ندوات

تقرير الندوة السياسية حول “العلاقات الصينية الإفريقية في ظل التغيرات الجيوسياسية الدولية”

نظم المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفرو بوليسي) ندوة سياسية تحت عنوان “العلاقات الصينية الإفريقية في ظل التغيرات الجيوسياسية الدولية ” وهي الندوة السادسة عشر ضمن الندوات الشهرية التي ينظمها المركز. وقد تمت أشغال هذه الندوة عبر تقنية الزووم بتاريخ 5 أكتوبر 2024 ودامت قرابة ساعتين ونصف، شارك فيها عدد من الأكاديميين والباحثين المختصين في الشأن الافريقي.

استهلت أشغال هذه الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذ محمد صالح عمر مدير المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، والذي بدأ بشكره لأساتذة المتحدثين وبحضور الندوة وقام بتقديم أهم المحاور التي طرحت في الندوة، رفقة فقرة تمهيدية للموضوع تعرف بالعلاقات الصينية الإفريقية.

افتتحت أولى فقرات الندوة بمداخلة الأستاذ إدريس آيات وهو أكاديمي وباحث معروف، متخصص في القضايا الإفريقية الأمنية والاستراتيجيةـ إذ تناولت مداخلته أول محاور الندوة الذي تطرق إلى تاريخية العلاقات الإفريقية الصينية ومجالات التعاون والشراكة بين الطرفيين:

العلاقات التاريخية بين الصين وإفريقيا:

أكد الأستاذ آيات في مداخلته على قدم العلاقات التاريخية الافريقية والتي تعود إلى الحقبة الزمنية المسماة بالتاريخ القديم، ولكنها علاقة امتازت بالسطحية واقتصرت فقط على التجارة مع سواحل شرق القارة، حيث أن الصومال كانت جزء مما يعرف بطريق الحرير الذي ينطلق من الصين. وهو ما تحاول الصين حاليا إعادة إحيائه تحت مسمى طريق الحزام والحرير.
فالصينيون حسب ما ذكر الأستاذ آيات يؤمنون كثيرا بعلاقاتهم الموروثة تاريخية ويحاولون دائما ربط علاقاتهم التاريخية بالحالية وإعادة إحيائها مرة أخرى.

ومع مطلع الألفية الحالية بدأت العلاقة الفعلية والعملية الإفريقية الصينية، إذ توجهت الصين نحو إفريقيا لبناء تحالفات وشراكات مع دول القارة، وقد ووجهت هذه الشراكات بحملة ضخمة من قبل الدول الغربية المستعمر التقليدي للقارة، واعتبرت هذه الدول أن هذه العلاقات مبنية على الفشل وذلك لعدة اعتبارات أولها عدم معرفة الصين بالقارة وثانيا أن إفريقيا لن تضيف شيئا للصين. ولكن حسب الأستاذ آيات كانت الشراكة الصينية الإفريقية حقيقة وعملية ووفرت امتيازات ومنافع كبرى لإفريقي لم توفرها سابقا القوى الغربية .

مجالات التعاون والشراكة الإفريقية الصينية:

أشار الأستاذ إدريس إلى المجالات العديدة للتعاون الإفريقي والصيني وأهمية الفائدة التي عادات بها هذه المجالات على إفريقيا وتحديدا في مجال البنية التحتية والقروض المسيرة، وحول هذه الاستفادة التي قسمها إلى ثلاث نقاط هام كالتالي:
1- نوعية الاتفاقيات والصفقات الصينية تختلف عن نظيرتها الغربية، إذ تكون الاتفاقيات الصينية بين دولة ودولة عكس الغربيين مع الشركة وليس الدولة، فالاتفاق مع الدولة هو ضمان في حالات كالإفلاس وغيرها حيث تتحمل الدولة مسؤولية كاملة، أما في الحالة الغربية إذ أفلست شركة فليس هناك جهة ضامنة وهنا يتضرر الطرف الأخر وهو ما حدث في عديد من الدول الإفريقية مع شركات غربية.

2- تقدم الصين امتياز كبير في الأسعار، فالأسعار الصينية أقل بكثير من أسعار الشركات الأوروبية، كما أن الصين بالرغم من أسعارها المنخفضة ومع ذلك هي متفوقة تكنولوجيا (مثال القطارات السريعة) على الغرب وحتى في مجال البنية التحتية.

3- من ناحية الفترة الزمنية فالصينيون ملتزمون أكثر بزمن تنفيذ المشاريع عكس الأوروبيين الذين تتعطل مشاريعهم وتأخذ حيز زمني أكثر من المتفق عليه وهو ما يجعل الدول تتحمل ميزانيات التأخير وتكلفة الإضافية الباهظة لذلك.

واعتبر أستاذ آيات أن كل هذه النقاط المذكورة كفيلة بجعل الغربيين يهاجمون العلاقات الصينية الافريقية  ويتهمونها بفخ الديون، لأنهم هم ذاتهم كانوا المستفيدين الأوائل من العلاقات الافريقية ولا يريدونها أن تحرر من هيمنتهم.

أما المداخلة الثانية فقد كانت لدكتور موري أبوبكر سوماورو: وهو أكاديمي  وعضو هيئة التدريس بكليات الدراسات العليا بجامعة كوتيتون وجامعة إيو إميُو بليبيريا والمدير التنفيذي لمجموعة شركات جي بي أي،  وفي مداخلته تناول الدكتور موري المحور الثاني المتعلق بالأبعاد القانونية والشراكة بين القطاعين العام والخاص:

الأطر القانونية للعلاقات الصينية الإفريقية:  

أشار الدكتور أبو بكر في بداية مداخلته إلى الأطر القانونية المنظمة للعلاقات وقسمها إلى ثلاث أطر رئيسية:

1 – القانون الدولي: الاستثمارات مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق تحمي الاستثمارات الأجنبية في العلم وكل من الصين وإفريقيا طرفان في هذه الاتفاقيات ويقوم كلا الطرفيين بتنظيم العلاقات بينهم بناء على القانون الدولي.
2- قانون الاستثمارات الصينية: هناك ثلاث جهات رسمية تقوم بدور محوري في الاستثمارات الخارجية الصينية وتنظيمها وهي :
• وزارة التجارة الصينية المسؤولة عن صياغة اللوائح الاستثمارية.
• هيئة إدارة أموال الدولة وهي مسؤولة عن استثمارات داخل الصين نفسها.
• هيئة الإصلاح والتي تلعب دور هام في تسجيل الاستثمارات الصينية.

3- قانون الاستثمارات المحلية: لوائح المحلية والوطنية للدول التي تنظم عملية الاستثمارات الأجنبية عندها.

وأشار الدكتور موري أن ما يهمن على قوانين أغلب دول الإفريقية الطابع الاستعماري القديم، فجلها إما مستمدة من القوانين البريطانية أو القوانين الفرنسية أو القوانين المختلطة، هذه الاختلافات والنقاط السابقة المذكورة تضع في الحسبان كيفية تعامل الصين مع استثماراتها في إفريقيا.

الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص:

اعتبر الاستاذ أبو بكر أن هذه الشراكة تلعب دورا هاما جدا في تعزيز العلاقات الصينية الإفريقية وخاصة في مجال البنية التحتية الذي يعتبر أكبر مجال تشاركي بين الصين والدول الإفريقية.

فعلى سبيل المثال تذهب جلّ الاستثمارات المحلية الإفريقية في القطاع العام كأجور وخدمات، فنيجيريا تنفق ما يقارب 73% من ميزانيتها في النفقات العامة ولا يبقى للاستثمارات إلا القليل وهو ما لا يلبي حاجيات الدولة، أما ليبريا فتنفق ما يقارب 81% على النفقات العامة ولذلك هناك حاجة لدول الإفريقية لشراكة بين القطاع الخاص والعام لبناء البنية التحتية من طرقات وقطارات سريعة وجامعات…. وهو ما توفره الشراكة مع الصين.

لذلك يؤكد الدكتور موري على أهمية وضع وضبط لوائح والقوانين المحفزة والمشجعة على هذه الشركة وتوفير بيئة مشجعة تعزز الاستثمارات وهنا يأتي دور فاعليين رئيسين على حسب تقديره:

1- دولة وحكومات: وهنا يأتي دور السلطة التنفيذية التي يتمثل دورها في توقيع ووضع الصفقات والاتفاقيات، ثانيا السلطة التشريعية التي تضع القوانين والنظم التي تحمي البلاد والمستثمر أيضا في نفس الوقت وتضمن حقوق كلا الطرفيين. ثالثا السلطة القضائية التي تحمي حقوق المستثمرين وهو ما يحفز على جلب عدد أكبر من الاستثمارات.

2- الجهات الخاصة: وهي منظمات الإقليمية والجهوية كالاتحاد الافريقي ومنظمة إيكواس وغيرها والتي تلعب دور هام في توفير بيئة استثمارية مناسبة.

أما المحور الثالث للندوة والذي تعلق بالأثر الاقتصادي للعلاقات الصينية الإفريقية الفرص والتحديات والذي كانت فيه مداخلة ثانية للأستاذ إدريس آيات:

تأثير الاستثمارات الصينية على النمو في إفريقيا والقطاعات المستفيدة: 

أشار الأستاذ إدريس إلى مخرجات القمة الصينية الإفريقية التي عقدت الشهر الماضي بالصين وإلى أهم مخرجاتها ونتائجها التي تحمل انعكاسات كبيرة ايجابية على النمو وتنمية المشاريع في دول القارة الإفريقية.
كما أكد على أهمية دور الصين في إفريقيا إذ حققت الصين خلال عقدين من الزمن في إفريقيا إنجازات ضخمة وهامة في مجال البنية التحتية تمثلت في إنشاء 10 ألاف كم من خطوط السكك الحديدية وما يقارب 130 مستشفى، 1200 مدرسة، 50 ملعب رياضي، 100 مطار، 200 ألف كم من الألياف  الضوئية، و100 آلف كم من الطرقات.

وأما في مشاريع الطاقة فالشركات الفرنسية على سبيل المثال كان تعطي  بين 10 %و 12% من انتاج النفط للدول التي تستخرج منها، والصين فتعطي ما بين 40% و49%، وفي دول أخرى تعطي أكثر من 50% و60%، وهذا ما جعل العديد من الحكومات تستفيد إذ توفر لميزانيتها من مداخيل النفط ما يناهز 37% من ميزانيتها، أما الدول المتعاملة مع الشركات الفرنسية فلا تتعدى مساهمات هذه العائدات في الميزانية 12% و15 %.

تحديات الاقتصادية والتبعية:

أشار الأستاذ آيات في هذا العنصر إلى مسألة ” فخ الديون الصينية”، إذ تطرح الجهات الدولية إلى أن الهدف الخفي من  إعطاء الصين للقروض هو إرهاق هذه الدول بديون للسيطرة والهيمنة عليها، وهنا تحظى القروض الصينية بأهمية وإقبال الدولي كبير وخاصة من قبل الدول التي تهاجم العلاقة الصينية الافريقية والتي تنظر إلى فكرة “فخ الديون”، فعلى سبيل المثال حصلت سنة 2023 هناك أكثر من 20 دولة أوروبية تقدم سنويا طلبات للحصول على قروض صينية، وأخراها هنغاريا التي تحصلت على 16 ألف مليار دولار بعد توقيعها على اتفاقية طريق الحزام والحرير مع الصين.

أن الدول التي تهاجم الصين وتتهمها بهذه الاتهامات تقترض من الصين أضعاف ديون إفريقيا، إذ تبلغ ديون الدول الإفريقية للصين 200 الف دولار في حين أن فرنسا يبلغ دينها للصين 300 مليار يورو وأما الولايات المتحدة الأمريكية ف 3 تريليون دولار، تفس هذه الدول تنظر للخطورة القروض الصينية على إفريقيا وفي نفس الوقت هي مدانة بأضعاف أضعاف ما ديون القارة.
وأكد الأستاذ إدريس أن القروض الصينية تراعي ظروف الدول الإفريقية وتقدم فترات طويلة مثل  10 سنوات أو أكثر على عكس الدول الأوروبية التي تقدم 3 سنوات فقط بفوائد ضخمة، وفي حالة عدم السداد في زمن محدد يتم بيعها لصناديق التي تقوم بمضاعفة هذه القروض بأضعاف كبيرة جدا.

وفي ختام مداخلته وجه الأستاذ آيات جملة من تساؤلات:

• لماذا لا رتاعي الدول الغربية الدول الإفريقية في فترات السداد وتعطيها حيز زمني محدد وضيق لمدة ثلاث سنوات في حين تقدم الصين 10 سنوات ؟
• بناء على ما سبق ذكره والفرق بين التسهيلات الصينية في القروض والتعقيدات الأوروبية، لماذا لا يتم وصف الدوين الغربية ايضا بفخ الديون؟
• الصين في استثماراتها في افريقيا تتحمل الدولة الصينية مسؤولية تأمين هذه المنشأة ضد الكوارث وغيرها وتقوم بتعويضها، فلماذا الدول الغربية في استثماراتها لا تتحمل هذه المسؤولية؟
وهنا أكد الأستاذ ادريس على أن الصين لا تحمل نوايا استعمارية مثل القوى الغربية وليس لديها مساعي للهيمنة ثقافيا أو حتى سياسيا أو عسكريا في القارة، عكس طموحات القوى الغربية الاستعمارية.

وفي ختام الندوة تم فتح فرص الحوار والمداخلات لحضور الندوة والمتداخلين للإدلاء بدلوهم في هذا الموضوع، حيث أجمعت كل المداخلات على أهمية العلاقات الصينية الافريقية ومدى مساهمة هذه العلاقة في تنمية البنية التحتية لعديد من الدول الافريقية وأهمية الشراكة الصينية خاصة التجارية مع القارة وعلى أن تتسم هذه العلاقات بالشراكة ومصلحة متبادلة ومتساوية، أي علاقة على مبدأ أفقي قائم على التعاون والتشارك.

وبعد انتهاء هذه المداخلات الرئيسية، تم فتح باب المداخلات أمام الحضور للتعقيب والنقاش، ليتداخل الحاضرين بتساؤلاتهم وإضافاتهم حول موضوع الندوة، بحيث عملت مداخلات الحضور على مقاربة الموضوع من مختلف زواياه، وقدمت وجهات نظر مختلفة حول هذا الموضوع. وتم إعطاء الكلمة الأخيرة للمتحدثين والمعقبين للإجابة عن الأسئلة وتقديم كلماتهم وتعليقاتهم الختامية حول موضوع الندوة.

لمشاهدة الندوة اضغط هنا
ندوات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى