Site icon أفروبوليسي

الحروب المعاصرة:

الحروب النعاصرة

الحروب المعاصرة

المستخلص:

تستكشف هذه المقالة “نظرية الحروب الدولية الجديدة” (NIWT)، وهي إطار تحليلي متكامل ومبتكر، تم تطويره لتوفير فهم أعمق للنزاعات المسلحة التي تتسم بها مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ترتكز هذه النظرية على فحص نقدي للنظريات السائدة في العلاقات الدولية، وتقدم آليات سببية مترابطة تشرح بدء الصراعات المعاصرة، واستمرارها، وانتشارها. تؤكد الدراسة على ضرورة هذه النظرية لتحليل التعقيدات المتزايدة للحروب اليوم، مثل ضعف الدولة، وعولمة النزاعات، وتدهور السيادة، ودور الفاعلين غير الحكوميين المركزي، والاستراتيجيات الهجينة، واقتصادات الحرب العابرة للحدود. توضح المقالة أن NIWT تقدم منظورًا تحليليًا قويًا، مدعومًا باختبارات تجريبية صارمة من خلال دراسات حالة مفصلة (سوريا، ليبيا، اليمن، السودان، أوكرانيا)، مما يؤكد صحتها وقدرتها على التنبؤ. تهدف هذه الورقة إلى إبراز هذه المساهمة المعرفية الفريدة، التي نشأت من السياق الافريقي والعربي، وتحديداً من السودان، بهدف تحفيز المزيد من البحث والحوار حول التحديات الأمنية الراهنة وتطوير استراتيجيات سلام أكثر فعالية.

الكلمات المفتاحية: الحروب الدولية الجديدة ، نظرية الصراع ، ضعف الدولة ، العولمة ، الفاعلون من غير الدول ، الحرب الهجينة ، اقتصاديات الحرب ، السيادة ، الحروب بالوكالة ، السودان.

1.مقدمة 

تحولات الصراع العالمي وضرورة ظهور نظرية جديدة

نُعلن اليوم عن ظهور رؤية تحولية هي “نظرية الحروب الدولية الجديدة” (NIWT). هذه النظرية هي ثمرة تأمل عميق وتفكير نقدي جذري انطلق من واقع الصراعات المشتعلة. ليست هذه مجرد إضافة أكاديمية هامشية، بل هي صرخة معرفية تنبع من الألم والتحدي. إنها تقدم إطارًا نظريًا واسعًا يُعيد تشكيل فهمنا لطبيعة الحروب المعاصرة ويزودنا بأدوات تحليلية ذات فاعلية وإلحاح استراتيجي غير مسبوق.

لطالما هيمنت الأطر التفسيرية الغربية على تحليل صراعاتنا العربية والأفريقية. وعلى الرغم من قيمتها الجوهرية، إلا أنها غالبًا ما قصرت عن فهم التشابكات العضوية والتداخلات السائلة والخصوصيات البنيوية التي تميز حروبنا الراهنة. من هنا، من قلب السودان الذي يُعاني اليوم من أعتى تجليات هذه الحروب وأكثرها فتكًا ، تنبع القوة الأصيلة لهذه النظرية. إنها رؤية اختُبرت على أرض الواقع الأليم، وصُممت لتفكيك الظواهر التي عجزت النظريات السائدة، بصرامتها القديمة، عن تفسيرها بشكل كامل أو مقنع.

لماذا تُعد “نظرية الحروب الدولية الجديدة” ضرورة حتمية ومستقبلية؟ لقد تجاوز عالمنا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وخاصة حقبة الألفية الثالثة، النماذج الكلاسيكية للصراع التي ترسخت في الأذهان لعقود. لم تعد الجيوش النظامية هي الفاعل الوحيد، بل أصبحت جزءًا من نسيج معقد. كما أن ساحات المعارك لم تعد محددة بخطوط جغرافية ثابتة، بل امتدت لتشمل الفضاء السيبراني والاقتصادات الخفية والعقول نفسها. نحن أمام تحول نوعي وجذري، بل ثورة في طبيعة الحرب، تتطلب تحولًا نظريًا وجوديًا في فهمها.

إن الأطر التفسيرية التقليدية، مثل الواقعية التي أفرطت في حصر الصراع في صراع القوى بين الدول العظمى (مورغنثاو، 1964؛ والتز، 1979) ، والليبرالية التي بالغت في تفاؤلها بقدرة العولمة والمؤسسات على إحلال السلام (كيوهين وناي، 1977) ، وحتى البنائية في تركيزها على الأفكار دون إعطاء وزن كافٍ للعوامل المادية القاسية (كون، 1992؛ فينمور، 1996) ، أصبحت قاصرة بشكل صارخ ومُحبط عن استيعاب هذا الواقع المتشابك. حتى المحاولات الحديثة، مثل نظرية “الحروب الجديدة” لماري كالدور، ورغم ريادتها في الإشارة إلى بعض الخصائص المتغيرة (كالدور، 2003) ، لم تتمكن من تقديم إطار متكامل يشرح التفاعلات العميقة بين ضعف الدولة البنيوي، والتدخلات الدولية اللامحدودة، واقتصاديات الحرب العابرة للحدود التي لا تعترف بقانون، ودور الفاعلين المتعددين ذوي الأجندات المتضاربة في سياق مترابط وسببي لا ينفصم (مامفورد، 2013).

من هنا، تبرز الحاجة المُلحة، بل الوجودية، لـ NIWT. إنها نظرية لا تكتفي بالتحليل، بل تطمح إلى صياغة رؤية مستقبلية. هذه النظرية تُطوّر في سلسلة شاملة وموسوعية من أربعة كتب تحمل عنوانًا جامعًا: “فهم عالم الحروب المعاصرة: سلسلة الحروب الدولية الجديدة”. هذا الجهد البحثي ليس مجرد سرد، بل هو بناء معماري تحليلي متكامل يربط بين هذه الأبعاد المتشابكة، موفرًا تفسيرًا سببيًا عميقًا وديناميكيًا لنشأة هذه الحروب، واستدامتها التي لا تنتهي، وتمددها الذي يُهدد استقرار العالم. تهدف هذه المقالة إلى تقديم لمحة مكثفة عن جوهر NIWT ومساهمتها العلمية، تمهيدًا للنشر القريب للسلسلة.

2. الإطار النظري: “نظرية الحروب الدولية الجديدة” (NIWT) – بناء متكامل لتفسير الصراع

تُقدم “نظرية الحروب الدولية الجديدة” (NIWT) إطارًا نظريًا شاملًا ومتعدد المستويات يُفسر الصراعات المسلحة المعاصرة التي نشأت وتطورت في عصر ما بعد الحرب الباردة. إنها ليست مجرد تعديل أو إضافة لنظرية قائمة، بل بناء نظري متماسك، قائم على مجموعة من الافتراضات والمفاهيم والآليات السببية التي تختلف جوهريًا عن نظريات الحرب التقليدية، وتُقدم تفسيرًا يتجاوز ما هو معروف.

2.1. الافتراضات الأساسية لـ NIWT: دعائم البناء النظري

تعتمد NIWT على أربعة افتراضات محورية تُعيد صياغة فهمنا لطبيعة الدولة والنظام الدولي، وتُشكل أساسًا لتمييزها عن الأطر السابقة:

2.2. المفاهيم المركزية والآليات السببية (الفرضيات الموسعة): تفسير شامل لديناميكيات NIWT

تستخدم NIWT مجموعة من المفاهيم المترابطة التي تشكل أدواتها التحليلية، وتُفسر آلياتها السببية عبر ست فرضيات موسعة، تُشكل جوهر الكتاب الثاني: “فوق الركام: بناء ‘نظرية الحروب الدولية الجديدة’ لفهم عالم الحروب المعاصرة”:

3.المنهجية البحثية واختبار النظرية التجريبي

لا تكتفي NIWT بالبناء النظري، بل تُقدم منهجية بحثية صارمة وقوية لاختبار فرضياتها، مما يُعزز من مصداقيتها العلمية وقابليتها للدحض. وقد اعتمد الباحث منهجية بحثية متعددة الأساليب (Mixed Methods Approach) تُجمع بين العمق الذي توفره الدراسات النوعية والتحليل المقارن، والاتساع الذي يمكن استخلاصه من البيانات الكمية.

3.1. التصميم البحثي: المنهجية المختلطة

شكل اختيار المنهجية المختلطة حجر الزاوية في التصميم البحثي. تتناول NIWT ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تتطلب فهمًا عميقًا من خلال الآليات السببية المتشابكة، في حين تتطلب القدرة على تحديد الأنماط العامة والتعميم إلى حد ما. هذا المنهج يسمح بالاستفادة من نقاط قوة التحليل النوعي (فهم السياقات والآليات السببية من خلال تتبع العملية) والتحليل الكمي (اختبار الفرضيات على نطاق أوسع باستخدام التحليل المقارن النوعي – QCA)، مع تعزيز الصلاحية الداخلية والخارجية والوثوقية. يُعد تتبع العملية أداة حاسمة للكشف عن “الأدلة الدفترية” و”اختبارات العروة” و”اختبارات القشة في مهب الريح” التي تربط بين المتغيرات وتؤكد الآليات السببية المقترحة (George & Bennett, 2005). أما التحليل المقارن النوعي (QCA)، فيُقدم إطارًا لتحليل عدد متوسط من الحالات لتحديد التركيبات السببية للظواهر المعقدة (Ragin, 2008).

3.2. معايير اختيار الحالات الدراسية:

لضمان اختبار شامل لـ NIWT، تم اختيار حالات دراسية تمثل بوضوح خصائص “الحروب الدولية الجديدة” وتنوعها الجغرافي والسياسي والاقتصادي، مع توفير تباين في المتغيرات لدعم التحليل المقارن.

الحالات الدراسية المختارة:

3.3. مصادر جمع البيانات وأدواتها:

لتحقيق عمق وشمولية التحليل، تم الاعتماد على مجموعة متنوعة وثرية من مصادر البيانات الأولية والثانوية. شملت هذه المصادر: تقارير الأمم المتحدة (مجلس الأمن، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية)، وتقارير المنظمات الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي)، وتقارير الحكومات الوطنية ذات الصلة (وزارات الخارجية والدفاع)، ووثائق مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية المرموقة (مثل مجموعة الأزمات الدولية، هيومن رايتس ووتش، راند كوربوريشن، تشاتام هاوس)، والدراسات الأكاديمية والكتب والمقالات العلمية المحكمة، والبيانات الصحفية والتحليلات الإعلامية الموثوقة من وكالات الأنباء العالمية (رويترز، أسوشيتد برس، بي بي سي، الجزيرة). يضمن هذا التنوع في المصادر التثليث (Triangulation) ويُعزز من موثوقية النتائج.

3.4. قضايا الصلاحية والموثوقية والأخلاقيات البحثية:

تم التعامل مع قضايا الصلاحية (الداخلية، الخارجية، البنائية)، والموثوقية، والأخلاقيات البحثية بجدية تامة لضمان جودة الدراسة وتعزيز مصداقية النتائج. وقد تم تعزيز الصلاحية الداخلية من خلال تتبع العملية الدقيق. كما تم تعزيز الصلاحية الخارجية من خلال اختيار حالات دراسية متنوعة وتطبيق QCA. وتم تعزيز صلاحية البناء من خلال تطوير مؤشرات قابلة للقياس للمفاهيم النوعية. تم ضمان الموثوقية من خلال توثيق جميع خطوات البحث ومصادر البيانات بوضوح. كما تم الالتزام الكامل بالمعايير الأخلاقية في التعامل مع البيانات، والشفافية التامة في عرض النتائج.

4. النتائج التجريبية وتقييم NIWT: البرهان العملي لقوة النظرية

لقد أظهرت دراسات الحالة الخمس توافقًا قويًا وانسجامًا ملحوظًا بين خصائصها وديناميكياتها والفرضيات الموسعة لنظرية الحروب الدولية الجديدة. من خلال تطبيق منهجي لـ “تتبع العملية” و”التحليل المقارن النوعي”، تم استخلاص نتائج حاسمة تؤكد بشكل جازم صحة الفرضيات الرئيسية لـ NIWT، مما يُقدم برهانًا عمليًا على قوة النظرية.

4.1. عرض النتائج التجريبية: تأكيد حاسم للفرضيات الموسعة لـ NIWT:

5. القدرة التنبؤية لـ NIWT والآثار المترتبة على السياسات

إن NIWT لا تصف فقط الظاهرة، بل تُقدم قدرة تنبؤية استراتيجية، من خلال مؤشرات واضحة، تُمكّن صناع القرار من رصد مناطق الخطر واتخاذ إجراءات وقائية.

5.1. المؤشرات التنبؤية لـ NIWT: إطار للرصد والاستجابة الاستراتيجية:

على الرغم من أن التنبؤ في العلوم الاجتماعية يركز على تحديد الظروف التي تزيد من احتمالية وقوع حدث ما، لا التنبؤ اليقيني ، فإن NIWT تُقدم مجموعة من المؤشرات القابلة للمراقبة، تتفرع من فرضياتها الست، والتي تُمكّن صناع القرار من تحديد الظروف التي تزيد بشكل كبير من احتمالية نشأة أو تصاعد أو استمرار “الحروب الدولية الجديدة” (ResearchGate, 2024).

5.2. الآثار المترتبة على السياسات:

يُعَدُّ الفهم النظري المتعمق لظاهرة “الحروب الدولية الجديدة” أمرًا حيويًا لتطوير استراتيجيات وسياسات أكثر فاعلية لمنع الصراع، وإدارته، وبناء السلام المستدام. تُقدم NIWT رؤى عملية لصناع السياسات والمجتمع الدولي:

6. الخلاصة:

نحو فهم أعمق لمستقبل الصراع

في الختام، تُعد “نظرية الحروب الدولية الجديدة” (NIWT) إسهامًا معرفيًا حيويًا يملأ فجوة تفسيرية قائمة في أدبيات العلاقات الدولية ودراسات الصراع. إنها نظرية تتجاوز مجرد الوصف لتقدم تفسيرًا سببيًا شاملًا ومتكاملًا، وتُعزز من قدرتنا على فهم الحروب المعاصرة، ليس فقط كما هي، بل لماذا تنشأ، وكيف تُستدام، وما هي مساراتها المحتملة.

إن ولادة نظرية علمية أصيلة بهذا العمق والشمولية، تنبع من قلب السودان الذي يعيش اليوم واقعًا مريرًا يُجسد بوضوح تحديات الحروب الدولية الجديدة في أبشع صورها، تُعد إشارة قوية على أن البحث العلمي في العالم الأفريقي والعربي ليس مجرد متلقٍ سلبي للمعرفة، بل هو قادر على إنتاجها والمساهمة الفاعلة في صياغة فهمنا للعالم المعاصر. لقد حان الوقت لأن تُساهم خبراتنا المكتسبة من عمق التحديات في بناء المعرفة العالمية وتطوير الأدوات التحليلية التي تُلامس الواقع.

ومع قرب صدور سلسلة كتب “فهم عالم الحروب المعاصرة: سلسلة الحروب الدولية الجديدة”، فإنني أؤمن بأن هذه النظرية سُتساهم في رسم خرائط أوضح لمستقبل أكثر أمانًا وعدلًا في عالم يزداد تعقيدًا وضبابية. إن فهم هذه الحروب ليس ترفًا أكاديميًا، بل ضرورة استراتيجية قصوى تفرضها تحديات الأمن في أيامنا. هذا المقال هو محاولة متواضعة لتقديم جزء حيوي من هذه المعرفة، أملًا في المساهمة في بناء عالم يتجاوز ركام الصراعات.

المصادر والمراجع:

https://mediterraneancss.uk/2025/04/23/the-cyber_-conflict_-between-_realism-and-liberalism/.

https://www.maximizemarketresearch.com/market-report/global-commercial-security-market/55236/.

https://www.researchgate.net/publication/382725664_alqdrt_altnbwyt_lldm_alajtm.

https://www.theafricareport.com/281350/sudan-how-russias-wagner-group-is-fuelling-the-war/.

 

Exit mobile version