محاولة اغتيال الرئيس غزالي: قراءة فيما وراء الأزمة

أعادت محاولة اغتيال الرئيس القمري غزالي عثمان في أغسطس الماضي في مراسم عزاء، أعادت الأزمة السياسية في جزر القمر إلى الواجهة من جديد، بعد الانتخابات التي جرت في يناير الماضي ووصفت من قبل القوى السياسية المعارضة بالتزوير وإصرار غزالي على البقاء في السلطة إلى الأبد.

وصل الرئيس غزالي عثمان إلى سدة الحكم عبر انقلاب قاده عام 1999، أزاح بموجبه الرئيس تاج الدين مسعود، ولكن سرعان ما تصاعدت ضده ضغوط الأحزاب السياسية، ما دفعه لتبني حوار وطني ودستور جديد، ظل يتباهى به لتجنيبه ما أسماه الحرب الأهلية الوشيكة، ويسمح الدستور الجديد بالحكم الذاتي للجزر الثلاث التي تشكل الدولة، مع تبني فكرة التداول الرئاسي بين الجزر الثلاث، واتفاق على أن تبدأ الرئاسة في تلك الفترة من جزيرة القمر الكبرى، سمحت هذه الظروف للعقيد المنقلب، أن يلبس زيا مدنيا ويصبح رئيسا مدنيا وهي متلازمة للحكم في كثير من الدول الإفريقية.

يحلل فريق مركز أفرو بوليسي، طبيعة الأزمات والتحديات التي تواجهها جزر القمر، بالذات في عهد الرئيس الحالي غزالي عثمان الذي حكم البلاد لفترة تتجاوز الـ 15 عاما عبر عدد من النقاط الرئيسية والديناميكيات التي تتفاعل في ظل الأزمة الراهنة:

ابتداءً، تعتبر حادثة محاولة الاغتيال ذروة الأزمة السياسية التي تعتمل في جزر القمر، ولا يظهر منها إلا القليل بسبب التعتيم الإعلامي الذي يفرضه الرئيس غزالي على الوضع في البلاد، وربما تستشرف جزر القمر مرحلة جديدة، خاصة وأن تاريخها في الانقلابات والانقلابات المضادة كبير.

1. أزمة تعديل الدستور: في عام 2018، أجرى الرئيس غزالي تعديلا دستوريا، تعتبره الأوساط السياسية في جزر القمر أنه رأس الأزمات وبدايتها، ذلك لأن الدستور الاتحادي لعام 2001، نص في المادة 13 أن منصبي الرئيس ونائبه يجب أن يجري بشكل دوري بين الجزر الثلاث، ( القمر الكبرى، أنجوان، وموهيلي)، لمدة أربع سنوات، كما تنص المادة الأولى من القانون التنظيمي المتعلق بطريقة انتخاب رئيس الدولة الصادر في 2005، أن الولاية الرئاسية الأولى تُجرى في القمر الكبرى، ومن ثم جزيرة أنجوان، تليها جزيرة موهيلي، ألغت التعديلات التي أجراها غزالي فكرة التداول بين الجزر، ممهدا لاستمرار حكمه وإعادة انتخابه مرة بعد أخرى، ما عقد الأمر بين القوى السياسية والرئيس غزالي، ولعل أبرز الشواهد على ذلك تصريحه الشهير بعد فوزه في 2016، بأن تركه للسلطة في المرة السابقة “خطأ لن يتكرر”.

2. الأزمة الاقتصادية: تعتبر جزر القمر من أفقر وأقل دول العالم نموا حسب تقارير المؤسسات الدولية، وازدادت التحديات الاقتصادية في الفترة الأخيرة، ومنذ 2019، خاصة بعد تعرض البلاد للإعصار، ما أدى إلى انخفاض معدلات النمو التي هبطت إلى 0,19% في السنوات الأخيرة، وقفز معدل التضخم إلى 20%، وارتفع الدين العام بنسبة 28,4% من الناتج القومي بينما ارتفع الدين الخارجي إلى 34%  في بلد يعيش 70% من السكان في الريف ويعاني ما يقرب من 50% تحت مستوى الفقر وفقا لإحصاءات المؤسسات الدولية، وفي ظل الركود الذي يعانيه الاقتصاد القمري برزت عدد من المشكلات:

• البطالة: يعاني قطاع الشباب أزمة مستفحلة في انعدام فرص العمل، وارتفاع نسب البطالة في قطاع الشباب، في بلد يشكل العنصر الشبابي ما يقترب من 60% من مجموع الكتلة السكانية من الشعب القمري، وقد شكا العديد من حاملي الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه، من انعدام فرص العمل، وعجز الحكومة في توفير فرص العمل  واستيعاب حملة الشهادات العليا حتى لا تتكرر هجرة الأدمغة إلى الخارج.

• عجز الحكومة في دفع الرواتب: على الرغم من أن تأخر رواتب العاملين بالدولة أمر غير مستغرب في إفريقيا، ولجزر القمر تاريخ قديم في ذلك، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت أزمة حادة، في عجز الحكومة من تسديد الرواتب في وقتها، وقد شكا موظفو مؤسسات تدر عوائد الكبيرة على الدولة تأخر الرواتب لشهور عديدة، وقد توقفت بعض القطاعات عن العمل مثل موظفي المطار الرئيسي في موروني، يرى معارضون بارزون، بأن الأمر هذه المرة تجاوز المعقول، ودون أفق لحل تطرحه الحكومة على المديين المتوسط والطويل.

• انعدام المواد الأساسية ونقص الغذاء: تسببت الأزمة الاقتصادية في انعدام المواد الأساسية والخدمات الضرورية، وضعف البنية التحتية، وتحدثت مصادر عديدة عن انعدام في الضروريات، وحسب مصادر قمرية فإن نسبة معتبرة من هذا العجز تغطيه الجالية القمرية في فرنسا، ما دفع المؤسسات الدولية تصنيف الفقر في البلاد بالفقر متعدد الأبعاد، ما يفرض تحديا حقيقيا أمام المسؤولين في البحث الجاد عن حلول.

3. متلازمة التوريث: منذ عودته إلى الرئاسة في 2016، عمد الرئيس غزالي في توطيد اركان الحكم، له ولعائلته، ولذلك تتهمه المعارضة بأنه يعمل جاهدا لتوريث ابنائه الحكم عبر عدد من الإجراءات التي تتهمها به ومنها أن أحد أبناء الرئيس أصبح قائدا عاما للجيش وهي المؤسسة التي ظلت تهيمن على الحكم منذ الاستقلال وحتى غزالي نفسه ينتمي إليها، أما ابنه الثاني ويدعى نور الفتح فقد عينه الرئيس في منصب شئون الحكومة بصلاحيات رئيس وزراء حسب عدد من زعماء المعارضة، تسمح له بالتدخل في جميع مراحل اتخاذ القرار، كما تشمل صلاحياته تقييم الوزراء، والتدخل في مراحل تنفيذ القرارات، وهو ما يعني صلاحيات رئيس الوزراء فعلا، دون تسميته، وهو ما دفع المعارضين له بأن يصفوا هذه العملية بأنها إعداد له لخلافته في الحكم، ما سيزيد من وتيرة الخلافات والتوترات وارتفاع درجة الاحتقانات الداخلية، والدخول بالتالي في نفق الاضطرابات.

4. انتخابات 2024 وتوجه الرئيس نحو مزيد من الاستبداد: شابت الانتخابات التي جرت في بداية 2024، وهي الدورة الرابعة للرئيس، تجاوزات واتهامات بالتزوير ووصفت المعارضة القمرية ما جرى بالسطو وأنه انقلاب وعملية احتيال هائلة وجرت احتجاجات كبيرة في الجزيرة قتل جراءها شخص وجرح آخرون حيث تعاملت الأجهزة الأمنية بقسوة مع المتظاهرين وأعلنت المحكمة العليا فوز غزالي ليكون أكثر رئيس يتربع على عرش الحكم بفترة تصل إلى ثلث عمر دولة جزر القمر الذي اقترب من نصف قرن. وكل ذلك يبعث المخاوف لدى القمريين من نية الرئيس للبقاء الأبدي في القصر الرئاسي ضاربا عرض الحائط بالدستور الذي صاغه كمخرج لمأزق حكومة سلفه تاج الدين مسعود.

5. قمع المعارضة السياسية: منذ التعديلات التي أجراها غزالي وألغى نظام التداول على الرئاسة بين الجزر الثلاث، وفرض الإقامة الجبرية على بعض القيادات السياسية، والمنع من السفر على البعض الآخر، أدخل البلاد في أزمة تدفع البلاد إلى مزيد من الخلافات التي يُخشى أن تعيد دورة الاضطرابات والانقلابات التي اشتهرت بها جزر القمر رغم عمرها القصير مقارنة بالدول الإفريقية التي استقلت منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي.

لم تكن محاولة اغتيال الرئيس غزالي في الشهر الماضي، إلا جزءا يسيرا من المشكلات التي تعانيها جزر القمر، وما هو سوى قمة جبل الجليد لأزمات مكتومة، لا تجد إلى الإعلام طريقها ولا يتعاطى معها الإعلام الخارجي، ما يهدد بتفاقم الأزمات التي قد  تجر تدخلات خارجية، وهو أمر غير بعيد في ظل تربص فرنسا قريبا في إحدى الجزر المحتلة، مع غياب كامل للمؤسسات الإقليمية ابتداء من الاتحاد الإفريقي أو الجامعة العربية التي تنتمي إليها جزر القمر، مع أوضاع اقتصادية قاهرة، جعلت أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، فهل نشهد حوارا يعيد إلى جزر القمر هدوءها أم تتفاقم الأوضاع وتنزلق إلى مزيد من الاستبداد والدكتاتورية.

تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

Exit mobile version