محمد صالح عمر مدير آفروبولسي
جاء في تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بان توجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في تبني التدخل العسكري لحل أزمة النيجر غير صائب وقال اننا نسعى جاهدين للحفاظ على علاقاتنا معهم وندرس كيف نلعب دورنا المحوري في النيجر، نحاول في هذه الورقة دلالات التصريح وعلاقته بالصراع التركي الفرنسي في إفريقيا.
منذ أن تبنت تركيا استراتيجية التوجه نحو إفريقيا في بداية الالفية الجديدة، رصفت رؤيتها بعدد من البرامج التي تمهد لفهم سياستها واستيعابها مع تفعيل الوسائل الكفيلة بإنجاحها، وأصبحت عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي عام 2005، وفي مؤتمر الشراكة التركية الإفريقية الذي عقد في اسطنبول في 2008 أُعلن تركيا شريكا استرايجيا لإفريقيا وانطلقت في تنفيذ الرؤية، حتى أصبحت فاعلا يُحسب له حساب في كثير من القضايا، واستطاعت مزاحمة الفاعلين التاريخيين في القارة السمراء.
المقاربة التركية في غرب إفريقيا
غني عن القول أن تركيا تمكنت من بناء علاقات قوية في وقت وجيز في غرب إفريقيا ضمن استراتيجيتها الإفريقية، واستطاعت أن تُنشئ بنية تحتية متينة من الثفة مع الدول الإفريقية عبر عدد من البرامج، التي استخدمت فيها السياسة والاقتصاد والقوة الناعمة.
ولأن الدوافع الرئيسية لتركيا هي الدوافع الاقتصادية، إضافة إلى توسيع التجارة فضلا عن رغبتها في زيادة ثقلها الجيوسياسي، لا تتعارض مع الفاعلين الآخرين، وجدت طريقها لبناء علاقات مثمرة، خاصة وأن العامل الديني يعلب دورا مهما لدى أغلبية الدول الإفريقية، فتأسست المجالس التجارية والبرلمانية المشتركة مع كل الدول في المنطقة، وقدمت تركيا خبراتها في عدد من المجالات، يُضاف إليه حضور مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في المجال الإنساني، والثقافي والصحي تقدم المشروعات والبرامج.
لتركيا عدد من اتفاقيات التعاون العسكري مع عدد من دول المنطقة، وقدمت دعما لهذه الدول في مواجهتها للجماعات الإسلامية المتطرفة، مستثمرة استياء معظم شعوب المنطقة إن لم يكن كلها من فرنسا التي تستغل مقدراتهم وتهيمن على اقتصاداتهم، وتعمق الخلافات بينهم. وبالتالي يمكن أن تقول إن تركيا خلقت واقعا جديدا يخدم أجندها في تحقيق تطلعات الشعوب الإفريقية لإيجاد صديق حقيقي، يعمل لمصلحة الطرفين على قاعدة الكل رابح.
التنافس التركي الفرنسي في غرب إفريقيا
على الرغم من أن أسباب العداء بين تركيا وفرنسا لا علاقة لها بإفريقيا، إلا أنها أصبحت واحدة من المسارح التي يجري فيها الصراع بين البلدين، إذ تعتبر فرنسا تركيا تخصم من رصيدها وتعمل على تناقص نفوذها مع تفوق الميزات التركية في إفريقيا، وعوامل تفوق تركيا كثيرة رغما عن رسوخ وقدم فرنسا في غرب إفريقيا إلا أن التمدد التركي تنظر إليه فرنسا بجزع ليس اقلها مقبولية تركيا لدى الشعوب الإفريقية على عكس مشاعر الإحباط والكُره المتعاظم ضد فرنسا، كما أن تركيا تنتقم من فرنسا وتعمل بكل ما تجد من قوة على دعم الاتجاهات التي تقود رفض فرنسا في غرب إفريقيا بشكل عام:
1. المزاحمة الاقتصادية: معلوم أن منطقة الساحل ظلت ولفترة طويلة حكرا على الشركات الاقتصادية الفرنسية تستحوذ وتحتكر كل المشروعات الكبيرة، ودخلت تركيا لتحوذ نصيبا وافرا من حصصها في مختلف الدول الإفريقية، فالشركات التركية حاضرة في كافة المجالات، نفذت الشركات التركية مشاريع بمقدار 71 مليار دولا في 2021 في إفريقيا.
2. النفوذ العسكري: تمكنت تركيا من إضعاف وضع فرنسا عبر ضرب حلفائها ودعم خصومها في لبيبيا ومن خلال قاعدة لها هناك فضلا عن قاعدتها في الصومال على مقربة من قاعدتها الأخرى في جيبوتي كما لعبت تركيا دورا في دعم دول مجموعة الساحل ضد الحركات المسلحة والمنظمات التي فرختها التدخلات الفرنسية في عدد من البلدان، وقدمت الدعم المالي عبر دعمها لمبادرة تعزيز ااستقرار الساحل ب 5 ملايين دولار.
3. اتفاقيات تعاون عسكري مع عدد من الدول التي كانت من حلفاء فرنسا في المنطقة، وأهمها اتفاقية دفاع مشتركة توقع المراقبون بترقيتها لاحقا إلى قاعدة في النيجر لتكون خط إمدادا للقاعدة في ليبيا، وهو بلا شك يعتبر تحديا للنفوذ الفرنسي.
4. القوة الناعمة: معلوم أن فرنسا هيمنت على مناطق نفوذها في إفريقيا عبر المراكز الثقافية والمؤسسات التعليمية، واستطاعت تركيا وبجدارة ان توجد لنفسها موقعا متقدما في الكسب الثقافي عبر الدبلوماسية الثقافية والعمل الإنساني، ابتداء من مؤسسة التنسيق والتعاون تيكا ” TIKA” ووقف المعارف ووقف الديانة، ومعهد يونس إمرة، والأوقاف الأهلية والمؤسسات المدنية المنخرطة في كافة الأعمال في إفريقيا، وحققت نجاحا لا تخطئه العين.
5. توظيف الخطاب المناهض للاستعمار: استطاعت تركيا وبذكاء توظيف الخطاب المناهض للاستعمار وتاريخه وآثاره، ولقي نصيبا من النجاح لدرجة غضب الفرنسيين من سلوك تركيا حيث اتهم الرئيس الفرنسي ماكرون تركيا بتقويض علاقات فرنسا في غرب إفريقيا من خلال اللعب على استياء ما بعد الاستعمار.
العلاقات التركية النيجرية
لتركيا علاقات ممتدة مع النيجر تعود إلى مئات السنوات، وبعد استراتيجية الانفتاح على إفريقيا، افتتحت تركيا سفارتها في نيامي عاصمة النيجر في 2012 وافتتحت النيجر سفارتها في أنقرا في ذات العام، وتطورت علاقات البلدين بشكل سريع. وفي زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في 2020 تم الاتفاق على مجموعة من الاتفاقيات حيث قال الوزير حينها: إن تركيا تشارك في الرؤية العظيمة لخطة تنمية النيجر في مجالات النقل والبناء والطاقة والتعدين والزراعة وتعزيز التعاون في محاربة الإرهاب. وتم توقيع اتفاقية تعاون عسكري والرياضة والشباب،
– ارتفع مستوى التجارة بين البلدين
– نفذت الشركات التركية عددا من المشروعات في النيجر مثل بناء فندق فخم ومستشفى كبير وتجديد مطار نيامي، رفعت قدرة النيجر لاستضافة القمة الإفريقية في 2019
– أثمرت اتفاقية التعاون العسكري شراء النيجر طائرات بدون طيار المعروفة ببيراق دار TB2 وطائرات هجومية من طراز هوركوش.
الموقف الفرنسي والموقف التركي من الانقلاب
اتنقد الفرنسيون ما جرى في 26 يوليو ونددوا بالانقلاب، كما أعلنوا عن تعليقهم للبرامج التي تدعمها فرنسا في النيجر، المدنية والعسكرية ودعمها للموزانة العامة، ودعت إلى إعادة الرئيس المنتخب، وما لم تتوقعه فرنسا هو ان يُعلن قادة الانقلاب إيقاف تصدير اليوارنيوم وفسخ الاتفاقيات العسكرية بين البلدين وهو ما رفضته فرنسا، باعتبار ان من أصدر القرار جهة غير دستورية.
بالمقابل لم تدن تركيا ما جرى في النيجر ولكن وصفته بانه انقلاب في بيان وزراة الخارجية دون أن تدينه، ولكن بما أن الانقلاب يرغب في إخراج فرنسا من النيجر فإن هذا يتفق مع رغبة قوية لدى تركيا، واستراتيجيتها في تقويض النفوذ الفرنسي في إفريقيا على وجه العموم.
وتعليقا على قرار المجلس العسكري في النجير وقف صادرات اليورانيوم قال الرئيس التركي أردوغان، كان هذا ردا على الممارسات القمعية التي تمارسها فرنسا وهي ممارسات لا تقتصر على النيجر بل تمتد إلى الجزائر ومالي ورواندا إشارة انحياز فرنسا للهوتو في الحرب الأهلية التي حدثت في 1994.
حيثيات الموقف التركي
ينطلق الموقف التركي أولا من رؤيته للحفاظ على المصالح التركية في النيجر، وفي المقام الثاني يهمها ان تخرج فرنسا من إفريقيا الغربية مواقع نفوذها التاريخية، ويسوق الموقف التركي عددا من المبررات لموقفه:
– الخوف من عودة حالة عدم الاستقرار في النيجر والمنطقة بأسرها وهو مهدد حقيقي للمصالح المتحققة والتي يتنظر تحقيقها في المستقبل
– أشار البعض من أن تركيا تخشى من أن الاضطرابات والمواجهات ف يالنيجر ستؤثر بشكل مباشر في وضع ليبيا التي تتأثر تاثيرا مباشر بما يجري في النيجر
– جاء في تصريح أردوغان أن شعب النيجر سيدافع عن الديمقراطية ويذهب للانتخابات في أقرب وقت ممكن وهو موقف داعم للجيش الذي يتبنى طرد فرنسا وهو هو ما يتسق مع الرؤية التركية
– تهديد الاستقرار الإقرار الإقليمي، إذا حدث تدخل عسكري وتعاملت معه مالي وبوركينا فاسوا بمساعدة النيجر وهو أمر خطير لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاته
– تركيا تؤيد عودة النظام الدستوري والإدارة الديمقراطية في أقرب فترة ممكنة.
توافق الموقف التركي مع الموقف الأمريكي
تلتقي تركيا مع الولايات المتحدة في سياقات وتفترق عنها في أخرى، ولكل مقاربتها في إفريقيا، ومن المفارقات أن موقف الدولتين توافقا في أزمة النيجر مما فتح تساؤلات في السر وراء ذلك:
– منذ اليوم الأول تجنب المسؤولون الأمريكيون وصف ماجرى في النيجر بانقلاب، وعلى الرغم من أنهم أوفدوا مسؤولا رفيعا لمقابلة قيادة المجلس العسكري في النيجر ولم يعلن عن أهداف ونتائج الزيارة إلا أنه يمكن رصد التالي:
– تصر الولايات المتحدة الأمريكية، على الحل الدبلوماسي مخرجا للأزمة ولم تصنف ماجرى كإنقلاب حتى لا تضطر إلى الدخول في إجراءات أقل ما ينالها منه تعليق التعاون وقطع المساعدات والبحث عن تدابير لإغلاق القواعد التي تديرها في النيجر
– أرسلت الولايات المتحدة سفيرة جديدة لتعمل من نيامي التي تهددها إيكواس بالتدخل العسكري، وهو ما أغضب فرنسا، لتناقض ما تقوم به مع ما ظلت تنادي به في الديمقراطية ورفض الانقلابات.
– لم يطلب الإنقلابيون في النيجر من أمريكا إغلاق قواعدها أو أي إجراء يقلل من تواجدها.
وأبدى المسؤولون الأمريكيون نفس المخاوف التي تحدثت عنها تركيا:
– يرى عدد من المراقبين أن الحرج الذي وقعت فيه أمريكا يستحق ان تقف هذا الموقف في ظل الخوف من البديل الروسي الذي يتأهب لملء الفراغ، فضلا عن الخوف من انزلاق المنطقة إلى فوضى أمنية يمكن أن تأتي بفاعلين آخرين من منظومات أخرى.
– كما أن هناك مقاربات لبعض المحللين ذهبت بأن الولايات المتحدة الأميركية لا ترغب في بقاء فرنسا في النيجر في ظل الرفض القوي من الجميع لوجودها.
هل يمكن أن تكون تركيا مفتاحا لحل الأزمة
ذهبت تحليلات عديدة تفسر تصريحات الرئيس أردوغان على أنها مبادرة لمقاربة جديدة تبحث عن حل غير الذي ترغب فيه إيكواس وهي ذات الوصفة التي تعاملت بها مع مالي وبروكينا فاسوا التي تقضي بعودة البلاد إلى النظام الدستوري في فترة يُتفق عليها، وهو ما تُرجح مصادر كثيرة أنه المسار الأنسب للوضع في النيجر والمنطقة، ويحافظ على المنظمة متماسكة ولا تدفع بالمنطقة إلى الفوضى، وبالتالي يتحقق لتركيا تعزيز استراتيجيتها في إفريقيا ويعمق تموضعها في دول الساحل التي تقدر الدور التركي، كما أن الولايات المتحدة تُبقي عينها على المنطقة بالمستوى الذي لا يجعل المنطقة تخرج من دائرة نفوذها مع حضور لحلفائها فهل تخطوا تركيا لنزع الفتيل الذي قد يشتعل في أي لحظة، وتحقق كسبا استراتيجيا كام فعلت في أذربيجان وليبيا، هذا ما يمكن أن التنبؤ به في مثل هذا السياق.
خلاصة
لم تكن النيجر أول دولة يحدث فيها انقلاب ولن تكون بالضرورة آخر دولة ولكن الملاحظة الرئيسة هي أن أزمة النيجر تطورت وتجاوزت من كونها محلية وإقليمية إلى أزمة تعددت أطرافها، والفاعلين فيها، ما أكسب البلاد أهمية إضافية، إضافة إلى أنها ربما تغير في قوانين المؤسسات الإقليمية في غرب إلإريقيا باعتبارها سابقة ستقود إلى إعادة التفكير في بعض الأسس التي تدار بها تلك المؤسسات، وهو أمر مهم سيضيف بعدا جديدا لتطويرها ومأسستها، وإعطائها مزيدا من الاستقلالية في قراراها.