إعداد: فريق المركز
معركة السيطرة على الخرطوم
في مطلع الشهر الثالث
بعد أول هدنة ناجحة على قصرها، تفجرت المواجهات من جديد على نطاق واسع مع نهاية الهدنة خارج الخرطوم خاصة في دارفور حيث شهدت ولاية غرب دارفور أحداثا مأساوية، حيث اشتد القتال على نطاق واسع، كان قمته اعتقال وال ولاية غرب دارفور خميس عبد الله أبكر من قبل قوات الدعم السريع وقتله رميا بالرصاص والتمثيل بجثته بعد ذلك، مع نزوح ما لا يقل عن 50 الف شخص إلى تشاد، وقتل ما لا يقل عن 5 آلاف شخص حسب بعض المصادر المحلية، وفي تطور لافت بدأ الدعم السريع استخدام المسيرات في مواجهته مع الجيش وتوسيع ميادين القتال وصولا إلى الحدود مع إفريقيا الوسطى حسب مصادر محلية في دارفور.
الوقائع الميدانية
استمرت المواجهات بعد انتهاء الهدنة القصيرة وكان بعضها عنيفا جدا، ويلاحظ التطور النوعي في وسائل المواجهة، فما هي أبرز المواجهات:
– شهدت ولايات دارفور وولاية غرب دارفور على وجه الخصوص أعنف الأحداث حيث شهدت الولاية حربا واسعة تداخل فيها كل شيء، حرب بين الدعم السريع والقوات الأمنية والقتل على الهوية في بعض الأحيان، لوجود الاحتقان القبلي أصلا، من إفرازاتها قتل الشقيق الأكبر لسلطان دار مساليط، ووالي الولاية، كما قتل ما يزيد على 5 آلاف شخص وتشريد عشرات الآلاف، من المواطنين ولجوئهم إلى تشاد، وحرق عشرات المعسكرات التي كان تستوعب النازحين في المنطقة.
– تحدثت تقارير محلية عن استيلاء قوات الدعم السريع على حامية الجيش في أم دافوق في الحدود مع إفريقيا الوسطى ولو صحت التقارير، فإن الدعم السريع بهذا يضمن طرق الإمداد الذي يوفره حلفاءه في إفريقيا الوسطى، أو من خارج إفريقيا الوسطى باعتبار أن الطرق الأخرى لم تعد ممكنة لإمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والذخائر.
– شهدت مدينة الأبيض محاولات متكررة من قبل قوات الدعم السريع للسيطرة على المدينة واستخدم الجيش سلاح الجو لإبعاد القوات المهاجمة عن المدينة، حيث صرح الجيش أنه تمكن من تدمير أربع مواقع للدعم السريع في أطراف المدينة وهي جبل كردفان وجبل عيسى ودونكي موسى وال 13، كما حاولت قوات الدعم السريع الهجوم على مدينة الرهد
–في تطور لافت قامت قوات الدعم بالهجوم على قيادة المدرعات في منطقة الشجرة بالخرطوم بالمسيرات وقتلت عددا من الأطباء والمرضى والمعاونين في المستشفى العسكري، إضافة إلى إعلان الدعم السريع عن إسقاط طائرة حربية من طراز ميج بينما يقول الجيش أن عطلا اصاب محرك الطائرة كان سببا في سقوطها.
– هجمت قوات الدعم السريع على مدينة الدبيبات واستهدفت مقرات الشرطة وجهاز المخابرات فيما فسره ابعض بأن نقصا في السلاح دفع الدعم السريع إلى الهجوم على مقرات الأجهزة الأمنية.
– اشتباكات عنيفة في بلدة طويلة غرب مدينة الفاشر في إقليم دارفور.
– في الخرطوم جرت مواجهات عنيفة بين الجيش والدعم السريع على عدد من المحاور:
– قصف جوي استهدف المدينة الرياضية حيث تتمركز قوات من الدعم السريع فيها والمنطقة التي حولها.
– قصف جوي استهدف تمركزات الدعم السريع في بيت المال بمدينة أم درمان أوقعت عددا من القتلى.
– قصف جوي استهدف حي اليرموك في منطقة مايو جنوبي الخرطوم أوقع 17 قتيلا حسب إعلام الدعم السريع، وتدمير 25 منزلا.
– أعلن الدعم السريع أن قصف الجيش لأحد مقراته اسفر عن قتل 26 من أسرى الجيش دون ذكر أسمائهم.
ضبط اسلحة متطورة بكسلا
تمكنت قوة مشتركة من الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات الوطني بولاية كسلا شرق السودان، إثر معلومات من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية المتطورة كانت في طريقها للدعم السريع وصلت عبر الأراضي الإرترية بواسطة شبكات التهريب، وتحتوي الأسلحة المضبوطة على ج3 عالي الدقة في التصويب إضافة إلى نوعين من القناصة المرتبطة بالتليسكوب.
تحقيق أمريكي يؤكد استمرار فاغنر في دعم قوات الدعم السريع
نشرت شبكة سي إن إن CNN تحقيقا مفصلا توجه فيه اصابع الاتهام إلى مجموعة فاغنر بتقديم الدعم والمساندة للدعم السريع في القتال الدائر في السودان منذ 15 ابريل الماضي، ونقلت “سي إن إن” عن مسؤولين استخباراتيين وشهود عيان، قولهم إن “فاغنر” تقوم بتسليح قوات الدعم بالأسلحة عبر طرق الإمداد في منطقة دارفور، وحسب التقرير فإن فاغنر بدأت إمداد الدعم السريع قبل اندلاع الأزمة الحالية، وفي وقت سابق كانت المخابرات الأمريكية والفرنسية قد اتهمت فاغنر بتقديم السلاح والذخائر لقوات الدعم السريع عبر حلفائها في كل من ليبيا وإفريقيا الوسطى.
كثرة المبادرات وقلة الفاعلية
ما تزال المبادرات تتوالى بحثا عن مخرج للأزمة ووقفا دائما لإطلاق النار ومحاولة إعادة الخلافات إلى الطاولة والتفاوض السلمي وهو ما لم تتبلور حوله أي قناعة لدى الأطراف المتقاتلة:
– مبادرة الأعلام البيضاء: هي مبادرة أطلقتها الصحفية صباح محمد الحسن مع عدد من الناشطين والإعلاميين تدعوا إلى السلام ووقف إطلاق النار، وهي الأحدث منذ انطلاق المبادرات الشعبية المحلية، وتقوم الفكرة على رفع الأعلام البيضاء على أسطح المنازل والسير بها في مواكب السيارات، إضافة إلى تغيير الصور الشخصية عل حسابات التواصل الاجتماعي، وتفاعل مع المبادرة عدد من الناشطين والسياسيين واللجان الشعبية، وأعلنوا تضامنهم معها، ودعت في بيان لها السودانيين في الداخل والخارج المشاركة في الحملة.
– مبادرة الإيغاد: عقدت منظمة الإيغاد قمتها الرابعة عشر العادية في 12 يونيو في جيبوتي وكانت الأزمة السودانية ابرز أجندتها، وفي ختام القمة تبنت القمة توسيع اللجنة الثلاثية المكلفة بالشأن السواني لتضم دولة إثيوبيا وتم تكليف الرئيس الكيني برئاستها بدلا من رئيس جنوب السودان الرئيس سلفا كير ميارديت، وجاء رد السودان رافضا لهذه المبادرة لعد اسباب:
– يعتبر السودان الرئيس الكيني وليم روتو ذو صلات وثيقة سياسية واقتصادية مع قائد الدعم السريع حميدتي وبالتالي شخص غير محايد
– عقدت الحكومة الكينية ورتبت اجتماعا خاصا بالأزمة السودانية دون التشاور مع الحكومة السودانية أو تفويض من أي جهة إقليمية او دولية وبمشاركة شخصيات سودانية وأجنبية وصدرت من اللقاء مواقف تضمنت قدرا من الوصاية على السودان وهو ما ترفضه الحكومة السودانية
– تؤوي كينيا عناصر من الدعم السريع وتقدم لهم كل أنواع المساعدة وقد استضافت مستشار حميدتي وبالتالي تصبح كينيا طرفا غير محايد
– جاء في بيان الخارجية أنه لم تبحث في القمة إجراءات ترؤس كينيا للجنة الرباعية أثناء انعقاد القمة ولم يتم الاتفاق على ذلك وجرت الأعراف في مثل هذه القرارات ان تتخذ بالتوافق وهو الذي لم يحدث.
– يرى السودان استمرار سلفا كير رئيس للجنة لما لديه من خبرة في التعامل مع الشأن السوداني، ومساعيه التي انتهت بتوقيع اتفاق جوبا الشهير.
ما تزال قيادة الإيقاد تتمسك بالقرارات ما دام أنها خرجت من اجتماعات رسمية فهي ملزمة حتى تتم مراجعتها في اجتماعات صحيحة حسب مصادر مسئولة.
قتل والي غرب دارفور وتصعيد التوتر
يتهم الجيش قوات الدعم السريع بخطف الوالي خميس بعد ساعات من إدلائه بتصريحات تليفزيونية اتهم فيها الدعم السريع بتدمير المدينة، وأدان الفريق البرهان الهجوم الغادر على شخص لا علاقة له بمجريات الصراع الدائر حاليا واعتبر أن ما تنفذه قوات الدعم السريع من قتل ونهب وسلب وترويع المواطنين الآمنين واستهداف المنشآت تعكس مدى الفظائع التي تقوم بها القوات المتمردة.
من جانبها حملت قوات الدعم السريع العملية غلى المتفلتين والصراع القبلي والجيش لتسليحه للمكونات ودعا إلى لجنة مستقلة للتقصي حول الأحداث التي حدثت بالولاية وأدت إلى قتل الوالي وما ترتب على ذلك من لجوء ونزوح وتخريب للممتلكات العامة والخاصة.
إدانات ومطالبات
الأمم المتحدة
دعت الأمم المتحدة إلى محاسبة قتلة والي غرب دارفور خميس عبد الله ابكر وقالت إن قوات الدعم السريع التي كانت تحتجزه كانت المسؤولة عن سلامته.
وقال المتحدث باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان جيريمي لورنس في جنيف إنه يجب محاسبة جميع المسئولين عن عملية القتل هذي بمن فيهم أولئك الذين بتولون مسؤولية القيادة.
الخارجية الأمريكية
قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن الولايات المتحدة الأمريكية تدين بأشد العبارات الانتهاكات والإساءات الجارحة لحقوق الانسان والعنف الرهيب في السودان، وعمليات قتل على اساس عرقي في غرب دارفور من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بينما قالت نائب مساعدة وزير الخارجية الأمريكية السابق للشؤون الإفريقية سوزان بيج، إن تعامل الإدارة الأمريكية بنفس الطريقة مع طرفي النزاع في السودان لم يأت بالفائدة، كما أشارت إلى فشل الجيش في حماية المدنيين في مناطق النزاع.
الاستجابات الانسانية
صرح المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، إن القتال شرد حوالي 2,2 شخص ـــــ منهم 528 الف فروا إلى الدول المجاورة ( 200 ألف مصر ــــ 150 ألف تشاد ــــ 110 ألف جنوب السودان) بينما بلغ عدد النازحين داخليا 3,7 مليون شخص.
وصرح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة “أوتشا” ان عدد القتلى بلغ 54 شخص والجرحى تجاوز 60 شخصا، بينما فر ما يزيد على 40 الف شخص، بينما تؤكد مصادر محلية أن أعداد القتلى أكبر مما هو معروف بسبب غياب الإعلام.
مؤتمر جنيف للاستجابة الانسانية
ينعقد في جنيف 19 يونيو مؤتمر تترأسه السعودية بالشراكة مع عدد من الدول والهيئات الدولية لدعم الاستجابة الإنسانية للسودان، وحذر مارتن غريفيث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية من أن دارفور تتجه بسرعة نحو كارثة إنسانية ولا يمكن للعالم ان يسمح بحدوث ذلك مرة أخرى، وأضاف أن التقارير عن أعمال القتل العرقية التي اودت بحياة مئات الأشخاص في الجنينة المحاصرة يجب أن تدفع العالم إلى التحرك، بينما قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فليبو غراندي إن الاشتباكات العنيفة داخل وحول مخيمات النازحين شمال دارفور أسفرت عن مقتل اكثر من 100 شخص وأن مدينة الجنينة تعاني نقصا حادا في مياه الشرب والمواد الغذائية.
هدنة جديدة
أعلنت الوساطة السعودية الأمريكية عن الدخول في هدنة جديدة لمدة 72 ساعة، تبدأ الأحد 18 يونيو، عشية انعقاد مؤتمر جنيف لتنسيق المساعدات الانسانية التي يحتاج إليها نصف سكان السودان البالغ عددهم 45 مليون، مع رغبة قوية لدى سكان العاصمة في هدنة طويلة.
أعلنت الوساطة أن الطرفين سوف يمتنعان عن التحركات والهجمات واستخدام الطائرات الحربية أو المسيرة أو القصف المدفعي، أ, تعزيز المواقع أو إعادة إمداد القوات كما سيسمحان بحرية الحركة وإيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان، وأعلنت الأطراف المتحاربة موافقتها والتزامها بالهدنة ما لم يخقها الطرف الآخر.
خلاصة
ما يمكن تلخيصه في الختام هو أن طرفي القتال يتحفزان لإنجاز شيء ما يعزز أوراق التفاوض سواء كان ميدانيا أو على الطاولة لتكاثف الضغوط من قبل الأطراف الدولية والإقليمية، الذي يتهيأ لبدء لقاءات مباشرة كما جاء في مقررات قمة الإيغاد في جيبوتي، فقد شهد الأسبوع المنصرم عمليات نوعية من الجيش واستخدام سلاح نوعي من قبل الدعم السريع، إضافة إلى اتساع رقعة المواجهات، فضلا عن تخوفات من نفاد الصبر لدى سكان الخرطوم بسبب سوء الأحوال المعيشية وانقطاع الخدمات وانعدام المواد الغذائية مع ارتفاع الأسعار وتردي مجمل الأحوال.
فهل سيكون مسرح العمليات هو من يحدد الفصل الأخير أم سنشهد تحولات في المواقف تفضي إلى مخارج للأزمة خارج الصندوق؟ هذا ما ستجيب عليه الأيام القليلة القادمة؟؟