تحليلات

من السجن إلى الطرد إلى التجنيد، مأساة المهاجرين الأفارقة في إسرائيل

شهدت إسرائيل تدفقات كبيرة بين 2006 و 2012 لطالبي اللجوء من إفريقيا، عابرين مخاطر كبيرة في صحراء سيناء، عبر شبكات تهريب معقدة تمتد في عدد من الدول الإفريقية، وقدرت المصادر المختلفة حينها أن عدد طالبي اللجوء الأفارقة في إسرائيل بلغ 55000 ألفا، معظمهم من إرتريا والسودان وجنوب السودان، وساحل العاج ونيجيريا حيث عانت إرتريا ظروف ما بعد الحرب مع إثيوبيا واندلعت في السودان الحرب التي كانت تدور رحاها في دارفور.

موقف إسرائيل من طالبي اللجوء

صنفت إسرائيل ضيوفها الجدد بأنهم متسللون بطرق غير قانونية ومهاجرون اقتصاديون ويشكل الإرتريون والسودانيون السواد الأعظم بنسبة 83% من مجمل العدد، مع نسبة ضئيلة من دولة جنوب السودان وقالت وزارة الداخلية الإسرائيلية، أن نسبة قليلة جدا من طالبي اللجوء من دول أخرى مؤهلة للحصول على وضع اللاجئ، ولذلك ذهبت في تصنيف اللاجئين الأفارقة بأنهم دخلوا البلاد بشكل غير قانوني من أجل الحصول على فرصة اقتصادية، وبالتالي لا يحق لهم الحصول على حماية اللاجئين.

إجراءات إسرائيل ضد اللاجئين الجدد

في عام 2012، أقر البرلمان الإسرائيلي مشروع قانون يسمح باحتجاز المهاجرين الأفارقة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات دون محاكمة، وفي ذات العام بدأ بناء سجن سهروا نيم، وكان معفيًا من معظم اللوائح المحلية والوطنية، قامت العديد من المنظمات التي تقدم المساعدة القانونية لطالبي اللجوء الأفارقة في  إسرائيل، بما في ذلك الخط الساخن للاجئين والمهاجرين، ومنظمة أطباء لحقوق الإنسان الإسرائيلية، ولكن لم تستجب السلطات الإسرائيلية لأي تفسيرات قانونية تمنح هؤلاء صفة اللاجئ في إسرائيل، مع رفضها كذلك التعامل مع المنظمات الدولية المعنية باللاجئين. وحاولت إسرائيل الحد من تدفق المهاجرين الأفارقة عبر بناء جدار فاصل مع مصر في محور فيلادلفيا، إضافة إلى مبادرة إجبار المهاجرين على مغادرة إسرائيل، أو بقاءهم في السجن إلى مديات مفتوحة

سجن مفتوح في صحراء النقب

 احتجزت إسرائيل أعدادا كبيرة منذ 2010 في سجن كتسيعوت القديم والذي يستخدم رسميا لاحتجاز الفلسطينيين، وفي 2012 صوت البرلمان الإسرائيلي على مشروع قانون مثير للجدل والذي جعل الاحتجاز لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، للمهاجرين الأفارقة، وهو قانون تم تشريعه وتفصيله لمعاقبة اللاجئين الأفارقة، وفي 2012 تم إنشاء سجن سهروا نيم، في صحراء النقب القريبة من الحدود المصرية وهي منطقة قاسية يصعب العيش فيها، وهو السجن الذي تم إنشاءه خصيصا لاحتجاز الأفارقة، ويعتبر الأكبر بين أربعة معسكرات خططت لاستيعاب 8000 سجين، من إرتريا والسودان وجنوب السودان.

وعلى الرغم من قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في 2013، الذي قضى بعدم دستورية حبس المهاجرين الأفارقة، وقضت بإطلاق سراحهم في غضون 90 يوما، إلا أن الحكومة الإسرائيلية اتجهت إلى تعديل فترة الاحتجاز من ثلاث سنوات إلى عام واحد بدلا من إطلاق سراحهم، وقد أفادت التقارير بأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي حبست حوالي 2500 طالب لجوء في سجن سهروا نيم 41 منهم أطفال ومن بينهم 15 طفل رضيع.

تخيير الأفارقة بين السجن والإبعاد

في 2018 قدرت السلطات الإسرائيلية بأن حوالي 90% من المهاجرين غير الشرعيين يعيشون في مركزين رئيسيين، تل ابيب حيث يعيش 60%، وحوالي 20 إلى 30% في إيلات مع أعداد قليلة في أسدود، والقدس وعراد.

أعلنت إسرائيل عن خطة لترحيل اللاجئين الأفارقة في 2018، وكان قرارها بإبعاد حوالي 40 ألفا من طالبي اللجوء الأفارقة، ووضعت اللاجئين الأفارقة بين خيارين أحلاهما مر وهو إما أن يبقى في السجن لفترة غير معلومة وإما أن يتم ترحيله إلى وطنه حيث غادر أو إلى بلد إفريقي ثالث، وقد بدأت إسرائيل ترتيبات مع دولتي رواندا وأوغندا، دون أي أفق قانوني معروف يعالج مشكلتهم بعد وصول إفريقيا

وفي تحقيقات أجرتها عدد من الصحف الغربية، بشأن الخطة الإسرائيلية لترحيل اللاجئين الأفارقة، تبين أن إسرائيل مارست خداعا كبيرا، وضللت الأفارقة الذين قبلوا بمغادرة إسرائيل إلى أوغندا أو راوندا، فعندما عادت الأفواج الأولى لم يجدوا المؤسسات الأممية التي وعدوا بأن تكون في استقبالهم، بل طلب منهم مغادرة رواندا إلى أوغندا، وخاضوا تجربة أخرى انتهت بالوصول غير المشروع إلى أوغندا.

إسرائيل من مرتزقة إلى مرتزقة

كما تأسست إسرائيل من شتات اليهود في العالم، لجأت لنفس أسلوب العصابات عند بدء حربها على غزة، فاستقدمت مرتزقة من أرجاء الأرض ليقاتلوا إنابة عن جيشها المهزوم في غزة، وبعد مرور ما يقرب من عام ونحن على مقربة من الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، ومع نضوب خزان المرتزقة، لجأت إسرائيل إلى استرضاء من كانت تحتجزهم في معتقلات الصحراء، وترفض أن تجدد تأشيراتهم حتى لا يفكروا في البقاء، وهم المهاجرون الأفارقة لتزج بهم في محرقة غزة، وهي بلا شك حيلة تنطوي على مخاطر كثيرة جدا على اللاجئين الأفارقة نناقشها من الزوايا التالية:

  1. استغلال إسرائيل لوضع الأفارقة: من المعلوم أن أغلب طالبي اللجوء الأفارقة في إسرائيل أوضاعهم غير قانونية، والخشية هنا أن إسرائيل لا شك تهدف من خطوتها للتجنيد استغلال أوضاع الأفارقة البائسة، تحت ضغط معاناتهم، حيث لا يملك الأفارقة خيارات الرفض أو جهات قانونية تحميهم غير بعض الناشطين المدنيين، الذين لا تستجيب لهم السلطات، لأنها عندما شرعت عددا من القوانين التي تعاملت بها مع اللاجئين الأفارقة، كانت خارج نطاق المساءلة القانونية، فلذلك ستعمد الأجهزة المعنية في التعامل بشكل مريح.
  2. انتهاك للقانون الدولي: ظلت إسرائيل منذ وصول عشرات الآلاف من الأفارقة تتنكر في التعامل معهم، بأنهم مهاجرون اقتصاديون يبحثون عن فرص عمل، ولذلك رفضت السماح  للمنظمات الدولية المعنية باللاجئين، الوصول إليهم، بل ذهبت أكثر من ذلك بفتح سجون جديدة لهم، ووضعهم في ظروف قاسية حتى يطلبوا المغادرة طواعية بأنفسهم، لكنها في لحظة حرجة وغياب للقانون احتاجت خزانات وقود لحربها وتجد من يمكن أن يكون حائط صد أمام ضربات المقاومين ولذلك فإن ما تقوم به إسرائيل، إجراء يفتقر إلى ابسط الجوانب القانونية، ابتداء من انعدام الشخصية القانونية لهؤلاء المهاجرين، كما أنه انتهاك صريح للقانون الدولي الذي يجرم المخاطرة بمثل أولئك المهاجرين.
  3. جهل الأفارقة لطبيعة الصراع: ما عدا ربما قلة قليلة لا يعرف أغلبية الأفارقة طبيعة الصراع، الذي يجري على أرض فلسطين، ولا أحد يعرف المدى الذي ستصل إليه المعركة الراهنة، ولن تجرؤ سلطات الاحتلال بالحديث عنها، بشكل موضوعي لإثبات الدعاية التي تروجها، منذ السابع من أكتوبر، فجهل الأفارقة لطبيعة المعركة يدخلهم في متاحة لها أول ولكن لا يعرفون أين تنتهي، ما قد يدعوهم إلى اتخاذ مواقف تنتهي بهم في السجون مرة أخرى.
  4. عدم الوفاء عند الاحتلال: معروف عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إدمان المراوغة وعدم التزامها بالعهود والوعود، وهي سمة ليست جديدة، بالذات عند التعامل مع الأفارقة، فكم استجلبت إسرائيل عمالة من عدد من الدول الإفريقية إلا أنها دائما لا تفي بشيء من التزاماتها، والعقود التي توقعها معهم، وإذا علمنا أنها تتعامل مع أفراد لا يملكون شخصية قانونية وليس لديهم دول تسأل عنهم، فإنهم سيصبحون كاسحات ألغام لصالح الجنود الإسرائيليون، ولا بواكي لهم.
  5. قضية الاندماج وتجربة الفلاشا: تجند إسرائيل الأفارقة تحت عنوان “الإقامة مقابل القتال في الجيش الإسرائيلي” وحسب مصادر إسرائيلية، فإن المطروح ليس منحهم الهوية الإسرائيلية، بل منحهم الإقامة الدائمة، وهو وضع أقل مما وجده اليهود الفلاشا والذين نقلتهم إسرائيل، من إثيوبيا ولكن وبعد فترة تزيد على 30 عاما ظلوا في الهامش، يعاملون كطبقة أدنى من بقية رعايا دولة الاحتلال، فلذلك يخاطر الأفارقة إذا انخرطوا في المشروع الإسرائيلي، والقتال إلى جانب جيشه ضد أصحاب الأرض، وسيكون مصيرهم أسوأ من الفلاشا بلا شك.
  6. غياب مؤسسات الأمم المتحدة: ظلت مسألة غياب الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة في تصنيف اللاجئين  وحمايتهم محل استغراب، لجهة أن كثير من الأوضاع المشابهة في دول استقبال المهاجرين مثل إيطاليا، ظلت تعالجها من خلال التفاهم مع الدول المستضيفة، ما يعيد طرح السؤال مرة أخرى، لأن قانون اللجوء يمنح المهاجرون فرصة التصنيف القانوني، وبالتالي حمايته من الإبعاد أو التعرض لأي نوع من الانتهاك القانوني، وما يجري لطالبي اللجوء في إسرائيل أجدى أن تهرع المؤسسات الدولية لحماية هؤلاء من استغلالهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
  7. غياب حكومات الرعايا الأفارقة: في ظل تقارير متواترة والمعلومات بشأن تجنيد إسرائيل للأفارقة، يتأكد بأن عمليات التجنيد، بدأت منذ وقت مبكر، كما أفادت تقارير أخرى تفيد بعدم اكتراث إسرائيل بإتفاقها مع الأفارقة الذين خاضوا الحرب إلى جانبها، ولم تف بوعودها معهم، ولكن الأهم هو أن الدول التي ينتمي إليه الأفارقة، تسجل غيابا، عما يجري لرعاياها، في محرقة الحرب التي تشنها دولة الاحتلال على غزة، صحيح أن هؤلاء تركوا بلدانهم لسبب أو لآخر ولكن أن تسكت هذه الدول على استغلال رعاياها في محرقة بلا مقابل أمر غير مفهوم، ويجب عليها، تحريك المؤسسات الدولية لتجنيب المهاجرين الموت المجاني من أجل حفنة من الساسة الموتورين، والمحتلين.

خلاصة

اتجهت إسرائيل لاستغلال أوضاع الأفارقة الذين ظلوا يترقبون لحظة الإبعاد، أو السجن، بسبب القوانين التي سنتها خصيصا لهم، وأعلنت مرار أنهم لا مكان لهم في إسرائيل، وهي تدرك أنه ليس هناك مساءلة قانونية إذا قامت بتجنيدهم، في ظل ضبابية أوضاعهم القانونية، لكن الملفت هو غياب المؤسسات الدولية المعنية بقضايا المهاجرين، فضلا عن الدول التي ينتمي إليها المهاجرون في إسرائيل، وفي كل أن مخاطر حقيقية تواجه الأفارقة إذا زجت بهم السلطات الإسرائيل بهم في الحرب التي تشنها على غزة منذ ما يقرب من عام.

تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي): مؤسسة مستقلة متخصصة بإعداد الدراسات، والأبحاث المتعلقة بالشأن السياسي، والاستراتيجي، والاجتماعي، الأفريقي لتزويد المسؤولين وصناع القرار وقطاعات التنمية بالمعرفة اللازمة لمساعدتهم في اتخاذ القرارات المتوازنة المتعلقة بقضايا القارة الأفريقية من خلال تزويدهم بالمعطيات والتقارير المهنية الواقعية الدقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
بدء محادثة
💬 هل تحتاج إلى مساعدة؟
مرحبا 👋
هل يمكننا مساعدتك؟