إعداد: فريق المركز
وبعد شهر من تفجر القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع ما تزال العاصمة الخرطوم هي المسرح الرئيسي للحرب والمواجهات اليومية، مع مستوى منخفض للقتال في الولايات الأخرى حيث ما تزال حالة التوتر والمناوشات ومحاولات الدعم السريع للتقدم تجاه مدينة الأبيض ومطارها قوية، كما أن مدينة الجنينة تشهد تبادلا للنيران متقطعا بين الفينة والأخرى، إضافة إلى التدني الواضح في الخدمات الصحية ما ألجأ كثير من أصحاب الأمراض المومنة لترك العاصمة واللجوء إلى مشافي الولايات، وعلى الرغم من توقيع اتفاق جدة إلا أن معركة الخرطوم ما تزال متصاعدة، لم تجد معها النداءات ومبادرات الوصول إلى وقف إطلاق النار.
موقف العمليات العسكرية
حاولت قوات الدعم السريع العودة والسيطرة على بعض المناطق العسكرية الرئيسية التي فقدتها في مسعى لإيجاد مواقع تمركز وقيادة رئيسية حتى تتمكن من خوض المعارك باتزان، ولكن يبدوا أنها لم تفلح في ذلك حسب الوقائع الميدانية، والبيانات الصادرة من الجيش.
انتقل الجيش إلى المرحلة الثانية من خطة التحرير وهي خطة القتال الراجل بالمشاة، واتضح ذلك في تمشيط بعض المناطق مثل وسط الخرطوم وبعض الأحياء في مدينة الخرطوم بحري، في أحياء الدروشاب والكدرو والسامراب والمنطقة الرابطة بين أم درمان والخرطوم بحري، وعمليات البحث عن أفراد الدعم السريع في الأحياء والشوراع والأزقة. وفي منطقة جنوب الخرطوم دارت مواجهات عنيفة بين الجانبين في محاولة استيلاء الدعم السريع على المنطقة العسكرية لجبل أولياء، ووفقا لبيان الجيش السوداني فإنه استطاع تدير 90 عربة والاستيلاء على 65 عربة وعدد مدرعتين وتسليم أعداد من قوات الدعم السريع أنفسهم للجيش، كما قصف الطيران الحربي معسكرات الدعم السريع في منطقة أم دوم بشرق النيل وسوبا.
وكما توقع المراقبون فإن المواجهات تواصلت قبل أن يجف مداد البيان الذي صدر في جدة بعد أسبوع من المفاوضات، والتزم فيه الطرفان بالتزام قواعد الاشتباك والقانون الدولي والإنساني.
في سياق متصل أفادت بيانات عدة بأن مجموعات من قوات الدعم السريع تجمعت في عدد من السيارات واتجهت غربا انطلاقا من أم درمان، كما أكدت بيانات عدد من المواطنين في كردفان أن أفراد من الدعم السريع ظهروا في حالة إعياء واضحة وجوع وعطش.
صباح 14 مايو شن الطيران الحربي جولة قصف على قوات الدعم السريع في منطقة أم درمان بالقرب من كلية الهندسة جامعة أم درمان الإسلامية في أبو سعد، حيث تم استهداف رتل مكون من 30 سيارة.
أفرجت قوات الدعم السريع عن عدد من الإعلاميين الذين كانت تحتجزهم في مباني الإذاعة والتلفيزبون منذ 15 أبريل الجاري، وفي ذات الوقت ما زالت تحتجز عدد من العاملين بالطيران المدني ووزارة العدل وسلاح الموسيقى في مباني المؤسسة الكائن في شارع النيل من بينهم كبار السن ومرضى حسب تصريحات اهالي الموظفين المحتجزين.
إعلان جدة
بعد أسبوع من التفاوض المستمر توصلت الوساطة إلى البيان الختامي الذي جاء بعد 26 يوم من القتال وبوساطة سعودية أمريكية ودعم الآليات التي كانت ترعى العملية السياسية، وجاءت أبرز النقاط فيه:
– نتفق على أن مصالح وسلامة الشعب السوداني هي أولوياتنا الرئيسية ونؤكد التزامنا بضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات، ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه.
– نؤكد مسؤوليتنا عن احترام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الالتزام والتمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية. والامتناع عن أي هجوم من المتوقع أن يتسبب في أضرار مدنية عرضية والتي تكون مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة واتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مما يهدف إلى إخلاء المناطق الحضرية بما فيها مساكن المدنيين.
– ندرك أن الأنشطة الإنسانية تهدف إلى تخفيف المعاناة الإنسانية وحماية حياة وكرامة الأشخاص غير المقاتلين أو الذين كفوا عن القتال. ونتفق على ضرورة السماح باستئناف العمليات الإنسانية الأساسية وحماية العاملين والأصول في المجال الإنساني
– بذل كل الجهود لضمان نشر هذه الالتزامات – وجميع التزامات القانون الدولي الإنساني – بالكامل داخل صفوفنا، وتعيين نقاط اتصال للتعامل مع الجهات الفاعلة الإنسانية لتسهيل أنشطتها.
وبعد ترقب لتائجها تم التوقيع وبين قادح ومادح للاتفاقية وما يمكن أن تحققه لصالح العالقين بين الفريقين إلا أن ابرز عيوب هذه الاتفاقية هو أنه ليس لها رقيب يرصد خطوات التطبيق ونقاط الاختراق من أحد الأطراف الموقعة وكما ذهبت كثير من تحليلات المراقبين فإنها لن تحقق أبعد من تأمين مسارات خروج المدنيين من الأحياء المحاصرة وتسهيل وصول الدعم الإنساني إضافة إلى إخلاء المستشفيات من الوجود العسكري أي بمعنى آخر إخلاء المدنيين من مناطق القتال حتى يتمكن الجيش والدعم السريع القتال رجلا لرجل دون دون اتخاذ المدنيين دروعا للحرب.
وتباينت المواقف حول إعلان جدة بين من رأى أن الاتفاق يمكن أن يكون بداية لوقف دائم لإطلاق النار وبين من نظر إليه أنه أعطى الدعم السريع شرعية واعترافا لا يستحقه واعترضوا على ذلك بينما ذهبت فئات كثيرة إلى نداءات التعبئة العامة للمشاركة في المجهود الحربي الذي تقوده القوات المسلحة السودانية ضد الدعم السريع.
اقتحامات واعتداءات ونهب
اقتحمت قوة من الدعم السريع مباني الاتحاد الإفريقي وعمدت إلى تخريب المحتويات والمكاتب وإتلاف المستندات وسرقة المحتويات، وسيارات ومولدات الكهرباء، كما اقتحمت قوة أخرى مكاتب رئاسة ديوان الزكاة الواقع في منطقة جبرة، حيث تم سرقة الأموال والمقتنيات والأثاثات، كما هجمت قوة أخرى على المنطقة الحرة في قري الواقعة في الخرطوم بحري. وتعرضت عدد من البنوك إلى نهب وسرقة مثل بنك النيل فرع شارع الستين والبنك السوداني الفرنسي الواقع في شارع المعرض بالخرطوم، كما تعرض بنك السودان لمحاولة سرقة المخزون الاستراتيجي للذهب إلا أن الجيش تصدى للقوة ومنعها من السرقة حسب البيان الصادر منه. كما تفيد عدد من التقارير بتعرض سوق ليبيا في أم درمان لأعمال نهب وسرقة تحت دوي إطلاق النار في محيط السوق.
حولت قوات الدعم السريع 22 مستشفى لثكنات عسكرية حيث تحتجز الكوادر الطبية وتجبرهم لتقديم الخدمة لجرحاها، فيما افادت تقارير منظمة أطباء حول العالم بأن حوالي 5 آلاف من مرضى السرطان والكلى غادروا الخرطوم وتوجهوا إلى الولايات القريبة لمحاولة إنقاذ أرواحهم وتلقي الخدمات العلاجية، مع استمرار الشكاوى من تدني وتدهور الخدمات الصحية في ظل استمرار القتال والاشتباكات.
التحركات الدبلوماسية
بعث رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان السفير دفع الله الحاج علي إلى كل من جوبا عاصمة جنوب السودان وأسمرا عاصمة إرتريا حاملا رسائل لرئيسي البلدين تتعلق بالعلاقات الثنائية والأزمة الحالية التي يمر بها السودان.
على صعيد آخر وجهت قيادة الجيش وزراة الخارجية بإعداد ملف يخص تجاوزات ودعم دولة لم يسمها للدعم السريع بالسلاح والدعم اللوجستي لشن حرب على القوات المسلحة السودانية وقد شرعت الخارجية فعلا حسب التصريح في إعداد الملف بجميع الأدلة والبراهين التي تثبت تورطها في دعم مليشبات حميدتي وتحريضه على الحرب ضد الجيش، وأكدت الخارجية أن اللجنة المكلفة وجدت أدلة دامغة تثبت تحركات الدولة وفي مقدمتها اسلحة ومدرعات واغذية ومعدات ومنظومات اتصال بالإضافة لالتقاط عدد من المكالمات والمراسلات التي تؤكد إمداد المتمردين بمعلومات متعلقة بتحرك القوات المسلحة مؤكدا أن اللجنة المكلفة ستنتهي من إعداد الملف في غضون أيام تمهيدا لتقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي عن تدخلات تلك الدولة في شئون السودان.
الأوضاع الإنسانية
تزداد الأوضاع الإنساية والصحية سوءا مع استمرار العمليات القتالية في الخرطوم مع تناقص المواد الأساسية والخدمات، وقد حذر برامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن الجوع سيصل إلى مستوى قياسي في السودان مع تضرر 2,5 مليون شخص إضافي جراء الأزمة الحالية، وأنه أي البرنامج بحاجة إلى 160 مليون دولار من التبرعات لسد الحاجة الملحة وأن تقديم المساعدات لللاجئين والنازحين سيتوقف هذا الشهر بسبب الصعوبات المالية.
مبادرة الحكومة السودانية
أطلقت الحكومة السودانية مبادرة بشأن الوضع الإنساني تناشد من خلاله المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الإيغاد وكل دول العالم لتقديم المساعدات الإنسانية متعهدة بتخصيص ميناء بوتسودان ومطارات بورتسودان ودنقلا ومطار وادي سيدنا العسكري لاستلام المساعدات على أن تتولى توزيعها وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الوطنية وفق إجراءات مفوضية العون الإنساني السودانية.
تأسيس حركة المقاومة الشعبية لإسناد القوات المسلحة
بعد أسبوع من بداية الحرب أسست بعض القوى السياسية والمدنية ونقابات مهنية ” الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية” ودعت الأطراف إلى إيقاف الحرب إلا أنها أطراف متهمة بولائها للدعم السريع ولم تجد قبولا باعتبارها جزء من قوى الحرية والتغيير التي تحالفت مع قائد الدعم السريع.
وأُعلنت في الأيام الماضية عن حركة جديدة تحت مسمى “حركة المقاومة الشعبية لإسناد القوات المسلحة” (قوس) تستهدف الجهود الشعبية لحسم المعركة في الخرطوم، والمقاومة النوعية لهذا الغزو استجابة لنداء الوطن وأعلنت عن مشروع المقاومة الليلية للمتمردين بالاحياء وان ارتكازات الدعم في الأحياء و ومليشياتها في البيوت والأسواق أصبحت هدفا مشروعا حتى طرد اخر مغتصب ومعتد حسب البيان الثاني للحركة.
خلاصة
تتواصل العمليات العسكرية بالتوازي مع الاعلان عن جولة مباحثات أخرى، دون أن تلتزم الأطراف بشيء بعد التوقيع على إعلان جدة، ومحاولة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التشديد على مراقبة حقوق الإنسان في السودان، ولكن يبدوا أن تحقيق الانتصار أو التفوق لطرف على طرف هو من سيحدد إنهاء المعركة ولكن إلى متى سيتمكن سكان الخرطوم من الصمود في ظل انعدام الخدمات وتردي قطاعاته المختلفة، سؤال ربما تجيب عليه مقبل الأيام.