ترجمات

دور الذكاء الاصطناعي في منع الصراعات وإدارتها في إفريقيا

26 مارس 2025

يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز منع الصراعات من خلال أنظمة الإنذار المبكر والآليات التي تحلل صور الأقمار الصناعية وبيانات وسائل التواصل الاجتماعي والاتجاهات التاريخية للكشف عن التهديدات الناشئة.

شهد دور الذكاء الاصطناعي (AI) في الأمن العالمي توسعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث تراوحت تطبيقاته بين الأمن السيبراني والدبلوماسية وأسلحة الدمار الشامل (WMD). منذ بداية حقبة ما بعد الاستعمار، عانت القارة الأفريقية من صراعات داخلية وحركات تمرد وعدم استقرار سياسي، ويبرز الذكاء الاصطناعي كأداة تحويلية لمنع الصراعات وإدارتها. ونظرًا للتعقيد المتزايد للصراعات الأفريقية – التي تغذيها التوترات العرقية وتغير المناخ ومفارقة الموارد الطبيعية والتفاوتات الاقتصادية – غالبًا ما تواجه مناهج حفظ السلام التقليدية قيودًا في معالجة هذه الأزمات متعددة الأبعاد.

يقدم الذكاء الاصطناعي نموذجًا جديدًا لتحليل الصراعات، لا سيما من خلال الاستفادة من البيانات الضخمة والتعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتوفير الإنذارات المبكرة وتعزيز استراتيجيات حفظ السلام وتحسين الاستجابات الإنسانية. ومع ذلك، فإن تطبيقه في إدارة الصراعات لا يخلو من التحديات. تعتمد فعالية الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على جودة البيانات والاعتبارات الأخلاقية وأطر الحوكمة التي تنظم نشرها.

يستكشف هذا التحليل إمكانات الذكاء الاصطناعي وحدوده في منع النزاعات وإدارتها في أفريقيا، ويدرس تأثير التقنيات الرقمية على جهود بناء السلام، ويقترح توصيات سياساتية لتعزيز فعاليتها. ولفهم دور الذكاء الاصطناعي في ديناميكيات النزاعات الأفريقية، لا بد أولاً من دراسة تطبيقه في أنظمة الإنذار المبكر المصممة للكشف عن النزاعات والتخفيف من حدتها قبل تفاقمها. لذلك، ينصب تركيز التحليل على ثلاثة أسئلة رئيسية: كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي في آليات الإنذار المبكر ومنع النزاعات في أفريقيا؟ ما هي التحديات والقيود الرئيسية المرتبطة بنشر حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي لإدارة النزاعات؟ ما هي التوصيات السياساتية التي يمكن صياغتها لضمان التطبيق الأخلاقي والفعال للذكاء الاصطناعي في حفظ السلام والدبلوماسية الوقائية في أفريقيا؟

الذكاء الاصطناعي وأنظمة الإنذار المبكر في منع النزاعات

يُعزز الذكاء الاصطناعي منع النزاعات من خلال أنظمة وآليات الإنذار المبكر التي تُحلل صور الأقمار الصناعية، وبيانات وسائل التواصل الاجتماعي، والاتجاهات التاريخية للكشف عن التهديدات الناشئة. على سبيل المثال، تستخدم منصات الذكاء الاصطناعي، مثل النموذج الجديد لمؤشر مخاطر النزاعات العالمي، خوارزميات التعلم الآلي للتنبؤ بعدم الاستقرار السياسي والعنف. علاوة على ذلك، في أفريقيا، ستُدمج آليات مثل نظام الإنذار المبكر القاري (CEWS) التابع للاتحاد الأفريقي (AU) الذكاء الاصطناعي تدريجيًا لتقييم التهديدات الأمنية في الوقت المناسب. يُعد هذا النهج استراتيجيًا، إذ تُمثل القدرة على توقع النزاع الخطوة الأولى نحو منعه. ومع ذلك، على الرغم من أن أنظمة الإنذار المبكر المُدارة بالذكاء الاصطناعي تُوفر معلومات بالغة الأهمية، إلا أن فعاليتها تعتمد بشكل أساسي على توافر بيانات موثوقة وقدرة المؤسسات الأفريقية على العمل بناءً على هذه التنبؤات.

على الرغم من القدرات التنبؤية للذكاء الاصطناعي، لا تزال هناك العديد من القيود، بما في ذلك نقص قواعد بيانات الذكاء الاصطناعي. في الواقع، تفتقر العديد من الدول الأفريقية إلى مجموعات بيانات شاملة، مما يؤدي إلى نماذج ذكاء اصطناعي متحيزة أو غير مكتملة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعلومات المضللة، ومحدودية الوصول إلى الإنترنت، وسيطرة الدولة على البيانات تُعيق فعالية الذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، يجب على أنظمة الذكاء الاصطناعي مواجهة تقلبات السلوك البشري. فبينما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحديد عوامل الخطر، إلا أنه لا يستطيع تفسير القرارات العقلانية أو غير العقلانية للجهات السياسية أو الحركات الشعبية. ونظرًا لهذه التحديات، فإن المجال الحيوي التالي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في أفريقيا يتعلق بدوره في عمليات حفظ السلام.

الذكاء الاصطناعي وعمليات حفظ السلام

يُعزز الذكاء الاصطناعي عمليات حفظ السلام من خلال تحسين المراقبة واللوجستيات وعمليات صنع القرار. وقد نشرت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة طائرات مُسيّرة مُجهزة بالذكاء الاصطناعي وأنظمة تحليل بيانات آلية لتتبع الحركات المسلحة وتقييم التهديدات الأمنية. على سبيل المثال، تُقيّم بعثة الأمم المتحدة في جمهورية أفريقيا الوسطى (مينوسكا) فرص وتحديات دمج نظام التعرف بمساعدة الذكاء الاصطناعي لرصد بؤر العنف. بالإضافة إلى ذلك، تُساهم أدوات معالجة اللغة الطبيعية المُدارة بالذكاء الاصطناعي في الوساطة الدبلوماسية من خلال تحليل أنماط التفاوض وتقديم المشورة لمفاوضي السلام. كما استكشف الاتحاد الأفريقي أدوات اتصال مُعززة بالذكاء الاصطناعي لتسهيل الحوار بين الأطراف المتنازعة.

ومع ذلك، وكما حذّر غودفري موسيلا، “لا يُجدي الإنذار المُبكر نفعًا إلا إذا ارتبطت المعلومات التي جُمعت وحُللت ونُشرت بفعالية بالإجراءات المُبكرة لمنع اندلاع أو تصعيد الصراع”. ورغم أهمية هذه التطورات، تُثار مخاوف أخلاقية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي في مناطق الصراع، لا سيما فيما يتعلق بالأنظمة ذاتية التشغيل وتقنيات المراقبة. يثير نشر الذكاء الاصطناعي في مناطق النزاع العديد من التساؤلات الأخلاقية، مثل المراقبة المفرطة، وخصوصية البيانات، وخطر إساءة استخدامه من قبل الأنظمة الاستبدادية.

ويجادل بعض النقاد بأن المراقبة التي يقودها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُستخدم كأداة للقمع السياسي، كما يتضح من الحالات التي استخدمت فيها الحكومات الذكاء الاصطناعي للمراقبة الجماعية تحت ستار الأمن. ومن الجدير بالذكر أيضًا الدور السلبي للذكاء الاصطناعي في بعثات حفظ السلام، ولا سيما في توليد وتعزيز الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة. علاوة على ذلك، تؤكد الأطر القانونية الدولية، ولا سيما اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR)، على ضرورة حوكمة الذكاء الاصطناعي لمنع انتهاكات الحقوق الأساسية. لذلك، يجب نشر الذكاء الاصطناعي في ظل مبادئ أخلاقية صارمة، مع الموازنة بين ضرورات الأمن وحقوق المواطنين في الحرية. ونظرًا لهذه المخاوف، يجب على صانعي السياسات وأصحاب المصلحة وضع استراتيجيات شاملة لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي أداة للسلام بدلاً من القمع أو التضليل.

توصيات ووجهات نظر سياسية

للاستفادة الكاملة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في منع النزاعات، يجب على الحكومات الأفريقية اعتماد أطر تنظيمية تعزز الشفافية والمساءلة والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، ينبغي أن يكون وضع معايير إقليمية للنشر المسؤول لهذه التقنية هدفًا بالغ الأهمية، كما هو منصوص عليه في استراتيجية الاتحاد الأفريقي للذكاء الاصطناعي. كما يُعد بناء القدرات أمرًا بالغ الأهمية في الاستفادة الإيجابية من إمكانات الذكاء الاصطناعي. في الواقع، ينبغي على الحكومات الأفريقية الاستثمار في تعليم وتدريب الذكاء الاصطناعي لتمكين الخبراء المحليين من تطوير هذه الأنظمة والإشراف عليها بدلاً من الاعتماد فقط على مزودي التكنولوجيا الأجانب. وكما أشار هايز مابويزارا، “من الصعب جدًا تنظيم ما لا نفهمه حقًا، خاصةً في دول الجنوب حيث يحتل الذكاء الاصطناعي أدنى أولويات القضايا التي تُقلقنا كدول.

لا يزال هناك الكثير من المجهول والثغرات”. في حين أن أطر الحوكمة ضرورية، فإن المسار المستقبلي لاستراتيجيات وآليات بناء السلام المدعومة بالذكاء الاصطناعي سيُحدد من خلال التعاون بين الدول الأفريقية والمنظمات الدولية والقطاع الخاص.

يعتمد نجاح الذكاء الاصطناعي في منع النزاعات أيضًا على التعاون متعدد الأطراف ووضع نماذج الذكاء الاصطناعي في سياق الواقع الأفريقي، وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي أفريقية. يجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي تنسيق الجهود لمشاركة أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتمويل مبادرات السلام التي يدعمها الذكاء الاصطناعي، ووضع معايير أخلاقية مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون الذكاء الاصطناعي مكملًا للدبلوماسية التقليدية (الوقائية)، لا بديلًا عنها. يجب أن يعزز عملية صنع القرار البشري مع ضمان استقلالية المجتمعات المحلية في عمليات بناء السلام.

الخلاصة

يمثل الذكاء الاصطناعي فرصةً تحويليةً لمنع النزاعات وإدارتها في أفريقيا. من خلال تحسين أنظمة الإنذار المبكر، ودعم بعثات حفظ السلام، وتعزيز الوساطة الدبلوماسية، يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تخفيف حدة النزاعات قبل أن تتفاقم وتتحول إلى عنف. ومع ذلك، يجب أن يقترن نشره بأطر حوكمة قوية، ومبادئ توجيهية أخلاقية صارمة، وتعاون إقليمي لمنع إساءة استخدامه. وكما أكد العالم أورين إتزيوني، “الذكاء الاصطناعي أداة. واختيار كيفية نشره يعود إلينا”. لذلك، لا تكمن قوة التكنولوجيا في استبدال الحكم البشري، بل في تمكينه من التصرف بحكمة. وفي نهاية المطاف، سوف يتحدد دور الذكاء الاصطناعي في منع الصراعات وإدارتها في أفريقيا من خلال جودة دمجه في هياكل الحكم التي يقودها الإنسان.

بقلم: جان إيف ندزانا ندزانا
دبلوماسي وباحث أول في قضايا الأمن الدولي

تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى