وحدة البحث بالمركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات
ضمن سلسلة ندواته الشهرية، نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليس) ومقره في اسطنبول ندوة عن: مستقبل الأوضاع في إثيوبيا على ضوء الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإقليم التغراي. وقد تمت أعمال هذه الندوة عبر تطبيق “زووم” بتاريخ 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 في تمام الاسعة الثالثة عصرا بتوقيت إسطنبول، واستمرت قرابة ثلاث ساعات، شارك فيها عدد من الأكاديميين وثلة من النشطاء السياسيين الأثيوبيين، وأثرى نقاشاتها مهتمين بالشأن الإفريقي من الصومال، ومصر، والسودان، وجيبوتي، وإريتريا، وغيرها من الدول الإفريقية.
استهلت أعمال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر، مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره للمشاركين والحضور جميعا، وقدّم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، متطرقا إلى المعضلة الأساسية للأزمة، ألا وهي: عدم توصل إلى حل سلمي بين أطراف النزاع والدور الدولي والإقليمي المتباين في الأزمة الإثيوبية.
كلمات ضيوف الندوة الرئيسين
افتتحت الندوة بكلمة للأستاذ ياسين أحمد، رئيس المعهد الأثيوبي للدبلوماسية الشعبية بالسويد، وتناول في البداية نشأة الأزمة وأبعادها. حسب الأستاذ ياسين إن الأزمة منشأها كان مسألة كيف تُحْكَم إثيوبيا التي طرحت من داخل الائتلاف الحاكم؟ ومن هنا بدأت الرغب في الإصلاح في أثيوبيا، وعلى ضوء الحراك الشعبي الذي استمر لسنوات استجاب الائتلاف الحاكم للمطالب الشعبية وكان انتخاب أبي أحمد رئيسا للوزراء نتاج هذه الإصلاحات.
ونجح أبي احمد على عديد المستويات اقتصاديا، قانونيا، سياسي وخارجيا فقد تمكن من إنهاء الصراع مع إريتريا وتحقيق اتفاقية سلام، حيث كان شعار سياسته الخارجية تصفية المشاكل مع الجوار. معتبرا أن الائتلاف الحاكم انتقل أول مرة في تاريخه من الأقلية المتمثلة في الجبهة الشعبية لتحرير التغراي إلى يد الأغلبية التي بدأت في القيام بالإصلاحات.
على الرغم من موافقة الجبهة الشعبية على الإصلاحات التي قام بها أبي أحمد ومن بينها اتفاقية السلام مع إريتريا، إلا أن قرار الجبهة الشعبية لتحرير التغراي بالحرب لم يكن استراتيجيا وهي في موقف ضعيف جدا، فهي لا تملك سيطرة عسكرية على الإقليم أو حتى نفوذ سياسي. وفي الأخير دعا الأستاذ أحمد ياسين لتجاوز كل الخلافات السياسية عبر الحوار.
وجاءت كلمة الأستاذ مصطفى حبشي، ناشط سياسي من التغراي، والذي تناول في البداية دور الأطراف الخارجية التي تدخلت في الصراع الإثيوبي والتي تقوم بدعم الحكومة الفيدرالية بالطائرات المسيرة، والأسلحة الثقيلة لقصف المدنيين في إقليم التغراي. وتحدث عن المجازر المرتكبة في المنطقة، كما أكد على التمييز العنصري الذي تمارسه الحكومة ضد أقلية التغراي من إقصاء من الخدمة العسكرية وغيريها من مؤسسات الدولة.
وأشار حبشي إلى عدم شرعية الحكومة الحالية ورئيسها أبي أحمد، الذي قام بتعديل الدستور وإقصاء معارضين له عبر السجن والإقامة الجبرية لكي يهيئ الأرض المناسبة له للفوز بالانتخابات.
وتناول الناشط مصطفى حبشي الخروقات التي قامت بها الحكومة الفيدرالية في عدم تطبيقها لبنود اتفاقية الجزائر وتحديدا عدم اشراك سكان المناطق الحدودية في المشاورة؛ فضلا عن المجازر والمذابح التي تقام في حق سكان إقليم التغراي ودور المرتزقة الإريترية فيها، والذين تستعين بهم حكومة أبي أحمد، وتحدث عن أعداد اللاجئين الموزعين بين دول الجوار والإقليم الذي يتواجد داخله 3 مليون لاجئ تقريبا.
وشدد مصطفى على أهمية مشاركة كل الفصائل في الإصلاحات الوطنية لكي يتم يتوصل إلى الحلول مثل جبهة تحرير أوروميا، وحركة تحرير غامبيلا، وحركة تحرير شعب بني شنقول وغيرها. على الرغم من تأكيده في الأخير على استعصاء المسألة وسلبية الدور الأممي المتمثل في الأمم المتحدة، والإقليمي المتمثل في الإتحاد الإفريقي ووجه لهم تهمة التواطؤ مع الحكومة الفيدرالية، وسماها بالجرائم المرتكبة بحق إقليم التغراي.
وأما الكلمة الثالثة والأخيرة فكانت للناشط السياسي من عرقية الأورمو، الأستاذ أحمد شافي، وأشار إلى أن شعب الأورمو وجبهة تحرير الأورمو لا ترفض أية مبادرة للسلام، والدليل على ذلك أن الأراضي المسيطر عليها (سماها المحررة) من قبلهم لا تحدث فيها تجاوزات؛ ولكن الحكومة الفيدرالية تقوم بإقصاء جيش تحرير الأورمو وذلك عندما لم تدعوه للمفوضات.
ومن ثم أشار إلى المنهجية التي اتبعتها الحكومة الفيدرالية في إقليم أوروميا عبر ميليشيات “فانوا أمهارا”؛ حيث قامت بحرق محاصيل زراعية للمواطنين كي تصطنع مجاعة في الإقليم، وإن استمرار الحكومة في هذا سينتج عنه خلال الأشهر القليلة القادمة ملايين الموتى جراء المجاعة.
وفي النهاية أكد الأستاذ شافي على أهمية جمع كل الأطراف والأقليات في إثيوبيا وعدم إقصاء أي طرف مهما كان لتحقيق الحوار والسلم مع محاسبة كل الأطراف المورطة في ارتكاب جرائم بحق الشعب الإثيوبي.
مداخلات الحضور والمشاركين في الندوة
وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسة، فُتِح باب النقاش، وأتيحت الفرصة للحاضرين في الندوة في قاعة زووم الافتراضية للإدلاء بآرائهم وطرح أسئلته وإثراء الموضوع بأفكارهم وملاحظاتهم الثرية حول الصراع القائم بين الحكومة وإقليم تيغراي والدور السلبي للمنظمات الدولية والإقليمية في حل الصراع. وبناء عليه، عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، كما وجهت أسئلة عديدة للمتحدثين الرئيسيين وخاصة للأستاذ أحمد ياسين، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع وفي ربطه بالشأن الإفريقي بصفة عامة.
وفي الختام، وجه مدير المركز بعض الأسئلة والتعليقات حول الموضوع، وتوجه بالشكر لكافة الحضور من الباحثين والمهتمين بالشأن الإثيوبي بصفة خاصة والإفريقي بصفة عامة من المتداخلين والمتابعين. وخلصت الندوة إلى خطورة الأوضاع الحالية في إثيوبيا (سياسيا، إنسانيا)، وإلى دعوة الحكومة وبقية أطراف الصراع إلى محاولة إيجاد أرضية مشتركة للحوار، تشترك فيها كل الأقاليم والعرقيات والجبهات المسلحة والحركات السياسية المختلفة، تفاديا لتكرار السيناريوهات التي تعاني منها القارة الإفريقية من حروب أهلية وإبادات جماعية وغيرها من كوارث إنسانية.