Site icon أفروبوليسي

التعديلات الدستورية في تشاد: إصلاحات حقيقة أم ترسيخ للسلطة؟

البرلمان التشادي

البرلمان التشادي

في 15 سبتمبر 2025، صادق البرلمان التشادي على حزمة تعديلات دستورية شملت أكثر من عشرين مادة، أبرزها المادة 77 التي رفعت مدة الولاية الرئاسية من خمس إلى سبع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ومدّدت ولاية النواب من خمس إلى ست سنوات. وبينما تصف الحكومة هذه التعديلات بأنها “تقنية” لتعزيز الاستقرار المؤسسي، يكشف الجدل البرلماني والشعبي المرافق لها عن خلفيات سياسية أعمق تتعلق بمستقبل الحكم وبإعادة توزيع ميزان القوى في البلاد.

من الاستفتاء إلى التعديلات

تأتي هذه التغييرات في ظل دستور جديد أُقرّ بالاستفتاء في ديسمبر 2023، صوّت لصالحه 86% من المشاركين، وسط مقاطعة المعارضة والمجتمع المدني. وقد شكّل ذلك الدستور الأساس للعودة إلى الحكم المدني بعد المرحلة الانتقالية التي أعقبت وفاة الرئيس إدريس ديبي في 2021.

غير أن هذا “الانتقال” لم يحدث قطيعة مع الماضي، إذ برزت استمرارية واضحة مع انتخاب محمد إدريس ديبي في مايو 2024 بنسبة 61% من الأصوات في انتخابات اعتُبرت تنافسيتها محدودة، ثم مع استكمال بناء المؤسسات التشريعية والمحلية في 2024 و2025 بعد أكثر من عقد من الفراغ.

برلمانٌ في خدمة السلطة التنفيذية

صوّتت الأغلبية البرلمانية لصالح التعديلات رغم اعتراض بعض النواب ومقاطعة آخرين، وهو ما يعكس تماهياً ملحوظاً بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية. التسريع في تمرير التعديلات يثير عدة أسئلة:

عن دوافع السلطة: هل الهدف فعلاً تعزيز كفاءة النظام السياسي أم توفير أفق زمني أطول للرئيس الحالي لترسيخ حكمه؟

عن دور المعارضة: ضعفها داخل البرلمان جعلها عاجزة عن التصدي لهذه التغييرات.

عن التوقيت: التعديلات جاءت بعد أقل من عام على انتخاب الرئيس، ما يوحي بوجود ترتيب مسبق لتثبيت سلطته.

بين الاستقرار وإطالة عمر السلطة

أنصار التعديلات يرون أن تمديد الفترات الانتخابية يتيح استقراراً مؤسسياً ويمنح الوقت الكافي لتنفيذ البرامج، فضلاً عن تقليص كلفة الانتخابات المتكررة.

في المقابل، ترى المعارضة أن هذه التعديلات تمهد لحكم طويل الأمد، إذ تتيح للرئيس البقاء نظرياً حتى عام 2038، ما يعزز المخاوف من إعادة إنتاج نمط الحكم العائلي الممتد الذي عرفته البلاد في السابق.

الشرعية وثقة الشارع

رغم اكتمال المؤسسات الدستورية بانتخاب مجلس الشيوخ في مارس 2025، تبقى مسألة الشرعية معلّقة. المعارضة تصف العملية بأنها إعادة إنتاج للنظام السابق، بينما الرأي العام المثقل بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية يبدو غير مبالٍ بالنقاشات الدستورية، ويطالب بتحسين المعيشة أكثر من تعديل النصوص، مع ضعف واضح في الثقة  كلما أُقرت إصلاحات كبرى دون نقاش وطني شام

لمحة تاريخية:

 الدساتير بين التنوع والاستبداد

منذ الاستقلال، مرّت تشاد بسلسلة من التحولات الدستورية تعكس صراعاً بين بناء مؤسسات تعددية وترسيخ سلطة مطلقة:

1959-1966: دستور برلماني مع رئيس وزراء، قبل أن يُلغى التعدد الحزبي لصالح الحزب الواحد عام 1962.

1982-1989: تكريس نظام الحزب الواحد ودمج المناصب التنفيذية، بينما بقيت مسودة دستور 1989 حبراً على ورق بسبب الحرب.

1991-2005: ميثاق وطني مؤقت ثم دستور أعاد التعددية وحدد فترات الرئاسة، قبل أن تُلغى القيود في 2005 للسماح بولايات غير محدودة.

2023-2025: دستور جديد بعد مرحلة انتقالية، ثم تعديل سريع في 2025 لتمديد فترة الرئاسة والبرلمان، بما يعزز سلطة محمد إدريس ديبي.

خصوصية تعديل 2025 مقارنة بالتحولات السابقة

في الماضي، كانت التغييرات تعكس تذبذباً بين نظم برلمانية ورئاسية وحكم الحزب الواحد، مع محاولات جزئية لبناء مؤسسات.

تعديل 2025 يتجه إلى ترسيخ رئاسة قوية ومهيمنة في إطار دستوري معاصر، مع تقليص فرص التعددية السياسية.

بينما اتسمت تعديلات التسعينات بمحاولة الانفتاح نحو حكم أكثر تعددية، يعكس التعديل الحالي عودة إلى منطق الاستبداد لكن بواجهة دستورية “حديثة”.

تداعيات واحتمالات

ورغم أنه ليست المرة الأولى التي يجري فيها تعديل إلا أن التعديلات هذه المرة أثارت شكوكا عميقة خاصة ,انها جاءت فترة حوار توقع التشاديون أن يحمل تغييرات لصالح الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والمشاركة الأوسع لجميع الطيف السياسي التشادي وسيكون لما جرى تداعيات على المستويات المختلفة:

ــــ إن تركز السلطة وتقليل المنافسة السياسية والسماح للرئيس بالترشح دون حدود يضعف مبدأ التناوب السلمي على السلطة، ويُقلّص فرص المعارضة، ومع سيطرة الحزب الحاكم على البرلمان، بدا واضحا أن العملية التشريعية باتت مُهيّئة لدعم الرئيس، مما يقلل من المساءلة والمراجعة البرلمانية. تبرر الحكومة التعديلات بأنها لتعزيز الاستقرار المؤسسي، لكن هناك مخاوف من أن هذا “الاستقرار” قد يأتي على حساب مبدأ التوازن بين السلطات وسلطة القانون.

ــــ على الرغم من إلغاء الحصانة عن الوزراء في قضايا الفساد، تبقى الأسئلة حول مدى استقلال القضاء والقدرة الفعلية للمحاكم على مساءلة كبار المسؤولين، لأنه إذا زادت صلاحيات الرئيس أو أُضعفت الضوابط، فالمساءلة قد تضعف فعلياً حتى لو كانت قانونياً واردة.

ـــ كما بدت احتمالات تصاعد التهميش للمعارضة، خاصة إن ازدادت القيود على حرية التعبير أو الحريات العامة في ظل هيمنة سياسية، مما قد يدفع نحو ازدياد الاستياء الشعبي إذا شعر المواطن أن التعديلات تُستخدم للحفاظ على شخص أو مجموعة في السلطة دون تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية (كالفقر، البطالة، الأمن).

ـــ تشكل العملية خطرا على الاستقرار لأنه إذا فسدت الثقة  ورأى الناس أن النظام المركزي يستفيد البعض بينما يتجاهل الآخرون، قد تنمو الاحتجاجات أو التمرد السياسي، ما يهدد الاستقرار الداخلي.

على المستوى الإقليمي والدولي، قد تواجه هذه التعديلات، وبالذات من الديمقراطيات المانحة بانتقادات شديدة، وقد تؤثر على الدعم المالي أو التعاون الدولي مع تشاد، وتشكل أحد أوراق الضغط على النظام.

وفي حال ازدياد القمع السياسي أو تفاقم الأزمات الاجتماعية، قد تُستهلك موارد الدولة في الأمن الداخلي بدلاً من مواجهة التحديات الأمنية المشتركة (المتمردين، الجماعات المسلحة، التهديدات العابرة للحدود)، وهو ابرز تداعياته القريبة، لطبيعة التوجه القابض للنظام والمركزية الشديد.

ختاماً

التعديلات الدستورية الأخيرة في تشاد ليست مجرد إصلاح تقني، بل خطوة سياسية تحمل دلالات عميقة: فهي تمنح السلطة التنفيذية فسحة زمنية أطول، لكنها في المقابل تعمّق الشكوك حول مسار التحول الديمقراطي. كما تُعد تغييراً جوهرياً في النظام الدستوري والسياسي في تشاد، حيث تنتقل البلاد من تقييد للولاية الرئاسية إلى نظام يتيح استمرارية واسعة للرئاسة.

يبقى السؤال الأهم: هل ستُستغل السنوات السبع لبناء مؤسسات قوية تستجيب لتطلعات الشعب، أم ستتحول إلى أداة لإطالة عمر النظام، بما قد يعيد إنتاج الأزمات القديمة التي لازمت التاريخ الدستوري للبلاد؟

Exit mobile version