أعلنت اللجنة الوطنية للانتخابات (ELECAM) في الكاميرون رسميا انتهاء مرحلة دراسة ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في 12 أكتوبر 2025. من أصل 84 ملف ترشح قُدِّم إلى اللجنة، لم تعتمد سوى 13 مرشحًا فقط، في خطوة تعكس مرة أخرى تعقيدات المشهد السياسي في البلاد. ويأتي في مقدمة هؤلاء المرشحين الرئيس الحالي بول بيا، الذي يحكم البلاد منذ عام 1982، ويبلغ اليوم 92 عامًا، ما يجعله أقدم رئيس في القارة الإفريقية.
شخصيات بارزة ومنافسون معروفون
ضمت اللائحة النهائية للمرشحين وجوهًا سياسية بارزة اعتاد الكاميرونيون رؤيتها في الساحة السياسية، إلى جانب بعض الأحزاب الصغيرة التي تبحث عن فرصة لكسب موطئ قدم في المعادلة الانتخابية.
بول بيا (التجمع الديمقراطي للشعب الكاميروني RDPC) (يميني شعبوي): الرئيس الحالي والمرشح الأوفر حظًا للفوز بولاية جديدة. بيا الذي يقود البلاد منذ أربعة عقود يمتلك شبكة واسعة من النفوذ داخل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش والإدارة المركزية.
كابرال ليبي (الحزب الكاميروني للمصالحة الوطنية PCRN): صحفي وأستاذ قانون، يمثل الجيل الجديد من السياسيين، ويطرح خطابًا يعتمد على التغيير وتجديد الدماء في السلطة.
جوشوا أوسيه (الجبهة الديمقراطية الاجتماعية SDF) (ديمقراطي اجتماعي): وريث الزعيم المعارض الراحل نيجون فرو ندي، ويحاول إعادة إحياء الحزب الذي كان يشكل لسنوات القوة المعارضة الرئيسية في البلاد.
أكيري مونا (UNIVERS)(ديمقراطي اجتماعي): شخصية سياسية مخضرمة خاضت تجارب انتخابية سابقة، ويعرف بصلابته في الدفاع عن دولة القانون.
عيسى تشيروما بكاري (الجبهة من أجل الخلاص الوطني FNSC)(ليبرالي): سياسي معروف تولى مناصب وزارية في السابق، ويطمح لاقتناص فرصة في السباق الرئاسي.
ورغم أن القائمة تضم أسماء متنوعة، إلا أن المراقبين يرون أن المعركة غير متكافئة بالنظر إلى تشتت المعارضة وضعف مواردها المالية والتنظيمية أمام حزب RDPC الحاكم.
تعاني المعارضة الكاميرونية من عدة تحديات تجعل مهمتها في إزاحة بول بيا من السلطة شبه مستحيلة في نظر البعض:
1. تشتت الصفوف: الأحزاب المعارضة لا تزال غير قادرة على تشكيل تحالف انتخابي قوي يوحد قواعدها الشعبية خلف مرشح واحد. كما أن الانقسامات الداخلية والمصالح الحزبية الضيقة تجعل أصوات المعارضة تتوزع بين مرشحين متعددين، ما يمنح الرئيس الحالي أفضلية واضحة.
2. هيمنة الحزب الحاكم: يهمن حزب RDPC على مفاصل الدولة منذ عقود، بدءًا من الإدارة العامة، مرورًا بالأجهزة الأمنية، وصولاً إلى وسائل الإعلام الحكومية. هذه الهيمنة تمنحه قدرة كبيرة على حشد الدعم الشعبي والتأثير في مسار العملية الانتخابية.
3. ضعف الموارد: بالمقارنة مع الحزب الحاكم، تعاني معظم الأحزاب المنافسة من محدودية الموارد المالية واللوجستية. هذا الفارق يؤثر على قدرتها في إدارة الحملات الانتخابية والوصول إلى الناخبين في المناطق الريفية والنائية.
ورغم كل هذه التحديات، يحاول مرشحون ككابرال ليبي وجوشوا أوسيه تحريك الشارع السياسي بخطاب يركز على تطلعات الشباب الذين يشكلون غالبية الناخبين. غير أن تحويل هذه الطاقة إلى قوة انتخابية حاسمة يحتاج إلى تنسيق أكبر وإستراتيجية موحدة.
تأتي الانتخابات الرئاسية في الكاميرون في ظل أوضاع أمنية وسياسية متوترة. فالبلاد لا تزال تواجه هجمات متفرقة من جماعة تنظيم الدولة ولاية وسط إفريقيا في الشمال، إضافة إلى الأزمة الانفصالية التي تعصف بالأقاليم الناطقة بالإنجليزية في غربي البلاد. هذه الأزمات تمثل تحديًا أمنيًا كبيرًا للحكومة، وتؤثر سلبًا على مشاركة الناخبين في بعض المناطق.
على الصعيد الدولي، تراقب قوى كبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي العملية الانتخابية عن كثب. وتخشى هذه الأطراف من أن يؤدي أي تزوير انتخابي لاندلاع احتجاجات عنيفة تزعزع استقرار البلاد. حيث تمثل الكاميرون حجر زاوية في الأمن الإقليمي لغرب ووسط إفريقيا، وأي اضطرابات فيها ستكون لها تداعيات خطيرة على كامل المنطقة.
بالرغم من الانتقادات الواسعة التي يواجهها نظام بيا، يعتقد كثير من المراقبين أن فرصته في الفوز بولاية جديدة لا تزال مرتفعة. وذلك لأن الرئيس يعتمد على شبكة قوية بناها خلال أربعة عقود من الحكم داخل الجيش والأجهزة الأمنية والإدارة. هذه الشبكة تمثل ركيزة أساسية لاستمرار النظام، وتحد من قدرة المعارضة على المنافسة الفعلية.
في المقابل، يرى خصومه أن استمراره في الحكم بعد بلوغه 92 عامًا يشكل تهديدًا لمبدأ التداول السلمي على السلطة. ويعتبرون أن النظام يستغل مؤسسات الدولة لترسيخ بقائه، من خلال تقييد الحريات السياسية، وتضييق الخناق على الإعلام المستقل، والتحكم في العملية الانتخابية.
هل من مفاجآت في الأفق؟
السؤال الكبير الذي يطرحه الشارع الكاميروني والمراقبون هو: هل يمكن أن تشهد انتخابات أكتوبر 2025 مفاجآت تغير المشهد السياسي؟
هناك من يراهن على أن تصاعد السخط الشعبي، خصوصًا بين الشباب، قد يغير المعادلة إذا ما توحدت المعارضة خلف مرشح قوي. فالأجيال الجديدة التي لم تعش سوى حقبة بيا تبدو أكثر حماسة للتغيير، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة.
لكن هذا السيناريو يبقى مرهونًا بقدرة الأحزاب المعارضة على تجاوز خلافاتها، وهو أمر لم يتحقق في انتخابات سابقة، كما أن الأجهزة الأمنية جاهزة للتدخل في حال اندلاع احتجاجات تهدد النظام القائم.
انتخابات حاسمة لمستقبل الكاميرون
لا شك أن انتخابات أكتوبر 2025 ستكون لحظة مفصلية في تاريخ الكاميرون. فهي ليست مجرد استحقاق انتخابي داخلي، بل اختبار حقيقي لقدرة البلاد على تحقيق انتقال ديمقراطي سلمي، أو على الأقل تعزيز الانفتاح السياسي.
في حال فوز بول بيا بولاية جديدة، وهو الاحتمال الأكثر ترجيحًا وفق التحليلات الحالية، فإن البلاد ستبقى أمام تحديات جسيمة مرتبطة بالإصلاحات السياسية والأمنية والاقتصادية. أما إذا تمكنت المعارضة من قلب الطاولة، فستكون أمام مهمة صعبة تتمثل في إعادة بناء مؤسسات الدولة وترميم الثقة بين المواطن والسلطة.
في كلتا الحالتين، يظل مستقبل الكاميرون مرهونًا بمدى استعداد جميع الأطراف للانخراط في عملية سياسية أكثر شمولية. فالتحديات التي تواجه البلاد، من الإرهاب والانفصال إلى الفقر والفساد، لا يمكن التغلب عليها إلا بتوافق وطني واسع.
ختاما: الانتخابات الرئاسية المقبلة في الكاميرون تعكس بوضوح معضلة الاستمرارية مقابل التغيير. فبول بيا يمثل بالنسبة لأنصاره رمزًا للاستقرار، بينما يراه معارضوه عقبة أمام تطور النظام السياسي. ومع بقاء المعارضة منقسمة، يبدو أن الرئيس المخضرم يسير بثبات نحو ولاية جديدة، إلا إذا حدثت مفاجآت في الأسابيع المقبلة.
“ويبقى السؤال الأبرز: هل يفتح أكتوبر 2025 باب التغيير أم يعزز استمرار أقدم رئيس إفريقي في السلطة؟”