إعداد: فريق المركز
تمهيد
تسببت قضية هروب الناشطة السياسية مزدوجة الجنسية الجزائرية الفرنسية أمير بوراوي مؤخرا من الجزائر عبر تونس، في توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، بلغت إلى سحب الجزائر لسفيرها من باريس وأما في تونس فكانت انعكاسات هذه الحادثة إقالة وزير الخارجية التونسية وأعقبتها حملة من الاعتقالات
لشخصيات سياسية ورجال أعمال هي الأولى من نوعها في التاريخ التونسي منذ الاستقلال.
وخلال هذا التقرير سنطرح أهم تطورات هذه الحادثة وانعكاساتها على كل من الجزائر وتونس، عبر الإجابة عن تساؤلات حول ماهية أميرة بوراوي، وماهي انعكاسات هروبها على العلاقات الجزائرية الفرنسية وكيف كانت تداعياتها السياسة على تونس؟
قضية أميرة بوراوي في الجزائر
أميرة بوراوي ناشطة سياسية جزائرية فرنسية تعتبر من بين أكبر الوجوه السياسية التي عرفت بمعارضتها للنظام الجزائري السابق برئاسة عبد العزيز بوتفليقة، كما أنها قامت بقيادة احتجاجات كبرى سنة 2011 على إثر موجة ثورات الربيع العربي ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ولكن شهرتها الحقيقية في الجزائر تمثلت في قضيتها الأخيرة التي تسببت في سجنها، حيث وجهت إليها تهمة الاستهزاء بالدين الإسلامي ورموزه أما التهمة الثانية فهي الإساءة إلى الحكومة الجزائرية وإهانة رئيس الجمهورية، ليصدر في حقها عامين سجن سنة 2021.
وفي مطلع شهر فبراير 2023 تمكنت أميرة بوراوي من الهروب من السجن متجهة نحو تونس حيث دخلتها بطريقة غير قانونية، ليتم إلقاء القبض عليها من قبل السلطات التونسية وعرضها على المحكمة الابتدائية في تونس للنظر في حالتها القانونية، وأصدرت قرار بإبقائها في حالة صراحة إلى حين إعادة النظر في ملفها يوم 23 فبراير 2023.
إلا أن أميرة بوراوي تمكنت من الهروب من تونس عبر مطار قصر قرطاج الدولي نحو مدينة ليون الفرنسية بإذن رئاسي مباشر من إيمانويل ماكرون، وقيل إن عملية تهريب أميرة تمت بمساعدة الاستخبارات الفرنسية من الجزائر أولا ثم من تونس، كما أن الناشطة الجزائرية صرحت في وسائل الإعلام والصحف الفرنسية أن قرار خروجها من تونس كان من قبل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد وهذا ما أكدت عليه الصحف الفرنسية وخاصة جريدة Le Monde.
توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا
وجهت الجزائر اتهامات مباشرة إلى دبلوماسيين وقناصل رفقة رجال أمن فرنسيين لضلوعهم في عملية تهريب الناشطة أميرة بوراوي في بيان أصدرته وزارة الخارجية الجزائرية تعتبر فيه الحادثة انتهاكا للسيادة الوطنية الجزائرية، وهو ما دفع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إستدعاء سفير الجزائر بفرنسا للتشاور يوم 8 فبراير 2023. كما وجهت وزارة الخارجية الجزائرية مذكرة احتجاج تطالب فيها باريس بتوضيح عملية الأجلاء الغير قانوني للناشطة بوراوي من تونس إلى فرنسا.
لم تتوقف الأزمة هنا، فقد لاحت بوادر أزمة بين الجزائر وتونس أيضا، حيث تناولت عديد صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمجموعات من التونسيين عالقين على الحدود التونسية الجزائرية، حيث قامت السلطات الجزائرية بإحتجاز قرابة 200 سيارة تونسية، وهو ما أثار حملة واسعة في وسائل الإعلام التونسية حول هذه الحادثة.
مما دفع بالرئيس عبد المجيد تبون إلى التدخل مباشرة مطالبا بعدم إزعاج التونسيين الوافدين والمغادرين للجزائر، وفي يوم 14 فبراير تمت مكالمة هاتفية بين كل من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والرئيس التونسي قيس سعيد ذكر فيها بيان للرئاسة الجزائرية أنها تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين، ويبدو أن هذه المكالمة أنهت التوتر الخفي بين الطرفيين، كما قام وزير الإتصال الجزائري محمد بوسليماني بمهاجمة وسائل الإعلام الفرنسية واتهمها بمحاولة زعزعة العلاقات المتينة بين تونس والجزائر في إشارة لتقرير جريدة Le Monde الذي تناول عملية تدخل الرئيس التونسي مباشرة في خروج الناشطة بوراوي وأزمة التونسيين العالقين على الحدود التونسية الجزائرية.
جاءت أولى ردود الفعل الفرنسية الرسمية بتاريخ 17 فبراير 2023 حيث أصدرت الجريدة الرسمية الفرنسية قرار شطب السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات من السلك الديبلوماسي وإحالته على التقاعد وإنهاء مهامه بداية من تاريخ 10 فبراير 2023، ولم تعلن باريس لحد هذه اللحظة عن البديل، ويبدو أن باريس من خلال قرارها هذا تسعى إلى إحتواء الأزمة مع الجزائر وتهدئة التوتر الديبلوماسي بينهما وخاصة بعد تعثر المفاوضات بينهما بسبب الغاز الطبيعي ومحاولة باريس لإعادة هذه المفاوضات، كما أن المخاوف الفرنسية تكمن في تنامي العلاقات الجزائرية الإيطالية والإمتيازات الأخيرة التي تحصلت عليها روما خلال زيارة ميلوني الشهر الماضي، وهو ما يدفع بفرنسا لمحاولة تخفيف التوتر وتهدئة الأوضاع بين البلدين.
إقالة وزير الخارجية التونسية وحملات إعتقالات كبرى في تونس
لم تتوقف الأزمة بين الجزائر وفرنسا عند هذا الحد، بل كانت لديها انعكاساتها على تونس، حيث تم عزل وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي من منصبه على إثر عملية هروب الناشطة أميرة بوراوي باعتباره صاحب قرار خروجها من تونس، ولكن في الحقيقة وقبيل حصول حادثة أميرة بوراوي كان التخطيط لعزل وزير الخارجية من منصبه حدث تناولته وسائل إعلامية عديدة وأكده عديد الناشطين والإعلاميين المقربين من السلطة الحالية حيث كانت تبرمج السلطة التونسية القيام بتعديل وزاري، وهو ما جعل العديد من المراقبين والمحللين في تونس يعتبرون أن هذه القضية مثلت لحظة مناسبة للإعلان عن إقالته وتحميله مسؤولية الحادثة لكي لا تقع الرئاسة التونسية في مأزق مع الجزائر وفي نفس الوقت قامت بإرضاء فرنسا، وتم تعيين نبيل عمار خلفا للجرندي وزيرا للخارجية لتكون أول تحركاته مكالمة هاتفيه جمعته بنظيره الجزائري رمضان العمامرة.
لم تقف الأزمة السياسية في تونس عند هذا الحد لتمدد نحو موجة من الإعتقالات هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس ما بعد الاستقلال، حيث شملت هذه الإعتقالات شخصيات سياسية ورجال أعمال وقضاة ضمن قضايا مختلفة:
– التآمر على أمن الدولة: في هذا الملف تم إيقاف كل من رجل الأعمال التونسي المثير للجدل وأحد مهندسي إنقلاب الرئيس السابق زين العابدين بن علي سنة 1987، وأحد أكثر الرجال غموضا في تونس فيما يتعلق بدوره بعد الثورة وتدخلاته في تعيينات حكومية وغيرها وهو كمال الطيف، أما الموقوف الثاني فهو القيادي السابق بحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي والموقوف الثالث وهو محور القضية وزير سابق خيام التركي وأما الموقوف الرابع فهو وزير سابق وقيادي سابق بحركة نداء تونس لزهر العكرمي وموقوفان آخران هما نور الدين بوطار مدير إذاعة خاصة ورجل أعمال تجمعه علاقة بكمال الطيف. وكان الرابط بين كل الموقوفين يتمثل في لقائهم مع الناشط السياسي خيام التركي. كما قامت السلطات التونسية بإيقاف كل من وزير العدل السابق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري على خلفية دعوات قام بها خلال وقفة إحتجاجية نظمتها جبهة الخلاص بتهمة تآمر على أمن الدولة.
– قضايا إرهاب وفساد مالي: تم إيقاف كل من النائب العام المتعهد بملف الاغتيالات لكل من قيادي اليساري شكري بلعيد ومحمد البراهيمي القاضي المعزول بشير العكرمي بتهمة التستر على الإرهاب والفساد المالي، وإيقاف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب القاضي المعزول الطيب راشد بتهمة فساد مالي، وفي نفس السياق تم إيقاف كل من النائب السابق بالبرلمان المنحل وليد جلاد بتهمة الارتشاء.
وجاءت أولى التصريحات الرسمية من قبل رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد حيث وجه للموقوفين في ملف التآمر على أمن الدولة أو ما صار يعرف في تونس بملف خيام التركي تهمة الوقوف وراء موجة غلاء الأسعار وانعدام المواد الأساسية من الأسواق التونسية، في حين يعتبرها الطيف المعارض عملية تصفية من قبل الرئيس للطيف السياسي المعارض له، إذ أكدت كل هذه الأطراف أن هذه الاعتقالات كانت بأوامر مباشرة من الرئيس سعيد.
في الحقيقة يعتبر خيام التركي المقرب من دوائر الحكم الفرنسية والذي يحمل جنسية فرنسية وتجمعه علاقة صداقة مباشرة مع الرئيس الفرنسي ماكرون، أحد أهم الشخصيات التي يمكنها أن تلملم الجبهة المعارضة للرئيس قيس سعيد، كما أنه يمكن أن يتمتع بإجماع من قبل الطيف السياسي التونسي، وهو ربما ما يثير مخاوف السلطات التونسية من تحركاته الأخيرة حيث أكدت العديد من المصادر على مساعيه في توحيد جبهة المعارضة بتونس، أما القراءة الثانية للحدث فيمكن أن تتمثل في ردة فعل السلطات التونسية بعد حادثة بوراوي واهتزاز صورة السيادة الوطنية لتقوم بهذه الحملة الكبيرة من الإعتقالات كمحاولة لإثبات سيادة، أما القراءة الثالثة وهي تتمثل في أن الرئيس قيس سعيد قام بضرب أهم الشخصيات التي تعرف بقربها من دوائر صناعة القرار الفرنسي وتحديدا كمال اللطيف وخيام التركي.
خلاصة
تتواصل الأزمة بين الجزائر وفرنسا بالرغم من التقارب الأخير الذي حدث بعد زيارة ماكرون في أواخر شهر أغسطس 2022 للجزائر التي أنهت ظاهريا الأزمة التي اندلعت بين البلدين سنة 2021، إلا أن هذا التقارب سرعان ما عكره العودة إلى ملف الذاكرة المتعلق بالجرائم الفرنسية إبان الحقبة الإستعمارية وهو الذي تسبب في تعطيل المشاريع الطاقية وخاصة المتعلقة بالغاز الطبيعي بين البلديين وبقيت العلاقات تعييش في ظل أزمة صامتة ومكتومة، لتعود قضية تهريب بوراوي لتخرج هذا الصمت إلى العلن، ولكن باريس تحاول حسب تحركاتها الأخيرة للملمة الموضوع فهي بحاجة إلى الغاز الجزائري كما أن إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجهها على إثر أزمة سنة 2021 في خسارة نفوذها بصفة ما في جهة الساحل وخاصة بمالي وفي ظل تراجع نفوذها في مستعمراتها السابقة. أما بالنسبة للجانب الجزائري فقد تداولت عديد المصادر أن عملية تهريب الناشطة الجزائرية مكنت السلطات من إيقاع شبكة تجسس فرنسية كبرى تتواجد داخل البلاد وتضم شخصيات صحفية وأكاديمية. في الجهة المقابلة وقعت تونس في هذه القضية بين مطرقة الجزائر وسندان فرنسا، حيث يعتبر كلا الطرفيين أهم حلفاء للسلطة التونسية الحالية التي تلقت هجمات كبرى إعلامية وسياسية بسبب هذه الحادثة وهو ما تم اعتباره انتهاك لسيادة الوطنية وهو ما جعل السلطات التونسية تشن حملة من الإعتقالات محاولة لإخفاء هذا الضعف وهو ما يتجلى مؤخرا في طرد الأمينة العامة للنقابات الأوروبية على خلفية مشاركتها بتظاهرة نظمتها منظمة إتحاد الشغل يوم 19 فيفري 2023 بمدينة صفاقس جنوب تونس عبر بيان أصدرته رئاسة الجمهورية التونسية.
المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- Madjid Zerrouky, La militante franco-algérienne Amira Bouraoui échappe à une extradition vers Alger depuis la Tunisie après l’intervention de la France, Le Monde, Publié le 07 février 2023, Lien: https://www.lemonde.fr/afrique/article/2023/02/07/la-militante-franco-algerienne-amira-bouraoui-echappe-a-une-extradition-vers-alger-depuis-la-tunisie-apres-l-intervention-de-la-france_6160843_3212.html 2- Arrêté du 10 février 2023 portant admission à la retraite (agents diplomatiques et consulaires), Légifrance, JORF n°0041 du 17 février 2023 Texte n° 65, Lien : https://www.legifrance.gouv.fr/jorf/id/JORFTEXT0000471 3- Le Ministre Lamamra s'entretient par téléphone avec son homologue tunisien, Ministère des Affaires Etrangèreset de la Communauté Nationale à l'Etranger, Lien : https://www.mfa.gov.dz/fr/press-and-information/news-and-press-releases/minister-lamamra-holds-phone-talks-with-his-tunisian-counterpart-1 4- رئيس الجمهورية يجري مكالمة هاتفية مع رئيس الجمهورية التونسية السيد قيس سعيّد، الموقع الرئاسي للجمهورية الجزائرية، رابط: https://www.el-mouradia.dz/ar/president/63eb99bf843b29001d24276e