تقدير موقف

حراك جيل Z في المغرب

من الشارع الرقمي إلى اختبار حدود الاستقرار السياسي

تمهيد:

في الأسابيع الأخيرة، اهتز الشارع المغربي بموجة غير مسبوقة من المظاهرات التي قادها الشباب والتي أعادت تعريف المشهد الاجتماعي والسياسي للبلاد. تمثل الاحتجاجات، التي نُظمت تحت راية حركة **Gen Z 212**، تعبيرا عن إحباط جيل بأكمله ولد في العصر الرقمي ولكنه عالق في الركود الاقتصادي والإهمال المؤسسي. اندلعت الحركة بسبب حادث مأساوي في مستشفى عام في أكادير شرق البلاد، وسرعان ما تطورت هذه الاحتجاجات إلى دعوة وطنية للمساءلة والعدالة والإصلاح. ومن خلال التعبئة عبر الإنترنت والاعتصامات السلمية، يتحدى الشباب المغاربة نماذج الحوكمة الراسخة التي تعطي الأولوية للمشاريع المرموقة على الاحتياجات الأساسية للمواطنين. يدرس هذا التقرير أصول وديناميكيات وآثار حركة Gen Z 212، ويضعها في السياق الاجتماعي والاقتصادي الأوسع للمغرب ويستكشف كيف يمكن أن تشكل المسار السياسي والاجتماعي المستقبلي للبلاد.

الخلفية

منذ أواخر سبتمبر 2025، يشهد المغرب مظاهرات شبه ليلية بقيادة حركة “جيل زد 212″، «Gen Z» للدلالة على الفئة الشبابية التي ولِدت في الحقبة الرقمية، و«212» هو رمز الاتصال الدولي للمغرب (+212)، وهي حركة شبابية إلكترونية تطالب بإصلاحات في التعليم والرعاية الصحية، وتدابير مكافحة الفساد، والتخفيف من ارتفاع تكاليف المعيشة.
والجيل Z هو جيل اجتماعي يشمل عموما الأفراد المولودين بين منتصف تسعينيات القرن الماضي وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين 1995 – 2010، ويعرف جيل “زد” بأنه الفئة التي نشأت في ظل الانتشار الواسع للتقنيات الرقمية والانفتاح العالمي، وتواجه أوضاعا اجتماعية واقتصادية تتّسم بعدم الاستقرار والتغيّر السريع. أكاديميا، غالبا ما يحلل هذا الجيل من خلال تنشئته الاجتماعية التكنولوجية، وتوجهاته القيمية نحو الشمولية والشفافية، وأنماط مشاركته المدنية التي شكلتها شبكات الإنترنت وظروف العمل في فترة ما بعد الثورة الصناعية. وفي إفريقيا برز هذا الجيل من خلال قيامه باحتجاجات شعبية ضخمة في كل من المغرب ومدغشقر.

وبالنسبة للمغرب كانت الشرارة المباشرة لاندلاع الاحتجاجات هي الغضب الشعبي إزاء وفاة ثماني نساء حوامل أثناء عمليات قيصرية في مستشفى بأكادير، وهو حدث كشف عن عمق الخلل في نظام الصحة العامة المغربي. وهو ما بدأ كغضب على مواقع التواصل الاجتماعي إزاء مأساة سرعان ما تطور إلى حركة وطنية تعكس إحباطا أعمق من عدم المساواة وسوء الإدارة والحوكمة.

طبيعة الحركة

حركة “جيل زد 212” هي شبكة لامركزية ومجهولة الهوية، تنظم بشكل أساسي من خلال منصات تواصل الاجتماعي مثل ديسكورد ( Discord ) وتيك توك وإنستغرام. هيكلها مرن وجماعي، يعكس الجيل الرقمي الذي تمثله. يعتمد المتظاهرون على وسائل التواصل الاجتماعي لتنسيق الاعتصامات وحشد المؤيدين في جميع أنحاء البلاد، مُصوّرين مظاهراتهم على أنها سلمية وذات توجه مدني. نبرتهم مناهضة للفساد ومؤيدة للإصلاح وغير مناهضة للنظام الملكي، مؤكدين أن نضالهم ضد الإهمال المنهجي، وليس ضد الدولة نفسها. يطالبون بإصلاحات حقيقية للمستشفيات والمدارس العامة، ومحاسبة الفساد وسوء الإدارة، وخلق فرص عمل للشباب، والحد مما يعتبرونه “مشاريع هيبة” أي شكلية مبذرة لا تعالج معاناة المواطنين اليومية.

رد الحكومة

اتسم رد فعل الحكومة بالتباين. قلل رئيس الوزراء عزيز أخنوش (وهو رجل أعمال ملياردير يُنظر إليه غالبًا على أنه من النخبة في البلاد) في البداية من شأن الاحتجاجات، قبل أن يُعلن لاحقًا أن حكومته “تُنصت باهتمام”. كانت رد فعل الحكومة عنيفة في البداية، حيث اعتقلت قوات الأمن عشرات المتظاهرين، وأُبلغ عن ثلاث وفيات وسط اشتباكات متفرقة في الرباط والدار البيضاء وأكادير وهو ما تسبب في توسع دائرة الاحتجاجات. ويصر المسؤولون على أن العنف معزول، لكن المتظاهرين يتهمون السلطات باستخدام القوة المفرطة. من جانب السلطة الملكية فقد اتبعت منهجية الصمت الحذر تجاه هذه الحركة. ففي خطابه البرلماني في 11 أكتوبر/تشرين الأول، أقرّ الملك محمد السادس بالحاجة الملحة لتحسين التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل للشباب، إلا أنه لم يُشر صراحة إلى المظاهرات الجارية.
وهذه الاستراتيجية التي يتّبعها الملك تهدف إلى تجنّب أي مواجهة مباشرة أو تصعيد مع الحركة، عبر اعتماد سياسة احتواء هادئة تقوم على امتصاص الزخم الشعبي بدل مواجهته. فطالما أنّ مطالب المحتجّين ذات طابع اجتماعي وإصلاحي ولا تتضمّن نزعة سياسية أو مساسًا بشرعية النظام الملكي، فإنّ المؤسسة الملكية تفضّل استيعاب الحراك ضمن إطارها الإصلاحي العام، مع الحفاظ على مسافة رمزية من الحكومة والإدارة التي تُوجَّه إليها الانتقادات. بهذه المقاربة، يسعى الملك إلى الظهور كطرفٍ ضامنٍ للاستقرار، ومتفاعلٍ مع المطالب الاجتماعية دون الانخراط في صراع مباشر مع جيلٍ جديد يعبّر عن وعيٍ مدني متنامٍ.

السياق الاجتماعي والاقتصادي

ينبع زخم الحركة من الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي يواجهه الشباب المغربي. حيث تبلغ نسبة البطالة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا 35.8%، بينما يبلغ إجمالي البطالة حوالي 12.8%. ولا يزال الحصول على الرعاية الطبية محدودًا، حيث تُقدّر منظمة الصحة العالمية أن المغرب لديه حوالي 7.7 أخصائي طبي لكل 10,000 نسمة – وهو أقل بكثير من النسبة الموصى بها وهي 25. حتى بالنسبة للعاملين، تُعتبر تكاليف الرعاية الصحية مُرهقة: إذ قد تُكلّف استشارة واحدة في عيادة خاصة 40 يورو، أي ما يُقارب 10% من متوسط ​​الأجر الشهري. ورغم الرواية الرسمية للمغرب بأنه “اقتصاد ناشئ”، تكشف هذه الأرقام عن مجتمع منقسم بين التحديث المُبكر والإقصاء الاجتماعي المُستمر.

أولويات الإنفاق والغضب الشعبي

تأججت أولويات الإنفاق الحكومية، لا سيما استثمارها ما بين 5 و6 مليارات يورو في الاستعدادات لكأس الأمم الأفريقية 2025 وكأس العالم 2030. ويرى المتظاهرون في هذه المشاريع الضخمة دليلاً على سوء تدبير الأولويات الوطنية، مرددين هتافات: “الملاعب هنا، فأين المستشفيات؟”. ولطالما انتقد اقتصاديون مغاربة نموذج التنمية المغربي لتركيزه على الاستثمارات الضخمة التي تُعنى بتحسين الصورة العامة، والتي لا تُولّد سوى القليل من فرص العمل أو النمو المستدام. وبينما تُروّج الحكومة لهذه المشاريع على أنها أدوات لتعزيز المكانة السياحية، يراها العديد من المواطنين رموزاً لعدم المساواة والانفصال عن الاحتياجات اليومية.

أهمية الاحتجاجات

تمثل انتفاضة الجيل Z 212 أول حركة اجتماعية واسعة النطاق يقودها الشباب في تاريخ المغرب الحديث، وتشكل جزءاً من اتجاه عالمي أوسع يربط الأجيال المترابطة رقمياً من نيبال إلى مدغشقر والفلبين. إنها تُجسّد قطيعة جيلية: فالشباب المغاربة يتحدون الحوكمة الغامضة، وامتيازات النخبة، والركود الاقتصادي. تكشف الحركة أيضًا عن تناقض في استراتيجية القوة الناعمة للمغرب. فبينما تستثمر الدولة بكثافة في تعزيز حضورها العالمي من خلال الرياضة والبنية التحتية، تواجه استياءً داخليًا متزايدًا يقوض صورة الاستقرار التي تسعى إلى إبرازها في الخارج.

التوقعات

ورغم أن الحركة أوقفت مظاهراتها مؤقتًا عقب خطاب الملك، إلا أن المنظمين يصرون على أن هذا قرار تكتيكي وليس علامة على التعب. ويواصلون المطالبة بالإصلاح الهيكلي، وقد ألمحوا إلى مراحل جديدة من التعبئة. ونظرًا لأن الشباب يمثلون حوالي 20% من سكان المغرب البالغ عددهم 38 مليون نسمة، فإن احتمال استمرار الضغط يبقى مرتفعًا ما لم تُتخذ إجراءات سياسية موثوقة. وما لم تُجرِ الحكومة تحسينات جوهرية في الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف والشفافية، فقد يتطور الجيل Z 212 من موجة احتجاج إلى قوة مدنية وسياسية دائمة – قوة قادرة على إعادة تشكيل أجندة المغرب المحلية والنقاش العام قبل كأس الأمم الأفريقية 2025 ديسمبر وكأس العالم 2030.
وإن كانت المؤسسة الملكية قد نجحت تاريخيًا في احتواء الشارع المغربي عقب كل موجة احتجاجية، كما حدث خلال مرحلة الربيع العربي عبر تبني المطالب الشعبية والقيام ببعض الإصلاحات أو بإلقاء اللوم على الحكومة لتبرئة رأس الدولة وإبراز الملك في صورة “المنقذ”، فإنّ السؤال المطروح اليوم هو ما إذا كانت هذه المقاربة لا تزال قادرة على النجاح بالفاعلية ذاتها. فالسياق الحالي يختلف من حيث طبيعة الفاعلين ووسائل التعبئة والوعي الجمعي لجيل رقمي جديد أكثر تشككًا في الخطاب الرسمي وأقل قابلية للاحتواء الرمزي.
إنّ خطاب الملك الأخير، الذي اتسم بنبرة هادئة ومتوازنة، يمكن قراءته في هذا الإطار كاستمرار لنهج التهدئة والتماهي التكتيكي مع مطالب الشارع، إلا أنّ فاعليته الفعلية ستتوقف على قدرة النظام على ترجمة الوعود إلى إصلاحات ملموسة تعيد الثقة في المؤسسات، لا على الاكتفاء بامتصاص الغضب الاجتماعي عبر الرمزية الخطابية.

خلاصة:

تُمثل حركة الجيل Z 212 لحظةً حاسمةً في المسار السياسي الحديث للمغرب. إنها أكثر من مجرد رد فعل عفوي على الضائقة الاقتصادية؛ إنها تعكس صحوةً جيليةً مدفوعةً بالإحباط من عدم المساواة والفساد وقلة الفرص. تكشف هذه الموجة من الاحتجاجات الشبابية المُنظَّمة رقميًا عن الفجوة المتزايدة بين سرديات الدولة للتقدم وواقع المواطنين المعيشي. سيُحدد رد فعل السلطات بإصلاح حقيقي أو قمع ما إذا كانت هذه الحركة ستبقى انفجارًا عابرًا أم ستصبح أساسًا لتحول مدني طويل الأمد.

أفروبوليسي

المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي) مؤسسة مستقلة تقدم دراسات وأبحاثاً حول القضايا الأفريقية لدعم صناع القرار بمعرفة دقيقة وموثوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى