تمهيد:
تعد التنمية المستدامة حقاً لكل إنسان، لكن لا يزال مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم من المستبعدين وغير المشمولين بالتنمية؛ فدولياً وبحلول 2030، تقدر الإحصائيات نحو 574 مليون سوف يقعون في براثن الفقر المدقع بحلول 2030 ونحو 600 مليون شخص سوف يواجهون الجوع بحلول العام 2030، ونحو 2 مليار شخص سوف يعيشون من دون إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والمأمونة و84 مليون طفل سيكونون خارج المدرسة.
في أفريقيا، أولت القارة ومؤسساتها القارية ودولها القطرية اهتماما بأهداف التنمية المستدامة على نحوها الوارد في أجندتيْ: الأمم المتحدة “2030”، والاتحاد الأفريقي “2063”، وفي الأجندة الأخيرة، ربطت القارة الأفريقية أجندتها الإنمائية ” 2063″ بأجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر؛ حيث خصصت أفريقيا في أجندتها الإنمائية أول طموحاتها بعنوان “أفريقيا مزدهرة قائمة على النمو الشامل والتنمية المستدامة”، وعزمت من خلاله القضاء على الفقر في جيل واحد وبناء الرخاء المشترك من خلال التحول الاجتماعي والاقتصادي للقارة وخلق مستوى معيشة مرتفع وجودة حياة ورفاهية للجميع وخلق فرص العمل، ومعالجة البطالة بين الشباب ومواجهة تحديات النمو السكاني السريع وتنمية رأس المال البشري والاجتماعي. [1]
جهود واعدة
وتحقيقاً لذلك، وضعت القارة عدة أطر عمل قارية لمعالجة تطوير قطاعات رئيسية كالزراعة والتجارة والنقل والطاقة والتعدين، تشمل برنامج التنمية الزراعية الأفريقية الشاملة وبرنامج تنمية البنية التحتية في أفريقيا ورؤية التعدين الأفريقية واستراتيجية الابتكار العلمي والتكنولوجي لأفريقيا وتعزيز التجارة بين البلدان الأفريقية وتسريع التنمية الصناعية لأفريقية. [2] وفي 19 فبراير 2024، أطلقت القارة خطة التنفيذ العشرية الثانية لأجندة عام 2063، والتي تحدد الأولويات والأهداف القارية الرئيسية للسنوات العشر القادمة وتحدد بشكل أساسي سبعة طموحات تتمحور حول كيفية سعي القارة الأفريقية لتحقيق أولوياتها الرئيسية في السنوات الـ10 المقبلة، بما يتماشى مع كل من التطلعات السبعة لأجندة 2063. وذلك بالتزامن مع سعيها لتعزيز التعاون الإنمائي عبر تدشينها ما عرف اتفاقية منطقة التجارة القارية الأفريقية باعتبارها ” أحد مداخل القارة الأفريقية لتعزيز التعاون الإنمائي بين دولها عبر إنشاء ثاني أكبر منطقة تجارية حرة في العالم بقوام 55 دولة أفريقية، وبسوق 1.4 مليار مستهلك، بإجمالي نَاتِج محلي يبلغ 3.4 تريليونات دولار وخلق 18 مليون وظيفة جديدة وانتشال 30 مليون أفريقي من الفقر المدقع.[3]
تحديات مثبطة
وبتقييم وقراءة طموحات القارة الواردة في أجندة 2063 وأهداف التنمية المستدامة 2030، يدرك المتابع أن القارة حققت تقدمات ملحوظة، لكنها لاتزال بعيدة عن المسار الصحيح ويتوقع أن تحقق 10 أهداف فقط من أصل 144 هدفًا (7%) بحلول عام 2030، ولا شك أن تباطؤ جهود التنمية المستدامة في أفريقيا يعود بالدرجة الأولى إلى تحديات القارة المستمرة، والتي يمكن تقديرها كما يلي:
- فجوة التمويل، لا تزال أفريقيا تعاني من فجوة تمويلية مقدرة بنحو 6 تريليون دولار أمريكي لتحقيق التنمية المستدامة بحلول 2030.[4] وتحتاج إلى 277 مليار دولار سنويا للتصدي لتغير المناخ.[5]
- تأزم الديون، لاتزال تقع تحت وطأة الديون الخارجية غير المستدامة تستقطع خدماتها 100 مليار دولار سنوياً من ميزانيات الدول الأفريقية المدينة. ويكفي فقط الإشارة إلى أن ما يقرب من 57% من سكان أفريقيا، أو حوالي 751 مليون شخص يعيشون في بلدان تنفق على أقساط الفائدة أكثر مما تنفقه على القطاعات مثل التعليم والصحة.[6]
- تغير المناخ، تعد أفريقيا أكثر القارات تأثرا بتغير المناخ، وتشير السياقات أنها لم تعد قادرة على التكيف والتصدي للعمل المناخي بمفردها؛ فهي تخسر ما بين 7 إلى 15 مليار دولار سنويًا بسبب تغير المناخ، والذي من المتوقع أن يرتفع إلى 50 مليار دولار بحلول عام
- ضعف النمو الاقتصادي، لا يزال التحول الهيكلي محدودًا، حيث تعتمد الاقتصادات اعتمادًا كبيرًا على القطاعات التقليدية منخفضة الإنتاجية، ولتحقيق التحول الهيكلي، تحتاج أفريقيا إلى 402 مليار دولار أمريكي سنويًا حتى عام ولا تزال مهددة بقبوع 492 مليون أفريقي تحت وطأة الفقر المدقع بحلول 2050 في حالة عدم تسريع شراكات التعاون الإنمائي.[7]
- هشاشة الرعاية الصحية والتعليمية، لا تزال تضم 288 مليون طفل في سن الدراسة خارج التعليم وخاصة في البلدان المتضررة من الصراعات.[8] ولاتزال القارة تكشف عن ارتفاع وفيات الأمهات والمواليد؛ فالأرقام تتوقع وفاة 390 امرأة أثناء الولادة لكل 100,000 ولادة حية بحلول عام 2030 وترجح الإحصائيات بلوغ معدل الوفيات 54 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية بحلول عام 2030 وتُعاني من 24% من عبء الأمراض في العالم ولا تضم سوى 3% من العاملين الصحيين ولا يحصل سوى 5% من الأفارقة على خدمات جراحية آمنة.[9]
- عدم المساواة بين الجنسين، حققت القارة فقط نحو 50.3% من طريقها في المساواة بين الجنسين،[10]، وتحذر التقديرات أنه حال استمرار عدم المساواة بين الجنسين تخسر أفريقيا سنوياً نحو 95% مليار دولار وذلك يعني أن القارة لا تسير أيٌّ من غايات الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتعلق بالمساواة بين الجنسين على المسار الصحيح.[11]
- هشاشة البنية التحتية، لاتزال بنية القارة الأفريقية التحتية متدنية وغير ملائمة لتنفيذ التنمية المستدامة وبل قدر بنك التنمية الأفريقي فجوة تمويل القارة الأفريقية للبينة التحتية بنحو 100 مليار دولار وذلك على كافة الأصعدة البنية التحتية للنقل والطاقة والصحة والتعليم والتكنولوجيا. وجدير بالذكر أن فجوات البنية الأساسية في النقل والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات تؤدي إلى ارتفاع تكاليف التجارة بنسبة 50% فوق المتوسط العالمي، مما يقلل من القدرة التنافسية. ويُفاقم انعدام أمن الطاقة المخاطر.
- أنشطة التعدين غير المسئولة، تعد الصناعات الاستخراجية والأنشطة التعدينية في القارة الأفريقية أحد الأسباب المهددة للتنمية؛ فهي المسئولة عن استضافة أفريقيا 15% من تحديات العالم وفقدانها 195 مليار دولار من رأس المال الطبيعي سنويًا نتيجة لأنشطة مثل التعدين غير القانوني وقطع الأشجار وصيد الأسماك.
ختاماً
وبقراءة وتقييم منجزات وتحديات طموحات وأهداف التنمية المستدامة في أفريقيا سواء الواردة في الأجندة الإنمائية “2063”، والأجندة الأممية “2030”، يمكن القول أن القارة وحكوماتها لاتزال في حاجة إلى مجموعة من التدابير:
أولاً: تعزيز القدرات التمويلية بشكل يسمح بالإنفاق الإنمائي الذي يضمن الوصول الكامل والسريع والمعقول للخدمات: الصحية والاجتماعية والاقتصادية.
ثانياً: توسيع نطاق الشراكات مع أصحاب المصلحة والجهات المانحة وشركائها الإنمائيين لإنشاء آلية قارية تعمل على توطين وتيسير التكنولوجيا المستدامة والتحول الرقمي بين الدول؛
ثالثاً: إفساح المجال لإشراك القطاع الخاص في بناء القدرات التكنولوجية وتوسيع نطاق التصنيع المحلي للقاحات والتشخيصات والعلاجات في أفريقيا.
رابعاً: إعادة تعبئة وتوجيه الاستثمارات في البنية التحتية للرعاية الصحية وبناء مرافق جديدة، لتحسين الوصول إلى أدوية عالية الجودة وبأسعار معقولة وتوطين القدرات التكنولوجية والرقمية في التعليم، وترقية المناهج الدراسية وتحديثها وتوفيقها مع مخرجات السوق ومتطلبات التنمية المستدامة وأجندة 2063.
خامساً: تعزيز الالتزام بالصكوك والاتفاقيات الدولية المعنية بالمساواة بين الجنسين وإدراجها في دساتيرها الوطنية وإنفاذها لضمان تكافؤ الفرص للمرأة في العمل والتقدم الوظيفي والفرص الاقتصادية الأخرى وتدشين حملات توعوية وتثقيفية لاستئصال الظواهر السلبية بحق الفتيات وتعليم المرأة.
سادساً: وضع رؤى مشتركة قارية لمكافحة التغيرات المناخية، وزيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة من الشمس والرياح والطاقة النووية.
سابعاً: إنفاذ برامج إصلاح للأنظمة المالية والضريبية، التي تعمل على مكافحة الفساد وغسيل الأموال والتدفقات المالية غير المشروعة.
المراجع:
[1]AU, Our Aspirations for the Africa We Want, Access date 27 May 2025, https://l.muz.kr/BbN
[2]NEPAD, Agenda 2063: Second Ten-Year Implementation Plan (2024 – 2033), access date May 2025, https://l.muz.kr/Alv
[3] UNECA, Climate finance: nearly US$3 trillion needed to implement Africa’s NDCs, 4 September 13, 2023, http://rb.gy/lvyw7
[4] OCED, Africa’s sustainable financing gap until 2030 is about USD 1.6 trillion., Access date may 2024, https://shorter.me/pyynm
[5] Bank one, ADVANCING SUSTAINABLE DEVELOPMENT GOALS AMONG AFRICAN SOVEREIGNS, 21 March 2024, https://shorter.me/C03jV
[6] Reuters, African economies debt outlook remains “cloudy,” World Bank economist says, 29 may 2023, http://rb.gy/5efr4
[7]البنك الأفريقي للتنمية، تقرير جديد يُظهر الحاجة إلى مزيد من الإجراءات إذا أرادت أفريقيا تحقيق أهداف التنمية المستدامة وخطة 2063،
[8] Fragility and poverty in Sub-Saharan Africa: two sides of the same coin, https://shorter.me/lMBR9
[9] WHO, Celebrating 75 years of commitment to public health in Africa, https://l.muz.kr/RyE
[10]UNECA Africa Gender Index Analytical Report reveals progress, but gender equality remains only half achieved, November 2024,https://l.muz.kr/SFG
[11] GPE, One of the greatest threats to Africa’s future: gender inequality, https://l.muz.kr/F61d