في ظل لحظة جيوسياسية بالغة التعقيد، التأم وزراء خارجية الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي في بروكسل يوم 21 مايو 2025م، في إطار الاجتماع الوزاري الثالث بين الكتلتين، بمشاركة أكثر من 70 وفدًا رسميًا، منهم ما يزيد على خمسين وزيرًا.
وقد جاء هذا اللقاء في سياق مضطرب عالميًا وإفريقيًا، حيث اشتداد الحرب في أوكرانيا، وتفاقم النزاعات في السودان والكونغو الديمقراطية، وتراجع النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل لصالح صعود متزايد للتنسيق الروسي مع بعض العواصم الإفريقية.
فمع هذه التحولات، بدا اللقاء محاولة لتجديد الشراكة السياسية والتنموية بين الجانبين؛ لكن من موقع دفاعي أكثر منه بنائي، ومن منطلق مراجعة الترتيبات القائمة لا إعلان مسارات استراتيجية جديدة.
ولقد أبرز البيان الختامي للاجتماع التزامات متجددة في ثلاث مسارات رئيسة، وهي:
- أولا، تعزيز السلام والأمن من خلال دعم مبادرات تقودها إفريقيا، بما في ذلك الإعلان عن تعيين ممثل خاص جديد للاتحاد الأوروبي لمنطقة الساحل في محاولة لإعادة بلورة دور أوروبي فقد كثيرًا من تأثيره.
- ثانيًا، تطوير التعاون الاقتصادي ودعم الأسواق الإقليمية المتكاملة، والتأكيد على الاستثمار في المجالات التقنية والطاقية، لا سيما الذكاء الاصطناعي والمواد الخام الحيوية. ث
- ثالثًا، مواجهة التحديات العالمية مثل تغيّر المناخ والأمن الغذائي، مع الترحيب بعضوية الاتحاد الإفريقي في مجموعة العشرين، في خطوة رمزية تعكس تحولًا تدريجيًا في موازين التمثيل الدولي.
ورغم ما يبدو من تقدم نظري في مضمون التعهدات، إلا أنّ القمة لم تُخْفِ التوترات البنيوية التي تعانيها الشراكة الإفريقية-الأوروبية. إذْ بقيت ثلاث قضايا حاضرة بحدّ، وهي: تآكل النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل، ومحاولة ملئه عبر خيارات ثنائية مع قوى غير أوروبية؛ وتصاعد استخدام المعلومات المضللة كسلاح جيوسياسي، خاصة من روسيا، ما دفع الأوروبيين للمطالبة بتعاون إعلامي وأمني أوسع؛ وأخيرًا، محدودية مشاركة المجتمع المدني الإفريقي، وغياب تمثيل حقيقي للشباب، ما أضعف شرعية المخرجات السياسية بالنسبة لجمهور واسع من داخل القارة.
وبناء عليه، ينطلق هذا المقال من تقييم تحليلي لتلك القمة الوزارية بوصفها لحظة اختبار حقيقية لقدرة الشراكة الإفريقية–الأوروبية على التحول من التزامات دبلوماسية، إلى معادلة ندّية متكافئة، مع التركيز على ثلاثة محاور مفصلية، وهي: السياق الجيوسياسي، وفجوة التنفيذ، والتحدي السيادي الذي بات يفرض نفسه كشرط لأيّ شراكة ذات معنى.
توضح خريطة رقم (1) العوامل الجيوسياسية التي شكّلت خلفية القمة، والمخرجات الرسمية التي ركزت على السلام والتنمية، مقابل التحديات البنيوية التي تبرز الحاجة لإعادة صياغة الشراكة على أسس سيادية وندية.

شراكة تحت ضغط الجغرافيا السياسية
لقد شهدت الشراكة الإفريقية–الأوروبية في السنوات الأخيرة تحولات جذرية فرضتها تعقيدات الجغرافيا السياسية العالمية، وبرزت الحاجة الملحّة لإعادة تعريف أدوار كل طرف في ظل اختلال التوازنات الدولية. إنّ الاجتماع الوزاري الثالث بين الاتحادين في بروكسل لم يكن مجرد حدث بروتوكولي؛ بل جاء في لحظة دقيقة تتقاطع فيها أزمات إقليمية مع إعادة تشكل النظام الدولي؛ فالحرب في أوكرانيا لم تخلق فقط أزمة أمنية في أوروبا؛ بل أعادت ترتيب أولويات شركاء الاتحاد الأوروبي، ودفعتهم للبحث عن تموضع جديد في علاقاتهم مع الجنوب، ولا سيما القارة الإفريقية التي باتت تمثل رهانًا متعدد الأبعاد: أمنية، اقتصادية، وطاقوية.
في إفريقيا، تتسارع المتغيرات الداخلية بوتيرة غير مسبوقة. فالصراعات المسلحة في السودان والكونغو الديمقراطية، والانقلابات العسكرية المتكررة في منطقة الساحل، تطرح تساؤلات جادة حول نجاعة الاستراتيجيات الأمنية والإنمائية المتبعة حتى الآن. وأكثر من ذلك، فإنّ انسحاب فرنسا من عدد من الدول الساحلية، وفقدانها لنفوذ استمر لعقود، لا يُقرأ بمعزل عن تمدد النفوذ الروسي عبر التعاون الدفاعي والإعلامي مع حكومات جديدة تطمح إلى رسم مسارات خارج الأطر التقليدية للهيمنة الغربية. وفي هذا السياق، بدا واضحًا أنّ التحدي لم يعد مجرد ضمان الاستقرار؛ بل إعادة تشكيل بنية العلاقات الدولية مع إفريقيا على أسس جديدة تتجاوز إرث الاستعمار والتبعية.
إنّ التفاعل الأوروبي مع هذه التحولات لا يزال يعاني من محدودية الاستبصار الاستراتيجي؛ ففي حين تؤكد بروكسل على أهمية الشراكة مع إفريقيا، فإن أدواتها لا تزال مرتبطة بأنماط تقليدية من الدعم المشروط والخطاب الأبوي، وهو ما بدأ يُقابل بالبرود – بل الرفض – في بعض العواصم الإفريقية.
وبينما تُعد إفريقيا الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي، فإنّ هذا الارتباط لم يُترجم بَعْدُ إلى توازن في النفوذ أو مساواة في رسم الأولويات. وهنا تبرز المفارقة الأساسية، فالقارة التي تعاني من تبعات نزاعات متعددة أصبحت في الوقت نفسه محط أنظار القوى الكبرى، ومسرحاً لصراع نفوذ تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية مع الطموحات الجيوسياسية.
إنّ تقييم هذا المحور من الشراكة يستوجب وعياً إفريقيّاً يعيد تعريف الذات القارية كفاعل دولي لا كمجرد متلقٍ للدعم أو طرف في “برامج شراكة“، ويستلزم من الأوروبيين إدراك أنّ التحولات في الداخل الإفريقي ليست ظرفية؛ بل تعبّر عن اتجاهات عميقة لإعادة بناء السيادة السياسية، وإعادة صياغة العلاقات الخارجية.
وفي ظل هذا الواقع، لم يعد ممكناً الحديث عن “شراكة” دون الاعتراف بضرورة إعادة هندسة المعادلة برمتها على قاعدة الندية والاحترام المتبادل.
تُبين خريطة رقم (2) كيف أنّ الوصول إلى شراكة مستدامة يمر عبر تجاوز عدة طبقات من الخلل البنيوي، تشمل غياب الإصلاح الحقيقي، وسيطرة التصورات العالمية، وفقدان الاستقلالية الاستراتيجية، مما يجعل الندية والتكافؤ شرطًا أساسيا لا نتيجة حتمية.

الالتزامات الأوروبية بين الخطاب والتنفيذ
رغم الخطاب الإيجابي الذي طغى على الاجتماع الوزاري الثالث بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، فإنّ فجوة التنفيذ لا تزال العقبة الأكثر تعقيداً في مسار هذه الشراكة. فمنذ قمة بروكسل في فبراير 2022م، التي وُصفت حينها بأنها “تاريخية”، لم تُترجم معظم الالتزامات السياسية والاقتصادية إلى نتائج ملموسة على الأرض.
ويكفي هنا الاستدلال بتقرير المتابعة الصادر عن المجلس الأوروبي في مارس 2024م، الذي أشار إلى أنّ “أقل من 38% من تعهدات قمة 2022م في مجال دعم القدرات الأمنية والتنموية تم تنفيذها فعليًا”، في مقابل نسبة التزام قاربت 80% من جانب الاتحاد الإفريقي في التفاعل مع آليات التنسيق والمراجعة المشتركة.
يكشف هذا التفاوت في التنفيذ عن اختلال في ديناميكيات الشراكة، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مدى جدية الإرادة السياسية الأوروبية في دعم أولويات القارة الإفريقية.
ومن جهة أخرى، يظهَر التمويل كأداة استراتيجية مهمة؛ لكن محدوديتها تشكل تحديًا في ذاتها. فقد أعلنت الممثلة العليا للشؤون الخارجية الأوروبية، كايا كالاس، خلال الاجتماع الأخير أن الاتحاد الأوروبي قدم دعمًا بقيمة تفوق مليار يورو من خلال “أداة السلام الأوروبية” (European Peace Facility)، منها أكثر من 55% موجهة لعمليات في إفريقيا.
ورغم أهمية هذا الرقم، فإنّ مقارنة بسيطة مع الإنفاق الأوروبي على الأمن في أوكرانيا (نحو 6.6 مليار يورو حتى نهاية 2024 وفق بيانات المفوضية الأوروبية) توضح التباين الواضح في سلم الأولويات الجيوسياسية للاتحاد الأوروبي، ما يُضعف من خطاب التوازن والشراكة المتكافئة المرفوع تجاه إفريقيا.
فضلاً عن ذلك، فإنّ الاستجابة الأوروبية في ملفات النزاعات الإفريقية تفتقر إلى المرونة والديناميكية المطلوبة. ففي السودان مثلًا، ومع مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب، لم تنجح مبادرات الوساطة الأوروبية سوى في دعم جهود الاتحاد الإفريقي ومجموعة IGAD بشكل غير مباشر، دون القدرة على لعب دور حاسم في الدفع نحو تسوية سياسية مستدامة.
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعلى الرغم من تصاعد الصراع في شرق البلاد، فإن الحضور الأوروبي ظل هامشيًا مقارنة بالمبادرات الإفريقية الميدانية، مثل تلك التي قادتها أنغولا ورواندا في إطار آلية لواندا.
يوُضاف إلى ذلك أنّ عدداً من الشراكات المعلنة في ملفات الاستثمار الأخضر، والتعليم، أو الابتكار الرقمي، لا تزال محصورة في نطاق الاتفاقيات الثنائية أو المشاريع النموذجية الصغيرة، دون تحوّلها إلى برامج إقليمية شاملة. وعلى سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة المشاريع الأوروبية النشطة في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة في إفريقيا 12 مشروعاً وفق بيانات “مبادرة إفريقيا الرقمية” Digital 4 Development Hub – (D4D Hub) حتى الربع الأول من 2025م، ومعظمها في مراحل تجريبية ومركزة في دول الشمال الإفريقي. وهذا يعكس خللاً في توزيع الموارد، وغياب استراتيجية قارية متكاملة ترتبط بحاجات القارة التكنولوجية والتنموية الحقيقية.
إنّ هذه الأمثلة مجتمعة تكشف أنّ فجوة التنفيذ لا تتعلق فقط بالقدرة التمويلية أو التقنية؛ بل بالتصور الاستراتيجي نفسه. فالاتحاد الأوروبي لا يزال ينظر إلى إفريقيا بوصفها “شريكاً تابعاً” أكثر من كونها “شريكًا قياديّاً”، وهو ما يُنتج دورات متكررة من التعهدات دون نتائج. وإذا لم يُتَجاوز هذا النمط، فإنّ الشراكة ستظل مرتهنة للخطاب لا للفعل، وللمناسبات الدبلوماسية لا للتغير الهيكلي الفعلي الذي تتطلبه المرحلة.
التحديات وفرص التحول
إذا كانت السياقات الجيوسياسية تفرض مراجعة جذرية لبنية الشراكة الإفريقية–الأوروبية، وكانت فجوة التنفيذ تكشف حدود هذه العلاقة على المستوى العملي، فإنّ المستقبل يفرض على الطرفين، وخاصة الإفريقي منهما، إعادة صياغة معادلة الشراكة باتجاه ما يمكن تسميته بـ “الشراكة ذات السيادة”.
لا تكتفي هذه الشراكة بخطابات التعاون فقط؛ بل تنطلق من ضرورة الاعتراف الفعلي بالقيادة الإفريقية للمسارات التنموية والسياسية، وتضع في قلبها مسألة التمكين المؤسساتي، واحترام الأولويات المحلية، والانخراط المجتمعي الأوسع في عمليات التخطيط والتنفيذ.
إنّ البيان الختامي للاجتماع الوزاري في بروكسل أشار إلى أهمية “القيادة الإفريقية” و”التمويل المشترك للمبادرات“، كما أعاد تأكيد الالتزام بدعم الاتحاد الإفريقي في وساطاته في نزاعات القارة، خصوصاً السودان، والكونغو، ومنطقة الساحل. لكن التجربة تُظهر أنّ الدعم الأوروبي غالباً ما يأتي مشروطًا، وموجهاً، أو محاطاً بأطر بيروقراطية تعرقل المرونة المطلوبة للعمل الإقليمي. فعلى سبيل المثال، لم تُفعّل بعد الآلية التمويلية الخاصة بدعم بعثات حفظ السلام الإفريقية (ASF) رغم التوافق المبدئي عليها منذ 2018م، وذلك بسبب تباينات بين بروكسل وأديس أبابا حول آليات الرقابة والمساءلة.
ومن جهة ثانية، يُعدّ تمكين الاتحاد الإفريقي على مستوى اتخاذ القرار والتمويل الذاتي أحد التحديات المركزية في أفق بناء شراكة ذات سيادة. فوفق بيانات الاتحاد الإفريقي لعام 2024م، فإنّ ما يقارب 65% من تمويل برامجه التشغيلية لا يزال يعتمد على الشركاء الخارجيين، ما يُقيد استقلالية القرار ويُضعف من مناعته المؤسسية في مواجهة الضغوط السياسية.
وفي المقابل، فإنّ انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين يمثّل فرصة رمزية واستراتيجية يجب استثمارها لإعادة توجيه العلاقات مع الشركاء، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي، على أساس التمثيل المتوازن في منظومة الحكم الاقتصادي العالمي.
أما على الصعيد الداخلي، لا يمكن تصور شراكة ذات سيادة من دون إعادة توزيع مراكز اتخاذ القرار داخل القارة نفسها. فالتجربة تُظهر تركزاً شديداً في بعض العواصم، وتهميشاً واضحاً لأصوات المجتمع المدني، لا سيما فئة الشباب التي تشكل أكثر من 60% من سكان القارة.
ورغم وجود مبادرات مثل “برنامج شباب إفريقيا–أوروبا” (AEP), فإنّ أثرها ظل محدودًا، سواء منْ حيث الاتساع الجغرافي، أو التأثير الفعلي في السياسات. إنّ بناء شراكة حقيقية يمر عبر إشراك منظمات المجتمع المدني، والجامعات، والفاعلين المحليين، والقطاع الخاص الإفريقي، بما يحوّل الشراكة من شأن رسمي إلى دينامية مجتمعية واسعة النطاق.
وفي ظل التحديات العالمية المشتركة، مثل التغير المناخي، والأمن الغذائي، وندرة الموارد، يصبح من الضروري أنْ تُبنى الشراكة الإفريقية–الأوروبية على مفهوم “التضامن التحويلي” (Transformative Solidarity)، أيْ أنْ تكون الأطر التمويلية والتقنية موجّهة لدعم التحول الهيكلي في القارة، وليس فقط إدارة الأزمات.
وقد أشار تقرير اللجنة الاقتصادية لإفريقيا بالأمم المتحدة (ECA, 2024) إلى أنّ إفريقيا تحتاج إلى استثمارات بقيمة 130 مليار دولار سنويّاً لتحقيق أهداف التحول الأخضر، وهي فجوة لا يمكن سدها دون شراكات سيادية متوازنة تستند إلى تبادل المعرفة والملكية المشتركة للمشاريع.
إنّ مستقبل الشراكة الإفريقية–الأوروبية يتوقف على مدى استعداد الطرفين لإحداث قطيعة مع نماذج العلاقات القديمة. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي الحفاظ على موقعه كشريك أول للقارة، فعليه أنْ يتخلى عن منطق التوجيه ويعتمد منطق التمكين، وأن يُعيد تصميم أدواته لتواكب واقع إفريقيا الجديد ،كقارة لا تبحث عن الدعم فقط؛ بل تطالب بالندية، وتعزز سرديتها الاستراتيجية، وتصوغ شروطها في عالم يتغير بوتيرة متسارعة.
شراكة جديدة… بشروط إفريقية
يُظهر الاجتماع الوزاري الثالث بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي أنّ الشراكة بين الجانبين لا تزال أسيرة مفردات مألوفة وبلاغة دبلوماسية لم تُترجم فعليّاً إلى تحولات ملموسة على الأرض. فما يُوصف بـ “تجديد التعاون” ما هو إلا إعادة تدوير لنمط قديم من العلاقات، يراوح مكانه بين وعود التمويل المشروط، ومبادرات تنموية لا تلامس جوهر التحولات الجارية في إفريقيا.
فمن منظور استراتيجي إفريقي، تَبيَّن أنّ الرهان على التفاهمات المؤسساتية مع أوروبا لم يُثمر عن نتائج جوهرية في الملفات الأمنية والتنموية الكبرى، من منطقة الساحل إلى شرق الكونغو، ومن الطاقة المتجددة إلى الرقمنة. وما دامت الإرادة الأوروبية ما تزال تراوح بين الحذر والتردد، فإنّ الشراكة القائمة، بصيغتها الحالية، لم تَعُدْ صالحة إلا كمادة أرشيفية لبيانات الختام.
لكنْ، هذا لا يعني التحول الأعمى نحو بدائل خارجية أخرى؛ فاستبدال أوروبا بروسيا أو الصين، دون بناء قدرة إفريقية داخلية، لن يغير موقع إفريقيا في بنية التبعية العالمية. إنّ الفرق الحقيقي ليس في اسم الشريك؛ بل في من يمتلك القرار، ومن يرسم الأجندة.
ولذلك فإن البديل الجوهري هو البديل الإفريقي الإفريقي الذي يؤسس لتكامل اقتصادي، وتنسيق سياسي، وتحالف أمني مبني على الإرادة السيادية، وليس على التمويل الخارجي أو الإملاءات المتبادلة.
فالاتحاد الأوروبي اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، وهما: إمّا أنْ يعترف بأنّ إفريقيا شريك ندّي متكامل السيادة، ويعيد هندسة أدوات تعاونه بما ينسجم مع هذا الواقع الجديد، أو يظل أسير تصورات ما بعد فترة الاستعمار التي فقدت قدرتها على الإقناع، وانتهى زمن فاعليتها.
وعلى الجانب الإفريقي، لم تَعُدْ هناك رفاهية الانتظار أو التعلق بالوعود؛ فالمطلوب هو بناء عقد جديد نابع من الداخل، لا يطلب اعترافاً من الخارج؛ بل يفرض احترامه من خلال وحدة قراره، وقوة خياراته.
إنّ اللحظة التي نعيشها اليوم لا تحتمل أنصاف المواقف، ولا تسامح مع المقاربات الرمادية. فمن أراد الشراكة الحقيقية، فعليه أنْ يعترف بحدود القوة، وأنْ يبدأ من حيث تنتهي الإملاءات. فالقطيعة مع الوهم، لا القطيعة مع الآخر، هي الخطوة الأولى نحو شراكة تستحق أنْ تُسمى كذلك
مصادر مستفاد منها:
-
African Union Commission. Joint Communiqué: 3rd African Union–European Union Ministerial Meeting, Brussels, 21 May 2025. Addis Ababa: African Union, 2025. https://au.int/en/pressreleases/20250521/joint-communique-3rd-eu-au-ministerial-meeting
-
Council of the European Union. Press Release: EU-AU Ministers Vow to Strengthen Partnership on Peace, Security and Economic Cooperation. Brussels: European Council, May 21, 2025. https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2025/05/21/3rd-eu-au-ministerial-meeting/
-
European External Action Service. Remarks by High Representative Kaja Kallas at the 3rd EU–AU Ministerial Meeting. Brussels: EEAS, 2025. https://www.eeas.europa.eu/eeas/european-union-african-union-press-remarks-high-representative-kaja-kallas-ministerial-meeting_en
-
“EU and African Union Ministers Pledge to Boost Cooperation on Peace, Security and Economy.” Euronews, May 22, 2025. https://www.euronews.com/2025/05/22/eu-au-ministers-vow-to-strengthen-partnership-on-peace-and-security-amid-geopolitical-vola
-
United Nations Economic Commission for Africa (UNECA). Africa Sustainable Development Report 2024: Financing the Green Transition. Addis Ababa: UNECA, 2024. https://www.uneca.org/publications/africa-sustainable-development-report-2024
-
European Commission. European Peace Facility: Support to African-Led Peace Support Operations. Brussels: European Commission, 2024. https://ec.europa.eu/international-partnerships/news/european-peace-facility-support-african-led-peace-support-operations-2024_en
-
Digital4Development (D4D). Mapping Digital Cooperation between the EU and Africa. Brussels: European Commission, Q1 2025. https://digital-strategy.ec.europa.eu/en/policies/digital4development
-
CONCORD Europe. “2025 AU–EU Ministerial Meeting: A Missed Opportunity for Youth and Civil Society Participation.” CONCORD Europe, May 21, 2025. https://concordeurope.org/2025/05/21/2025-au-eu-ministerial-meeting-a-missed-opportunity/
تحليلات المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات (أفروبوليسي)
المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات