إصداراتتقدير موقف

تداعيات العقوبات الأمريكية على زعيم التمرد بإفريقيا الوسطى

محمد زكريا
باحث اقتصادي، مهتم بالشؤون الإفريقية الاقتصادية والاجتماعية

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية يوم الجمعة المنصرم 17 ديسمبر 2021م عن فرض عقوبات على “علي دراسة” أحد زعماء الجماعة المتمردة “التحالف الوطني من أجل التغيير” (CPC) في جمهورية افريقيا الوسطى، وذلك لدوره المزعوم في “انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان”. وأوضح البيان على أن علي دراسة أُدْرِج في قائمة الانتهاكات نتيجة لقيادته لمجموعة “الوحدة من أجل السلام Unité pour la paix en Centrafrique (UPC) في جمهورية إفريقيا الوسطى المتهمة بارتكاب أعمال قتل وتعذيب وتهجير واغتصاب وتشريد آلاف المدنيين والأبرياء منذ عام 2014م.
رُبِطَ هجوم نوفمبر 2018م على مخيم للنازحين في مدينة ألينداو والذي خلف 112 قتيلا قرويًا، من بينهم 19 طفلاً بحركة UPC. وفي هذا الصدد، قال مدير مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، أندريا جاكي، في بيان له: “تحت قيادة دراسة، ارتكبت حركة الوحدة من أجل السلام فظائع وحشية ضد المدنيين”. وأكدت الولايات المتحدة على أنها ستواصل استهداف وفضح منتهكي حقوق الإنسان في كل مكان، بمن فيهم أولئك الذين يسهمون في الأزمة الإنسانية في جمهورية إفريقيا الوسطى.
البيان الصادر من وزارة الخزانة الأمريكية هذا ذُيِّل بعدد من العقوبات ضد “علي دراسة” مثل حظر جميع ممتلكاته الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو التي تأتي إلى الولايات المتحدة، أو التي في حوزة أو سيطرة أشخاص أمريكيين ويجب إبلاغ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بها.

من هو علي دراسة؟
حسب السجلات الرسمية في جمهورية إفريقيا الوسطى، هو: علي دراسة محمد، من مواليد 23 يوليو 1965م، من عرقية الفلّاته أو الفولاني أو الفولان التي تقطن الحدود التشادية النيجرية، وكان يمارس نشاط الرعيّ منذ نعومة أظافره عبر الحدود الأفرو-وسطية التشادية. تشير بعض الروايات إلى أنه كان المسؤول الخاص لمواشي “بابا لادّي” زعيم تمرد تشادي اتخذ من شمال شرقي جمهورية إفريقيا الوسطى مقرا لعمليات تمرده.
بابا لادّي أيضا من قبيلة الفولاني؛ لذا اعتمد على تمويل أنشطته في تلك الفترة على سلب أبقار الفولاني أنفسهم ومواشيهم في المناطق الحدودية وفرض عليهم إتاوات وغرامات يأخذها منهم عنوة ومن غيرهم أحيانا. فكان علي دراسة هو المسؤول عن هذه المواشي بحكم خبرته المتراكمة حول رعي الماشية وتربيتها.
أخذ علي دراسة ينال إعجاب قائده بابا لادّي حتى أصبح ذراعه الأيمن والرجل الثاني بعده -تقريبا- إلى أن تخلى لادّي عن الكفاح المسلح في سبتمبر 2012م، وذلك بعد أن استقطبه الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي وتصالح معه مقابل مقعد وزاري وحفنة من المال. استصحب بعض مقاتليه لينضموا إلى الجيش التشادي، ولكنه تخلى عن مجموعة كبيرة منهم إفريقيا الوسطى.
في تلك الفترة، بدأت حركات تسلح وتمرد تتشكل وتتكون في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، خاصة في مدينتي بيراو وانديلي، فانضم إليها علي دراسة مع رجاله الذين تخلى عنهم بابا لادّي، ولاحقا شكلت تلك الحركات تحالفا أسمته “السيليكا”، وتعني التحالف أو الضامن باللغة المحلية. وفي عام 2013م استولت السيليكا على الحكم بقيادة الرئيس ميشيل دوتوجيا، ونصّب الأخير “علي دراسة” قائدا عاما وحاكما لمنطقة واكا التي عاصمتها مدينة بامباري وذلك بمرسوم رئاسي.
وبعد استقالة الرئيس ميشيل دوتوجيا نتيجة للضغوط المحلية والدولية تم حل حركة السيليكا؛ ولكن الحكومة الانتقالية بزعامة السيدة سامبا بانزا كاثرين لم تعْزِل علي دراسة رسميا عن منصبه، وبقي عليه حتى عهد تواديرا. وفي 25 أكتوبر 2014م، أنشأ دراسة حركته الخاصة ذات الأغلبية من قبيلة الفلّاتَهْ أو الفولاني، وسمّاها بـ “الوحدة من أجل السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى (UPC)، وأصبحت لاحقا من أقوى حركات التمرد في البلاد للأسباب التي سيأتي ذكرها.
تميز مقاتلو هذه الحركة بكثرة العدد والعتاد، وفُتوة الشباب المتحمس لأخذ الثأر فضلا عن معرفتهم الدقيقة بالمنطقة والطرق الوعرة في الغابات والوديان بواقع عملهم ومعيشتهم قبل الأحداث، وبالتالي أصبح علي دراسة رقما صعبا في المعادلة الأمنية في جمهورية إفريقيا الوسطى، واضطرت الحكومة والقوات الأممية أن تمسك العصا من الوسط وتتعامل معه بلغة الدبلوماسية وليس بلهجة الحرب، وهذا سرّ بقائه طويلا في منصبه كحاكم عسكري رسمي لمنطقة واكا حتى نهاية عام 2020م.
ومع ذلك، لم يلبث دراسة طويلا حتى قاد معارك مختلفة ضدّ الميليشيات المسحية المسلحة “أنتي بالاكا” وأحيانا مع فصائل أخرى تابعة للسيليكا القديمة، وعلى إثر ذلك تورطت الحركة في ارتكاب أعمال عنف وجرائم ضدّ المدنيين في داخل مدينة بامباري وما جاورها من قرى وبلديات صغيرة، فاكتفت الحكومة المركزية بالإدانة، بينما اكتفت قوات الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية بتوثيق الجرائم وكتابة التقارير والتعبير عن قلقهم لما يحصل للمدنيين دون التدخل العسكري.
الرئيس تواديرا أبقى على شعرة معاوية بينه وبين الحركات المسلحة كلها منذ توليه السلطة وحتى نهاية العام 2020م، فيقرب بعضهم تارة ويغدق عليهم الأموال في شكل رواتب ومكافآت لفترة معينة، ويستبعد البعض الآخر للفترة ذاتها أو أقل، ثم يستبدل الورقة المحروقة بالتي سطع نجمها واستفحل خطرها، وفي الوقت ذاته يناكف فرنسا بروسيا، فيقرب أصدقاء روسيا ضمن قوات الأمم المتحدة كرواندا مثلا، ويُبْعِد حلفاء فرنسا ضمن البعثة نفسها مثل القوات الكاميرونية والغابونية وغيرها.
وحتى يحسم الرئيس تواديرا الأمر بشكل أفضل، في عام 2019م عقد اتفاق سلام وهدنة مع جميع الحركات المسلحة (سيليكا وأنتي بالاكا) في الخرطوم برعاية الرئيس المخلوع عمر البشير، تنص على أن كل زعيم حركة مسلحة يبقى حاكما رسميا في المنطقة التي يسيطر عليها ويتولى إدارتها وتنظيم الحياة فيها ويضمن حرية تنقل الأفراد والبضائع، ويرفع تقاريره للحكومة المركزية، ومن ضمنهم على دراسة في مدينة بامباري. وبهذا أصبحت حركات التمرد تسيطر على 80 في المئة تقريبا من أراضي البلاد.
هذه الاتفاقية، مكنت الحكومة المركزية أن تتفرغ لإدارة الصراع الفرنسي الذي بلغ ذروته في داخل العاصمة وأوساط الأحزاب السياسية وبعض أعضاء الحكومة أنفسهم، كما مكن القوات الروسية المتواجدة في البلاد من التعامل مع الحركات المسلحة عن قرب لفهمهم أكثر وجمع معلومات مخابراتية عنهم وعن مصادر تمويلهم وتسليحهم. فضلا عن الوصول إلى الثروة الطبيعية كالماس والذهب والعمل مع هذه الحركات المسلحة بالبيع والشراء تارة، وبالنهب والسلب المشترك تارة أخرى.
استمر الوضع على هذه الحالة حتى نهاية العام 2020م عندما رفضت المحكمة ملف ترشح الرئيس الأسبق “فرانسوا بوزيزي” بحجة تورطه في أعمال عنف وعليه أحكام جنائية في المحكمة الوطنية. فأعلن تمرده، وقاد تحالفا جديدا تحت اسم التحالف الوطني من أجل التغيير (CPC) وانضم إليه بعض قيادات العناصر المكونة للسيليكا سابقا، ومن ضمنهم علي دراسة، ومن هنا خسر الأخير منصبه الرسمي بقرار رئاسي، وأصبح ضمن المطلوبين للقضاء.

علي دراسة وملف حقوق الإنسان
استطاع علي دراسة أن يستثمر خبراته القيادية التي ترسبت لديه خلال عمله مع بابا لدّاي، فجمع حوله الشباب الفولاني من جميع أنحاء مدن جمهورية إفريقيا الوسطى وأحيانا من دول الجوار نتيجة لما لحق بهم من أضرار بليغة جراء أعمال العنف والتطهير الطائفي والعرقي الذي قامت به ميليشيات الأنتي بالاكا منذ العام 2014م ضد المسلمين بشكل عام وأصحاب الماشية والرعاة بشكل أخص.
حسب تقديرات الأمم المتحدة هاجر حوالي ستة ملايين رأس ماشية (أبقار) من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى الكاميرون وتشاد بين عامي 2014م و2015م فقط، ناهيك عن الأُسَر التي فقدت جميع ماشيتها وأفراد عائلاتها التي لم تُعْرف أعدادهم الرسمية حتى هذه اللحظة. هناك الكثير من الشباب الفولاني وجد نفسه تائها ضائعا بلا مأوى ولا مركز ولا عمل؛ بل وفقد الكثير من أفراد عائلته، فلجأ إلى حمل السلاح والانضمام إلى الحركات المسلحة؛ ولكن أغلبهم التحق بحركة علي دراسة، الأمر الذي جعل بأسهم شديد على ميليشيا الأنتي بالاكا وأحيانا على الأبرياء من القرويين المدنيين حول المناطق التي يسيطر عليها دراسة.
وفي 24 يوليو 2015م، طالب السيد” ديفيد براون”، القائم بالأعمال للولايات المتحدة الأمريكية في جمهورية إفريقيا الوسطى، بالقبض على علي دراسة بسبب الاضطرابات العارمة التي شهدتها مدينة بامباري؛ ولكن “بارفيه أونانجا أنيانجا”، رئيس البعثة الأممية (مينوسكا)، رفض ذلك الطلب؛ لأنه يرى أنّ علي دراسة يُسيطر على المنطقة بشكل قانونيّ (تم تعيينه من قبل نظام ميشيل دجوتوديا كرئيس لمنطقة أواكا العسكرية بمرسوم لم يتم إلغاؤه أبدًا)، أي يتمتع بحصانة قانونية ولا يمكن القبض عليه دون حكم قضائي.
وفي تاريخ 15 ديسمبر 2020م، تأسست حركة التحالف الوطني من أجل التغيير (CPC) بقيادة الرئيس الأسبق فرانسوا بوزيزي مع بعض عناصر حركة سيليكا السابقة-كما أسلفنا- بهدف عرقلة الانتخابات والإطاحة بالرئيس المنتخب فرانسوا بوزيزي. وفي شهر ديسمبر من العام نفسه شنوا هجوما شرسا على العاصمة بانجي بمساندة فرنسا لعرقلة انتخابات 27 ديسمبر 2020م، واستولوا على مدن وقرى قرب العاصمة مما أدى إلى نزوح العديد من السكان خوفا من أعمال العنف التي قد تُرْتَكَبُ ضدهم. ولكن العملية باءت بالفشل بعد التدخل الروسي والرواندي المكثف.
استمرت المعارك لعدة أشهر، خلفت معاناة كبيرة للشعب، وخسر فيها (CPC) معاقله وقواعده الشعبية التي ينطلق منها ويستند عليها أساسا. وفي شهر أبريل 2021م، اضطر دراسة أن يعلن انشقاقه عن حركة CPC)) ليحافظ على ما تبقى من مراكز قوته ولعله يجد مخرجا ليقيم صلحا جديدا مع حكومة بانجي؛ لكن هذه المحاولة لم تُجد شيئا، وكأن لسان حال الرئيس تواديرا يقول له “الصيف ضيعتِ اللبن”!

هل العقوبات الأمريكية خذلان لفرنسا ومغازلة لروسيا؟
أجريت انتخابات عام 2016م، بعد انتهاء الفترة الانتقالية بعد استقالة ميشيل دوتوجيا، فاز فيها الرئيس الحالي البروفيسور فوستين أركانج توايرا في ظروف صعبة للغاية. في تلك الفترة كان لفرنسا تواجد قوي في المشهد السياسي والعسكري؛ بل وحتى الأمني والاجتماعي في جمهورية إفريقيا الوسطى. الانتخابات نفسها كان يشرف عليها المكتب الأمني في السفارة الفرنسية، ولكن مع ذلك لم يفز المرشح المفضل لدى الإدارة الفرنسية في عهد الرئيس فرانسوا هولاند، وهو المصرفي أنيسي جورج دوليجيلي (Anicet-Georges Dologuélé)، وفاز فيها أستاذ الرياضيات في جامعة بانجي، فوستين أركانج تواديرا.
في واقع الأمر، كانت هناك خلافات بين حكومة فرانسوا هولاند وإدارة المخابرات الفرنسية حول كيفية إدارة السياسة الخارجية الفرنسية المتعلقة بالدول الإفريقية وخاصة جمهورية إفريقيا الوسطى، ونتيجة لذلك سجل مكتب المخابرات في السفارة الفرنسية ضربة قوية لفرانسوا هولاند آنذاك وفوّز تواديرا في الانتخابات بدلا من المصرفي دوليجيلي، وعلى إثر ذلك تم استدعاء السفير الفرنسي إلى باريس فور إعلان النتيجة للدور الثاني، ولربما جرى اتفاق بقبول فوستين تواديرا رئيسا للبلاد.
وبعد تولي الرئيس إيمانويل ماكرون الحكم في 14 مايو 2017م، لم تستمر العلاقات بينه وبين تواديرا على الوجه المتوقع، فبدأت الإدارة الفرنسية بالتقرب من الحركات المسلحة وخاصة السيليكا ودعمها لتنظيم صفوفها من أجل التحضير لانقلاب آخر أو على الأقل تشكيل ضغط على تواديرا حتى يخضع وينقاد لها. لكن البروفيسور اتخذ طريقا آخر، وقام بالتقرب من روسيا عن طريق إحياء الاتفاقيات القديمة بين البلدين طالبا منها المساعدة في إعادة بناء الجيش الوطني وتدريبه.
من هنا بدأت حلقة الجفاء بين فرنسا وجمهورية إفريقيا الوسطى تتسع وتتباعد زواياها، وأصبحت فرنسا هي الحليف الاستراتيجي والداعم العسكري لحركات التمرد والميليشيات المسلحة. وفي الوقت ذاته أخذت خيوط الوُدّ تتقارب بين روسيا ورئيس الجمهورية تواديرا، والتقت بعض أهدافهما التي تتمثل في تقليص النفوذ الفرنسي وقصّ أيادي حلفاء فرنسا داخل العاصمة من برلمانيين وسياسيين ورجال أعمال أولا، ثم التفرغ للحركات المسلحة وكل ما له علاقة بالخطط الفرنسية.
في منتصف العام الجاري، استطاع تواديرا أن يفرض سيطرته على أكثر من 50 في المئة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها الحركات المسلحة، واستعاد نفوذ الحكومة المركزية عليها بشكل تام، من بينها مدينة بامباري معقل علي دراسة وقاعدته الشعبية، وذلك من خلال الدعم الروسي والرواندي تحديدا. بينما خسرت فرنسا المعركة بخسارة حلفائها السياسيين والعسكريين على حدّ سواء، وأصبح التدخل الروسي نموذجا يُحْتَذَى به في أكثر من بلد إفريقي للتخلص من الهيمنة الفرنسية.
ولكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه، هل دعوة الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي لجميع أطراف النزاع على الاستجابة لدعوة الرئيس تواديرا لوقف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات، وفرض عقوبات على علي دراسة ومصادرة ممتلكاته وأمواله في الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، هي صفعة أمريكية جديدة لفرنسا في المنطقة، أم هي رسائل لمغازلة الدب الروسي؟
بلا شك، المستفيد الأول من هذه القرارات هو الحكومة الأفرو وسطية التي تسعى جاهدة لإنهاء الصراع المسلح في البلاد منذ عقد من الزمن تقريبا، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك أطراف أخرى هي المستفيدة من إجراءات كهذه. يمكن الإجابة على السؤال المطروح لاستشفاف الدوافع والأسباب لاتخاذ كهذا قرار من خلال ثلاث سيناريوهات، وهي:
السيناريو الأول: كعادة كثير من الزعماء الأفارقة السياسيين والعسكريين الفاسدين، يضعون أموالهم وثرواتهم التي ينهبونها من مدخرات الشعب والدولة في حسابات بنوك أجنبية أو شراء عقارات في الدول الأوروبية أو الأمريكية، حتى عندما يغادرون مناصبهم يلجؤون إليها ويعيشون في رغد وهناء تاركين شعوبهم يكابدون شرّ ما خلّفوه من فساد ودمار. علي دراسة ذاته قد لا يختلف عن هؤلاء كثيرا، ربما رصدت له الإدارة الأمريكية أموالا في بنوك أجنبية أو ممتلكات وعقارات في بلدان أخرى، فقررت أن تفرض الحظر عليه من أجل تجميد هذه الأموال تحت بند حقوق الإنسان. خاصة أن الرجل كان يسيطر على أكبر منطقة منتجة للألماس والذهب في البلاد ما يقارب 8 سنوات.
السيناريو الثاني: منذ مجيء البعثة الروسية في نهايات عام 2018م بمكوناتها العسكرية والمدنية، نشأت علاقات ودية بينها وبعض فصائل التمرد المسلحة، وخاصة فصيل علي دراسة في منطقة واكا، وبمبري حيث مناجم الألماس والذهب، فضلا عن الحركة التجارية القوية. هذه المعطيات قد تشير إلى حدوث علاقات تجارية خاصة بين زعيم (UPC) علي دراسة وبعض قيادات البعثة الروسية سواء كانوا مستثمرين أو عسكريين أو مخبرين، وبالتالي ففرْض عقوبات على “دراسة” بهذا الشكل خطوة مناسبة للوصول إلى فرض عقوبات على هؤلاء الروس أو الاستيلاء على استثماراتهم أو ممتلكاتهم أينما كانت، وبالتالي فتعتبر فرصة لاصطياد عصفورين بحجر!
السيناريو الثالث: انضمام علي دراسة لتحالف (CPC) هو نتيجة لتعامله مع فرنسا وقبوله لتنفيذ أجندتها في قلب حكم تواديرا وإحداث فوضى في البلاد، ومن ثم تنازل دراسة عن مبدئه الذي أعلنه مسبقا للدفاع عن المسلمين وخاصة قبيلته (الفلانية) التي تضررت أكثر من قبل الأنتي بالاكا، وتحالف مع بوزيزي مؤسس الأنتي بالاكا والذي يعتبر خصمه اللدود الأول.  بهذا التنازل، كسب ودّ فرنسا، ولكنه خسر مكانته الاجتماعية وسمعته النضالية حتى بين بني قومه؛ فضلا عن مسلمي جمهورية إفريقيا الوسطى ومواطنيها أجمعين. ولكنه في شهر أبريل المنصرم أعلن انسحابه من التحالف لأسباب غير معروفة، واعترف بأن التحالف تسبب بضرر كبير للبلاد والمواطنين. فهل اعتبرت فرنسا هذا التصرف خيانة لها، ومن ثَمّ تجب معاقبته ومحاصرته مستخدمة ورقة العقوبات الأمريكية والدولية؟

خاتمة
في واقع الأمر، أيا كانت نتيجة هذه السيناريوهات هي الأصحّ، فإنه قد لا ينعكس على أرض الواقع بالشكل المطلوب، ولا يستفيد منه الشعب الأفرو وسطي بقدر ما يحقق مكاسب سياسية لحكومة تواديرا من ناحية، وللقوى المتصارعة من نواحي أخرى. وقد يحصل العكس غير المتوقع تماما، ألا وهو دفع هذه الفصائل إلى التعاون مع جماعات متطرفة ومتشددة مناهضة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ومن ثم يتحول الخطاب الحالي السياسي العسكري العرقي إلى خطاب كراهية دينية أو طائفية مجددا، ولكن في هذه المرة قد لا ينحصر على المستوى المحلي فحسب؛ بل سيكون صراعا إقليميا أو دوليا!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلمات المفتاحية: العقوبات الأمريكية، علي دراسة، جمهورية إفريقيا الوسطى، سيليكا، أنتي بالاكا، فرنسا، روسيا، بعثة الأمم المتحدة

محمد زكريا فضل

أكاديمي اقتصادي، مهتم بقضايا إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية. مدير الأبحاث والدراسات بالمركز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى