منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا عام 1977، وتسلم إسماعيل عمر جيله للسلطة في 1999، شهدت جيبوتي سلسلة من أزمات الحكم التي تميزت بتركز السلطة في يد الرئيس وحزب التجمع الشعبي للتقدم الحاكم. وعلى الرغم من أن المشهد السياسي يعتبر متعدد الأحزاب رسميًا وشكليا، إلا أنه يتسم بمحدودية المنافسة، والتلاعب الانتخابي، كما أن هذه التعددية لم تؤدِّ إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، حيث يهيمن الرئيس إسماعيل عمر جيله على النظام السياسي، ويُمارس قبضته من خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية والإعلامية، وتهميش المعارضة أو دمجها في تحالفات تحت سيطرته. وقد أدى عجز المعارضة عن تحدي الائتلاف الحاكم بفعالية إلى بيئة سياسية مجزأة، مما يزيد من تعقيد جهود الإصلاح والحكم الشامل. يناقش هذا المقال التطورات السياسية في جيبوتي وطبيعة التعديلات الأخيرة والتي أجراها البرلمان في نهاية أكتوبر الماضي وتداعياتها على السياسة الجيبوتية.
السياق التاريخي
يرتبط السياق التاريخي لجيبوتي ارتباطًا وثيقًا بماضيها الاستعماري، وخاصةً تحت الحكم الفرنسي، الذي ترك آثارًا طويلة الأثر على نظام الحكم والهياكل المجتمعية فيها. أدى فرض السيطرة الاستعمارية في أواخر القرن التاسع عشر إلى تغييرات كبيرة في النسيج الاجتماعي للمنطقة. طبّق الفرنسيون سياسات مثل سياسة “فرّق تسد”، مما فاقم الانقسامات العرقية وأضعف الهويات المحلية. وقد أرست هذه الحدود المصطنعة والهياكل الاجتماعية المفروضة الأساس للصراعات والتوترات السياسية المستقبلية داخل البلاد.
أثرت الإدارة الاستعمارية الفرنسية بشكل عميق على المشهد الثقافي والسياسي في جيبوتي. وقد أدت سياسات الحكم المباشر والاندماج إلى تآكل الأعراف الاجتماعية التقليدية، مما أثار استياءً بين السكان المحليين، وخاصةً مجتمعي عفار والصومال. وقد ساهم هذا الاستياء في ترسيخ إرث من الصراع وعدم الاستقرار الذي استمر حتى يومنا هذا. كما أدى ترسيخ الانقسامات العرقية خلال هذه الفترة إلى تأجيج الاضطرابات المدنية، حيث لا تزال المظالم الناجمة عن المظالم التاريخية تؤثر على الحوكمة المعاصرة.
الإرث الاستعماري والبدايات التأسيسية
بعد الاستقلال وفي عام 1977، واجهت جيبوتي تحديات تتعلق بإرثها الاستعماري، بما في ذلك الحرمان السياسي وعدم الاستقرار الاقتصادي. وقد تعرضت الحكومة آنذاك، والتي هيمن عليها حزب التجمع الشعبي للتقدم، لانتقادات بسبب ممارساتها الاستبدادية وقمع المعارضة. وغالبًا ما تعرقلت جهود إصلاح هياكل الحوكمة بسبب غياب المشاركة السياسية الفعالة والتأثير المستمر لديناميكيات السلطة التاريخية التي ترسخت خلال الحقبة الاستعماري.
تطور المشهد السياسي في جيبوتي
اتسم المشهد السياسي في جيبوتي بتفاعل معقد بين نظام التعددية الحزبية والتوترات العرقية طويلة الأمد. فبعد إدخال نظام التعددية الحزبية عام 1992، والذي أنهى نظام الحزب الواحد في البلاد، سمحت الساحة السياسية في البداية لأربعة أحزاب فقط بالمشاركة في الانتخابات. رُفع هذا القيد عام 2002، مما مهد الطريق لظهور العديد من الأحزاب السياسية. ومع ذلك، لا يزال الائتلاف الحاكم، المعروف باسم الاتحاد من أجل الأغلبية الرئاسية (UMP)، يهيمن عليه التجمع الشعبي من أجل التقدم (RPP) والجبهة من أجل استعادة الوحدة والديمقراطية (FRUD)، مما يجعل المنافسة السياسية الحقيقية أمراً صعباً.
في السنوات الأخيرة، أدركت الحكومة الجيبوتية الحاجة إلى اللامركزية كوسيلة لتعزيز التنمية المحلية وتخفيف الانقسامات الإقليمية. ويهدف هذا النهج إلى تعزيز قدرة السلطات الإقليمية على الحكم ومعالجة قضايا مثل الفقر وعدم المساواة ، مما يعكس استجابة للتحديات المستمرة المتجذرة في ماضيها الاستعماري، رغم الانتقادات التي واجهتها في هذا الخصوص ومع ذلك، لا يزال يتعين تقييم فعالية هذه الإصلاحات، حيث لا تزال الحكومة المركزية تمارس سيطرة كبيرة على العمليات السياسية.
جيبوتي في عهد عمر جيله
في عام 1999 تولى إسماعيل عمر جيله مقاليد الحكم في البلاد، وقام بمبادرات هامة على الصعيد الإقليمي، ومن بينها مؤتمر عرتا للسلام والمصالحة الصومالية، والاتفاق الذي وقعته الحكومة السودانية مع حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي في جيبوتي.
وفي 9 أبريل (نيسان) 2011 أعلن عن فوز إسماعيل عمر جيله بولاية رئاسية ثالثة بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أبريل 2011 بنسبة 90% من الأصوات.
وفي 15 يناير (كانون الثاني) 2021، قامت الجبهة من أجل استعادة الوحدة والديمقراطية بهجوم مسلح من ثلاث جهات على مدينة تاجوره، أكبر مدن الشمال وثاني أكبر موانئ جيبوتي، تزامناً مع إعلان الحزب الحاكم تصديقه على ترشح الرئيس جيلة لفترة رئاسية خامسة. في 9 أبريل 2021، انتخب الرئيس الجيبوتي المنتهية ولايته إسماعيل عمر جيلة لولاية خامسة بنسبة تجاوزت 98 في المائة من الأصوات.
جيله ومتلازمة الرجل القوي
متلازمة الرجل القوي في الأدبيات الإفريقية هو مفهوم مرتبط بمفهوم النيوباترومونيالية (النزعة الأبوية)، التي تتغلغل في الحياة الاجتماعية والسياسية، مما يجعلها مناهضة للديمقراطية من نواحٍ عديدة، ووفقا لتعريفات الباحثين فإن متلازمة الرجل القوي أو النيوباترومونيالية ترتبط أيضًا بمفاهيم المحسوبية والزبائنية وإساءة استخدام الموارد لتحقيق الشرعية السياسية، وتشير متلازمة الرجل القوي أو النزعة الأبوية إلى هيمنة فرد واحد أو مجموعة من الأفراد الذين يسعون جاهدين لممارسة أو تحقيق حكم مطلق أو سيطرة كاملة على الآخرين الذين يُعتبرون “رعايا” كما يرى براتون وفان دي والي، ويجادل إنجل وإردمان بأن “المحسوبية تعني تبادل أو وساطة خدمات وموارد محددة مقابل الدعم السياسي، غالبًا في شكل أصوات. وهي تنطوي على علاقة بين غير متكافئين، حيث تعود الفوائد الرئيسية على الراعي. وبالتالي، تسهل المحسوبية تقديم خدمات شخصية مثل عروض العمل أو التعيينات من قبل الرجل القوي للأفراد من أجل أن يحافظ الرجل القوي على حكمه أو سلطته كما يرى بوث وآخرو، أن الرعاية هي شكل من أشكال المحسوبية المطبقة على مجموعات من الناس مثل توفير تمويل التنمية ضمن منطق التوريث.
وبتطبيق نظرية الرجل الكبير أو القوي في إفريقيا فإننا أمام عدد من النماذج التي يعتبر الرئيس الجيبوتي أحد أمثلتها، ففي إفريقيا ما بعد الاستعمار عادت الملوكية بطرق ملتفة، ظاهرها النصوص التي تصاغ باسم الديمقراطية ولكن في الممارسة نجد أن كثير من الحكام الأفارقة يميلون إلى المفهوم الملكي، في الحكم، وبعملية مسح سريع للقارة الإفريقية سنجد أن هناك رؤساء صعدوا إلى الحكم بعد الاستقلال بوقت قصير وما زالوا في سدة الحكم والأمثلة هنا عديدة، وعلى مستوى التشريعات فقد عمدوا إلى تغيير المواد الت تنص على حدود مدد الحكم، ليستمر إلى ما لا نهاية، وعلى سبيل المثال الرئيس الكاميروني بول بيا، والرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، ويوري موسيفيني في أوغندا، وغناسينغبي في توغو وفعل ذلك ألفا كوندي في 2021 وقبل الإطاحة به والكونغو برازفيل، ويحذو الرئيس عمر جيله حذو نظرائه في حكم البلاد بشكل مفتوح.
التعديلات الدستورية في جيبوتي
تعديل الدستور في 2010
كان الدستور الجيبوتي لعام 1992 يحدد فترتين رئاسيتين فقط كل فترة 6 سنوات، وبعد مرور فترتي من حكم الرئيس إسماعيل عمر جيلi الذي تسلم الرئاسة في 1999، بدأت نقاشات لإعطائه فرصة الاستمرار وتم اقتراح عدد من التعديلات:
- إلغاء حدود الولاية: كانت أول التعديلات إلغاء القيد الذي يحدد الرئيس بولايتين فقط، وهو ما سيسمح للرئيس جيله للترشح لفترات أهرى دون قيود زمنية.
- إنشاء منصب رئيس الوزراء، ولكن إصرار الرئيس على الإمساك بكل خيوط السلطة لم يمنح فرصة تقوية الجهاز التنفيذي، وبقيت أعلب صلاحيات التعيين للرئيس.
- تعزيز صلاحيات الرئيس: بقيت السلطة التنفيذية والسياسية مركزة في يد الرئيس ابتداء من تعيين الحكومة والسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية، والتأثير على البرلمان عبر هيمنة حزب التجمع من أجل التقدم.
وكان من نتاج هذه التعديلات، إعادة انتخاب جيله لولاية ثالثة في 2011، بموجب التعديل الذي منح ولايته الجديدة الصبغة القانونية، كما أدت هذه التعديلات إلى إضعاف المعارضة السياسية، تمظهر في خروج احتجاجات متفرقة تعاملت معها السلطات بالقمع، كما عملت التعديلات على تعزيز الحكم الشخصي (نيوباتريمونيال) مع ضيق المشاركة السياسية، في تراجع واضح عن طريق الإصلاح السياسي.
وينص الدستور الجيبوتي على ألا يقبل ترشيح شخص تجاوز عمره 75 عاما، وهو الذي دعا الرئيس إلى إجراء تعديلات جديدة في أكتوبر 2025، ليضع المسار الديمقراطي في جيبوتي في عداد المواد المجمدة إلى حين إشعار آخر.
الانقلاب الدستوري 2025
عادة ما يتسم السياق السياسي في جيبوتي بالتعقيد والجمود الذي شكل سمات الحكم فيها. وقد حافظ حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم الحاكم على السيطرة الكاملة على البرلمان (65عضو) حيث تم إقرار التعديلات التي طرحت في نهاية أكتوبر الماضي بالإجماع، مما زاد من تقييد التعددية السياسية ومكن الحزب الحاكم من ترسيخ سلطته، كما تتجاوز هذه التعديلات الحاجة إلى استفتاءات عامة على التغييرات الدستورية، مما يمنح الرئيس صلاحيات واسعة في صياغة الحكم مع إثارة تساؤلات حول شرعية العمليات الانتخابية وشملت التعديلات عدد من المواد أهمها:
- إلغاء الحد الأقصى لسن المرشح 75 عامًا الذي كان معمولا به في السابق، وهو التعديل الذي أثار اهتماما واسعا، خصوصا أنه يتيح للرئيس الجيبوتي الحالي إسماعيل عمر جيله البالغ 76 عاما الترشح لولاية جديدة في الانتخابات المقبلة المقررة في أبريل/نيسان 2026.
- تمديد فترة عضوية القضاة إلى 9 سنوات بدلا من 6، ومنح المحكمة صلاحيات أوسع في مراقبة دستورية القوانين والإشراف على العملية الانتخابية، مما يعزز دورها كضامن لاستقلالية القضاء والنظام الديمقراطي. إضافة إلى بعض التعديلات الأقل أهمية.
دلالات التعديل الدستوري الجديد
ينظر إلى التعديلات الدستورية الجديدة في جيبوتي من قبل المناصرين لها، على أنها تأتي في إطار تطوير النظام السياسي والإداري لمواكبة متطلبات المرحلة الراهنة، مشددا على أن الدستور الجيبوتي ظل وثيقة حية تتطور مع الزمن بما يخدم مصلحة الدولة واستقرارها، كما صرح رئيس البرلمان دليتا محمد دليتا الذي وصف ما جرى بأنه: ضرورة وطنية لضمان الاستقرار في منطقة مضطربة.
منذ ثورات الربيع العربي تكاد تخلو الساحة الجيبوتية من معارضة واضحة في الداخل وتسود حالة من الياس بسبب التعتيم الإعلامي والتضييق على المناوئين للنظام، بسبب سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام والتضييق على الإعلام المستقل، وتشير تقارير أخرى إلى ضعف المعارضة وانقسامها، فضلا عن معاناتها مما يقلل من إمكانية التصدي بفعالية لمثل هذا السلوك الأحادي.
وتشير الدلالات بأن التحالف الحاكم في جيبوتي يخطط لاستكمال فكرة الحكم الابدي للرئيس عمر جيله، وهو تكريس مزيد من المعارضة الداخلية، يمكن أن تحرك حتى من الفاعلين الرئيسيين في الحزب الحاكم على المدى البعيد.
تداعيات التعديل الدستوري
يعتبر المراقبون بأن الهدف الرئيسي من التعديل الأخير هو السماح للرئيس إسماعيل عمر جيله، البالغ من العمر 77 عامًا، بالترشح لولاية سادسة في عام 2026. وما لا شك فيه أن لهذه الخطوة تداعيات سياسية كبيرة على مستقبل البلاد:
1. نهاية المظاهر الديمقراطية:
تجرد هذه الخطوة جيبوتي من أي مظهر متبقي لكونها ديمقراطية متعددة الأحزاب. أصبح النظام السياسي الآن مُهيكلاً رسمياً كدولة الحزب الواحد المهيمن مع رئاسة مدى الحياة، وهو ما يفتح المجال واسعا للتأويلات والتفسيرات حول مستقبل جيبوتي في ظل تهميش المعارضة، وإضعافها وبث الياس والإحباط لدى التيار الصامت وهو الأغلب والذي يرة أنه غير معني بكل الذي يجري أمامه، وهو ما جعل البغض يفسر الأمر باعتباره إنهاء للحياة السياسية في البلاد.
2.مخاوف من التخطيط للخلافة الأسرية:
تشير تحليلات عديدة إلى أنه بحلول عام 2036، سيبلغ عمر إسماعيل عمر جيله 89 عامًا. قد يكون الهدف الحقيقي هو استغلال هذه الفترة الممتدة من الاستقرار المطلق لتنظيم عملية الخلافة، ربما لزوجته، السيدة الأولى خضرة محمود حيد، أو لأحد الموالين الآخرين، من موقع قوة لا يمكن المساس به.
3.زعزعة الاستقرار على المدى البعيد:
صحيح أن هذا الانقلاب يضمن استقرار النظام على المدى القصير، إلا أنه يقضي على جميع السبل القانونية للتغيير السياسي. وهذا يهدد بتفاقم الإحباط والاستياء الشعبي العميق، مما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار عند حدوث الخلافة في نهاية المطاف.
4.تآكل شرعية المعارضة:
مع إغلاق كل الأبواب الدستورية للتغيير، قد تدخل المعارضة في مرحلة من الإحباط والانشقاق. وقد يدفع البعض نحو التصعيد أو البحث عن دعم خارجي، بينما قد يقبل آخرون بالتفاوض للحصول على جزء من كعكة النظام الجديد.
موقف المعارضة الجيبوتية
وجهت المعارضة الجيبوتية انتقادات شديدة للتعديلات الدستورية التي أجرتها الحكومة الجيبوتية وخاصةً إلغاء الحد الأقصى لسن الرئاسة، الذي يسمح للرئيس إسماعيل عمر جيله، البالغ من العمر 77 عامًا، بالترشح لولاية أخرى في عام 2026. وترى أحزاب المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان أن هذا التغيير يهدف إلى ترسيخ “رئاسة مدى الحياة”، مما يقوض المبادئ الديمقراطية ويحول دون ظهور أي فرصة حقيقية للتجديد السياسي أو تغيير القيادة. ويعتقدون بأن التعديل الدستوري إنما هو أداة لتشديد قبضة الحزب الحاكم على السلطة ومنع المنافسة السياسية.
وأعربت شخصيات معارضة بارزة عن أن البرلمان الحالي ليس شرعيًا ولا يُمثل إرادة الشعب تمثيلًا حقيقيًا، إذ يتكون أساسًا من أعضاء الحزب الحاكم أو معارضة اسمية مُتحكم فيها. ودعت إلى انتقال سلمي وديمقراطي بدلًا من تمديد ولاية الرئيس الحالي إلى أجل غير مسمى، وقد أدى هذا التعديل حسب مراقبين إلى تعميق عزلة جماعات المعارضة، وزاد من إحباط المعارضين السياسيين، مما أدى إلى مقاطعة الانتخابات وتقييد الحريات السياسية.
مستقبل العملية السياسية في جيبوتي على ضوء التعديل الأخير
على الرغم من أن التعديل يمنح الرئيس إسماعيل عمر جيله فترات ترشح جديدة وبلا حدود ولذلك يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً هو سيناريو الاستمرارية المدارة حيث يبقى الرئيس الحالي في السلطة إلا أن اختيار من يخلفه ويحتفظ بالسلطة من خلال انتخابات مُتحكم بها ومساومات بين النخب هو الهدف الخفي للتعديل. حيث يتم الحفاظ على الاستقرار، مع تحرير سياسي محدود. ومن أيرز العوامل الدافعة لذلك الإجماع البرلماني، والمعارضة الضعيفة، الأهمية الاستراتيجية لجيبوتي للقوى الأجنبية وهو السيناريو الذي يراه معهد روبرت لانسينغ في باريس، حيث يضمن التعديل بقاء الساحة السياسية حتى عام 2036 محكومة بهيمنة عمر جيله، مما يعني استمرار السياسات الخارجية والداخلية نفسها إلى حد كبير.
دوليا يمنح الدور الاستراتيجي لجيبوتي قواعد الولايات المتحدة وفرنسا والصين واليابان وإيطاليا النظام نفوذاً خارجياً، وبالتالي من المرجح أن تتجنب العديد من الجهات الفاعلة الخارجية اتخاذ تدابير عقابية قوية للحفاظ على الوصول والاستقرار. وهذا يقلل من فرصة أن يُغير الضغط الدولي النتائج المحلية.
خاتمة
تبقى الاحتمالات مفتوحة على كل التكهنات في ظل تحديات تتعاظم في البلاد فالحوكمة في جيبوتي هشة جدا تتغلغل فيها عوامل الفساد الإداري وتفتقر إلى الشفافية فيما يتعلق بميزانية الدولة وتقارير الرقابة التي لا تنشر للراي العام، ما يشجع على انتشار ثقافة الإفلات من العقاب، إضافة إلى التقارير التي تتحدث عن التضييق على المعارضين وتنتشر حالات الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاستخدام المفرط للقوة باستخدام لافتة محاربة الإرهاب. هذا فضلا عن الاقتصاد المعتمد على الخدمات التي تمثل 80% تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي واستفحال البطالة التي وصلت نسب مذهلة بلغت 80% بين الشباب بين 15 و24 عاما.
فهل تمثل التعديلات الأخيرة نقطة تحول في السياسة الجيبوتية لصالح البلاد عبر مراجعات جذرية تصحح الأخطاء المتراكمة منذ استقلالها في 1977، ام ستكون سببا في تشكيل توجه غاضب لتتحول إلى حالة اصطدام بين التيارات السياسية المختلفة أم يأخذ زمام المبادرة جيل Z الذي بدأ في رسم المعادلات السياسية الجديدة في إفريقيا كما جرى في مدغشقر والمملكة المغربية حديثا وكينيا سابقا وما تجري من أحداث عنف غير مسبوقة في تنزانيا جراء انسداد الأفق السياسي، هي استفهامات ستجيب عليها مقبل الأيام التي تشير إلى انها تحمل الكثير من المفاجآت والتحولات الكبيرة في إفريقيا.





