فعالياتندوات

تقرير ندوة الأزمة السياسية في السودان تحديات الانتقال وأفاق المستقبل

اعداد فريق المركز

نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات بالشراكة مع المركز الإفريقي للدراسات والبحوث الاستراتيجية، في اسطنبول ندوة سياسية حول” الأزمة السياسية في السودان تحديات الانتقال وأفاق المستقبل ” وهي الندوة السادسة ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أشغال هذه الندوة بمقر المركز الإفريقي للدراسات والبحوث الاستراتيجية وعبر تطبيق ” زووم” بتاريخ 21 يناير 2023 ودامت قرابة ثلاث ساعات، شارك فيها عدد من الأكاديميين ومن المختصين في الشأن السوداني وشخصيات سياسية سودانية.

مدير المركز، محمد صالح عمر يتوسط دكتور مطرف صديق والدكتور ياسر يوسف

استهلت أعمال الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره للمشاركين والشخصيات المتدخلة وحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، وأهم الأسباب التي تقف وراء تعثر الانتقال الديمقراطي في السودان التي ولدت أزمة السياسية الحالية بالبلاد.

افتتحت فقرات الندوة بورقة الدكتور ياسر يوسف وزير الإعلام السابق بالسودان ودكتور في القانون المقارن، حيث قام بتقديم ورقة بحثية بعنوان الأزمة السودانية المسببات وآفاق حلولها، تناول في البداية الأستاذ ياسر يوسف الفراغ الدستوري الذي حدث طيلة الأربع سنوات، كما تناول أهم محاور الأزمة وأسباب طول امد الفترة الانتقالية وما تخللها من اتفاقية كاتفاقية جوبا ومن ثم الاتفاقية الإطارية الأخيرة .

من ثم تطرق إلى الفاعلين في الأزمة السودانية حيث قسمهم إلى ثلاثة فاعلين وأولهم المكون العسكري الذي يعيش حالة من الانقسام ومن ثم المكون الثاني ألا وهو قوى الحرية والتغيير التي تنقسم إلى أربع عناصر رئيسية أولها: – المجلس مركزي، القوى ديمقراطية، قوى التغيير الجذري (الحزب الشيوعي)، والكتلة الوطنية، والفاعل الأخير ألا وهو الزعامات القبلية وهي من العناصر المؤثرة كثيرا في السياسية السودانية.

وفي تناوله لقوى الحرية والتغيير أرجع مظاهر تراجع دور هذا المكون السياسي إلى فقدانه القدرة والقوة على تحريك الشارع، وبأن الازمة الاقتصادية انعكست سلبا عليه، كما أن تفكك هذا المكون وتضارب التوجهات والآراء داخله أثر عليه كثيرا.

وخلص الدكتور ياسر أن أهم التحديات القادمة في السودان تتمثل في الانقسام السياسي الذي يلوح بشبح الفوضى وثانيا الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد حيث بلغت نسبة التضخم 600%، ثالثا التدخلات الأجنبية وأخيرا الأزمة السياسية الداخلية التي تعيشها الأحزاب مما سيزيد في مفاقمة الأزمة، كما أنه خلص في النهاية إلى أن أكثر السيناريوهات المتوقعة في الازمة السودانية هو القيام بحوار وطني شامل يستوعب كل القوى السياسية الفاعلة في المشهد السوداني يفرز حكومة تكنوقراط ليكون ممهدا للخروج من الأزمة.

وجاءت المداخلة الثانية للدكتور عمر الخير إبراهيم  وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة الجزيرة ومدير المركز السوداني للديمقراطية والتنمية، إذ قام بتقديم ورقة بحثية تحت عنوان الأحزاب السياسية والانتقال الديمقراطي الأزمة السودانية وشروط الحد الأدنى من التوافق السياسي، حيث طرحت الورقة فرضيتن، أولا أن المجتمع المدني مسؤول بدرجة أولى عن عملية الانتقال الديمقراطي ثم الأحزاب السياسية بدرجة ثانية، أما الفرضية الثانية فتذهب بأن المسؤول عن هذا التعثر يقف وراءه غياب التوافق السياسي بين الأحزاب السياسية، كما أكد على أن الأزمة السياسية الحاصلة الآن في السودان تعود لسببين رئيسين، الأول هو الصراع السياسي بين الأحزاب السياسية والثاني يتمثل في مماطلة الجيش في تسليم السلطة للمدنيين.

وفي تطرقه إلى كيفية الانتقال الديمقراطي غاصت الورقة البحثية في تعريف الانتقال الديمقراطي من ناحية مفاهيمية نظرية، وبنى عمر الخير رؤيته للانتقال الديمقراطي على نظرية عالم الاجتماع الأمريكي دانكورات روستو حول الانتقال الديمقراطي، التي تعتبر أن الانتقال الديمقراطي عملية أخذ قرار ترتبط بثلاث قوى أساسية كالآتي: النظام الحاكم، والمعارضة، والقوى الخارجية، أين تمتلك كل هذه القوى دوافع تجعلها تدفع نحو الانتقال الديمقراطي، وأن الصراع بين هذه الأطراف هو محدد لنتيجة أو الشكل النهائي للنظام، واعتبر الدكتور عمر أن هذا النموذج يناسب الحالة السودانية ويمكن اسقاطه عليها.

حيث اعتبر عمر أن أهم ثلاث نقاط وجب توفرها للخروج من الأزمة الحالية تتمثل في وجود توافق سياسي، وحدة وطنية، وأخيرا رفض الدخل الأجنبي، وتوفر شرط رفض التدخل الأجنبي هو ما سيحقق التوافق السياسي والوحدة الوطنية، فالتحالف بين الأحزاب السياسية وتحديدا القوى المؤثرة في المشهد السياسي عبر تجاوز اختلافاتها الايدولوجية وصراعاتها سيساهم في إضعاف التدخل الخارجي في السودان. كما أكد على أن التوافق السياسي أيضا يحمل عديد المزايا فالتوافق السياسي يساهم في إعادة تصحيح مسار السلطة أو في بنائها، ويولد عدم الإقصاء لأي مكون سياسي أو اجتماعي في العملية السياسية، وهو من أهم آليات الانتقال الديمقراطي.

وبانتقاله لإسقاط النظريات التي ذكرها على الواقع السوداني، توجه الأستاذ الخير إلى أن المشهد في السودان منقسم إلى قسمين فيما يتعلق بقضية التوافق السياسي:

– أولا قسم يعارض فكرة التوافق السياسي وتمثله قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وهي القوى المحسوبة على الثورة التي تتوجه نحو فكرة التوافق السياسي داخل قوى الثورة فقط أي توافق غير شامل دون القوى السياسية الأخرى وهي من أكبر العوائق التي تواجه عملية التوافق السياسي في السودان.

– ثانيا قسم يؤيد فكرة التوافق السياسي الشامل يتمثل في القوة المسلحة والجبهة الثورية وبقية القوى السياسية في البلاد، وهو ما يجعل أن أغلب القوى السياسية في السودان تساند فكرة التوافق الشامل.

ومن ثم تطرق إلى محاولات التوافق التي حصلت في السودان وأبرزها توافق قوى الحرية والتغيير مع حمدوك التي أفرزت حكومة تم الانقلاب عليها في 25 أكتوبر مما تمثل في إعلان انتهاء التوافق بين المكون العسكري والمكون المدني متمثل في قوى الحرية والتغيير، كما أن المواقف المتباينة من الانقلاب بين القوى السياسية وما تلاه حتى من انقسام داخل قوى الحرية والتغيير تبين مدى هشاشة حدوث توافق سياسي في المشهد السوداني.

ومن ثم تطرقت الورقة البحثية إلى الاتفاق الإطاري الذي جاء نتيجة لفشل المكون العسكري لتقوية الحكومة، ومن بين إيجابيات الاتفاق الإطاري أنه تناول عزل العسكر من السياسية ووضع قيادة مدنية للحكومة الانتقالية، ولكن من سلبياته هو توقيع كل طرف بصفة منفردة لكل مكون سياسي وهي عملية فرز تؤكد وجود محاولات للهيمنة على العملية السياسية، والسلبية الأهم هي عدم الحسم في القضايا الخلافية وتم الدفع بها نحو المكون المدني مما ساهم في زيادة انقسامه وتعقيد الازمة، وهو مزاد في تمسك المكون العسكري بموقفه المنادي بتسليم البلاد إلا في حالة حدوث الانتخابات أو التوافق السياسي.

أما المحور الثالث في الندوة فتمثل في ورقة بحثية جاءت تحت عنوان التدخلات الدولية والإقليمية في الأزمة السودانية وكانت المداخلة فيه للدكتور مطرف صديق سفير جمهورية السودان لدى الاتحاد الأوروبي ببروكسل واول سفير للسودان في جوبا بعد الانفصال مباشرة ، حيث قام في أول الكلمة بإعطاء لمحة تاريخية حول التدخل الدولي والإقليمي في السودان وصولا إلى تقسيم السودان والضغوطات التي كانت تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية على حكومة الإنقاذ الوطني في آخر أيامها.

كما تطرق إلى دور المنظمات الإقليمية وتحديدا الاتحاد الافريقي في الازمة السودانية الذي وصف حركة 25 أكتوبر 2021 بالانقلاب العسكري وأعلن عن تجميد كل أنشطة السودان داخل الاتحاد وقام بإرسال بعثة لإيجاد حل أو توافق دستوري في السودان، فدور الاتحاد الافريقي خلال الأزمة السياسية انحسر بعد الوثيقة الأولى ليصعد مكانه دور المبعوث الاممي الألماني سنة 2020 المدعوم من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، الذي جاء بناء على طلب حمدوك في إرسال بعثة أممية للسودان، لكن هذه البعثة لم تفي بعهودها في الوقت والآجال المحددة لها.

أما بالنسبة لبقية القمم والمؤتمرات الدولية التي أقيمت لدعم السودان لم تخرج منها أية نتائج ملموسة وظلت كلها وعود لم يتم تنفيذها والدليل على أن السودان إلى هذه اللحظة دولة فقيرة ومثقلة بالديون، ولم تنفذ إلا برامج محدودة كتغيير مناهج التعليم المدعومة من قبل UNDP ودعم المنظمات الجندرية التي تنادي بتحقيق المساوات، كما أنه تم تغيير قانون الأحوال الشخصية والقوانين التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية وهو ما يستهدف الثقافة والهوية السودانية من دون تقديم مساعدات ملموسة تساعد على الخروج من الأزمة، وأشار إلى نجاح القوى الخارجية في استقطاب السياسيين والناشطين لتنفيذ اجنداتها في التغيير الثقافي في السودان.

وأشار الدكتور مطرف إلى أهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه مصر في السعي للم الشتات وأن تكامل الدور السوداني مع الدور المصري يمكن أن يكون أحد أهم الحلول للخروج من الأزمة، فمصر تتشارك مع السودان بسبب عديد المسائل المشتركة بين البلدين وأهمها قضية النيل وبناء سد النهضة، وهو أن أحد أهم الحلول الأخرى يتمثل في ضرورة خلق جبهة وطنية موسعة واعية وفق عمل وطني مدروس لمجابهة التدخل الأجنبي يعتبر عاملا أساسيا للوحدة والخروج من الأزمة.

جانب من الحضور

وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول الأزمة السياسية الحالية في السودان، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.

وقبل الختام خاطب الحضور مدير المركز الإفريقي للدراسات والبحوث الاستراتيجية شاكرا المتحدثين والمعقبين والمتداخلين كما أكد على أهمية مثل هذه الندوات ودورها في إثراء الحوار وصولا إلى رؤى من شأنها أن تسهم في تقديم مقترحات تعين في التقريب بين المواقف المختلفة في الساحة السياسية السودانية

وفي الأخير وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن السوداني بصفة خاصة والإفريقي بصفة عامة من المتداخلين والمتابعين، كما ننوه أنه سيتم نشر الورقات البحثية التي طرحت في الندوة على الموقع الرسمي للمركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى