إعداد: فريق المركز
ملخص
إن المشاركة الاستراتيجية المتزايدة لروسيا في أفريقيا تحمل آثاراً عميقة وتحديات معقدة. ويدل هذا التحول الديناميكي على تحول جيوسياسي، يسعى لتحدي هيمنة القوى الغربية التقليدية ويساهم في ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب. إن تركيز موسكو على الوصول إلى الموارد الطبيعية الوفيرة في أفريقيا، وخاصة في مجال الطاقة والمعادن، يعزز مرونتها الاقتصادية وأمن الطاقة مع تقليل اعتمادها على الأسواق والعقوبات الغربية. ومع ذلك، فإن المنافسة مع الجهات الفاعلة العالمية الأخرى، مثل الصين والولايات المتحدة، ووجود الشركات العسكرية الخاصة، والمشهد السياسي المتنوع في أفريقيا، تشكل تحديات كبيرة لروسيا. إن إيجاد التوازن بين المصالح السياسية والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان يشكل أيضا تحديا دبلوماسياً دقيقاً. إن النجاح في التعامل مع هذه التداعيات والتحديات من شأنه أن يشكل نفوذ روسيا ودورها في مستقبل أفريقيا.
مقدمة
يشهد العالم اليوم صراع بين محاور دولية وأخرى إقليمية، إذ تعتبر الحرب الروسية الأوكرانية أحد تجليات هذا الصراع وهو ما جعل العديد يتبنون نظريات إعادة تشكيل التوازنات العالمية أو تعدد الأقطاب، ولكن فعليا توجد حرب باردة بين هذه القوى الدولية وأبرز ساحات هذه الحرب هي القارة الإفريقية. فلا يخفى على أحد الاهتمام الذي تبديه واشنطن وموسكو للقارة، إما من ناحية كثرة وتنوع الزيارات الرسمية وغير الرسمية لها أو من جهة القمم التي يتم عقدها تحت مسميات مثل ” القمة الإفريقية الروسية” أو ” القمة الإفريقية الأمريكية”.
ومع تراجع نفوذ فرنسا، الطرف الدولي الأقوى تاريخياً في القارة، بدأت هذه القوى تحاول سد الفراغ الذي تخلفه فرنسا يوم بعد يوم في المنطقة. وأكثر الأماكن التي تشهد الصراع في إفريقيا هي منطقة الساحل والصحراء. وقد لوحظ في السنوات الأخيرة تطور التواجد الروسي اقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً في العديد من الدول الإفريقية، هذا التواجد السريع والملحوظ، يكشف عن إستراتيجية وضعها الكرملين للتغلغل في القارة.
يطرح هذا المقال مسألة الإستراتيجية التي تتبعها روسيا في مساعيها لتكون من أهم وأبرز قوى ذات نفوذ سياسي واقتصادي وحتى عسكري في القارة، ولفهم هذه الإستراتيجية يركز المقال على أهم مجالات التعاون بين موسكو ودول الإفريقية، وكيفية تعامل روسيا في القارة مع منافسيها الدوليين، وأخيراً ماهي تداعيات وتحديات المستقبلية لهذه الإستراتيجية على روسيا وإفريقيا معاً.
التعاون العسكري والأمني
يمثل العامل الأمني أكبر هاجس للدول الإفريقية وخاصة منطقة الساحل والصحراء، حيث من المميزات الإفريقية كثرة الجماعات المسلحة المعارضة أو حتى الجماعات الجهادية وعصابات الجريمة المنظمة.
لذلك تسوق موسكو نفسها في هذا المجال كبديل للدول الإفريقية للقوى الغربية التقليدية كفرنسا التي تقدم أي حلول كبيرة في هذه الملفات ولم تنجح في القضاء عليها بالرغم من حروبها لهذه الجماعات منذ عقود طويلة.
إذ تقدم موسكو نفسها كسوق مهمة للأسلحة لإفريقيا، وتعتبر الجزائر أكبر دولة إفريقية تعتمد في تسلحيها على روسيا وهي أكبر طرف إفريقي اقتناء للأسلحة من موسكو. وخلال سنوات الماضية وقعت العديد من الدول الإفريقية اتفاقيات عسكرية مع روسيا، إلا أن أهم اتفاقية وقعت بين موسكو والدول الإفريقية في المجال العسكرية هي التي كانت من مخرجات أول قمة روسية إفريقية في سوتشي سنة 2019، إذ وقعت موسكو مع أكثر من 30 دولة إفريقية اتفاقيات عسكرية لتدريب الجيوش وتزويد الدول الإفريقية بالأسلحة.
لم تكتف لروسيا بهذا التعاون فقط لكنها تواجدت عسكريا في إفريقيا عبر ذراعها “فاغنر”، وقد أغرت موسكو الأفارقة عندما نجحت في دعم فوستين أسانج ضد المتمردين بعد أن أرسلت سنة 2017 أكثر من مئة عسكري من فرق النخبة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى تحت غطاء حماية منشاءات ومستشفيات، ونجح الروس في سنة 2020 من فك الحصار عن العاصمة “غانغي” التي كانت قاب قوسين أو أدنى على حافة السقوط في أيدي المعارضة في إفريقيا الوسطى.
لم يتوقف النجاح الروسي في إفريقيا الوسطى، بل سبقها إلى ليبيا في سنة 2014 وهو تاريخ بداية تواجد مجموعة فاغنر الروسية في شرق الليبي ولكنها برزت عمليا أواخر سنة 2018 لمساندة المشير خليفة حفتر في هجومه على العاصمة الليبية طرابلس.
وفي نفس السنوات نجحت موسكو في إيجاد موطئ قدم لها في السودان أيضا، لكن أهم نجاحات موسكو تمثل في مالي سنة 2022، ومن ثم انقلاب أخر في بوركينا فاسو ينهي الوجود الفرنسي فيها في نفس الفترة، وأخر هذه التحركات ما حدث في النيجر سنة 2023، وكل الإشارات تشير إلى دور روسي.
روسيا اليوم صارت تطرح نفسها كبديل في إفريقيا في مساعدات الحكومات الإفريقية في محاربات المتمردين والجماعات الجهادية من خلال برامج تدريبية للقادة العسكريين الأفارقة أو عبر ذراعها العسكري فاغنر في محاربة هذه الجماعات وحماية الشخصية الرسمية في إفريقيا وحراسة مناجم الذهب والألماس، كما أنها تطرح نفسها كبديل لسوق الأسلحة الغربية التي تفرض عقوبات على بعض الحكومات الإفريقية بتعلة الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وحاليا تحتل روسيا الصدارة باعتبارها المصدر الأول لأسلحة في إفريقيا، ومازالت تعول روسيا أكثر في هذا المجال على بسط نفوذها في القارة مع نجاحها نسبيا في هذا المجال إلا أنها في مجالات أخرى مازالت ضعيفة جدا وخاصة على المستوى الاقتصادي.
الشراكات الاقتصادية
تقدم روسيا نفسها كشريك اقتصادي وتجاري للقارة الإفريقية، ومساعيها تتمثل أساسا في الوصول إلى الموارد الطاقية الإفريقية، إذ تمتلك إفريقيا ثروات طبيعية ضخمة جدا، منها الطاقية كالنفط والغاز والأورانيوم، ومنها المعادن (الذهب، الفضة، الألماس)، على غرار الثروات الحيوانية والزراعية.
ووصول روسيا إلى هذه الثروات سيعزز حاجياتها الخاصة في العديد من المجالات، كما أنه سيعزز اقتصادها، ويخرجها من العقوبات التي فرضت عليها من قبل الدول الغربية.
كما تعول موسكو على الجانب الاستثماري والتجاري مع إفريقيا، حيث تمثل القارة الإفريقية أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم، ونجاح موسكو في الاستثمار وتكثير حجم تجارتها مع إفريقيا سيعزز نفوذها في القارة أكثر.
وقد قامت روسيا بتوقيع العديد من الاتفاقيات مع الدول الإفريقية على هامش فعاليات القمة الأخيرة الروسية الإفريقية في سان بطرس برغ سنة 2023، وشملت هذه الاتفاقيات العديد من المجالات كالطاقة والزراعة والصناعة والتكنولوجيا ، كما أن زيارة لافروف التي سبقت القمة في مارس/آذار 2023 لدول إفريقية طرحت العديد من المشاريع التجارية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال تحظى روسيا بامتيازات خاصة في موريتانيا فيما يتعلق بصيد الأسماك، إلا أن لافروف اقترح خلال زيارته توسيع التعاون إلى استثمارات في مجال البنية التحتية واستخراج الغاز في موريتانيا.
كما قدمت روسيا خلال القمة الأخيرة تسهيلات كبيرة وخاصة جدا فيما يتعلق بتوريد الحبوب للقارة الإفريقية في ظل الأزمة الأخيرة التي يعرفها العالم في هذا المجال بسبب الحرب الروسية الأوكرانية. إذا تطرح موسكو نفسها كحل لمشكلة الأمن الغذائي في إفريقيا وفي مجالات الاقتصادية الأخرى بصفة عامة كشريك اقتصادي وتجاري قوي يقوم على مبدئ الربح المشترك بين الطرفيين، ومع ذلك تواجه روسيا خصوما في هذا المجال كثيرين دوليين وإقليمين.
المشاركة الدبلوماسية والسياسية
خلال السنوات الأخيرة نشطت التحركات السياسية والديبلوماسية الروسية الموجهة للقارة الإفريقية كثيرا، زكما ذكرنا تطرح روسيا نفسها كشريك سياسي بديل عن القوى التقليدية الغربية التي طالما ارتبطت إفريقيا بها. وكانت أساليب الكرملين في هذا المجال عبر إنشاءها للقمة الإفريقية الروسية والتي نظمت لدورتين سنة 2019 وسنة 2023، لتعزيز هذا التعاون، كما أن الزيارات الرسمية للشخصية الروسية للقارة نشطت في السنوات الأخيرة وأهمها جولة وزير الخارجية سيرجي لافروف الأخيرة في إفريقيا.
وعبر تعزيزها لعلاقاتها السياسة مع إفريقيا تسعى موسكو لكسب صوت قوي داخل الهيئات والمنظمات الدولية، التي تمتلك فيها الدول الإفريقية ثقل هام ومحترم جدا، كما أن العديد من الدول الإفريقية تترأس هيئات داخل الأمم المتحدة. هذا التعاون السياسي سيتيح لروسيا فك عزلتها الدولية التي فرضتها عليها مؤخرا العقوبات الدولية بسبب حربها على أوكرانيا، لذلك تمثل الدول الإفريقية بديل في هذا المستوى.
لم تكتف روسيا بربط علاقات مع السلطات الرسمية وصناعة القرار السياسي في إفريقيا فقط، بل شكلت شبكة من العلاقات مع منظمات من المجتمع المدني وأحزاب سياسية مما يتيح لها تعزيز نفوذها أكثر في كل هذه المجالات (العسكرية والاقتصادية والسياسية)، وقد بنت روسيا استراتيجية في هذا الصدد على التغلغل داخل المجتمع ومنظمات المدنية على تنامي مشاعر العداء تجاه فرنسا وسياستها في الدول الإفريقية. فقد كشفت عديد تقارير عن إنشاء روسيا لشبكة معلوماتية ضخمة تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي تحت مسمى “Russosphère ” (الفضاء الروسي) ناطقة باللغة الفرنسية، وتستهدف هذه المنصة بصفة خاصة المنطقة الإفريقية الفرنكفونية، حيث تروج لقوات فاغنر والرئيس الروسي بوتين، وتركز على الجرائم الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا في حقبة الاستعمار، وعن نهبها للثروات الإفريقية ومساهمتها في تخلف القارة وتجويعها في مرحلة ما بعد استعمارية. ويتجلى النجاح الروسي في هذا المجال، في خروج العديد من المظاهرات والتحركات في دول إفريقية المطالبة بخروج فرنسا والرافعة لأعلام روسيا وصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
المنافسة والتعاون مع الجهات الفاعلة الأخرى
توجه روسيا في القارة الإفريقية عديد اللاعبين الدوليين والإقليمين، حيث تحولت إفريقيا لساحة صراع ومنافسة على العديد من الأصعدة بين هذه القوى خلال السنوات الأخيرة في ظل تراجع الدوري الفرنسي فيها.
إذ ليست روسيا وحدها التي تمتلك إستراتيجية اتجاه القارة لمد نفوذها، فهي تواجه أحد أكبر القوى الدولية وخاصة في المجال العسكري والسياسي ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية، ففي سنة الحالية 2023، عرفت خلالها مطلعها انعقاد القمة الأمريكية الإفريقية، كما أن القارة شهدت زيارات عديد ومتكررة لشخصيات فاعلة أمريكية على غرار وزيرة الخزانة الأمريكية ووزير الخارجية وحتى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وكانت كل هذه الزيارات تصب نحو هدف واحد وهو تقويض الوجود والنفوذ الروسي في إفريقيا.
فالولايات المتحدة الأمريكية أيضا تطرح نفسها كشريك للدول الإفريقية، ولكن موسكو لا تصدم مع واشنطن وحدها في إفريقيا، بل تصدم مع أحد حلفائها الدوليين وخاصة فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي وألا وهو الصين التي تعتبر الشريك الأول اقتصاديا في إفريقيا كدولة وتأتي ثانية بعد تكتل الأوروبي (الاتحاد الأوروبي) بفارق ضئيل جدا ، حيث لا تزال روسيا بعيدة جدا في المجال الاقتصادي عن بقية منافسيها، وبالرغم من أن الصين حليفاتها إلا أن روسيا تسعى لمنافستها في إفريقيا وتحقيق تفوق اقتصادي وهو ما أبداه الرئيس الروسي بوتين خلال القمة الإفريقية الروسية الأخير.
لذلك تركز روسيا في تعاونها في إفريقيا على القوى المحلية أكثر منها تحالفات خارجية، لأن المصالح في القارة متضاربة ومتعارضة حتى مع حلفائها التقليدين الصينين الذي يركزون مساعيهم أكثر على المجال الاقتصادي، ولذلك تحاول روسيا كسب القوى الإقليمية في إفريقيا ومن بين أهم هذه المظاهر ضمها مؤخرا لكل من مصر وأثيوبيا إلى منظمة البريكس على غرار جنوب إفريقيا، كما يلوح مستقبلا إلى انضمام الجزائر إلى نفس المنظمة وهي الشريك الأكبر لروسيا في القارة.
التداعيات
• التحول الجيوسياسي: إن التدخل الروسي المتزايد في أفريقيا يدل على تحول كبير في المشهد الجيوسياسي العالمي. فهي تتحدى الهيمنة الطويلة الأمد للقوى الغربية التقليدية في المنطقة، وتبشر بنظام عالمي أكثر تعددية الأقطاب. وقد يؤدي هذا إلى تغييرات في ديناميكيات القوة العالمية وتحالفاتها.
• الوصول إلى الموارد: إن انخراط روسيا المتزايد في استخراج الموارد الأفريقية، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن والمنتجات الزراعية، لا يؤدي إلى تأمين السلع الحيوية لصناعاتها المحلية فحسب، بل يعزز أيضاً أمن الطاقة لديها. وهذا يمكن أن يجعل روسيا أكثر مرونة في مواجهة الضغوط الاقتصادية الخارجية.
• الفرص الاقتصادية: من خلال توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية، تسعى روسيا إلى تنويع أسواقها، وتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية التي فرضت عقوبات. ومن الممكن أن توفر استراتيجية التنويع هذه لروسيا حاجزًا ضد الصدمات الاقتصادية وتعزز مرونتها الاقتصادية.
• النفوذ العسكري: من خلال التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة، توسع روسيا نفوذها العسكري في أفريقيا. ويشمل ذلك إنشاء قواعد عسكرية وتأمين الوصول إلى المواقع الاستراتيجية، وهو ما يمكن أن يعزز موقفها العسكري العالمي. يمكن أن يكون هذا الوجود العسكري بمثابة أداة دبلوماسية.
• النفوذ الدبلوماسي: إن نفوذ روسيا المتزايد في أفريقيا يمنحها نفوذا دبلوماسيا أكبر على الساحة العالمية. فهو يوفر لموسكو صوتا أقوى في المنتديات والمفاوضات الدولية، مما يسمح لها بتشكيل معايير الحوكمة العالمية بطرق تتوافق مع مصالحها.
التحديات
• المنافسة مع القوى الأخرى: تواجه روسيا منافسة شرسة من لاعبين عالميين آخرين في أفريقيا، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة والدول الأوروبية. ويمكن لهذه المصالح المتنافسة أن تؤدي إلى أجندات متضاربة وتوترات جيوسياسية محتملة في المنطقة، مما يهدد الاستقرار.
• المخاطر الأمنية: إن وجود شركات عسكرية خاصة مثل مجموعة فاغنر، إلى جانب الأنشطة العسكرية المتزايدة، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات الإقليمية والمخاطر الأمنية. وهذا قد يجر روسيا إلى مواقف معقدة ومتقلبة، مما قد يؤدي إلى إجهاد مواردها وعلاقاتها الدولية.
• الجدوى الاقتصادية: إن ضمان أن تعود الشراكات الاقتصادية بالنفع على كل من روسيا والدول الإفريقية هو أمر صعب. ومن الممكن أن يؤدي الفساد، وعدم كفاية البنية التحتية، وعدم الاستقرار الاقتصادي في بعض البلدان الأفريقية إلى إعاقة التنفيذ الناجح لهذه الشراكات، مما يشكل مخاطر مالية.
• عدم الاستقرار السياسي: المشهد السياسي في أفريقيا متنوع، ويتمتع بدرجات متفاوتة من الاستقرار. إن انخراط روسيا قد يعرضها لمخاطر سياسية، بما في ذلك تغيير النظام، الأمر الذي قد يكون له تداعيات على مصالحها طويلة المدى في المنطقة.
• المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان: قد يؤدي اصطفاف روسيا مع بعض الأنظمة الإفريقية، والتي يتمتع بعضها بسجل سيئ في مجال حقوق الإنسان، إلى إثارة الانتقادات والاضرار بسمعتها دوليا وعند المجتمعات المحلية في إفريقيا، لذلك فتحقيق التوازن بين المصالح السياسية والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان يشكل تحديا كبير أمام روسيا في إفريقيا.
خاتمة
وفي الختام، فإن المشاركة الاستراتيجية لروسيا في أفريقيا تمثل نهجا متعدد الأوجه يهدف إلى تعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية في القارة. إن جهود موسكو في أفريقيا مدفوعة بعدة عوامل رئيسية، بما في ذلك الرغبة في الوصول إلى الموارد الطبيعية الهائلة في أفريقيا، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية، وتوسيع نفوذها العالمي.
أحد الدوافع الأساسية لانخراط روسيا هو سعيها للحصول على موارد الطاقة مثل النفط والغاز واليورانيوم. تمتلك أفريقيا ثروات طبيعية وفيرة، بما في ذلك المعادن مثل الذهب والفضة والماس، والتي لها أهمية اقتصادية كبيرة. إن الوصول إلى هذه الموارد لا يعزز احتياجات روسيا المحلية فحسب، بل يخفف أيضا من تأثير العقوبات الغربية المفروضة ردًا على أفعالها في أوكرانيا.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تعترف روسيا بإفريقيا باعتبارها سوقا استهلاكية رئيسية ومصدرا محتملا للاستثمار. ومن خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية، تهدف موسكو إلى ترسيخ وجودها في القارة. وتكتسب هذه الاستراتيجية أهمية بالغة بشكل خاص في ضوء الأهمية المتزايدة التي تلعبها أفريقيا في الاقتصاد العالمي.
علاوة على ذلك، تسعى مناورات روسيا الدبلوماسية والسياسية في أفريقيا إلى ترسيخ نفسها كشريك بديل للقوى الغربية التقليدية. فقد نظم الكرملين مؤتمرات قمة رفيعة المستوى، وشارك في اتفاقيات ثنائية، وبنى علاقات مع كل من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. وتهدف روسيا من خلال ذلك إلى اكتساب النفوذ داخل المنظمات الدولية وكسر عزلتها بسبب العقوبات الأخيرة المسلطة عليها بسبب حربها في أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن طموحات روسيا في أفريقيا تواجه منافسة من لاعبين عالميين وإقليميين آخرين، أبرزهم الولايات المتحدة والصين. وفي حين خطت موسكو خطوات كبيرة، إلا أنها لا تزال متخلفة عن هؤلاء المنافسين في المشاركة الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال المشهد الجيوسياسي في أفريقيا معقدا، مع وجود صراعات ومصالح إقليمية مختلفة.
وفي جوهر الأمر، تشكل مشاركة روسيا في أفريقيا جزءاً من استراتيجيتها الأوسع نطاقاً لتنويع شراكاتها العالمية، والوصول إلى الموارد القيمة، وتعزيز مكانتها على المسرح العالمي. ومع اشتداد المنافسة على النفوذ في أفريقيا، فإن دور موسكو في تشكيل مستقبل القارة سوف يستمر بلا شك في التطور. وسوف تتزايد أهمية أفريقيا الاستراتيجية، مما يجعلها نقطة محورية للقوى العالمية الكبرى مثل روسيا في السنوات المقبلة.