وحدة البحث بالمركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، في اسطنبول ندوة سياسية حول” مستقبل العملية السياسية في تشاد في ظل تحديات المرحلة الانتقالية”. وقد تمت أشغال هذه الندوة عبر تطبيق ” زووم” بتاريخ 24 أيلول/ سبتمبر 2022 ودامت قرابة ثلاث ساعات متواصلة، شارك فيها عدد من الأكاديميين والسياسيين والناشطين.
استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره للمشاركين والشخصيات المتدخلة وحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، كما أوضح أهمية الندوة في هذا التوقيت الدقيق الذي تمر به تشاد وبما تتيحه الندوة لأطراف النزاع في تشاد من فسحة للحوار والتقريب بين الرؤى المتعارضة والآراء المختلفة، خاصة وأن هذه الندوة تمكنت من جمع الفرقاء الشاديين من مختلف التوجهات لأول مرة في فضاء حواري واحد.
افتتحت فقرات الندوة بمداخلة الدكتور أحمد محمد عمر ساعد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كرابوك بتركيا الذي شكر دور المركز في الحوار بين الفرقاء . وتناولت مداخلة الدكتور أحمد المحور الأول للندوة الذي كان تحت عنوان ” طبيعة الدولة التشادية من حيث النشأة والتكوين والطبيعة السياسية”، وقدم خلالها الدكتور لمحة تاريخية عن تاريخ تشاد وعن قدم مفهوم الدولة والنظم السياسية عند التشاديين التي تولدت منذ العصور القديمة عبر الممالك التي نشأت بها وخاصة خلال الفترة التاريخ الوسيط والحديث السابق للاستعمار، وقام بدحض الفكرة السائدة بارتباط هذا المفهوم بالفترة الاستعمارية كما تروج له الرؤية الاستعمارية، وعلى العكس فالمستعمر الفرنسي قام بتغيير مفهوم الدولة في تشاد وجعله منقوصا من ناحية السيادة فالدولة تدار من باريس وهذا ما يجعل مفهوم الدولة منقوصا من ناحية السيادة والسلطة.
ومن جانبه أكد الأستاذ محمد عبده مرخوص الناشط الحقوقي والباحث في إدارة الرعاية الصحية، أن النسيج المجتمع التشادي كان متماسكا وكان مثالا للتعايش حيث لم يشهد صراعات داخلية في السابق، ولكن مع مجيء الاستعمار الفرنسي وبعيد الاستقلال سنة 1966 ومع مجيء حكومة الرئيس تمبل باي بدأ بسجن شخصيات مهمة ومرموقة جدا في المجتمع التشادي وهو ما أجج الصراعات بسبب غضب المواطنين حول هذه الاعتقالات، لتتبلور هذه الصراعات لاحقا فيما يعرف بحرب التسعة أشهر وكان المستعمر الفرنسي فاعل مباشر في هذه الحرب، كما أن الصراع انتقل من الداخل إلى الخارج ومن بينها الحرب بين تشاد وليبيا وكانت لفرنسا اليد الخفية وراء كل هذه الصراعات، التي ساهمت بطريقة ما في صياغة مفهوم الدولة والنظم السياسية الحالية بتشاد الحالية وتسبب في عدم استقرارها وازدهارها.
وتناول المحور الثاني من الندوة ” تحديات الفترة الانتقالية نقاط الاختلاف والاتفاق بين المعارضة والمجلس العسكري” حيث ذكر الدكتور إسماعيل محمد طاهر أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة “هيك تشاد” وهو كذلك كاتب وباحث في الشأن الإفريقي، أهم الاتهامات الموجهة للنظام التشادي ومنها الفساد والتشبث بالسلطة والتغيير الدائم للدستور وهو ما أفرز التنظيمات المسلحة التي بدأت في سنوات 1994-1995-1996 تعارض النظام التشادي وتمركزت في المناطق التالية: بحيرة، شرق البلاد، وشمالها. وتطرق إلى اللقاءات الحوارية التي جمعت الفر قاء التشاديين مثال محادثات الدوحة وأسباب فشلها ومن أبرزها تغييب فاعلين سياسيين أساسيين عن هذه المحادثات، وعدم الاتفاق حول ملف الأسرى وضمان سلامة المعارضين حيث لم تجد هذه الأطراف جهات ضامنة في هذا الملف مثل الاتحاد الافريقي أو الأمم المتحدة، وأكد على أن حوار أنجامينا الحالي مصيره كحوار الدوحة.
وفي مداخلة الدكتور محمد أحمد جدة البشير الوزير السابق ومستشار المجلس العسكري الانتقالي، والذي تناول دور اللجنة المكلفة بالحوار والمجلس العسكري في تشاد وعن مستقبل آليات دمج الجيوش العسكرية وعن المجلس الوطني الانتقالي وما هي أجندة عمل مجلس رئاسة الوزراء الانتقالي، وأكد على أن كل ما قدمته الأطراف التشادية تم تبويبه ضمن خمس محاور أساسية: الحريات الأساسية، شكل الدولة، النظام الديمقراطي، الانتخابات، القطاعات (الصحة، والتعليم) والمشاكل الاجتماعية واخراجها في مسودة لكل أطراف الحوار، كما أن هذه المحاور لا تزال قابلة لتعديل والاضافة، مؤكدا على أهمية الحوار وتقديم التنازلات السياسية من جميع الأطراف لإنجاح الحوار والوصول إلى حلول المشكلات عبر مراحل متدرجة.
وكانت المداخلة الأخيرة من قبل الدكتور محمد شريف جاكو المعارض والناشط السياسي والحقوقي ، والذي جاءت مداخلته ضمن المحور الثالث للندوة ” مستقبل العملية السياسية في تشاد والسيناريوهات المتوقعة”، حيث أشار إلى أسباب فشل حوار الدوحة وصعوبة توصل أطراف النزاع في تشاد إلى اتفاق وخاصة أن مهام المجلس العسكري ضمن الفترة الانتقالية التي تدوم مدة 18 شهر وتنتهي في 20 أكتوبر القادم، فقد أكدت عديد الأطراف التشادية الفاعلة أنها تنتظر هذا التاريخ لتنهي التزامها بالاتفاقية وخاصة المعارضة المسلحة بالخارج، وستقوم بعدها بالتصرف بناء على ما تراه.
كما قدم الأستاذ إبراهيم الشبيكي رئيس الجبهة الشعبية التشادية مداخلة انتقد فيها طريقة إدارة الحوار في انجامينا حيث قال أن الحوار بغير ذات مضمون ولن يحقق شيئا وأنهم غير معنيين بمخرجاته.
وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية ، تم فتح باب النقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول العملية السياسية في تشاد، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، كما وجهت عديد الأسئلة للمتحدثين، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع وفي ربطه بالشأن الإفريقي بصفة عامة. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.
وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وقام بتقديم التوصيات للأطراف في التشاد وبطرح رؤية المركز الإفريقي فيما يتعلق بالملف التشادي، وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن التشادي والإفريقي من المتداخلين والمتابعين.
خصلت الندوة إلى أهمية بذل الجهود الرامية إلى فتح مزيد من فرص الحوار بين أطراف المصلحة كما جاء في كلمات المشاركين في الندوة والتي أجمعوا عليها وهي ألا سبيل إلى حل مشاكل تشاد إلا بالحوار ويجب ألا تحتكر جهة ما القرار وحق الجميع في التعبير والرأي وأن تشاد بحاجة إلى الحوار السلمي وليس إلى حوار البندقية، وإتاحة الفرصة لجيل الشباب ليتحمل مسؤولياته في النهوض بالبلاد التي تستحق أن تكون في مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة.