إصداراتتحليلات

بعثات حفظ السلام في إفريقيا، هل باتت تشكل عبئا

تقرير تحليلي

بدأت جهود حفظ السلام على المستوى الدولي منذ أواخر النصف الأول للقرن العشرين، على الرغم من أن مصطلح حفظ السلام غير منصوص عليه في مواثيق الأمم المتحدة، ولكن يبدوا أنه استلهم من قضايا فض النزاعات التي تنص عليها في الفصلين السادس والسابع حيث يبيح استخدام الاجراءات القسرية في حالة حدوث ما يمكن تقديره على أنه تهديد للسلم والأمن الدوليين ، والتوسط في حل النزاعات بالطرق السلمية أو استخدام القوة، والتفويض الذي تمنحه المواثيق في ذلك. ومنذ ذلك التاريخ تجاوز عدد البعثات التي انتدبت لحفظ السلام، أو الإشراف على عمليات الانتقال حوالي 72 بعثة ما يزال بعضها يؤدي مهامه.

حفظ السلام في إفريقيا

تحتضن إفريقيا نصف عدد بعثات حفظ السلام المنتشرة في العالم والبلغ عددها 14 بعثة، ويدل هذا على تعاظم المشكلات وتكاثر النزاعات، التي تدفع المجتمع الدولي والاتحاد الإفريقي، باتخاذ تدابير لحفظ السلام  والتقليل من آثار تلك النزاعات. ومن غرائب الأحوال أن إفريقيا تساهم بحوالي 50% من القوات العاملة في بعثات حفظ السلام الدولية البلغ تعدادها 91 الف فرد يعملون في هذه البعثات،  يتوزعون بين ضباط الشرطة والجيش والخبراء العسكريين.

وينتشر في إفريقيا ما يزيد على 50 ألف جندي من قوات حفظ السلام في إفريقيا، والتابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى عشرات الآلاف بقيادة إقليمية في البدان التي تحدث فيها الاضطرابات السياسية أو تمردات محلية، أو انقلابات، وتتسبب في زعزعة الاستقرار في الدولة المعينة او المنطقة المحيطة.

إدارة بعثات حفظ السلام

الأمم المتحدة هي الجهة التي تفوض بعثات السلام بعد أن يوافق عليها مجلس الأمن الدولي لكن تظل الأمم المتحدة هي صاحبة الإشراف والتمويل وإدارة البعثات حتى تقوم بكامل مهامها، ويتم بناء وتفويض بعثات السلام بناء على ثلاث مبادئ: أولها موافقة أطراف النزاع سواء كان نزاعا داخليا في دولة ما، أو نزاع بين دولتين قائمتين، وثانيهما الحياد وهو ما يعني أن قوات حفظ السلام يجب ان تحافظ على حياديتها، دون الانحياز إلى أي طرف، والثالث هو أن القوات الدولية لا تستخدم القوة إلى في حالة الدفاع عن النفس،   ووفقا للنظم المعمول بها في الأمم المتحدة، يجب أن يصوت 9 أعضاء تصويتا إيجابيا على البعثات من أعضاء مجلس الأمن البالغ 15 عضو.

مهام بعثات حفظ السلام

تختلف مهام البعثات حسب وفقا لطبيعة المشكلة التي تنتدب غليها ونطاقها، وفي الأصل تنشر البعثات للحفاظ على المدنيين في مناطق الصراعات المسلحة، واحتواء القتال أو منع حدوثه في مناطق التوتر، وتحقيق الاستقرار في المناطق التي تنتهي فيها الصراعات، والمساعدة في تنفيذ اتفاقيات السلام في مناطق الصراع، إضافة إلى مساعدة الدول التي تمر بمراحل التحول الديمقراطي، عبر مجموعة من الأنشطة لمختلفة:

– نزع السلاح والتسريح وإعادة إدماج المقاتلين

– إزالة الألغام الأرضية

– استعادة سيادة القانون

– حماية وتعزيز حقوق الإنسان

– المساعدة في الانتخابات

بعثات حفظ السلام في إفريقيا

بعد صعود أسهم الاستقرار والدمقرطة في إفريقيا مع نهاية الحرب الباردة في مطلع العشرية الأخيرة للقرن العشرين، اتجهت الأوضاع نحو السلام والاستقرار في إفريقيا ما عدا بعض البلدان التي استعصت على المجتمع الدولي وشهدت زعازع كبيرة، ولكن في فترة قصيرة جدا لا تزيد على عقد ونصف عادت النزاعات تتصدر عناوين الأخبار وسياقات الأجندة السياسية في أروقة القارة الإفريقية وأالقيمها المختلفة، ما دعا الأمم المتحد إلى تكثيف تواجد بعثات حفظ السلام حتى أصبحت إفريقيا أكبر المستضيفين لبعثات السلام في العالم:

– مونوسكو MUNUSCO بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية

منشأ هذه البعثة هي الأحداث التي أعقبت الإبادة الجماعية في رواندا، وهروب الآلاف من الهوتو إلى شرق الكونغو الديمقراطية، واندلاع ثورة أطاحت بالرئيس موبوتو سيسيسيكو، وبعد فترة قصيرة بدأ التوتسي ثورة دعمتها رواندا وأوغندا، ما دفع الأمم المتحدة لإنشاء بعثة مونوسكو من أجل الإشراف على وقف إطلاق النار، وتحولت بعد 2006 إلى بعثة مهمتها تحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وتم تفويض البعثة لحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ودعم الحكومة في تحقيق الاستقرار وتوطيد السلام، ومؤخرا طلب الرئيس الكونغولي تشيسكيدي مغادرة البعثة للأرض الكونغولية بعد شكاوى عديدة من الجنود والضباط في البعثة. ويبلغ تعداد البعثة 20.654 فرد.

مينوسما

بعد اندلاع أزمة شمال مالي في 2012، والانقلاب الذي أعقب الأحداث تدخلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ” إيكواس ” ببعثة دولية بقيادة إفريقية أطلق عليها ” أفيسما ” AFISMA          وبعد عدة أشهر أنشأت الأمم المتحدة بعثة متكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق لإعادة الإستقرار، ومساعدة الحكومة الانتقالية في دعم الحوار السياسي، والمساعدة في إعادة فرض سلطة الدولة. ويبلغ تعدادها 15.165 فرد، وبعد خروج فرنسا، وتراجع ثقة المجلس العسكري في البعثة طلبت مالي بسحب البعثة الأممية، وقد بدأت عمليا في الانسحاب من مالي.

مينوسكا MINUSCA بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرا في إفريقيا الوسطى

بعد الحرب الطائفية التي اندلعت في إفريقيا الوسطى في 2012 وفرار الرئيس بوزيزيه، وحدوث انفلات أمني وفوضى عارمة أنشأت الأمم المتحدة، بعثة مهمتها الأساسية حماية المدنيين، ودعم عملية تحول السلطة؛ وخلق مساحة للمساعدات الإنسانية؛ وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها؛ ودعم العدالة وسيادة القانون؛ وتعزيز نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، ويقدر حجم البعثة 14 ألف فرد.

يونميس UNMIS بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان

بعد إعلان استقلال جنوب السودان، اندلع صراع بين الجنوب سودانيين على اسس عرقية، وتوسع نطاق انعدام الأمن والاستقرار في الدولة الوليدة ما دعا الأمم المتحدة لإنشاء بعثة أممية من أجل تعزيز السلام والأمن والمساعدة في تهيئة الظروف للنمو الاقتصادي. وبعد اندلاع الأزمة في ديسمبر 2013، أعاد مجلس الأمن تحديد أولويات بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان لتصبح حماية المدنيين، ورصد أوضاع حقوق الإنسان، ودعم إيصال المساعدات الإنسانية وتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ويبلغ تعدادها حوالي 18 ألف فرد.

يونيسفا UNISFA قوات الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لمنطقة أبيي

بعد استقلال جنوب السودان برزت خلافات حول الحدود مع السودان ومنها منطقة أبي الغنية بالبترول، وفي 2011 تصاعدت الخلافات حول المنطقة حيث يدعي كل طرف لتبعيتها له، ولذلك جاءت مهم البعثة لمراقبة الحدود بين الطرفين، وحماية المدنيين، وذلك بموافقة الدولتين. ويبلغ تعداد القوة حوالي 4.765 فرد من إثيوبيا.

مينورسو MINURSO بعثة الأمم المتحدة للصحراء الغربية

بعد التسوية التي قبلت بها المغرب وجبهة البوليساريو للاستفتاء بعد فترة انتقالية أنشأت الأمم المتحدة البعثة في 1991 بغرض الإشراف على الفترة الانتقالية، واستعدادا للاستفتاء، بين خياري الاستقلال أو البقاء ضمن المملكة المغربية، ويبلغ عداد البعثة حوالي 700 فرد.

أميصوم AMISUM ـــ أتميس  ATMIS بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال

بعد الحرب الأهلية التي عاشها الصومال، منذ التسعينيات، والفوضى التي حدث في البلاد، جرت محاولة، إنشاء حكومة في 2006 بدأت بعثة الصومال في 2007 بجنود أوغنديين فقط ولكن سرعان ما توسعت القوات لتضم قوات من إثيوبيا وكينيا وبوروندي  وجيبوتي، وأوغندا وسيراليون التي سحيت قواتها بعد فترة من خدمتها في الصومال، ولاحقا ساهمت كل من غانا ونيجيريا وزامبيا وفي البداية كان عداد القوة حوالي 22 الف فرد، تم تخفيضها مؤخرا، وهدفت البعثة في الأساس إلى توفير الأمن، وتقليل التهديدات التي تتسبب فيها حركة الشباب المجاهدين، فضلا عن تدريب قوات الأمن الصومالية، وضباط الشرطة، وفي وقت لاحق في 2022 اعتمد مجلس الأمن الدولي بعثة جديدة تحت مسمى أتميس ATMIS  لتحل محل بعثة أميصوم، وبدأت قوات حفظ السلام في الصومال في الانسحاب، وكان من المفترض أن ينسحب آخر جندي بحلول 2024 إلا أن الحكومة الصومال تقدمت بالتماس لتمديد بقاء البعثة لفترة ثلاثة أشهر، وقد تمت الموافقة عليها.

بعثات حفظ السلام اخفاقات وتحديات

تواجه بعثات حفظ السلام في إفريقيا عددا من التحديات، تعيق أداء مهما كما ينبغي، ما يستدعي معالجتها، لأن القارة الإفريقية ما تزال تعاني تزايد الصراعات، ذات الصلة بالبيئات المحلية والاقليمية والدولية:

1. التوافق مع الدولة المضيفة: واجهت بعثات حفظ السلام في عدد من الدول الإفريقية مشكلات مع الدلو التي تستضيف البعثات خاصة إذا كانت البعثة منشؤها البند السابع، وهنا تصطدم البعثة مع الدولة وقد تواجه مشكلات في نتفيذ مهمتها، ولأن مثل هذه البعثات قد تكون مفروضة ب\اجندة دول معينة، ما يجعل البعثة معضلة وليست حلا، ومن التجارب الإفريقية مع بعثات حفظ السلام، أنها في كثير من الأحيان تبتعد من الأجندة التي فُرضت من أجلها.

2. التعامل بشيء من السطحية في استيعاب جذور المشكلات، والتركيز على الأعراض والإفرازات الجانبية أو الاهتمام بما يلي التداعيات الإقليمية والدولية، مثل ما جرى في الصومال من نجاهل العامل الديني في المشكلة، والعامل العرقي في الصراع، ولذلك فشلت كل المساعي التي حاولت التعاطي مع الأزمة لعدم مخاطبتها اصل الأزمة وجذرها

3. الحياد: في الأصل أن تكون بعثات حفظ السلام محايدة وعلى مسافة واحدة من أطراف النزاع، ولكن وبطبيعة الأطراف التي تفرض هذه البعثات فإن الوقائع في عدد من الدول أثبتت انحيازا لطرف دون آخر ما يفاقم المشكلات، ويزيدها تعقيدا، وربما زيادة مستوى الأزمة واتساع رقعتها، في حال الصدام مع أحد أطارف النزاع أو الأزمة.

4. الفشل في تحقيق المهام: ربما يعود الفشل بالدرجة الأساسية إلى طبيعة البعثات التي تُنشأ دون التوافق مع الدولة التي تقوم فيها البعثة لتحقيق السلام، أيا كانت أسبابه، ولعل التجارب الإفريقية ذاخرة بعدد من النماذج، مثل بعثة الأمم المتحدة في مالي، والتي طلبت الحكومة الانتقالية بإنهاء مهامها، لقناعتها، بالفشل الذ مُنيت به في البلاد، وفي الكونغو الديمقراطية، التي ما تزال فيها الأوضاع بحاجة إلى البعثة ولكن مع تطاول بقاء البعثة انحرفت من مهامها، وطلبت الحكومة بضرورة انهاء مهمتها.

5. تجاوزات أفراد البعثات: اتهمت عدد من البعثات بضعف انضباط بعض أفرادها بسبب سوء السلوك، وقد اتهم منسوبو البعثات في عدد من الدول الإفريقية مثل إفريقيا الوسطى، والكونغو الديمقراطية والسودان بالاستغلال الجنسي، والاعتداءات المتكررة، مع عدم تمكن البعثات من الحسم الذي يكفل بمنع تكرارها مرة أخرى.

6. زيادة التوترات وارتفاع حدة الاضطرابات رفضا للبعثات، واستغلال بعض الجهات لإحداث مزيد من الثغرات وإثبات أن قوات حفظ السلام، لن تجلب حلا بل تزيد الأزمات، وخير مثال لذلك هو ما جرى في منطقة الساحل، التي عملت فيها عدد من البعثات وكانت نتائجها كارثية على البلدان، بازدياد عدد العمليات العسكرية من قبل الحركات المسلحة، وتنامي مخاطرها.

7. مشكلة التمويل: تعتبر مشكلة التمويل، سلاحا ذو حدين في إفريقيا، وسبب ذلك هو ان إفريقيا لا تستطيع تمويل البعثات، ما يفتح احتمالات التدخلات الخارجية، وإملاء الأجندات حاضرا بشكل كبير، كما أن تمويل عمليات حفظ السلام في أغلب الأحوال لا تمر عبر أجهزة الاتحاد الإفريقي، وهو ما يفقده عنصر السيطرة، والتوجيه الصحيح، وفشل البعثات في أحايين كثيرة إذا توقفت جهات التمويل عن إكمال المهمة كما ينبغي لسبب أو لآخر.

خاتمة

على الرغم مما تحققه بعثات حفظ السلام من استعادة الاستقرار في البلدان الإفريقية وغيرها، والمهام الجسمية التي تقوم بها في ظروف معقدة أحيانا وغير مواتية إلا أنه أصبحت اليوم بحاجة إلى مراجعات حقيقية، ابتداء من الاعداد الجيد لأفردا البعثات بطبيعة البيئة التي سيعمل فيها، وطبيعة المجتمعات التي سيواجهها، فضلا عن المراجعات الدورية لمهام البعثات كل حسب الهدف الرئيسي الذي انتدبت له، كما أن التوافق بقدر الإمكان مع الدلو التي تستضيف البعثات، على الحد الدنى الذي يكفل لها توفير البيئة المناسبة لتنفيذ مهامها، كلها أجندة يدب ألا يستهين بها المجتمع الدولي أو على مستوى القارة الإفريقية، حتى يتحقق الاستقرار المطلوب في الدول التي تعاني ظروفا سياسية وأمنية صعبة.

 

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي): مؤسسة مستقلة متخصصة بإعداد الدراسات، والأبحاث المتعلقة بالشأن السياسي، والاستراتيجي، والاجتماعي، الأفريقي لتزويد المسؤولين وصناع القرار وقطاعات التنمية بالمعرفة اللازمة لمساعدتهم في اتخاذ القرارات المتوازنة المتعلقة بقضايا القارة الأفريقية من خلال تزويدهم بالمعطيات والتقارير المهنية الواقعية الدقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
بدء محادثة
💬 هل تحتاج إلى مساعدة؟
مرحبا 👋
هل يمكننا مساعدتك؟