مع حلول نهاية العام، تبرز الحاجة لاستعراض أهم الأحداث التي شهدتها القارة الإفريقية خلال عام 2024، والتي تراوحت بين التحولات السياسية، والإنجازات الثقافية، والنجاحات الرياضية، إضافة إلى الكوارث الطبيعية. وبينما كانت بعض الأخبار القادمة من إفريقيا باعثة على الفرح، حملت أخرى الحزن، إلا أن مجمل الأحداث لم يختلف كثيرًا عن تلك التي شهدتها بقية أنحاء العالم.
إجمال أحداث العام لقارة بحجم إفريقيا يعد تحديًا كبيرًا، حيث تنوعت الأحداث لتشمل لحظات بارزة، مثل الفوز الإعجازي لمنتخب كوت ديفوار بكأس الأمم الإفريقية لعام 2024، والانتخابات الرئاسية التي شهدت تغييرات ديمقراطية، فضلاً عن تصاعد الكوارث الطبيعية، ورحيل شخصيات بارزة.
ملحمة “الأفيال” في كأس الأمم الإفريقية 2024
كان أبرز الأحداث الرياضية في إفريقيا لهذا العام هو كأس الأمم الإفريقية، الذي أُقيم في كوت ديفوار بمشاركة 24 منتخبًا. وانطلقت النسخة الرابعة والثلاثون من البطولة في 13 يناير واستمرت حتى 11 فبراير 2024، حيث توّج المنتخب الإيفواري باللقب بعد فوزه على نيجيريا في مباراة نهائية مثيرة.
هذا الانتصار وُصف بالمعجزة، خاصةً بعد البداية الصعبة للمنتخب الإيفواري الذي تأهل بشق الأنفس إلى دور الـ16، حيث احتل المركز الثالث في مجموعته واحتاج إلى مساعدة المنتخب المغربي للتغلب على زامبيا في اللحظات الأخيرة. برصيد ثلاث نقاط فقط من ثلاث مباريات، وبعد هزيمة قاسية من غينيا الاستوائية (0-4)، عاد المنتخب الإيفواري بشكل غير متوقع إلى المنافسة.
عقب هذا الإنجاز، قرر المنتخب الإيفواري تغيير قيادته الفنية، حيث تم استبدال المدرب الفرنسي جان لوي جاسيت بمدرب محلي مؤقت، إيميرس فويه، الذي قاد الفريق لتحقيق اللقب. تجاوز المنتخب تحديات كبرى خلال البطولة، بما في ذلك فوزه على السنغال حاملة اللقب في دور الـ16، والتغلب على مالي في ربع النهائي، والكونغو الديمقراطية في نصف النهائي، وصولًا إلى الانتصار الكبير على نيجيريا في المباراة النهائية.
هذا الإنجاز يعكس قوة الإرادة وروح التحدي لدى المنتخب الإيفواري، ويبرز كأحد أهم المحطات الرياضية في القارة خلال العام.
معاناة إفريقيا بين الجفاف والفيضانات
رغم كونها من أقل القارات مساهمة في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إلا أن إفريقيا تظل الأكثر تعرضًا لتداعيات تغيّر المناخ. عام 2024 شهد سلسلة غير مسبوقة من الكوارث الطبيعية، حيث امتزجت الأعاصير والفيضانات والجفاف مع الأمطار الغزيرة والسيول لتؤثر بعمق على الحياة اليومية للعديد من دول القارة. وكانت ظاهرة النينو المتطرفة عاملًا مضاعفًا لهذه الأحداث المدمرة.
تعرضت القارة لسلسلة من الأعاصير الكبرى، منها إعصار بلال في موريشيوس، وجامان في مدغشقر، وهداية الذي اجتاح كينيا وتنزانيا. أما الفيضانات فقد طالت بلدانًا عديدة تشمل جمهورية الكونغو الديمقراطية، النيجر، مالي، السودان، تشاد، نيجيريا، والكاميرون. بينما عانت دول جنوب إفريقيا، مثل زامبيا وملاوي، من أسوأ موجات الجفاف.
هذه الكوارث خلفت أضرارًا بشرية ومادية جسيمة. ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، تسببت السيول في وفاة أكثر من 1500 شخص في غرب ووسط إفريقيا. في تشاد وحدها، تأثر مليون شخص بالفيضانات، مما أسفر عن وفاة 145 شخصًا، تدمير 70 ألف منزل، وفقدان 30 ألف رأس من الماشية، فضلاً عن تضرر أكثر من 250 ألف هكتار من الأراضي الزراعية والمحاصيل.
انتخابات رئاسية واسعة النطاق ومشهد ديمقراطي متغير
شهدت إفريقيا عام 2024 تنظيم انتخابات رئاسية في 14 دولة، سواء عبر الاقتراع المباشر أو غير المباشر، شملت بلدانًا تمثل نحو 25% من سكان القارة. ورغم أن معظم الرؤساء الساعين لإعادة انتخابهم قد نجحوا بذلك بطرق تثير التساؤلات، كما حدث في الجزائر، حيث أُعلن عن فوز الرئيس عبد المجيد تبون بنسبة 84.30% من الأصوات بعد أن كانت هيئة الانتخابات قد نسبت إليه 94.65%.
مع ذلك، تميزت بعض الدول بإجراءات ديمقراطية فريدة. ففي بوتسوانا وموريشيوس، هُزم الرؤساء المنتهية ولايتهم أمام منافسيهم. أما في السنغال وغانا، حيث منع الدستور الرؤساء الحاليين من الترشح لفترة ثالثة، فقد فاز خصومهم بانتخابات نزيهة. وتبرز السنغال وغانا كنماذج للديمقراطية المستقرة في منطقة غرب إفريقيا التي تشهد تراجعًا عامًّا في هذا المجال.
من بين 14 انتخابات رئاسية أجريت في القارة، كانت أربع منها ذات تداول ديمقراطي للسلطة، وهي في السنغال، بوتسوانا، موريشيوس، وغانا. في السنغال، خرج الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي من السجن ليصبح أصغر رئيس في تاريخ البلاد بعمر 44 عامًا، بعد فوزه بنسبة 54.28% في الجولة الأولى. وتعهد بتحقيق تغيير جذري عبر سياسات تعتمد على الشفافية والاستقامة.
وفي حدث تاريخي آخر، انتخبت ناميبيا لأول مرة امرأة رئيسة، حيث فازت نيتومبو ناندي-ندايتواه، نائبة رئيس الحزب الحاكم، بنسبة 57.31% من الأصوات في الجولة الأولى، مما يعكس خطوة مهمة نحو المساواة وتمكين المرأة في القيادة السياسية.
كأس العالم 2030 في المغرب مع إسبانيا والبرتغال
أعلنت المملكة المغربية، التي تُعتبر رائدة في تنظيم كرة القدم الإفريقية، عن مشاركتها في استضافة كأس العالم 2030 بجانب إسبانيا والبرتغال، احتفالًا بالذكرى المئوية لانطلاق المسابقة. جاء هذا القرار بعد موافقة مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) بالإجماع في اجتماع يوم الأربعاء 11 ديسمبر 2024. ووافق جميع الاتحادات الـ211 الأعضاء في الفيفا على الملف المشترك بالتزكية.
بهذا القرار، سيكون المغرب ثاني بلد إفريقي يستضيف البطولة بعد جنوب إفريقيا في عام 2010. ولأول مرة في تاريخ كأس العالم، ستُقام المباريات عبر ثلاث قارات: إفريقيا (المغرب)، وأوروبا (إسبانيا والبرتغال)، بالإضافة إلى المباريات الافتتاحية الثلاث التي ستُقام في أمريكا الجنوبية، تكريمًا للنسخة الأولى التي استضافتها أوروغواي عام 1930، بمشاركة الأرجنتين وتشيلي وباراغواي وأوروغواي.
جاء فوز المغرب بعد محاولات سابقة لاستضافة البطولة في أعوام 1994 و1998 و2006 و2010 و2026. ولنسخة 2030 التي تشهد مشاركة 48 منتخبًا، اختار المغرب بالفعل ست مدن لاستضافة المباريات، وهي: الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس، أكادير، وطنجة.
الشخصيات التي رحلت في عام 2024
- أمادو مختار مبو (السنغال): توفي ليلة 23 إلى 24 سبتمبر في داكار عن عمر يناهز 103 أعوام. شغل المفكر السنغالي منصب الأمين العام لمنظمة اليونسكو لمدة 13 عامًا (1974-1987). كان مدرسًا ووزيرًا في عهد الرئيس ليوبولد سيدار سنغور، واشتهر بدفاعه عن التعددية الثقافية.
- عيسى حياتو (الكاميرون): توفي في 8 أغسطس 2024. ارتبط اسمه بكرة القدم الإفريقية حيث ترأس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) من 1988 إلى 2017. كما شغل منصب الرئيس المؤقت للاتحاد الدولي لكرة القدم للهواة (FIFA) بين 2015-2016 خلال أزمة الفساد التي أدت لإيقاف سيب بلاتر.
- توماني دياباتي (مالي): توفي في 19 يوليو 2024 عن عمر 58 عامًا. يُلقب بـ”ملك الكورا”، وكان من أبرز عازفي آلة الكورا التقليدية ذات الـ21 وترًا، وينتمي إلى عائلة من الغريوتس الذين يحافظون على التراث والتقاليد الموسيقية في غرب إفريقيا.
- الحاج جينغوب (ناميبيا): توفي في 4 فبراير 2024 عن عمر يناهز 82 عامًا. كان أحد أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ ناميبيا، حيث قاد نضال البلاد ضد الفصل العنصري ومن أجل الاستقلال، وتقلد منصب رئيس الوزراء قبل أن يصبح رئيسًا للبلاد.
- من بين الشخصيات الأخرى التي رحلت: هاما أماد فو (نيجيريا)، السياسي المخضرم الملقب بـ”العنقاء”، الذي توفي عن 74 عامًا؛ بريتن بريتنباه (جنوب إفريقيا)، الكاتب والمناضل ضد الفصل العنصري، الذي توفي عن 74 عامًا؛ جون أوكافور (نيجيريا)، نجم نوليوود المعروف بـ”السيد إيبو”، الذي توفي في 2 مارس 2024؛ وأسطورة كرة السلة الكونغولية ديكيمبي موتومبو، عضو قاعة مشاهير دوري NBA، الذي توفي في 30 سبتمبر عن 58 عامًا، …
بقلم: موسى ديوب | Le360 Afrique
تحليلات المركز الأفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات