائية والمساءلة القانونية، وضمان أمن وسلامة أفراد عائلته والطاقم الذي يعمل معه. وبعد حصوله الموافقة على عدم إلحاق الأذى به أو محاكمته، طلب داميبا أيضًا من تراوري وقيادة المجلس العسكري الجديد احترام الالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل، للكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا (إيكواس).

من يقف وراء هذا الانقلاب، فرنسا أم روسيا؟
على الرغم من عدم تبادل التهم بين المجلسين العسكريين الانقلابيين القديم (بقيادة داميبا) والجديد (بقيادة تراوري) بالعمالة لدولة خارجية صراحةً؛ إلا أن سرديات الصراع وتسلسل أحداثه تشير إلى وجود ملامح لصراع دول كبرى داخل المعسكرين، على سبيل المثال اتهام تراوري لفرنسا بإيوائها الملازم أول بول هنري داميبا في سفارتها، واقتحام القنصلية الفرنسية وحرق بعض المراكز الفرنسية، ورفع الأعلام الروسية، وتحذير أمريكا للمجلس العسكري بعدم التعامل مع روسيا خاصة فاغنر بعد أن أبدى مؤسس الشركة دعمه للعملية الانقلابية في بوركينا فاسو[3]، كل هذه الأحداث تدل على وجود صراع دولي وأيدٍ خفية في أزمة بوركينا فاسو.
وبخصوص العلاقة بين فرنسا وبوركينا فاسو، فكانت إجابة العقيد إبراهيم تراوري لسؤال صحفي إذاعة فرنسا الدولية حمّال أوْجُهٍ؛ إذْ قال: “بوركينا فاسو تتعامل مع فرنسا ومع شركاء آخرين. على غرار روسيا التي يربطنا معها عقد عسكري. نحن نستخدم كثيرا العتاد العسكري الروسي”.
وفي سؤال آخر وُجّهَ إليه سؤال يدور حول هذا المضمار، “هل تنوون الحفاظ على الشراكة مع فرنسا؟” أجاب قائلاً: “بما أن هناك عَلماً فرنسيًّا يرفع في بلادنا، فهذا يعني بأننا تجمعنا علاقة شراكة معها؛ لكن في الوقت نفسه يجب مراجعتها (يقصد العلاقة مع فرنسا)، لأن هناك بعض الأشياء التي يجب تعزيزها وتحسينها، وأخرى يجب ربما التخلي عنها”.
نتيجة لذلك انقسم المحللون، منهم من يرى أنّه ردّت فعل طبيعية لفشل المجلس العسكري والنخب السياسية في البلاد وعجزهم عن تلبية مطالب الشعب وتوفير الأمن اللازم، ومع ذلك فرنسا مستميتة في دعمهم والوقوف معهم؛ فضلا عن ارتفاع موجة الامتعاض عن الوجود الفرنسي في منطقة الساحل. فطبيعي جدا أن تكون ردة الفعل على هذا المستوى. بينما يرى آخرون أنّ لروسيا يدٌ طولى في هذا الانقلاب، وهي الداعم الرئيس للكابتن إبراهيم تراوري ورفاقه لتنفيذ ها الانقلاب ممهدة لتوغلها أكثر في بوركينا فاسو ضمن استراتيجيتها في تضييق الطوق على الوجود الفرنسي في غرب إفريقيا وتُوسّع مناطق نفوذها في المنطقة وإفريقيا برمتها.
وفي هذا السياق، يُحْمَلُ التحذير الأمريكي للمجلس الانقلابي البوريكنابي الجديد بعدم تعامله مع روسيا وشركتها الأمنية شبه العسكرية، فاغنر، مؤكدين على أنه في حالة اتخاذ هذا المنحى سيدفع الشعب تكلفة هذا القرار ضاربين الأمثلة بمالي وبعض الدول الإفريقية الأخرى التي تعاملت مع روسيا بهذا الخصوص.  في واقع الأمر، ما زال الوقت مبكرا للحكم على توجه المجلس العسكري الجديد في بوركينا فاسو نحو أي دولة كبرى أو كتلة يعتبرها حليفه الاستراتيجي؛ لكن تصريحات قائده، إبراهيم توري، تنبي على أنه مهتم بالإصلاح الداخلي ومستجيبا لتطلعات الشعب ومطالبه.
حيث أكدّ أكثر من مرة بقوله “لا أريد البقاء في السلطة”، متسائلاً: “لماذا يجب أن أستمر في الحكم. لم نأت لغرض خاص. ما يهمنا هو وضع حد للانفلات الأمني ووضع البلاد على سكة التنمية”. وفي مكان آخر يقول: “سنعمل بكل ما في وسعنا من أجل العودة إلى المسار الدستوري قبل شهر يوليو/حزيران 2024 وذلك وفق التعهدات التي اتخذتها بوركينا فاسو حيال المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا”، وأوضح أنه يقوم فقط بـ”تسيير المرحلة الانتقالية لغاية تنظيم ما يسمى باجتماع (القوات الحية) للبلاد والتي سيتم على إثرها اختيار رئيس لتسيير المرحلة الانتقالية المقبلة”. إلا أنه لم يحدّد تاريخ تنظيم هذا المؤتمر لكنه “يأمل أن يكون قبل نهاية السنة الجارية”.

ما هي ردود فعل المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية الإفريقية؟

1.اختلفت أوجه نظر المؤسسات الدولية والتكتلات الإقليمية، وكانت ردود أفعالهم متباينة وتبدو متعارضة أحيانا.  حيث أدان المجتمع الدولي على نطاق واسع الإطاحة بداميبا، الذي هو نفسه أطاح برئيس البلاد المنتخب ديمقراطيا في يناير المنصرم.
2.الموقف الفرنسي: التزمت فرنسا الصمت حيال انقلاب بوركينا فاسو؛ بل وأصبح موقفها أقرب إلى موقف الدفاع عن نفسها نافية التهم الموجهة إليها بإيواء الرئيس المخلوع، ودعمها له ولأذرعها الأخرى. إذْ أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا تنفي فيه تورطها فيما نسب إليها من تُهم، وأنّ جنودها في بوركنا فاسو يؤدون مهمهم المنوطة بهم بمحاربة الإرهاب والتطرف في منطقة الساحل. وما يجعل الأمر مختلفا ويعطيه بعدا جيوسياسياً، أنّ الاتهامات هذه جاءت من أعلى شخصية في السلطة، وهو إبراهيم تراوري في بيانه الذي أصدره أول أيام توليه زمام القيادة موضحا للشعب أن دامبيا لجأ إلى قاعدة عسكرية، ويحتمل أن يخطط لهجوم مضاد بدعم فرنسي. هذا التصريح وضع فرنسا مباشرة في مقام العدو الذي يقوض طموحات الشعب، ويدعم الفشلة والفاسدين، ومن ثم أثار حفيظة الشعب وغذّى الكراهية للوجود الفرنسي في بوركينا فاسو والمنطقة.
3.موقف الولايات المتحدة: اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الأمر ببيان ألقاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، وقال فيه إنّ الولايات المتحدة “تشعر بقلق عميق إزاء الأحداث في بوركينا فاسو”، ودعا المسؤولين إلى تهدئة الموقف، ومنع الإضرار بالمواطنين والجنود والعودة إلى النظام الدستوري. ثم لاحقا حذّرت الولايات المتحدة المجلس العسكري الجديد بعدم التعامل مع روسيا وخاصة جناحها العسكري؛ لأن مساهماتهم كانت سلبية في بعض دول المنطقة. وفي تصريحه للصحافة، ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل إنّ “الدول التي انتشرت فيها مجموعة (فاغنر) أصبحت أضعف وأقل أمانا ورأينا ذلك في حالات عدة في أفريقيا وحدها”. وأردف قائلاً: “ندين أيّ محاولة لمفاقمة الوضع الحالي في بوركينا فاسو ونشجع بقوة الحكومة الانتقالية الجديدة على الالتزام بالجدول الزمني المتفق عليه للعودة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا. هذا التصريح جاء بعد مباركة مالك شركة فاغنر الانقلاب الذي قاده لإبراهيم تراوري.
4.الموقف الروسي: لم يتضح بعد الدور الروسي في هذا الانقلاب الجديد؛ لكن الانقلابيون أكدّوا صراحة على أن هذه الخطوة جاءت على خلفية رغبتهم القوية في التوجه نحو شركاء آخرين -غير فرنسا- مستعدين لمساعدتهم في مكافحة الإرهاب. وحسب المحللون والمراقبون لأحداث الساحل الإفريقي “الشركاء الآخرون” لا يمكن أن يكونوا سوى الروس، وذراعهم الأمنية شركة فاغنر، المستعدين لتزويد جيوش الساحل الإفريقي بالعدّة والعتاد لمواجهة الجماعات المسلحة، مقابل تقويض النفوذ الفرنسي في المنطقة.
فضلا عن أنّ داميبا، كان يعرف على أنه أحد رجال فرنسا في المنطقة، فعلى عكس الانقلابيين في مالي وغينيا، لم تفرض “إيكواس” أي عقوبات على المجلس العسكري في بوركينا فاسو، الأمر الذي يعكس تواطؤا غريبا من منظمة إقليمية تملك باريس زمام قيادتها.
وبالتالي، لا يوجد تصريح مباشر لروسيا الاتحادية دعمها لإبراهيم تراوري ومجموعته، أو شكرة فاغنر شبه العسكرية سوى تصريح أفغيني فيكتوروفيتش بريغوين ، مؤسس مجموعة “فاغنر”، في منشور على الشبكات الاجتماعية لشركته كونكورد، وأوضح فيه أنه يدعم الكابتن إبراهيم تراوري، ووصفه بالرجل القوي الجديد في بوركينا فاسو. وقدم تحية خاصة لقائد بوركينا فاسو الجديد قائلا: “أحيي وأؤيد الكابتن إبراهيم تراوري”.[4] قد يحمل هذا في سياق دغدغة مشاعر عسكر بوركينا فاسو ومناكفة الغرب ورفع مستوى قلقه من الوجود الروسي في المنطقة حتى إن لم يكن هناك تواصل فعلي بين روسيا وبوركينا فاسو، فإنه قد يمهد الطريق لتحقيق ذلك.
5.موقف الاتحاد الإفريقي وإلايكواس: اكتفى الاتحاد الافريقي وكتلة منطقة غرب افريقيا المعروفة باسم الإيكواس بانتقاد التطورات بشدة، وحثت الجيشَ على تجنب التصعيد، ولا بدّ من حماية المدنيين. ثم لاحقا أعلنت منظمة الإيكواس عن اطمئنانها وارتياحها للمجلس العسكري الجديد بعد زيارة وفد لبوركينا فاسو والاستماع إلى المجلس العسكري.
6.الأمم المتحدة: أدان الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الانقلابَ الثاني في بوركينا فاسو، ثم لاحقا رحّب بالجهود التي تبذلها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وأشاد بها.

الخلاصة
يبدو أن انقلاب بوركينا فاسو فاجأ المؤسسات الإقليمية والدولية والمراقبين على حدًّ سواء؛ إذْ لم يكن متوقعا من حيث التوقيت والكيفية والفريق الذي نفذه. وما يدل على ذلك بيان منظمة غرب إفريقيا الأولي والذي نسفته نتائج زيارة الوفد بعد ما التقى بإبراهيم تراوري وفريقه. وأيضا تعليق الاتحاد الإفريقي على الحدث والتعبير عن قلقه البالغ تجاهه،  فضلا عن بيان الولايات المتحدة الذي أخذ يحذر المجلس العسكري الجديد من التعامل مع روسيا عكس التصريحات التي واجهوا بها المجلس العسكري الانقلابي في مالي وغينيا مثلا.

وتجدر الإشارة إلى أن قائد الانقلاب الجديد، إبراهيم تراوري، يتميز بالحنكة العسكرية والدهاء السياسي النسبي، مقارنة بأقرانه وزملائه الانقلابيين في المنطقة، ويظهر هذا من خلال أول خطاب له على الملأ، وتعاطيه مع الأحداث وتفاعله مع الصحافة المحلية والدولية. وتشير تعليقات تراوري حتى الآن إلى أنه منفتح على العمل مع جميع الشركاء الدوليين باستثناء فرنسا، التي تتهمها بوركينا فاسو بأنها أسهمت في تفاقم الخسائر المدنية في المنطقة، وأعطى المساحة الكبيرة للمجلس العسكري الجديد بأن يطلب المساعدة من تركيا كحليف استراتيجي محتمل.
ويرى المراقبون عبر منشور نشرته مجلة الفورين بوليسي (Foreign policy) الأمريكية أنّ ما يحرك المشاعر المؤيدة لروسيا هو حالة من اليأس بين السكان بسبب انعدام الأمن في البلاد. ويؤكّد الخبراء على أنه من الأهمية بمكان أن يتجنب الشركاء الدوليون الخطاب المعادي لروسيا في بوركينا فاسو والذي يمكن أن يستخدمه المجلس العسكري كسلاح ضدّ المنظومة الغربية التي تعطي الأولوية للجغرافيا السياسية على حساب أمن البشر أو السكان المحليين.
يمكننا أن نخلص إلى أن الكابتن إبراهيم تراوري حظي بقبول شعبي منقطع النظير، ويرى فيه الشعب البوركينابي الرجل القوي الذي يمكن أن يخلصهم من هجمات الإرهابيين والميليشيات المسلحة التي استباحت الأراضي الوطنية وشردت العديد من المواطنين. وأن التوقيت الذي جاء فيه أيضا يبدوا مناسبا حيث لا يمكن لفرنسا وشركائها الغربيين تحمل المزيد من التوترات والتصعيد في المنطقة الذي يقوي الشعور بالكراهية ضد فرنسا ويعطي المزيد من المطالبات بمغادرتها، ولكن الأيام القادمة كفيلة بتوضيح الغامض وتقدم تفسيرات مقنعة للأحداث والمواقف!

_______________________

مصادر يمكن الرجوع إليها:


[1] أبو الأنوار محمد جرمة، الصراع الفرنسي الأفريقي والانقلابات المتكررة في بوركينا فاسو | الميادين  (almayadeen.net)

[2] عبد الرحمن سيبي، انقلاب بوركيسنا فاسو، هل هو انقلاب عسكري أم تصحيح مسار؟، الإفريقي للمعرفة:

https://alifriqi.com/%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%83%D9%8A%D9%86%D8%A7-%D9%81%D8%A7%D8%B3%D9%88%D8%8C-%D9%87%D9%84-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1/

[3] فرنسا 24،  الولايات المتحدة تحذر منفذي الانقلاب في بوركينا فاسو من مجموعة فاغنر الروسية (france24.com)

[4]

بوركينا فاسو: رئيس فاغنر يؤكد دعمه للإنقلابيين الجدد في بوركينا فاسو، مؤسسة النهضة الإعلامية:

Exit mobile version