محمد صالح عمر ــ مدير أفروبوليسي
المصدر: TRT عربي
مضى ما يقرب من أسبوعين منذ أن تفجر القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ولا يزال الكر والفر في شوارع الخرطوم العاصمة هو سيد الموقف.
وعلى الرغم من انحسار القتال في ولايتي شمال دافور وغرب دارفور إلى جانب العاصمة، إلا أن ضراوة القتال والمواجهات اليومية، يعقّدان الموقف، مع عدم التزام الأطراف بالهدنات التي أُعلن عنها خلال الفترة الماضية، تثار أسئلة حول المبادرات المطروحة لحل الأزمة، والأسباب التي تقف وراء عدم التزام الأطراف بالهدنات، وما السيناريوهات المتوقعة لهذه الحرب التي تجري في أزقة وحواري الخرطوم؟
أسباب فشل هدنات وقف إطلاق النار
منذ بداية الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع دعت الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الإقليمية والدولية إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار، وتمت الدعوة إلى 6 هدنات حتى الآن، وافق الطرفان بالالتزام بها إلا أن الواقع كان يسير عكس ما اتُّفق عليه لعدة أسباب.
يرى خبراء أن لدى أطراف الصراع اعتقاداً بتحقيق انتصار سريع، وسحق الطرف الآخر وتحقيق التفوق عن طريق القتال في وقت وجيز وإمكانية فرض الشروط على الطرف الخاسر.
توجد أيضاً المواقف المتطرفة والحادة والشحن الزائد للأطراف ضد بعضها البعض واعتماد المعادلة الصفرية في التعامل مع بعضهما البعض مع هبوط الثقة إلى أدنى مستوياتها. جنباً إلى جنب مع غياب الوساطة الجادة التي لديها قدرة المراقبة والإلزام وفرض وقف إطلاق النار بين الطرفين وتحديد الطرف الذي يتعمد خرق الهدنة.
ثمة خبراء آخرون يرون أن فشل الهدنات يعود إلى أسباب عملياتية. فقد تعرضت قوات الدعم السريع لضربات عسكرية أخرجت مراكز قيادتها وشبكة اتصالاتها عن العمل ما جعلها جزراً منقطعة عن بعضها البعض، وبالتالي خلقت صعوبة التواصل بين قيادتها المركزية والقادة الميدانيين، ما يعني أن قطاعات عديدة من قواتها أصبحت خارج سيطرة القيادة التي تعاني هي الأخرى من صعوبة الاتصالات.
مبادرات ووساطات
منذ اليوم الأول تتالت مطالب وقف إطلاق النار ومحاولات التوسط من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير ميار ديت، أما على مستوى المؤسسات الإقليمية حاول الاتحاد الإفريقي التدخل للوساطة فضلاً عن مجلس السلم والأمن الإفريقي.
بدورها عقدت الجامعة العربية اجتماعاً على مستوى المندوبين الدائمين وحذر من خطورة التصعيد العنيف الذي تشهده البلاد، داعياً الى ضرورة “الوقف الفوري للاشتباكات المسلحة كافة، حقناً للدماء وحفاظاً على أمن وسلامة المدنيين ومقدرات الشعب السوداني ووحدة أراضيه وسيادته.
على صعيد متصل حث مجلس الأمن الدولي جميع الأطراف إلى وقف الاقتتال فوراً واستعادة الهدوء، والعودة إلى الحوار لحل الأزمة الحالية التي تمر بها البلاد.
وأخيراً، قررت الإيغاد إرسال وفد يتكون من ثلاثة رؤساء أفارقة وهم رئيس كينيا وليم روتو والرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله ورئيس جنوب السودان سلفا كير للتوسط في وقف إطلاق النار، رحب الطرفان بالمبادرة ولكن حالت دونها صعوبات عملية.
ويرى مراقبون أنه، بالنظر إلى جهود الوساطات التي بُذلت منذ بداية الاقتتال، يمكن القول إنها جهود متواضعة لا ترقى إلى مستوى إيقاف الحرب وإجبار الأطراف المتقاتلة باللجوء إلى الحوار والحل السلمي، ما شجع أطراف النزاع على الاستمرار في القتال.
السيناريوهات المتوقعة للحرب الدائرة في السودان
ما لا يصعب على المتابع للشأن السوداني في العامين الأخيرين استنتاجه هو أن ثمة لحظة فارقة قادمة لتفجر الأوضاع، إلى ما هو أسوأ، في حال لم تعالج الخلافات بحكمة وعقلانية، حيث إن التوتر السياسي والخلافات العميقة كانت سيد الموقف طيلة الفترة التي أعقبت سقوط حكم البشير.
يقول الخبراء إن أسوأ السيناريوهات هو ما يحدث الآن. وفي هذا السياق يقول مبعوث الأمم المتحدة للسودان السيد فولكر بيرينس “لقد حاولنا حتى مع دبلوماسية الخندق الأخير ولكننا فشلنا”.
إن ما كان يخشاه المراقب للشأن السوداني قد وقع، إذ فشلت القوى السودانية في التوصل إلى تسوية لخلافاتها، وسمحت لخيار الحسم العسكري أن يأخذ مساره، وهذه المرة بدأت الحرب من قلب البلاد وعاصمتها، ما يُعقّد الوضع أكثر ويفتح التكهنات إلى أسوأ السيناريوهات وأصعبها.
من جانبه، يرى الدكتور عمر الخير وهو مدير المركز السوداني للديمقراطية والأستاذ في جامعة الجزيرة بالسودان أن أكثر السيناريوهات ترجيحاً هو نجاح قيادة الجيش في هزيمة قيادة قوات الدعم السريع وتسوية ملف القوات عسكرياً والتفرغ بعدها لإعادة النظر في الملف السياسي جملةً، لتصحيح كثير من الأخطاء التي صاحبته نتيجة الخلل الهيكلي في المنظومة العسكرية طوال الفترة الانتقالية مما تسبب في تأزيم الأمور سياسياً، مع عدم تجاهل السيناريوهات الأخرى التي أطالت أمد الحروب في عدد من المناطق عندما لم ينجح طرف في التفوق على طرف آخر.
أما الباحث المختص في الشأن الإفريقي المقيم في باريس محمد تورشين فيرى أن السيناريوهات لا تخرج من ثلاث، أولاً أن يحسم الجيش المعركة في وقت وجيز وهو الخيار الذي يسعى الجيش إلى تحقيقه لأنه يمكّنه من فرض رؤيته ويعزز موقفه المستقبلي في الحياة السياسية السودانية.
أما ثانياً فهو أن تمارس الضغوط على الطرفين في ظل انعدام تحقيق نصر لأحدهما على الآخر. وفي هذه الحالة سيقبل الطرفان بالعودة إلى تفاهمات تكتيكية لإعادة تنظيم الصفوف وترتيب الأوراق. وأما السيناريو الأخير فهو أن تمتد الحرب لوقت أطول وتتحول إلى مثيلاتها في اليمن وليبيا وسوريا إذا وجدت الأطراف دعماً خارجياً.
أما الباحث السياسي والمحلل الاستراتيجي عبد القادر أحمد عبدالقادر فيتفق مع تورشين في السيناريو الأول ويرى في السيناريو الثاني أن تخرج قوات الدعم السريع إلى دارفور لصعوبة استمرارها في القتال في الخرطوم بسبب مواجهتها حصاراً من جهات عدة وعلى رأسها عموم الشعب في الخرطوم والانخراط في تشكيل حالة تمرد كما فعلت حركات دار فورية أخرى في السابق.
أما السيناريو الأخير وفق رأيه فهو أن تتمكن قوات الدعم السريع من ترتيب صفوفها في عدد من الولايات التي تملك فيها حواضن وتأييداً وتستمر في القتال وهو سيناريو غير مرجح.
مر ما يقرب من أسبوعين من المعارك الطاحنة ولم يستطع أي طرف حسم المعركة لصالحه مع الاختراقات المتكررة لنحو خمس هدنات، مع ازدياد نزوح المواطنين إلى الأقاليم الآمنة وإجلاء أغلب الوجود الأجنبي، فضلاً عن الضغوط الكبيرة التي يواجهها البرهان عبر اتصالات متكررة، من الرؤساء والمؤسسات الإقليمية والدولية طلباً لإيقاف الحرب، ما يفتح الاحتمالات والتوقعات على مصراعيها، في بلد يمتلئ بعدد كبير من الحركات المسلحة وخلافات سياسية كان ناتجها المعارك التي تدور في شوارع وأزقة العاصمة الخرطوم.