إصداراتتحليلات

خطاب العنصرية ضد المهاجرين في تونس: جذور المشكلة وتداعياتها الداخلية والخارجية

إعداد: فريق المركز

تمهيد
تسببت تصريحات رئيس الجمهورية التونسية حول المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في إحداث ردود أفعال كبرى داخليا وخارجيا، وتم على إثرها اتهام الرئيس التونسي بالعنصرية وبالرغم من ذلك لم تقدم السلطات التونسية أية اعتذارات أو تراجع عن التصريحات وإنما حاولت احتواء الأزمة وإعادة تأويل التصريحات للخروج من المشكلة، خاصة وأن ردة الفعل الداخلية والخارجية كانت قوية جدا.
تأتي هذه التصريحات التي أثارت الجدل في ظل أزمة سياسية كبرى تعيشها تونس واتهامات للسلطة التونسية بالتضييق على الحقوق والحريات وفي ظل أزمة سياسية خانقة تعيشها البلاد وهو ما يعطي لهذه التصريحات أبعاد عديدة، لاسيما من خلال الكيفية التي طرحت بها وما ترتب عليه من انعكاسات على الوضع الذي تعيشه تونس.
يطرح هذا التقرير أهم ما جاء في هذه الأزمة عبر الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما هي قضية المهاجرين في تونس؟ وما أهم ما جاء في التصريحات الرسمية التونسية حول هذه القضية؟
– كيف كانت ردود الأفعال الخارجية والداخلية على تصريحات الرئيس التونسي؟
– وما هي تداعياتها على الأطراف المحلية والإقليمية؟

كيف دخل المهاجرون  إلى تونس
تطرح إشكالية الموضوع البحث في نقطة هامة جدا وسؤال محوري لفهم جذور القصة، ألا وهو كيف تتواجد هذه الأعداد الكبرى من مهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس التي لا تشترك في حدود مع أي دولة من هذه الدول؟
الحدود الجغرافية للجمهورية التونسية تحاذيها من الجهة الشرقية ليبيا ومن الجهة الغربية الجزائر، ولكن أولى موجات الهجرة تدفقت إلى تونس مع اندلاع الثورة الليبية، حيث لجأ جل العمال الأجانب الذين كانوا في ليبيا إلى تونس، لكن إلى حد هذه اللحظة التاريخية لم تكن هنالك أية إشكاليات حول هذا الموضوع بالرغم من توافد أعداد كبيرة جدا، ففي 7 مارس 2011 قدر عدد اللاجئين الوافدين من ليبيا إلى مخيم الشوشة ومخيم الذهيبة بالحدود التونسية الليبية قرابة 151000 لاجئ في مارس 2011، احتوى هذا المخيم على عديد الجنسيات من العمالة الأجنبية الآسيوية ولكن الأغلبية كانت من الأفارقة جنوب الصحراء. في سنة 2013 تم التخلي عن هذا المخيم من قبل المفوضية السامية للاجئين وقررت إغلاقه، وفي سنة 2017 قامت السلطات التونسية بإغلاقه بالقوة وإخراج كل من كان فيه.
وكانت السلطات التونسية خلال هذه المرحلة ترفض الضغوطات الأوروبية إلى فتح مراكز لاجئين لاستقبال المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء المبحرين أساسا من السواحل الليبية نحو إيطاليا على الأراضي التونسي، وهو ما صرح به الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي في سنة 2018 خلال مشاركته في قمة مجموعة العشرين ببرلين، وأكدت المستشارة الألمانية أنجلينا ميركل خلال لقاء صحفي على أعقاب القمة أنها ستحاول الضغط على تونس أكثر في هذا الملف لاستقبال المهاجرين الغير شرعيين الذين يتم إنقاذهم في البحر عبر التواصل مع رئيس الحكومة التونسية آنذاك يوسف الشاهد، وكانت أكثر الدول الضاغطة في هذا الملف على تونس كل من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا.
وفي سنة 2020 كشفت عديد الجمعيات الحقوقية والناشطين السياسيين عن مخاوفهم حول إنشاء السلطات التونسية لمخيم لاجئين بالجنوب التونسي في منطقة “بئر فطناسية” لاستقبال المهاجرين الغير شرعيين المتجهين نحو أوروبا، وأكثر ما أثار الريبة حول هذا المخيم بعده عن الحدود الليبية وقربه من مطار رمادة، ومع سنة 2020 بدأ يلاحظ تواجد أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء بتونس، ولكن يبقى السؤال المطروح من أين أتت هذه الأعداد الكبيرة للمهاجرين الغير شرعيين بتونس؟
في سنة 2020 وقعت الجمهورية التونسية اتفاقية مع إيطاليا، يتم بمقتضاها استقبال المهاجرين الغير شرعيين التي تقوم السلطات الايطالية بإيقافهم في البحر نظير حصول الجانب التونسي على مبلغ مالي، وهذا ما يفسر تواجد عدد كبير من المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء  على الأراضي التونسية، تكتم كل من الجانب التونسي والإيطالي حول مضمون هذه الاتفاقية وقام عدد من الناشطين الحقوقيين من تسريب هذه الاتفاقية على وسائل التواصل الاجتماعي:

وما يمكننا استنتاجه هو أن المهاجرين المتواجدين حاليا بتونس وافدين عليها من ثلاث وجهات الأولى ليبيا والجهة الثانية من البحر، أما الجهة الثالثة فهي من الجزائر التي تعيشها هي نفسها أزمة مهاجرين وهو ما دفع بعديد كبير منهم من العبور من الحدود الجزائرية نحو تونس بعد ضغوطات السلطات الجزائرية عليهم وهو ما أفاد به العديد من المهاجرين أنه تم تهريبهم من الجزائر نحو تونس برا عن طريق مهربين بمبالغ قدرها بين 500 أورو و400 أورو.
حسب الإحصائيات التي قامت بها المنظمات التونسية يعيش في تونس أكثر من 21 ألف مهاجر بمن فيهم الطلبة والمقيمين بشكل قانوني وغالبيتهم من دول مثل ساحل العاج ومالي والكاميرون وغانا وغينيا، ويتواجد أغلب المهاجرين الغير شرعيين في تونس بمدينة صفاقس الصناعية جنوب البلاد، كما أنه توجد مجموعات مغلقة (خاصة) على وسائل التواصل الاجتماعي لمكاتب توظيف افتراضية يتم من خلالها توظيف هؤلاء المهاجرين لدى المصانع وغيرها بأجرة زهيدة جدا وبطريقة غير قانونية.
كما أن أغلب المهاجرين المتواجدين حاليا في تونس يروج أن من أسباب قدومهم لتونس هو الحلم بالهجرة نحو أوروبا من خلال البحر الأبيض المتوسط، بينما صرح العديد منهم بأن من أسباب قدومهم لتونس بحثهم عن حياة أفضل بسبب الفقر والنزاعات في مناطقهم وطالبوا بتقنين وضعيتهم ليتمكنوا من العيش على التراب التونسي بصفة قانونية ويمارسون أنشطتهم التجارية والوظيفية بصفة عامة، علما وأن الإجراءات التونسية فيما يتعلق بالإقامة في غاية التعقيد.

بداية القضية
كما ذكرنا آنفا أن جذور تواجد المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس يعود لأكثر من 10 سنوات، إلا أنه مؤخرا وخلال سنة 2022 تم تفجير هذه القضية في مواقع التواصل الاجتماعي في تونس حيث ارتبطت العديد من الجرائم (دعارة- تحايل- مخدرات- قتل) في تونس بالمهاجرين وخاصة بمنطقة أريانة التابعة للضاحية الشمالية لتونس العاصمة وكانت أغلب الجرائم ترتكب ضد مهاجرين آخرين، كموت رجل غيني في ظروف مسترابة والاستيلاء على أمواله بمنطقة أريانة، كما أن آخر القضايا التي استجدت في شهر فبراير 2023 وراح ضحيتها مواطنين  لم تفصح السلطات التونسية عن جنسيتهما فقط اكتفت بالإشارة إلا أنهم من حاملي الجنسية الإفريقية، حيث تم اقتحام المنزل وتقييد زوج وزوجته وذبح الزوجة بسكين والاستيلاء على مبلغ مالي.
تواتر الجرائم أثار مخاوف التونسيين وجعلهم ينتبهون إلى تواجد المهاجرين، ولكن من قاد الحملة في تونس ضد المهاجرين كان حزب حديث يضم ثلاث أشخاص فقط تأسس سنة 2018 وهو الحزب القومي التونسي، في الحقيقة لا يمكن معرفة ما هي مرجعية الحزب الأيديولوجية أو حتى وضع معنى دقيق وواضح لمعنى قومية تونسية، ولكن هذا الحزب اتهم أطرافا دولية من ضمنها الاتحاد الأوروبي وجمعيات إفريقية تتبنى نظريات الناشط الجمايكي ماركوس غاروفي المنادية بوحدة إفريقيا السياسية والعرقية، وهو ما ذهب بالحزب إلى اعتبار أن قدوم هؤلاء المهاجرين هو محاولة لتوطينهم في تونس وتغيير تركيبة البلاد الديموغرافية ضمن مؤامرة أوروبية إفريقية وتم تشبيهها من قبل الحزب بالقضية الفلسطينية.
نشط هذا الحزب بصفة كبيرة على مواقع تواصل الاجتماعي مع نشاط ميداني قليل ولكنه نجح في تسليط الضوء على أطروحاته وتم دعوته في عديد من البرامج التلفزيونية والاذاعية. لم يكن الحزب وحده الناشط، فقد كانت عديد صفحات التواصل الاجتماعي التونسية تنشر مقاطع فيديوهات مفبركة لأفارقة من جنوب صحراء يتظاهرون أو يقومون بأعمال الشغب في تونس، ولكن تبين فيما بعد أنها كلها مفبركة وتعود لدول أخرى.
كل هذه العوامل ساهمت في تأجيج جانب كبير من المجتمع التونسي وتحميله ضد المهاجرين، وهنا جاءت ردة فعل السلطات الرسمية التونسية. كانت أولى ردات فعل السلطات التونسية فيما يتعلق بقضية المهاجرين الغير شرعيين في إصدار قانون بأحكام سجنية وغرامات مالية لكل من يقوم بتأجير منزل أو توظيف مهاجرين غير شرعيين في أواخر شهر يناير 2023، لحد اللحظة كان تعاطي السلطات تعاطيا معقولا في التعامل مع القضية والحد منها وحتى منع استغلال المهاجرين الذين يتحصلون على مبالغ زهيدة من قبل أصحاب العمل، وكان هذا يندرج ضمن مطالب العديد من المنظمات الحقوقية في تونس.
لكن تصريح الرئيس التونسي قيس سعيد في 21 فيفري 2023 على إثر اجتماع مجلس الأمن القومي في قصر قرطاج حول موضوع المهاجرين كان بمثابة الصاعقة الكبرى، حيث صرح  بأن هذه القضية تعتبر ترتيب إجرامي يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في تونس مخطط له من منذ مطلع القرن العشرين، و أن الهدف الغير المعلن للموجات المتلاحقة من الهجرة غير الشرعية هو اعتبار تونس دولة أفريقية فقط لا انتماء لها للأمتين العربية والإسلامية. وكان خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد الذي صدر في بيان على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية  التونسية مطابقا لأطروحات الحزب القومي أو أبعد من ذلك نسخة من بيانات سابقة أصدرها نفس الحزب. وأثارت هذه التصريحات من قبل الرئيس التونسي موجة من الانتقادات داخليا وخارجيا، وفي نفس الوقت وجدت ترحيبا من عديد الأطراف الداخلية والخارجية.

ردود الأفعال الداخلية والخارجية
*داخليا:
استهجنت العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تونس تصريحات الرئيس قيس سعيد ووصفتها بالعنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراء، كما أنها في نفس الوقت لاقت ترحيبا من قبل المناصرين للرئيس التونسي والحزب القومي، أما أخطر انعكاساتها تمثلت في القيام بأعمال عنف من مواطنين تونسيين ضد المهاجرين، كما أنها أججت الأعمال العنصرية في الشارع التونسي ووسائل التواصل الاجتماعي، وقسمت المجتمع إلى نصف يتبنى خطاب الرئيس ونصف أخر يدينه، ورافقت هذه التصريحات حملة أمنية ضخمة تمثلت في إلقاء القبض على المئات من المهاجرين بغية ترحيلهم وتم سجن العشرات منهم كما أن من بينهم من تحدث عن تعرضه للتعذيب أثناء إيقافهم من قبل السلطات التونسية، وفي نفس السياق تم طرد العديد من العمال الأفارقة وإخراجهم من المنازل خوفا من قرارات السلطات التونسية. ومن جهته ندد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، الذي اعتبر أن كلام الرئيس التونسي “يسبب خيبة أمل وفزعاً كبيرين، وأن خطاب الكراهية والعنصرية هذا يمثل يومًا حزينًا”، مشدداً على أن مثل هذا التصريح يعتبر أمرا في غاية الخطورة، لا سيّما من رئيس دولة وقعت على الاتفاقيات الدولية بشأن الهجرة. وفي 25 فيفري 2023 خرج مئات المتظاهرين في تونس تحت شعار ” جبهة مناهضة للفاشية والعنصرية” بتنظيم من  جمعيات ومنظمات حقوقية تندد بتنامي ظاهرة العنصرية على إثر الخطاب الذي أطلقه رئيس الجمهورية ضد المهاجرين، ولجأ العديد من المهاجرين إلى سفارات بلدانهم في تونس طلبا للرحيل خوفا من تبعات خطاب الرئيس التونسي، وبعد أن وجدوا أنفسهم من دون عمل ومأوى، فقد قامت سفارة ساحل العاج بإيواء 55 شخص من رعاياها بتونس على إثر طردهم من قبل المستأجرين.

*خارجيا:
أدانت العديد من المنظمات الدولية خطاب الرئيس قيس سعيد ووصفته بالعنصرية، حيث أدان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي محمد “بشدة التصريحات الصادمة للسلطات التونسية إزاء مواطنين أفارقة، والتي تتعارض مع روح المنظمة ومبادئها التأسيسية.
وجاء في نص البلاغ “نيابة عن الرئيس، استقبلت نائبة الرئيس مونيكا نسانزابا غانوا، ومفوضة الاتحاد الأفريقي للصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية ميناتا سامات، الممثل الدائم لتونس المعتمد لدى الاتحاد الإفريقي للتعبير عن القلق الكبير للاتحاد الإفريقي بشأن شكل ومضمون التصريح الذي يستهدف مواطنين أفارقة، بغض النظر عن وضعهم القانوني في البلاد”.
كما أن وسائل الإعلام الفرنسية شنت حملة على السلطات التونسية، في حين رحب السياسي الفرنسي المحسوب على اليمين المتطرف إيريك زمور تصريحات الرئاسة التونسية، زمور صاحب نظرية الاستبدال العظيم التي تعني تغيير تركيبة الديموغرافية وهو نفس اللفظ الذي استعمله الرئيس التونسي ويعتبر من بين أحد المصطلحات العنصرية التي يوظفها اليمين المتطرف في أوروبا لمحاربة ظاهر المهاجرين.
وأعلنت السلطات في ساحل العاج أنها بدأت إجراءات لإجلاء نحو 500 شخص. وقال المتحدث باسم الحكومة العاجية أمادو كولي بالي إن “الأمر الأكثر إلحاحًا هو إنقاذ الأرواح ومنع وقوع إصابات”.  وأكدت الرئاسة الغينية عن إجلائها ل 50 شخصا من رعاياها على إثر توجه وزير الخارجية موري ساندا كوياتي إلى تونس على متن طائرة مستأجرة من قبل المجلس العسكري الحاكم “للتوجه بشكل عاجل لمساعدة الغينيين”.
حاولت السلطات التونسية تدارك الموقف، عبر خروج وزير الخارجية التونسية في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية أن تونس تبعث رسائل طمأنة، ولكن من دون الاعتذار والتشديد على رفض تونس كل الانتقادات الموجهة لها فيما يتعلق بالعنصرية، وبأن السلطات التونسية تسعى فقط إلى مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
كما أن الرئيس التونسي قيس سعيد شدد في خطاب له على انتمائه الإفريقي وعلى أن أطراف المعارضة للحكم قامت بتأويل خطابه وإخراجه من سياقه لتوجه له تهمة العنصرية، وصرح في في 8 مارس  2023 عند قيامه باستقبال رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو امبالو بقصر قرطاج بأن أفارقة جنوب الصحراء هم “إخوتنا”، وأضاف “أنا أفريقي وأفتخر”، وعقب الرئيس الغيني على كلام سعيد قائلا: “لا يمكن أن أصدّق أن يكون رئيس تونس، بلد بورقيبة، كارها للأجانب أو عنصرياً، فأنت نفسك أفريقي”.
أما أحد أكبر ردود الأفعال التي ستحمل انعكاسات وخيمة على الاقتصاد التونسي الذي يعيش في أزمة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، تمثلت في إعلان بنك النقد الدولي إيقاف المحادثات مع تونس وأجل الاجتماع الذي كان سيتم فيه البت في الملف التونسي إلى إشعار أخر، وفي نفس السياق صوت البرلمان الأوروبي بأكثر من ثلاث أرباعه بجملة 507 صوتا من أصل 705 نائبا على مشروع قرار يدين الخطاب العنصري تجاه المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء في تونس وإدانة لاعتداءات على حرية التعبير والحق النقابي في تونس.
هذه القرارات ستكون لها انعكاسات وخيمة على تونس خاصة اقتصاديا، حيث تسعى تونس في الآونة الأخيرة إلى الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، والمعلوم أن صندوق النقد ينسق في هذه المسائل تنسيقا كامل مع بنك النقد الدولي ومن جهة أخرى يمكن لنفوذ البرلمان الأوروبي عبر ضغطه على المؤسسات المانحة وحتى الدول الأوروبية في عرقلة هذه المساعي، وهو ما سيعقد المشهد الاقتصادي أكثر في تونس المعولة على القرض للخروج من الأزمة في الوقت الراهن بصفة مؤقت.

خلاصة
يبدو أن السلطات التونسية عندما قامت في البداية بطرح نظرية الاستبدال أو  تغيير تركيبة الديموغرافية لم تكن تدرك العواقب التي يمكن أن يجلبها هذا الخطاب الذي احتوى على لفظ عنصري يتبناه اليمين المتطرف في أوروبا، وهو ما يوضح الارتجالية في الخطاب والرؤية الخاطئة التي ذهب في ظنها أنها تواكب المطلب الشعبي الداخلي، إلا أن ردة الفعل في تونس  أثبتت العكس لسلطة التونسية الحالية التي رفضت بشدة خطاب الرئيس الجمهورية في مجملها، كما أن ردة الفعل الخارجية كانت أكثر خطورة وحدة والتي أوحت بأن تونس في حالة حرب خاصة خلال استعمال لفظ إجلاء للمواطنين، وهو ما وضع السلطة التونسية في وضعية محرجة وفي ازدواجية وهو ما يتجلى عبر مساعيها في احتواء الأزمة فيما بعد، ومكن حتى الأطراف التي تعيش في حالة أزمة صامتة مع تونس وخاصة الإعلام الفرنسي من ركوب الحدث وتوظيفه في خدمة توجهات معينة. تبني السلطة التونسية لمثل هذا الخطاب لا يمكن استغرابه في ظل الأزمة السياسية التي تعيشها حاليا، خاصة وأن الرئيس التونسي لطالما ذهب في خطاباته سواء في الداخل أو الخارج حول تبني مفهوم نظرية المؤامرة السياسية في كل مجالات مهما كانت، وخاصة في ربط كل الأحداث الداخلية بمؤامرات خارجية وهو أسلوب معمول به في كل الأنظمة العالمية ذات التوجهات الشعبوية للتغطية على الأزمات الحقيقة وإيجاد تفسيرات بسيطة لتوجيه الرأي العام عن القضايا الأساسية. وهو ما يبرز في محاولة التدارك حيث تم تغييب القضية المتعلقة بالتغيير الديموغرافي وتفاصيلها والتوجه نحو اتهام المعارضة وأطراف أخرى قامت بتأويل خطاب رئيس الجمهورية وإخراجه من سياقه، وبالتأكيد على إفريقية تونس وعدم عنصرية السلطة الحالية بها. كل هذا يبرز مدى عمق الأزمة التي تعيشها تونس حاليا وحالة الارتجالية والاندفاع في القرارات السياسية والخطابات التي تحمل انعكاسات وخيمة على الأوضاع التي تعيشها البلاد حاليا.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي): مؤسسة مستقلة متخصصة بإعداد الدراسات، والأبحاث المتعلقة بالشأن السياسي، والاستراتيجي، والاجتماعي، الأفريقي لتزويد المسؤولين وصناع القرار وقطاعات التنمية بالمعرفة اللازمة لمساعدتهم في اتخاذ القرارات المتوازنة المتعلقة بقضايا القارة الأفريقية من خلال تزويدهم بالمعطيات والتقارير المهنية الواقعية الدقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
بدء محادثة
💬 هل تحتاج إلى مساعدة؟
مرحبا 👋
هل يمكننا مساعدتك؟