تحليلات

انتخابات مالاوي لعام ٢٠٢٥: استمرارية، تصحيح، أم تغيير دوري؟

نظرة تحليلية على النظام السياسي والديناميكيات الانتخابية في مالاوي

مقدمة
شكلت الانتخابات العامة لعام ٢٠٢٥ في مالاوي فصلاً جديداً في مسيرة ديمقراطية البلاد الهشة والمرنة. فعلى الرغم من استمرار الصعوبات الاقتصادية والفساد وضعف المؤسسات، أعادت العملية تأكيد إحدى أبرز سمات الديمقراطية الأفريقية: التناوب الانتخابي السلمي. وقد أعادت عودة بيتر موثاريكا إلى السلطة في سن الخامسة والثمانين، متغلباً على الرئيس الحالي لازاروس تشاكويرا، رسم المشهد السياسي من جديد. تُحلل هذه المقالة النظام السياسي في مالاوي، والعملية الانتخابية لعام ٢٠٢٥، وما تعنيه نتائجها للحوكمة والاستدامة الديمقراطية في أحد أكثر مجتمعات جنوب القارة بصفة خاصة وأفريقيا بصفة عامة انضباطا سياسيا.

النظام السياسي: مزيج من المؤسسات الرسمية والسلطة غير الرسمية

تعمل ملاوي كديمقراطية تمثيلية رئاسية، تجمع بين المؤسسات ذات النمط الغربي والهرميات المحلية الراسخة. يشغل الرئيس منصبي رئيس الدولة والحكومة، ويتمتع بصلاحيات تنفيذية واسعة، بما في ذلك تعيين الوزراء والإشراف على تنفيذ السياسات.

لا تزال الجمعية الوطنية وهي هيئة تشريعية أحادية المجلس تُنتخب عبر دوائر انتخابية ذات عضو واحد بموجب نظام الأغلبية جوهر السلطة التشريعية. ورغم متانة استقلالية الهيئة التشريعية دستوريًا، إلا أن الولاء الحزبي وندرة الموارد غالبًا ما يُقيدان استقلاليتها. كما أن الرقابة القضائية موجودة نظريًا، لكنها تكافح للعمل بفعالية ضد هيمنة السلطة التنفيذية.

وفي المناطق الريفية، لا تزال الزعمات التقليدية تمتلك نفوذ واسع على التعبئة السياسية، وتخصيص الأراضي، والسيطرة الاجتماعية. هذا الهيكل التقليدي الراسخ يربط بين الحوكمة الرسمية والشرعية العرفية، ولكنه يُعقّد أيضًا المساءلة والتحديث.

منذ الاستفتاء الذي أجري عام 1993 والذي أنهى حكم الحزب الواحد بقيادة هاستينجز باندا، حافظت ملاوي على نظام متعدد الأحزاب مع انتقالات دورية للسلطة ــ وهو استثناء في منطقة تطورت فيها العديد من حركات التحرير إلى دول ذات حزب مهيمن.


قراءة في الانتخابات العامة لعام ٢٠٢٥

الترتيبات والنتائج الانتخابية

في ١٦ سبتمبر ٢٠٢٥، أُجريت في ملاوي انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، بلغ فيها عدد الناخبين المسجلين، حوالي ٧.٢ مليون ناخب، بينما بلغت نسبة المشاركة: ٧٦.٤٪ (ارتفاعًا من ٦٥.٥٪ في عام ٢٠١٩)، نسبة الأصوات الباطلة: ٢.٨٪، مما يعكس ارتباك الناخبين وتعقيد عملية الاقتراع.
إذ حقق بيتر موثاريكا، مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي، فوزًا حاسمًا بنسبة ٥٦.٧٦٪، متجاوزا عتبة الـ ٥٠٪ المطلوبة لتجنب جولة الإعادة. بينما حصل الرئيس الحالي لازاروس تشاكويرا (حزب المؤتمر المالاوي) على ٣٣٪، بينما تقاسم المرشحون الآخرون الأصوات المتبقية بين ١٥ حزبا صغيرًا ومستقلين.

وفي الجمعية الوطنية (229 مقعدًا)، برز الحزب الديمقراطي التقدمي كأكبر كتلة، لكنه لم يحقق الأغلبية المطلقة، مما أجبره على السعي إلى تحالفات مع المستقلين والأحزاب الإقليمية الصغيرة.

أدى موثاريكا اليمين الدستورية في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2025، مسجلاً عودته السياسية بعد خمس سنوات في المعارضة.

محددات سلوك الناخبين

ثلاث ديناميكيات رئيسية شكلت نتائج انتخابات 2025:

الاستياء الاقتصادي: عانى اقتصاد مالاوي في عهد تشاكويرا من تضخم حاد، وانخفاض قيمة العملة، ونقص في الوقود. وقد أدى الشعور بالإرهاق الوطني من وعود الإصلاح غير المنجزة إلى تصويت عقابي ضد الرئيس الحالي.
تفكك التحالفات: أدى انهيار تحالف Tonse، الذي كان قوة توحيدية للمعارضة في عام 2020، إلى انقسام المعسكر المناهض للحزب الديمقراطي التقدمي. كما أدى انسحاب حزب الاتحاد الموحد لمالاوي إلى تقويض ائتلاف تشاكويرا، مما أدى إلى تشتت الأصوات بين المرشحين الإقليميين والمرشحين الصغار.

انعدام الثقة المؤسسية: ظلت ثقة الجمهور بلجنة الانتخابات في مالاوي ضعيفة، حيث عبّر أقل من ثلث المواطنين عن ثقتهم وفقًا لمؤشر أفروباروميتر. ورغم أن المراقبين الدوليين اعتبروا التصويت “موثوقًا إلى حد كبير”، إلا أن المخالفات اللوجستية وضعف التواصل أديا إلى تراجع مستوى الشفافية.

المعنى السياسي والتداعيات النظامية

تصويت التصحيح، لا التغيير

عودة موثاريكا ليست تحولا أيديولوجيا بقدر ما هي تصحيح لفشل متصور في الحكم. وقد استعادت قاعدته الانتخابية لا سيما في المناطق الجنوبية والشرقية – هيمنتها بعد أن شعرت بالتهميش خلال عهد تشاكويرا. إلا أن عمره، وإرثه السياسي، واعتماده على شبكات راسخة، كلها تشير إلى الاستمرارية وليس إلى تغيير جذري.

 

الاستقرار المؤسسي والضعف الهيكلي

لا تزال ديمقراطية ملاوي متناقضة: فهي تُنظّم انتخابات تنافسية باستمرار، لكنها تعاني من ضعف في قدرة الدولة. وقد أكدت انتخابات عام ٢٠٢٥ العديد من السمات الراسخة:

تشهد إدارة الانتخابات تحسناً إجرائياً، لكنها تفتقر إلى المصداقية الكاملة.

لا تزال المعارضة مُجزأة، وغالباً ما تكون مدفوعة بالشخصيات بدلاً من البرامج.

لا تزال السياسة الريفية والمحسوبية تُحدد ولاء الناخبين أكثر من الأيديولوجية.

الآفاق والمخاطر في ظل الإدارة الجديدة

الفرص

الاستقرار الاقتصادي: النجاح في معالجة التضخم، وضمان إمدادات الوقود، وجذب الاستثمارات، من شأنه أن يعزز الشرعية.

بناء التحالفات: قد تُمكّن خبرة موثاريكا ونبرته التصالحية من بناء الاستقرار البرلماني مع المستقلين.

تجديد الحوكمة: من شأن حملة واضحة لمكافحة الفساد – إذا كانت موثوقة – أن تُعيد بعض الثقة المؤسسية.

المخاطر

هشاشة الاقتصاد: ستحد ديون ملاوي، واعتمادها على المساعدات، وتعرضها لصدمات المناخ (الجفاف، والفيضانات، والأعاصير) من مساحة المناورة.

استيلاء النخبة: قد تقاوم شبكات المحسوبية القديمة داخل الحزب الديمقراطي التقدمي إصلاحات الشفافية.

الإرهاق الديمقراطي: قد يُؤدي الفقر المُستمر، وبطالة الشباب، وإهمال المناطق الريفية إلى احتجاجات وحركات شعبوية جديدة.

التشرذم التشريعي: في ظل غياب أغلبية برلمانية مُهيمنة، يُواجه صنع السياسات خطر الشلل.

 الأبعاد الإقليمية والدولية

حظيت انتخابات مالاوي باهتمام دولي معتدل، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى قيمتها الرمزية كنموذج ديمقراطي إقليمي. أشاد الشركاء الغربيون، بمن فيهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالتسليم السلمي للسلطة، معتبرين إياه دليلاً على استمرار الثقافة الديمقراطية في جنوب أفريقيا على الرغم من خيبة الأمل الواسعة في جميع أنحاء القارة.

على الصعيد الإقليمي، قد يُعيد تحول مالاوي تشكيل التحالفات داخل مجموعة دول جنوب أفريقيا للتنمية (سادك)، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون الزراعي ومشاريع البنية التحتية العابرة للحدود مع موزمبيق وزامبيا.

مع ذلك، فإن غياب التمايز الأيديولوجي القوي بين الأحزاب الرئيسية يعني استمرارية السياسة الخارجية.

خلاصة

جسّدت انتخابات مالاوي لعام ٢٠٢٥ جوهر الديمقراطية الانتخابية الأفريقية – حيوية، وتشاركية، لكنها هشة. تشير عودة موثاريكا إلى إحباط شعبي أكثر من كونها تفويضًا حاسمًا برؤية جديدة. يتوقف مستقبل البلاد على قدرة إدارته على تحويل الشرعية الانتخابية إلى نتائج حوكمة ملموسة.

إذا تعثر الانتعاش الاقتصادي واستمر الفساد، فإن دوامة خيبة الأمل ستتعمق. ولكن إذا تحققت الإصلاحات ولو بشكل متواضع، فقد تُعيد مالاوي تأكيد سمعتها كواحدة من الدول القليلة في أفريقيا جنوب الصحراء التي لا تزال صناديق الاقتراع تُعنى بها.

 

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى