إصداراتترجمات

قراءة لمؤشر التهديدات الأمنية في إفريقيا لعام 2021م

ترجمة وتلخيص محمد زكريا
باحث اقتصادي، مهتم بالشؤون الإفريقية الاقتصادية والاجتماعية

ملخص
قدّم مؤشر التهديدات الأمنية لعام 2021م بيانات عن جميع دول العالم؛ لكن هذه القراءة السريعة ركزت على القارة الإفريقية فقط. شمل المؤشر 50 دولة إفريقية حصلت على التصنيف الذي يقيس مستوى التهديدات الأمنية من صفر إلى عشرة نقطة، كلما اقترب الرقم من الصفر قلّت التهديدات الأمنية، والعكس أيضا صحيح. تصدّرت جزر موريشيوس القائمة، وكانت قد صنفت كأفضل بلد إفريقي يتمتع بالأمن والاستقرار منذ عام 2013م. ثم تلتها في المرتبة الثانية والثالثة كل من بتسوانا وسيراليون، وجاءت المملكة المغربية في المرتبة العاشرة لعام 2021م. في المقابل، تصدرت ليبيا قائمة أكثر بلدان إفريقيا من حيث  التهديدات الأمنية، تلتها مالي والصومال. هذه الدول الثلاثة نفسها كانت في قائمة 2020م بتبادل المراكز بينها كأكثر ثلاث دول غير مستقرة وغير آمنة على مستوى القارة الإفريقية.

مقدّمة
حسب تقرير صندوق السلام في عام 2021م، وهو مؤسسة فكرية أمريكية، هناك 15 دولة هشة حول العالم، 11 منها يقع في القارة الإفريقية. هذه الدول تعاني من مشاكل عديدة، مثل: عدم الاستقرار المزمن، والانهيار البطيء لبعض دول الساحل، وتوسع أعمال التمرد والعنف والإرهاب وتصاعد الحركات الجهادية، وتفشي سلوك الانقلابات العسكرية.
وبناء عليه، بات من الضروري، بالنسبة للأجهزة الأمنية، الاهتمام بدراسة التهديدات الأمنية للدولة، مثل: التفجيرات، والهجمات العنيفة، والوفيات المرتبطة بالمعارك، أو حركات التمرد، أو التمرد نفسه، أو الانقلابات، أو الإرهاب وتوابعه. كما يأخذ الجهاز الأمني في الحسبان العوامل الإجرامية الخطرة، مثل: الجريمة المنظمة وجرائم القتل، والثقة المتصورة للمواطنين في الأمن الداخلي. كلما ارتفعت قيمة المؤشر، زادت التهديدات الأمنية في الدولة، ومن ثم صُنّفت كدولة ذات تهديدات أمنية عالية.
يقدّم موقع www.theGlobaleconomy.com  بيانات اقتصادية موثوقة عن الدول حول العالم تحتوي أكثر من 500 مؤشر لأكثر من 200 دولة، والتي تغطي فترة أكثر من 50 عاما (منذ عام 1960 وحتى الآن). من ضمن هذه المؤشرات مؤشر التهديدات الأمنية الذي يقيس درجة التهديد لكل دولة حول العالم، ويعطي نطاق رقمي مداه 0 بين الصفر (0) والرقم عشرة (10) كمعيار قياسي موحد. كلما اقترب الرقم إلى الصفر اعتبر التهديد الأمني منخفضا، وكلما اقترب إلى الرقم عشرة اعتبرت التهديدات الأمنية مرتفعة وخطرة، وفي نهاية كل عام يقدم متوسطا سنويا لكل دولة يحوم حول هذا النطاق.
بيانات مؤشر التهديدات الأمنية متاحة من 2007م إلى 2021م، مع توفير رسوم بيانية للدول التي توفرت بياناتها. ففي عام 2021م، شمل المؤشر 50 دولة إفريقية وبلغ متوسط مؤشر تهديداتها الأمنية 6.59 نقطة؛ حيث تصّدرتْ ليبا القائمة بـ 9.6 نقطة، بينما حلت موريشيوس في آخر القائمة بـ 1.2 نقطة، وبهذا صُنِّفتْ كأفضل دولة إفريقية من حيث مستوى الأمن والاستقرار.
الجدول (1) يوضح لنا ترتيب عشر دول إفريقية لديها تهديدات أمنية عالية المستوى للعامين 2020م و2021م على التوالي. الصومال (9.8)، وليبيا (9.5)، ومالي (9.5) حصدت الترتيب الأول والثاني والثالث على التوالي في العام 2020م. وفي العام 2021م، نفس الدول الثلاثة جاءت ثلاث دول في أول القائمة بتغيير في المراكز؛ فنجد ليبيا تحصد المرتبة الأولى إفريقيا بـ 9.6 نقطة والثانية عالميا بعد أفغانستان، تليها مالي (9.6 نقطة)، ومن ثم الصومال (9.3 نقطة).
هذه الدول الثلاثة تشترك في مجموعة من التهديدات الأمنية أبرزها هشاشة الدولة، وغياب الخدمات الأمنية الشاملة، والافتقار إلى القيادة السياسية الموحدة التي من شأنها تحمل مسؤولية الأمن والاستقرار. ففي ليبيا مثلا، على الرغم من إنشاء حكومة الوحدة الوطنية، فإنّ القتال بين الفصائل المختلفة ما زال مستمرا ولم يُتوصل إلى تسوية سياسية شاملة بعد. هذا ما أدى إلى تمركز الإجراءات الأمنية المشددة، وبعض الخدمات الحكومية والمشروعات السيادية في العاصمة طرابلس والمناطق المحيطة بها وبعض المدن الكبرى.
الأمر نفسه مشاهد في مالي؛ حيث شهدت البلاد انفلاتا أمنيا في المناطق الشمالية منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في عام 2011م، بسبب نشاط حركات التمرد والانفصاليين، ومن ثم انتشرت الجماعات الإرهابية في المنطقة ذاتها الأمر الذي أدى إلى فقدان السيطرة الأمنية في منطقة الشمال ومناطق أخرى من مالي، وعجزت السلطات المركزية في تقديم خدمات أمنية عن تأمين الحدود والمناطق المضطربة. وبناء عليه استعانت بقوات أجنبية متعددة الجنسيات بقيادة فرنسا التي استمرت عملياتها أكثر من ثماني سنوات ولم تستطع تحقيق الأمن المنشود حتى الآن.
الصومال أيضا منذ سنوات وهي تعاني من الفوضى الأمنية العارمة التي سببتها الحروب الأهلية التي اندلعت في عام 1991م، ثم دخلت جماعة الشباب التي تم تصنيفها من قبل منظمات حقوقية دولية وإقليمية كحركة إرهابية عنيفة، في الخط لتقلب الموازين وتنزلق البلاد في دوامة الأزمات الأمنية والإنسانية. هذه الأزمات الأمنية أفقدت الصومال حكومة مركزية موحدة، فأعلنت منطقة شمال الصومال (أرض الصومال) استقلالها، على الرغم من عدم حصولها على الاعتراف الدولي؛ لكنها ما زالت مصرة على انفصالها. وفي في عام 1998م أعلنت بونت لاند، الواقعة في شمال شرق الصومال، نفسها دولة تتمتع بالحكم الذاتي فقط، عكس أرض الصومال التي تطالب بالانفصال التام.
من خلال الجدول (1) أيضا يلاحظ أن هذه الدول العشرة تقريبا هي نفسها تتربع على القائمة في العامين بتغيير المراكز فقط، ما عدى إثيوبيا التي جاءت في الترتيب العاشر في عام 2021م بدلا من السودان في العام السابق. وهذا متوقع؛ إذْ الحرب الأثيوبية في منطقة التيجراي تعتبر من أكبر التهديدات الأمينية على المستوى القومي والإقليمي. وتجدر الإشارة إلى أن جمهورية الكونجو الديمقراطية حافظت على مركزها الثامن خلال العامين بدرجة بلغت 8.5 في عام 2020م، و8.6 في عام 2021م.

جدول 1: أقائمة 10 دول أفريقية ذات تهديدات أمنية عالية

أفضل 10 دول إفريقية من حيث الأمن والاستقرار
عكس القائمة السابقة؛ فإن الجدول (2) يقدم بيانات عن أفضل 10 دول إفريقية تتمتع بمستوى عال من الأمن والاستقرار وترتيبها عالميا. تتصدر القائمة جمهورية موريشيوس بـ 1.2 من عشرة نقاط، لتحتل الترتيب الأول على مستوى القارة والسابعة عالميا. بوتسوانا تحتل المرتبة الثانية إفريقيا بـ 3.4 نقطة، وترتيبها العالمي 40. تليهما سيراليون (3.8 نقطة) وترتيبها العالمي 45، وزامبيا (4.5 نقطة)، وترتيبها العالمي 59، وغانا (4.6 نقطة)، وتحتل المرتبة 61 عالميا. هذه الدول الخمس حافظت على نفس الترتيب في العام 2020م من حيث الصدارة الإفريقية.
الدول الأربعة: الرأس الأخضر، والجابون، وملاوي، وناميبيا لديها نفس الدرجة (4.8 نقطة)، وربما أتت المفاضلة بينها حسب الأداء العام ومدة الاستقرار الأمني الزمنية. استقر المغرب على المرتبة العاشرة إفريقيا، والتاسعة والستين عالميا مسجلا 4.9 نقطة من 10 في سلم مؤشر التهديدات الأمنية. يلاحظ أن أغلب دول هذه القائمة ليست دول فرنكوفونية ما عدا المغرب والغابون.
لمزيد من المعلومات حول ترتيب الدول الإفريقية في مؤشر التهديدات الأمنية لعام 2021م والتي بلغ مجموعها 50 دولة، يمكن الرجوع إلى الجدول (3) في قائمة الملحقات.

جدول 2: أفضل 10 دول إفريقية ذات تهديدات أمنية أقل

وختاما، يمكن القول إن الإرهاب والتطرف العنيف والانقلابات العسكرية هما أكبر التهديدات الأمنية لأفريقيا في عام 2021م. فضلا عن الجماعات المحلية التي لها روابط إرهابية دولية والتي منتشرة في شرق وغرب وجنوب إفريقيا. أنشطة هذه الجماعات تثير الصراعات المحلية وتمكن من انتشار الجريمة المنظمة مما يزعزع الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
كما أن تدخلات القوات الأمنية الأممية في أكثر من بلد إفريقي والمدعومة من قبل الحكومات الأمريكية والأوروبية والإفريقية، لم تفلح في استتباب الأمن وجلب الاستقرار المنشود. يبدو أنه ما لم يتم تضمين الأساليب المحلية التي تتضمن تكتيكات تتجاوز مكافحة الإرهاب الحركية في استراتيجيات منع التطرف العنيف، والإصلاحات السياسية والاقتصادية الفعلية، والمشاركة السياسية واسعة النطاق؛ فإن الجهود الوطنية والإقليمية والدولية المبذولة في تحقيق الأمن والسلام إفريقيا سنبوء بالفشل!

الملحقات

جدول 3: ترتيب الدول الإفريقية حسب مستويات التهديدات الأمنية لعام 2021م

المصدر: TheGlobalEconomy.com(2)

الهوامش والإحالات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) عبد الرحمن، حمدي، المسارات الكبرى للصراعات الأفريقية في عام 2022، مركز المستقبل: مركز المستقبل – المسارات الكبرى للصراعات الأفريقية في عام 2022 (futureuae.com)
(2) Security Threats Index in Africa, The Global Economy: https://www.theglobaleconomy.com/rankings/security_threats_index/Africa/

محمد زكريا فضل

أكاديمي اقتصادي، مهتم بقضايا إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية. مدير الأبحاث والدراسات بالمركز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى